الحديث 28_29 من كتاب الأدب المفرد

14_ باب : لا يسب والديه

28 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ يَزْعُمُ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ عِيَاضٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ :

«مِنَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ _تَعَالَى_ أَنْ يَسْتَسِبَّ الرَّجُلُ لِوَالِدِهِ»

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ (ثقة ثبت : ت 227 هـ) :

محمد بن سلام بن الفرج السلمي مولاهم ، أبو عبد الله البيكندى، روى له :  خ

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ (صدوق : ت 193 هـ) :

مخلد بن يزيد القرشي : أبو يحيى، من صغار أتباع التابعين، روى له :  خ م د س ق

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ (ثقة مدلس : 150 هـ) :

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج القرشى الأموى مولاهم ، أبو الوليد المكى، روى له :  خ م د ت س ق

 

قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ (مقبول) :

محمد بن الحارث بن سفيان بن عبد الأسد القرشى المخزومى المكى، روى له :  بخ

 

يَزْعُمُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ عِيَاضٍ أَخْبَرَهُ (ثقة) :

عروة بن عياض بن عمرو بن عبد القاري، من التابعين (أَمِيرُ مَكَّةَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ)، روى له :  بخ م س

 

أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ _رضي الله عنهما_ :

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشي السهمي، أبو محمد (توفي ليالى الحرة بـ الطائف سنة 63 هـ) روى له :  خ م د ت س ق

 

 

تخريج الحديث وشرحه :

 

قال محمد لقمان السلفي _حفظه الله_ في "رش البر شرح الأدب المفرد" (ص ٣٢) (رقم : 28)

فقه الحديث:

1- فيه إثبات انقسام الذنوب إلى الكبائر والصغائر.

2- الواجب على الإنسان الكف عن شتم الناس وشتم آبائهم، لأنه سبب لأن يشتمه الناس، ويشتموا أباه معه بسببه." اهـ

 

مر بنا تخريجه وشرحه بـ(رقم : 27) من كتابما هذا، فلا حاجة لإعادته. والله الموفق.

 

=========================

 

 

28_بَابُ عُقُوبَةِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ

 

29 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

«مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنَ الْبَغِيِّ[1]، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ[2]»[3]

 

ترجمة رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ (ثقة : ت 213)

عبد الله بن يزيد القرشى العدوى المكى ، أبو عبد الرحمن المقرىء القصير (مولى آل عمر بن الخطاب، سكن مكة )، من صغار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (صدوق : 150 هـ تقريبا)

عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفانى الجوشنى ، أبو مالك البصرى ( ابن عم القاسم بن ربيعة بن جوشن )، من كبار أتباع التابعين، روى له :  بخ د ت س ق 

 

عن أبيه (ثقة) :

عبد الرحمن بن جوشن الغطفانى ، البصرى ( والد عيينة بن عبد الرحمن ، و كان صهر أبى بكرة على ابنته )، من الوسطى من التابعين  روى له :  بخ د ت س ق

 

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ _رضي الله عنه_ (51 هـ بالبصرة) :

نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبى سلمة ، أبو بكرة الثقفى، روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث :

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

«مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنَ الْبَغِيِّ[4]، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ[5]»[6]:

 

شرح الحديث :

 

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 669)

978 - " ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابا من

البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع[7]". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (10 / 35)

 

عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»

سنن أبي داود (4/ 274) (رقم : 4895)، سنن ابن ماجه (2/ 1399) (رقم : 4179)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1725) ، الصحيحة (570)

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِمَّا عُصيَ اللهُ بِهِ هُوَ أَعْجَلُ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أُطِيعُ اللهُ فِيهِ أَسْرَعَ ثَوَابًا مِنَ الصلَةِ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ "

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/ 19) (رقم : 1092)، والقُضاعي في مسند الشهاب (2/ 27) (رقم : 815)، و أبو نعيم في "مسند أبي حنيفة" (ص: 243)، البيهقي في شعب الإيمان (6/ 481) (رقم : 4501)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 368) (رقم : 1836)

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا دَكًّا." أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/ 603)، وابن أبي الدنيا في ذم البغي (ص: 54) (رقم : 7) بإسناد حسنٍ.

 

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 24 و 37) (رقم : 29 و 67)، وأبو داود في سننه (4/ 276) (رقم : 4902)، والترمذي في سننه (4/ 664) (رقم : 2511)، وابن ماجه في سننه (2/ 1408) (رقم : 4211)، وابن المبارك في "الزهد والرقائق" (1/ 252) (رقم : 724)، وفي "مسنده" (ص: 9 و 99) (رقم : 15 و 166)، ووكيع بن الجراح في الزهد (ص: 508 و 743) (رقم : 243 و 429)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (2/ 206) (رقم : 921)، وعلي بن الجعد في "مسنده" (ص: 223) (رقم : 1489)، مسند أحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (5/ 36 و 38) (رقم : 20374 و 20380 و 20398)، وهناد بن السري في الزهد (2/ 643)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 70) (رقم : 134)، وابن عرفة في "جزئه" (ص: 58) (رقم : 30)، وابن أبي الدنيا في "ذم البغى" (ص: 45) (رقم : 1)، وفي مكارم الأخلاق (ص: 72) (رقم : 211)،  والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (9/ 128 و 137) (رقم : 3678 و 3693)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (15/ 260) (رقم : 5998 و 5999)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص: 131) (رقم : 266_267)، وابن الأعرابي في "معجمه" (3/ 924) (رقم : 1947)، وابن حبان البُسْتِي في صحيحه (2/ 200 و 201) (رقم : 455 و 456)، وابن المقرئ في "معجمه" (ص: 385) (رقم : 1257)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (2/ 388 و 4/ 179_180) (رقم : 3359 و 7289 و 7290)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/ 375)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 396) (رقم : 21082)، وفي "شعب الإيمان" (9/ 51 و 10/ 337) (رقم : 6243 و 7588 و 7589)، وفي "الآداب" (ص: 9 و 51).

 

والحديث صحيح : صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 588) (رقم : 918)، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 673) (رقم : 2537)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 453) (رقم : 456)

 

وصححه _أيضا_ الأرنؤوط في "تعليقه على سنن أبي داود" (7/ 263) (رقم : 4902)، وفي "تعليقه على سنن ابن ماجه" (5/ 296) (رقم : 4211)،

 

بيان المفردات :

 

 

&        فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 418)

وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء. والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى.

 

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري - (8 / 270)

أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي المتوفى 893 هـ

"وأن الصلة تكون بالزيارة وبالمال، وإرسال السلام والكتاب"

 

مقاييس اللغة (1/ 271)

(بَغَيَ) الْبَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْيَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا طَلَبُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي جِنْسٌ مِنَ الْفَسَادِ.

 

قال الله _تعالى_ : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]

 

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 438)

وَالْبَغْيُ : الظُّلْمُ.

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى: أَنَّ الْبَاغِيَ يَرْجِعُ ضَرَرُ بَغْيِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [10 \ 23] ، وَقَوْلِهِ: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [35 \ 43]

 

زاد المسير في علم التفسير (2/ 579)

فأما (البغي) فقال ابن عباس: هو الظلم، وقد سبق شرحه في مواضع.

 

المفردات في غريب القرآن (ص: 136)

"البَغْي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشيء: إذا طلبت أكثر ما يجب، وابْتَغَيْتُ كذلك، قال الله عزّ وجل: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ [التوبة/ 48] ، وقال تعالى: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة/ 47] .

والبَغْيُ على ضربين:

- أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع.

- والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الحقّ بيّن والباطل بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه»،

ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما، قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي___الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الشورى/ 42] ، فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحق.

وأَبْغَيْتُك: أعنتك على طلبه، وبَغَى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده، وبَغَتِ المرأة بِغَاءً: إذا فجرت، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها.

* قال عزّ وجلّ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور/ 33] ،

* وبَغَتِ السماء: تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه، وبَغَى: تكبّر، وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، ويستعمل ذلك في أي أمر كان.

* قال تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42] ،

* وقال تعالى: (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [يونس/ 23] ، (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) [الحج/ 60] ، إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [القصص/ 76] ،

* وقال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات/ 9] ،

فالبغي في أكثر المواضع مذموم." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

عون الأحد (١/ ٥٤) (رقم : 29) لزيد بن محمد المدخلي :

"اشتمل هذا الحديث على ذكر كبيرتين من كبائر الذنوب؛ عقوبتها عاجلة وآجلة، وهما البغي الذي هو العدوان على الغير، ومن جملة ذلك الاعتداء بالسب والشتم أو الضرب أو الأذي بأي نوع من أنواع الأذى،

وقد نهى الله جل عن البغي لما فيه من الضرر، ونهی عن قطيعة الرحم (أي : أن يأتي بالأسباب التي تكون سببا في القطيعة)، وفي مقدمة الرحم الوالدان،

فإنه لا يجوز للابن ذكرا كان أو أنثى أن يُسِيْءَ إلى والديه بالقول ولا بالفعل، فإن فعل فهو عاقٌّ، والعقوق عقوبته معجلة ومؤجلة؛ لأن الله _عز وجل_ عظَّم شأن بر الوالدين، و قرن طاعتها بطاعته لعظم شأنها، قال الله _عز وجل_ : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]،

وقال سبحانه : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15]... الآية.

وما ذلك إلا لما قدم الوالدان من الجميل والإحسان في أوقات متعاقبة مادام الولد على قيد الحياة، في حالة الحمل بالنسبة للأم وحالة الوضع وحالة الرضاعة والحضانة، وهكذا متاعبها متتابعة،

وهكذا الأب يقوم بكفالة الأبناء ويسعى في مصالحهم، فلا يجوز للأبناء أن يصدر منهم العقوق، لا بالقول ولا بالفعل، بل يجب أن يقدموا البر بالكلمة الطيبة، وبالخدمة المفيدة للوالدين، وقضاء الحاجة، وتفقُّدِ الأحوال،

وهكذا بقية الأرحام من الإخوة والأخوات، والأعمام، والأخوال، والعمات والحالات،

وكل من يَمُتُّ إليهم الشخص بصلة، يعتبرون من ذوي الأرحام،

ينبغي أن يحسن إلى الجميع إحسانا بالقول وبالفعل وبالصلة وبالتعليم إن كان من ذوي العلم، فیکون بارَّا بوالدَيْهِ وبارًّا بِرَحِمِهِ وسَلِيْمًا من العقوق والقطيعة." اهـ

 

قلت : قال الله _تعالى_ في تمام تلك الآية : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]

 

شرح مشكل الآثار (15/ 262) :

"قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ قَائِلٌ: أَفَتَكُونُ الْعُقُوبَةُ عَلَى الْبَغْيِ، وَالْعُقُوبَةُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ أَسْرَعُ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْكُفْرِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ؟

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يُرَدْ بِهِ مَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَشَدُّ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْكُفْرِ، وَلَا عُقُوبَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ التَّوْبَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ،

وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِمَا فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ عُقُوبَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُ الْبَغْيُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ مِنْ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا بِذَلِكَ، وَكَانَ مَا تُوُعِّدَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً عَلَى بَغْيِهِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ الَّتِي أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِصِلَتِهَا. وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكُفْرِ، فَأَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 134) :

"فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصِلَ رَحِمَهُ...وَيُقَالُ : ثَلَاثَةٌ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي الْكَرِيمِ : الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ، وَالْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَالْبَذْلُ لِمَنْ حَرَمَهُ." اهـ

 

فيض القدير (5/ 478)

البغي من الكبر وقطيعة الرحم من الاقتطاع من الرحمة.

والرحم القرابة ولو غير محرم بنحو إيذاء أو صد أن هجر فإنه كبير كما يفيده هذا الوعيد الشديد أما قطيعتها بترك الإحسان فليس بكبير.

قال الْحَلِيْمِيُّ : بَيَّنَ بهذا الخبر أن الدعاء بما فيه إثم غير جائز لأنه جرأة على الله ويدخل فيه ما لو دعا بشر على من لا يستحقه أو على نحو بهيمة،

وقال في الإنحاف : "فيه : تنبيه على أن البلاء بسبب القطيعة في الدنيا لا يدفع بلاء الآخرة ولو لم يكن إلا حرمان مرتبة الواصلين." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 465) للأمير الصنعاني :

"فهما أسرع الذنوب عقوبة في الدنيا وعقوبة الآخرة على أصلها،

وفيه : عظمة شأن البغي وقطيعة الرحم، فكل واحدة كبيرة من أمهات الكبائر، فكيف إذا اجتمعتا كما يقع ذلك كثيراً لملوك الدنيا فلا أكثر من اجتماع البغي فيهم وقطيعة الرحم ولذا قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22][8]

 

التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 357)

"والحديث ترغيب في البر وصلة الرحم وترهيب من البغي وقطيعة الرحم." اهـ

 

السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (4/ 214) للعزيزي :

"قال العلقمي : ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة." اهـ

 

شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/ 343)

"قال الإمام النووي _رحمه الله_ : "لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية.

والصلة درجات، بعضُها أرفعُ من بعضٍ، وأدناها : صلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. اهـ.

 

الزهد لوكيع (ص: 501)

بَابُ مُحَاسَبَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَالْإِنْصَافِ مِنْ نَفْسِهِ

 

الآداب للبيهقي (ص: 7) :

"بَابٌ : فِي صِلَةِ الرَّحِمِ

وَالرَّحِمُ : الْقَرَابَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ وَصَلَ الرَّحِمَ: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} [الرعد: 21][ص:8]،

وَقَالَ فِيمَنْ قَطَعَ الرَّحِمَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23]." اهـ

 

قلت : قال الطبري في جامع البيان ت شاكر (22/ 177) عن الآية الثانية الواردة في كلام البيهقي :

"(فَهَلْ عَسَيْتُمْ) أيها القوم، يقول: فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله جلّ ثناؤه، وفارقتم أحكام كتابه، وأدبرتم عن محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعما جاءكم به (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ) يقول: أن تعصوا الله في الأرض، فتكفروا به، وتسفكوا فيها الدماء (وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام، وألَّف به بين قلوبكم." اهـ

 

الآداب للبيهقي (ص: 49) :

"بَابُ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ بِالسَّبِّ وَالتَّعْيِيرِ وَالْبَغْيِ." اهـ

 

رش البر شرح الأدب المفرد (ص ٣٢) (رقم : 29)

"فقه الحديث :

١- إثبات تعجيل العقوبة للباغين والقاطعين صلة الرحم في الدنيا وتأجيلها في الآخرة .

۲- تحريم الخروج عن طاعة الإمام .

۳- صلة الرحم واجبة ، وقطيعتها معصية كبيرة .

 



[1] وفي عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 167) : "(مِثْلُ الْبَغْيِ) أَيْ بَغْيِ الْبَاغِي وَهُوَ الظُّلْمُ أَوِ الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوِ الْكِبْرُ." اهـ، وهو من كلام علي بن سلطان القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3091).

[2] وفي سبل السلام (2/ 628)

وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي (حَدِّ الرَّحِمِ) الَّتِي تَجِبُ صِلَتُهَا فَقِيلَ: هِيَ الرَّحِمُ الَّتِي يَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ عَلَى الْآخَرِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ. وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا فِي النِّكَاحِ لِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ التَّقَاطُعِ. وَقِيلَ هُوَ مَنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِمِيرَاثٍ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ثُمَّ أَدْنَاك أَدْنَاك " وَقِيلَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ قَرَابَةٌ سَوَاءٌ كَانَ يَرِثُهُ أَوْ لَا.

ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ وَصِلَتُهَا بِالْكَلَامِ____وَلَوْ بِالسَّلَامِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْقُدْرَةِ وَالْحَاجَةِ فَمِنْهَا وَاجِبٌ وَمِنْهَا مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ وَصَلَ بَعْضَ الصِّلَةِ وَلَمْ يَصِلْ غَايَتَهَا لَمْ يُسَمَّ قَاطِعًا وَلَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ: لَمْ يُسَمَّ وَاصِلًا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ الرَّحِمُ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَالْعَامَّةُ رَحِمُ الدِّينِ، وَتَجِبُ صِلَتُهَا بِالتَّوَادُدِ وَالتَّنَاصُحِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ. وَالرَّحِمُ الْخَاصَّةُ تَزِيدُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَتَفَقُّدِ حَالِهِ وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّتِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْمَعْنَى الْجَامِعُ إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ وَدَفْنُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْفُسَّاقُ فَتَجِبُ الْمُقَاطَعَةُ لَهُمْ إذَا لَمْ تَنْفَعْ الْمَوْعِظَةُ." اهـ

وقال في سبل السلام (2/ 629)

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْصُلُ الْقَطِيعَةُ لِلرَّحِمِ فَقَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: تَكُونُ بِالْإِسَاءَةِ إلَى الرَّحِمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَكُونُ بِتَرْكِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ نَاهِيَةٌ عَنْ الْقَطِيعَةِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَالصِّلَةُ نَوْعٌ مِنْ الْإِحْسَانِ كَمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْقَطِيعَةُ ضِدُّهَا وَهِيَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :

«لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»

فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الصِّلَةَ إنَّمَا هِيَ مَا كَانَ لِلْقَاطِعِ صِلَةُ رَحِمِهِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ قَطَعَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِهِ: الْمُرَادُ الْكَامِلَةُ فِي الصِّلَةِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْنَاهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْوَاصِلِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِصِلَتِهِ مَنْ يُكَافِئُ صَاحِبَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ وَلَكِنَّهُ مَنْ يَتَفَضَّلُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَلُومُ مِنْ نَفْيِ الْوَصْلِ ثُبُوتُ الْقَطْعِ فَهُمْ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ وَاصِلٌ وَمُكَافِئٌ وَقَاطِعٌ، فَالْوَاصِلُ هُوَ الَّذِي يَتَفَضَّلُ وَلَا يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ، وَالْمُكَافِئُ هُوَ الَّذِي لَا يَزِيدُ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ، وَالْقَاطِعُ الَّذِي لَا يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّلُ قَالَ الشَّارِحُ: وَبِالْأَوْلَى مَنْ يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّلُ أَنَّهُ قَاطِعٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا تَقَعُ الْمُكَافَأَةُ بِالصِّلَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَلِكَ تَقَعُ بِالْمُقَاطَعَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَمَنْ بَدَأَ فَهُوَ الْقَاطِعُ فَإِنْ جُوزِيَ سُمِّيَ مَنْ جَازَاهُ مُكَافِئًا." اهـ

[3] وفي لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 221) عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي «المولود بدهلي في الهند سنة (958 هـ) والمتوفى بها سنة (1052 هـ) رحمه اللَّه تعالى» : "قوله : (من البغي وقطيعة الرحم) لما فيهما من إيذاء الخلق وتضييع حقهم أفحش من غيرهما من الذنوب، وفي قوله: (أحرى) إشارة إلى استحقاق أهلهما هذا الجزاء عقلًا." اهـ

[4] وفي عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 167) : "(مِثْلُ الْبَغْيِ) أَيْ بَغْيِ الْبَاغِي وَهُوَ الظُّلْمُ أَوِ الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوِ الْكِبْرُ." اهـ، وهو من كلام علي بن سلطان القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3091).

[5] وفي سبل السلام (2/ 628)

وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي (حَدِّ الرَّحِمِ) الَّتِي تَجِبُ صِلَتُهَا فَقِيلَ: هِيَ الرَّحِمُ الَّتِي يَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ عَلَى الْآخَرِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ. وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا فِي النِّكَاحِ لِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ التَّقَاطُعِ. وَقِيلَ هُوَ مَنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِمِيرَاثٍ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ثُمَّ أَدْنَاك أَدْنَاك " وَقِيلَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ قَرَابَةٌ سَوَاءٌ كَانَ يَرِثُهُ أَوْ لَا.

ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ وَصِلَتُهَا بِالْكَلَامِ____وَلَوْ بِالسَّلَامِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْقُدْرَةِ وَالْحَاجَةِ فَمِنْهَا وَاجِبٌ وَمِنْهَا مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ وَصَلَ بَعْضَ الصِّلَةِ وَلَمْ يَصِلْ غَايَتَهَا لَمْ يُسَمَّ قَاطِعًا وَلَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ: لَمْ يُسَمَّ وَاصِلًا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ الرَّحِمُ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَالْعَامَّةُ رَحِمُ الدِّينِ، وَتَجِبُ صِلَتُهَا بِالتَّوَادُدِ وَالتَّنَاصُحِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ. وَالرَّحِمُ الْخَاصَّةُ تَزِيدُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَتَفَقُّدِ حَالِهِ وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّتِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْمَعْنَى الْجَامِعُ إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ وَدَفْنُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْفُسَّاقُ فَتَجِبُ الْمُقَاطَعَةُ لَهُمْ إذَا لَمْ تَنْفَعْ الْمَوْعِظَةُ." اهـ

وقال في سبل السلام (2/ 629)

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْصُلُ الْقَطِيعَةُ لِلرَّحِمِ فَقَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: تَكُونُ بِالْإِسَاءَةِ إلَى الرَّحِمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَكُونُ بِتَرْكِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ نَاهِيَةٌ عَنْ الْقَطِيعَةِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَالصِّلَةُ نَوْعٌ مِنْ الْإِحْسَانِ كَمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْقَطِيعَةُ ضِدُّهَا وَهِيَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :

«لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»

فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الصِّلَةَ إنَّمَا هِيَ مَا كَانَ لِلْقَاطِعِ صِلَةُ رَحِمِهِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ قَطَعَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِهِ: الْمُرَادُ الْكَامِلَةُ فِي الصِّلَةِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْنَاهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْوَاصِلِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِصِلَتِهِ مَنْ يُكَافِئُ صَاحِبَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ وَلَكِنَّهُ مَنْ يَتَفَضَّلُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَلُومُ مِنْ نَفْيِ الْوَصْلِ ثُبُوتُ الْقَطْعِ فَهُمْ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ وَاصِلٌ وَمُكَافِئٌ وَقَاطِعٌ، فَالْوَاصِلُ هُوَ الَّذِي يَتَفَضَّلُ وَلَا يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ، وَالْمُكَافِئُ هُوَ الَّذِي لَا يَزِيدُ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ، وَالْقَاطِعُ الَّذِي لَا يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّلُ قَالَ الشَّارِحُ: وَبِالْأَوْلَى مَنْ يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّلُ أَنَّهُ قَاطِعٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا تَقَعُ الْمُكَافَأَةُ بِالصِّلَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَلِكَ تَقَعُ بِالْمُقَاطَعَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَمَنْ بَدَأَ فَهُوَ الْقَاطِعُ فَإِنْ جُوزِيَ سُمِّيَ مَنْ جَازَاهُ مُكَافِئًا." اهـ

[6] وفي لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 221) عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي «المولود بدهلي في الهند سنة (958 هـ) والمتوفى بها سنة (1052 هـ) رحمه اللَّه تعالى» : "قوله : (من البغي وقطيعة الرحم) لما فيهما من إيذاء الخلق وتضييع حقهم أفحش من غيرهما من الذنوب، وفي قوله: (أحرى) إشارة إلى استحقاق أهلهما هذا الجزاء عقلًا." اهـ

[7] وفي التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 241) : "(بلاقع) جمع بزنة مساجد جمع بلقع وهي القفر التي لا شيء فيها بيان لعقوبة اليمين العاجلة ولعله يبقي من عقوبتها في الآخرة زيادة على ما وقع في الدنيا إن لم يتب." اهـ

[8] وفي تفسير الجلالين (ص: 676) :

"{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغِيبَة إلَى الْخِطَاب أَيْ لَعَلَّكُمْ {إنْ تَوَلَّيْتُمْ} أَعْرَضْتُمْ عَنْ الْإِيمَان {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ} أَيْ تَعُودُوا إلَى أَمْر الْجَاهِلِيَّة مِنْ الْبَغْي وَالْقِتَال." اهـ

وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 318) :

"وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ عُمُومًا، وَعَنْ قَطْعِ الْأَرْحَامِ خُصُوصًا، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِصْلَاحِ فِي الْأَرْضِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ فِي الْمَقَالِ وَالْأَفْعَالِ وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ. وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ وَالْحِسَانُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ، وَوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ." اهـ 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين