الحديث الخامس والعشرين من كتاب الأدب المفرد بشرح الأستاذ أبي فائزة البوجيسي -حفظه الله-

 

25 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً[1]، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[2]، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8][3]."

 

رواة الحديث :


حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ (ثقة حافظ فقيه) :

أبو بكر : عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة بن عبد الله بن حميد بن زهير القرشى الأسدى الحميدى المكى، (ت :  219 هـ بـ مكة) : خ م د ت س فق  (ابن ماجه في التفسير )

 

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ (ثقة حافظ فقيه إمام حجة) :

أبو محمد : سفيان بن عيينة بن أبى عمران : ميمون الهلالى ، الكوفى ، المكى ، مولى محمد بن مزاحم، من الوسطى من أتباع التابعين، (ت :  198 هـ بـ مكة) : خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ (ثقة فقيه) :

أبو المنذر : هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشى الأسدى المدنى، من صغار التابعين، (ت : 145 هـ) : خ م د ت س ق 

 

قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ (ثقة) :

أبو عبد الله : عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشى الأسدى المدنى، من الوسطى من التابعين، (ت :  94 هـ على الصحيح) : خ م د ت س ق 

 

أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ :

أسماء بنت أبى بكر الصديق (زوج الزبير بن العوام، وشقيقة عبد الله بن أبى بكر، من كبار الصحابة)، توفي : 73 هـ بـ مكة :  خ م د ت س ق 

فهي من السابقات إلى الإسلام، وكانت تسمّى ذات النطاقين؛ لما شقّت نطاقها نصفين، فربطت بأحدهما زادَ النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ وأبيها، حين هاجرا، والقصّة مشهورة.

 

نص الحديث :

 

أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصِلُهَا؟

قَالَ : «نَعَمْ»،

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8]

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 448)

وَاسم أمهَا : قتيلة بنت عبد الْعُزَّى، تزَوجهَا أَبُو بكر، فَجَاءَت بِعَبْد الله وَأَسْمَاء، وَطَلقهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقدمت الْمَدِينَة فِي زمن الْهُدْنَة حِين كتبُوا الْعَهْد على وضع الْحَرْب، وَجَاءَت مَعهَا بِهَدَايَا من زَيْت وَسمن وَغَيره، فَأَبت أَسمَاء أَن تدْخلهَا بَيتهَا أَو تقبل هديتها حَتَّى أذن لَهَا رَسُول الله فِي ذَلِك.

 

شرح النووي على مسلم (7/ 89)

وَأُمُّ أَسْمَاءَ اسْمُهَا (قَيْلَةُ)، وَقِيلَ : (قَتِيلَةُ) بِالْقَافِ وَتَاءِ مُثَنَّاةٍ من فوق، وهي قَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا أَسْلَمَتْ أَمْ مَاتَتْ عَلَى كفرها والأكثرون على موتها مشركة

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 523)

وأمها المذكورة قتلة بنت عبد العزى العامرية القرشية، ويقال: قتيلة - مصغرة - وكلاهما بتاء باثنتين فوقها

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 23) (رقم : 25)، وفي صحيحه (3/ 164 و 4/ 103 و 8/ 4) (رقم : 2620 و 3183 و 5978 و 5979)، ومسلم في صحيحه (2/ 696) (رقم : 1003)، وأبو داود في سننه (2/ 127) (رقم : 1668)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (3/ 212) (رقم : 1748)، وعبد الرزاق الصنعاني في المصنف (6/ 38 و 10/ 353) (رقم : 9932 و 19340)، والحميدي في مسنده (1/ 321) (رقم : 320)، وسعيد بن منصور الخراساني في سننه (2/ 379) (رقم : 2917)، وأبو الجهم الباهلي في "جُزْئِه" (ص: 49) (رقم : 79)، إسحاق بن راهويه الحنظلي في مسنده (2/ 297 و 5/ 133) (رقم : 818 و 2247)، والحسين بن حرب المروزي في البر والصلة (ص: 68) (رقم : 129)، والشافعي في السنن المأثورة (ص: 386) (رقم : 529)، وأحمد في مسنده - عالم الكتب (6/ 344 و 6/347) (رقم : 26913 و 26939_26940)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (ص: 104) (رقم : 278 و 279)، وابن حبان البستي في صحيحه (2/ 197) (رقم : 452)، والطبراني في المعجم الكبير (24/ 78) (رقم : 203)، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (6/ 3254) (رقم : 7500)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 321 و 9/ 218) (رقم : 7843_7844 و 18331)، وفي شعب الإيمان (10/ 315) (رقم : 7555)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 213) (رقم : 8514_8515)، شرح السنة للبغوي (13/ 13) (رقم : 3425)

 

والحديث صحيح : صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 657) (رقم : 2500)

 

شرح الحديث :

 

قال الله _عز وجل_ :

 

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 8، 9]

 

وفي تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 857) :

أي : لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]." اهـ

 

وفي زاد المسير في علم التفسير (4/ 269) لابن الجوزي :

"قوله _عزّ وجلّ_ : «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ»

اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال :___

أحدها : أنها في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العُزىَّ، قَدِمَت عليها المدينة بهدايا، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها، وتقبل هديتها، وتكرمها، وتحسن إليها، (قاله عبد الله بن الزبير).

والثاني : أنها نزلت في خزاعة وبني مدلج، وكانوا صالحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه، ولا يعينوا عليه أحداً، (قاله ابن عباس).

وروي عن الحسن البصري أنها نزلت في خزاعة، وبني الحارث بن عبد مناف، وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد، فداموا على الوفاء به.

والثالث: نزلت في قوم من بني هاشم منهم العباس، (قاله عطيّة العوفيّ ومرّة الهمدانيّ).

والرابع: أنها عامة في جميع الكفار، وهي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، (قاله قتادة).

والخامس : نزلت في النساء والصبيان، (حكاه الزجاج).

قال المفسرون : وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجوازِ برّهم، وإن كانت الموالاة منقطعة." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 448)

فَأَما قَوْله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ} قَالَ ابْن الزبير نزلت فِي أَسمَاء بنت أبي بكر، قدمت عَلَيْهَا أمهَا قتيلة بنت عبد الْعُزَّى الْمَدِينَة بِهَدَايَا، فَلم تقبل هَدَايَاهَا وَلم تدْخلهَا منزلهَا، فَسَأَلت عَائِشَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزلت هَذِه الْآيَة، فَأمرهَا رَسُول الله أَن تدْخلهَا منزلهَا وَتقبل هديتها، وتحسن إِلَيْهَا.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِه الْآيَة رخصَة فِي صلَة الَّذين لم ينصبوا الْحَرْب للْمُسلمين، وجوائزهم وَإِن كَانَت الْمُوَالَاة مُنْقَطِعَة.

وَقَوله: {وَلم يخرجوكم من دِيَاركُمْ} يَعْنِي مَكَّة {أَن تبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم} أَي تعاملوهم بِالْعَدْلِ فِيمَا بَيْنكُم وَبينهمْ.

وَقَوله: {وظاهروا على إخراجكم} أَي عاونوا على ذَلِك {أَن تولوهم} إِنَّمَا يَنْهَاكُم عَن أَن توَلّوا هَؤُلَاءِ." اهـ

 

قلت : قال الله _عز وجل_ : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 8، 9]

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 234)

* وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ أَنَّ الرَّحِمَ الْكَافِرَةَ تُوصَلُ مِنَ الْمَالِ وَنَحْوِهِ كَمَا تُوصَلُ الْمُسْلِمَةُ،

* وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَبِ الْكَافِرِ وَالْأُمِّ الْكَافِرَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا اهـ

* وَفِيهِ : مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمُعَامَلَتُهُمْ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ،

* وَالسَّفَرُ فِي زِيَارَةِ الْقَرِيبِ،

* وَتَحَرِّي أَسْمَاءَ فِي أَمْرِ دِينِهَا وَكَيْفَ لَا وَهِيَ بِنْتُ الصِّدِّيقِ وَزَوْجُ الزُّبَيْرِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 174)

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ :

* جَوَاز صلَة الرَّحِم الْكَافِرَة كالرحم الْمسلمَة.

* وَفِيه: مستدل لمن رأى وجوب النَّفَقَة للْأَب الْكَافِر، وَالأُم الْكَافِرَة على الْوَلَد الْمُسلم.

* وَفِيه: موادعة أهل الْحَرْب ومعاملتهم فِي زمن الْهُدْنَة.

* وَفِيه : السّفر فِي زِيَارَة الْقَرِيب.

وَفِيه : فَضِيلَة أَسمَاء حَيْثُ تحرت فِي أَمر دينهَا، وَكَيف لَا وَهِي بنت الصّديق وَزوج الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم." اهـ

 

أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (2/ 1287)

وفيه : أن الرحم الكافرة توصل ببر المال ونحوه كالرحم المسلمة.

وفيه : مستدل لمن رأى وجوب نفقة الأب الكافر، والأم الكافرة على الولد المسلم.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 227) :

"في الحديث : جواز صلة القريب المشرك، ويشهد لذلك قوله تعالى : {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان (15) ] .

 

معالم السنن (2/ 76_77) للخطابي :

وإنما أمر بصلتها لأجل الرحم. فأما دفع الصدقة الواجبة إليها فلا يجوز وإنما هي حق للمسلمين لا يجوز صرفها إلى غيرهم ولو كانت أمها مسلمة لم يكن أيضاً يجوز لها إعطاؤها الصدقة فإن خلَّتها مسدودة بوجوب النفقة لها على ولدها إلاّ أن تكون غارمة فتعطى من سهم الغارمين. فأما من سهم الفقراء والمساكين فلا وكذلك إذا___كان الوالد غازيا جاز للولد أن يدفع إليه من سهم السبيل." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (3/ 193)

ففي هذا دليل على أن الإنسان يصل أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام؛ لأن لهم حق القرابة، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة لقمان: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) [لقمان: 15] ، يعني إن أمرك والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله فلا تطعهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً، أي أعطهم من الدنيا ما يجب لهم من الصلة، ولو كانا كافرين أو فاسقين؛ لأن لهما حق القرابة.

وهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الآية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها أن تصل أمها مع أنها كافرة.

ثم إن صلة الأقارب بالصدقة يحصل بها أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة، ودليل ذلك حديث زينب بنت مسعود الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالصدقة، فرجعت إلى بيتها وكان زوجها عبد الله بن مسعود خفيف ذات اليد يعني أنه ليس عنده مال." اهـ

 

قال الله جل وعلا : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } [العنكبوت: 8]

 

وقال : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 306)

في فوائده:

1 - (منها): بيان جواز صلة القريب المشرك، قال الخطابيّ رحمه الله: فيه أن الزَحِمَ الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة.

2 - (ومنها): أن فيه مستدلًّا لمن رأى وجوب النفقة للأب الكافر، والأم الكافرة على الولد المسلم، ويؤيّده قوله عز وجل: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} الآية [لقمان: 15].

3 - (ومنها): بيان جواز موادعة أهل الحرب، ومعاملتهم في زمن الهدنة والسفر في زيارة القريب.

4 - (ومنها): بيان فضل أسماء -رضي الله عنها- حيث تحرّت في أمر دينها، وكيف لا وهي بنت الصديق، وزوج الزبير -رضي الله عنهم-، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

===========================

 

26 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، فَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ، قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا» ، فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ

 

شرح الحديث :

 

وفي صحيح البخاري (2/ 4) (رقم : 886)، ومسلم في صحيحه (3/ 1638) (رقم : 2068) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ»،

ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟[4] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا» فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا مُوسَى (ثقة ثبت) :

موسى بن إسماعيل المنقرى ، مولاهم ، أبو سلمة التبوذكى البصرى ( مشهور بكنيته و باسمه )، من صغار أتباع التابعين، (ت : 223 هـ بـ البصرة) : خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ (ثقة عابد ربما وهم) :

عبد العزيز بن مسلم القسملي مولاهم ، أبو زيد المروزى البصرى ( أخو المغيرة بن مسلم السراج ، سكن البصرة )، من كبار أتباع التابعين (ت : 167 هـ) : خ م د ت س 

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ (ثقة):

عبد الله بن دينار القرشى العدوى مولاهم ، أبو عبد الرحمن المدنى ، مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، طبقة تلى الوسطى من التابعين، (ت : 127 هـ) : خ م د ت س ق 

 

قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ :

عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى ، أبو عبد الرحمن المكى المدنى (ت :  73) : خ م د ت س ق

 

نص الحديث :

 

يَقُولُ :

رَأَى عُمَرُ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ حُلَّةً[5] سِيَرَاءَ[6] تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، فَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ، قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ»،

فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، فَقَالَ : "كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟" قَالَ : «إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا» ،

فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ[7] مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ."

 

تخريج الحديث :

أخرجه (البخاريّ) في الأدب المفرد (ص: 23، 39، 128) (رقم : 26 و 71 و 349)،

وكذلك أخرجه في عدة مواطن من صحيحه : في "الجمعة" (886) و"العيدين" (948) و"الهبة" (2619) و"اللباس" (5841) و"الأدب" (5981)، و(مسلم) [1/ 5390 و 5391 و 5392 و 5393 و 5394 و5395] (2068)، و(أبو داود) في "اللباس" (4040)، و (النسائيّ) في "الجمعة" (3/ 96) (رقم : 1382) و"الزينة" (8/ 196) (رقم : 5295) وفي "السنن الكبرى" (1/ 523 و 5/ 462 و 463)، و (ابن ماجه) في "اللباس" (3591)، و(ما لك) في "الموطّأ" (2/ 917) (رقم : 18)، و (الشافعيّ) في "مسنده" (1/ 62)، و(عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (19929)، و (الطيالسيّ) في "مسنده" (1937)، و(ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (5/ 152)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 20 و 24 و39 و 51 و 68 و 82 و 146)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (5113 و 5439)، و(الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار" (4/ 244 و 4252)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (5/ 224 و 225) (8488 و 8489 و 8490 و 8492 و 8494)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (10/ 187) (رقم : 5814)، و (البزّار) في "مسنده" = البحر الزخار (1/ 252) (رقم : 144) ، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (2/ 422 و 9/ 129)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (3099)، والله تعالى أعلم.

 

من فوائد الحديث :

 

وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (34/ 560_564) للإثيوبي :

"(المسألة الثالثة): في فوائده :

1 - (منها): بيان استحباب حسن الهيئة للجمعة، والعيدين، ونحوهما بلبس الملابس الحسنة، لكونه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ عمر - رضي الله عنه - على ذلك، وإنما أنكر عليه استعمال السيراء، وما في معناه، وفي سنن أبي داود، وابن ماجه، عن عبد الله بن سلَام - رضي الله عنه - مرفوعاً: "ما على أحدكم، لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبي مِهْنَته" وتقدم أن في رواية سالم، عن أبيه: "للعيد" بدل

"للجمعة"، وفي رواية ابن إسحاق، عن نافع: "فتجملت بها لوفود العرب إذا أتوك، وإذا خطبت الناس في يوم عيد، وغيره".

فأخذ العلماء من هذا استحباب التجمل في سائر مجامع الخير، إلا ما ينبغي فيه إظهار التمسكن، والتواضع، والخوف؛ كالاستسقاء، والكسوف.___أفاده ولي الدين -رَحِمَهُ اللهُ- ["طرح التثريب في شرح التقريب" 3/ 226].

2 - (ومنها): عَرض المفضول على الفاضل، والتابع على المتبوع ما يَحتاج إليه من مصالحه مما يظنّ أنه لم يطّلع عليه.

3 - (ومنها): أن فيه إباحة الطعن لمن يستحقّه.

4 - (ومنها): جواز البيع والشراء على أبواب المساجد.

5 - (ومنها): مباشرة الصالحين، والفُضلاء البيع والشراء.

6 - (ومنها): أن الجمعة يُلبس فيها من أحسن الثياب، وكذلك يُتَجَمَّل بالثياب الحسان في الأعياد؛ لأن الجمعة عيد، ويُتَجَمَّل بها أيضاً على وجه الترهيب للعدوّ، والتغليظ عليهم، قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ولا أعلم بين العلماء اختلافاً في استحباب التجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة لمن قَدَر. انتهى ["التمهيد" لابن عبد البرّ 14/ 262].

7 - (ومنها)؛ أن الإنسان يجوز له أن يملك ما لا يجوز له أن يلبس، وفيه إباحة الطعن عليه ["التمهيد" لابن عبد البرّ 14/ 262].

8 - (ومنها): جواز قبول الخليفة للهدايا من قِبَل الروم، وغيرهم، من الكفرة.

9 - (ومنها): أن فيه بيان بعض ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السخاء، وصلة الإخوان بالعطاء.

10 - (ومنها): أنه جائز أن يعطي الرجل ما لا يجوز له لباسه، إذا جاز له مُلكه، والتصرف فيه.

11 - (ومنها): جواز صلة القريب المشرك ذميّاً كان، أو حربيّاً؛ لأن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك، وكانت قبل ذلك حرباً،

قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- : ولم يَختلف العلماء في الصدقة التطوع أنها جائزة من المسلم على المشرك قريباً كان، أو غيره، والقريب أولى ممن سواه، والحسنة فيه أتمّ، وأفضل،

وإنما اختلفوا في كفارة الأيمان، وزكاة الفطر، فجمهور العلماء على أنها لا تجوز لغير المسلمين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأردّها___على فقرائكم»،

وكذلك كل ما يجب أن يؤخذ منهم، فواجب أن يُرَدّ على فقرائهم،

وأجمعوا أن الزكاة المفروضة لا تحل لغير المسلمين، فسائر ما يجب أداؤه عليهم من زكاة الفطر، وكفارة الأيمان، والظهار فقياس على الزكاة عندنا، وأما التطوع بالصدقة فجائز على أهل الكفر من القرابات وغيرهم، لا أعلم في ذلك خلافاً، والله أعلم. انتهى.

قال: روى الثوريّ، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : «كانوا يكرهون أن يَرْضَخُوا لأنسابهم من أجل الكفر، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272].

ثم أخرج بسنده عن عكرمة :

أن صفية زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالت لأخ لها يهوديّ: أسلم ترثني، فسمع ذلك قومه، فقالوا: أتبيع دينك بالدنيا؟ فأبى أن يُسلم، فأوصت له بالثلث.

ثم أخرج عن فاطمة ابنة المنذر، عن جدّتها أسماء بنت أبي بكر، قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: أتتني أمي، وهي راغبة، فأعطيها؟ قال: "نعم، فَصِلِيها" ["التمهيد" لابن عبد البرّ 14/ 264].

وذكر في "الفتح" تعقّباً على قول ابن عبد البرّ : فيه جواز الهديّة للكافر، ولو كان حربياً.

فقال: وتُعُقّب بأن عُطارداً إنما وَفَد سنة تسع، ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك.

وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة عطارد سنة تسع أن تكون قصة الحلّة كانت حينئذ، بل جاز أن تكون قبل ذلك، وما زال المشركون يَقْدَمون المدينة، ويُعاملون المسلمين بالبيع وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود،

فيَحْتَمِل أن يكون في المدّة التي كانت بين الفتح، وحجّ أبي بكر - رضي الله عنه -، فإنّ مَنْع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر - رضي الله عنه - سنة تسع، ففيها وقع النهي___أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. انتهى ["الفتح" 13/ 329، كتاب "اللباس" رقم (5841)].

12 - (ومنها): ما قاله ابن بطال: فيه تَرْك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لباس الحرير، زُهداً في الدنيا، وإرادة تأخير الطيبات إلى الآخرة التي لا انقضاء لها؛ إذ تعجيل الطيبات في الدنيا ليس من الحزم، فزَهِد في الدنيا للآخرة، وأمَر بذلك، ونَهَى عن كل سَرَف وحرّمه ["شرح البخاريّ" لابن بطال -رَحِمَهُ اللهُ- 9/ 110 - 111].

وتَعَقّبه ابن الْمُنَيِّر بأن تركه - صلى الله عليه وسلم - لبس الحرير إنما هو لاجتناب المعصية، وأما الزهد فإنما هو في خالص الحلال، وما لا عقوبة فيه، فالتقلل منه، وتركه مع الإمكان هو الذي تتفاضل فيه درجات الزهاد.

قال الحافظ: ولعل مراد ابن بطال بيان سبب التحريم، فيستقيم ما قاله. انتهى ["الفتح" 13/ 329، كتاب "اللباس" رقم (5841)].

13 - (ومنها): تحريم الحرير على الرجال مطلقاً، وفيه تفاصيل للعلماء، وقد تقدّم بيانه، وبالله تعالى التوفيق.

14 - (ومنها): جواز لبس الحرير للنساء، سواء كان الثوب حريراً كلّه أو بعضه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو شقِّقها خُمُراً بين نسائك". [م (2071)]

15 - (ومنها): جواز بيع الرجال ثياب الحرير، وتصرّفهم فيها بالهبة والهديّة، لا اللبس.

16 - (ومنها): أنه استَدَلّ به من قال: إن الكافر ليس مخاطباً بالفروع؛ لأن عمر - رضي الله عنه - لَمّا مُنع من لبس الحلة أهداها لأخيه المشرك، ولم يُنكر - صلى الله عليه وسلم - عليه ذلك.

وتُعُقّب بأنه لم يامر أخاه بلبسها، فيَحْتَمِل أن يكون وقع الحكم في حقّه كما وقع في حق عمر - رضي الله عنه -، فينتفع بها بالبيع، أو كسوة النساء، ولا يلبس هو.

وأجيب بأن المسلم عنده من الوازع الشرعيّ ما يحمله بعد العلم بالنهي على الكفّ، بخلاف الكافر، فإنّ كُفْره يحمله على عدم الكفّ عن تعاطي___المحرّم، فلولا أنه مباح له لُبسه لَمَا أهدى له، لِمَا في تمكينه من الإعانة على المعصية، ومن ثَمَّ يَحرم بيع العصير ممن جرت عادته أن يتخذه خمراً، وإن احتَمَل أنه قد يشربه عصيراً، وكذا بيع الغلام الجميل ممن يشتهر بالمعصية،

لكن يَحْتَمِل أن يكون ذلك على أصل الإباحة، وتكون مشروعيّة خطاب الكافر بالفروع تراخت عن هذه الواقعة. والله أعلم. ذكره في "الفتح" ["الفتح" 13/ 329 - 330، كتاب "اللباس" رقم (5841)].

قال الجامع _عفا الله عنه_ : الحقّ أن الكفّار مخاطبون بفروع الشريعة؛ كأصوله، وقد تقدّم تحقيق هذا غير مرّة، وبالله تعالى التوفيق." اهـ

 



[1]  وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 304) للإثيوبي :

"وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- عند ابن حبان: "جاءتني راغبةً وراهبةً" بالواوأيضًا، وهو يؤيد رواية الطبرانيّ.

والمعنى أنها قَدِمَت طالبة في بِرّ ابنتها لها، خائفةً من رَدّها إياها خائبةً، هكذا فسره الجمهور، ونقل المستغفريّ أن بعضهم أوّله فقال: وهي راغبة في الإسلام، فذكرها لذلك في الصحابة، وردّه أبو موسى بانه لم يقع في شيء من الروايات ما يدلّ على إسلامها، وقولها: أراغبةٌ" أي: في شيء تأخذه، وهي على شركها، ولهذا استأذنت أسماء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أن تصلها، ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن. انتهى.

وقيل: معناه راغبةٌ عن ديني، أو راغبة في القرب مني، ومجاورتي، والتودُّد إليّ؛ لأنها ابتدأت أسماء بالهدية التي أحضرتها، ورَغِبت منها في المكافأة، ولو حُمِل قوله: "راغبة" أي: في الإسلام لم يستلزم إسلامها.

ووقع في رواية عيسى بن يونس، عن هشام، عند أبي داود، والإسماعيليّ: "راغمة" بالميم؛ أي: كارهة للإسلام، ولم تَقْدُم مهاجرةً." اهـ

[2]  وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 304) للإثيوبي : "«في عهد قريش؛ إذ عاهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، وأرادت بذلك ما بين الحديبية والفتح." اهـ

[3]  وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 305) :

"وقيل: نَسَخَ ذلك آيةُ الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا، قاله في "الفتح".

قال الجامع _عفا الله عنه_ : القول بالنسخ مما لا يخفى بعده؛ لأن قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية [النساء: 89] خاصّ بالمحاربين، لا يتناول المسالمين، بدليل قوله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} الآية [النساء: 90]، وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ} الآية [التوبة: 4]، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان." اهـ

[4]  وفي هو عطارد بن حاجب بن زُرَارة بن عُدُس بن

زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حَنظلة بن زيد مناة بن تميم التميميّ، أبو

عكرمة، وَفَدَ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستعمله على صدقات بني تميم. وارتدّ عُطارد بن حاجب بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع من ارتدّ من بني تميم، وتَبع سَجَاح، ثم عاد إلى الإسلام

أخرج الطبراني في المعجم الكبير (18/ 15) (رقم : 22)، قال : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ، أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ دِيبَاجٍ كَسَاهُ إِيَّاهُ كِسْرَى، فَدَخَلَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: أَنَزَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: «وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ الْمِنْدِيلُ مِنْ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» ثُمَّ قَالَ: " يَا غُلَامُ، اذْهَبْ بِهِ إِلَى أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَقُلْ لَهُ: يَبْعَثُ إِلَيَّ بِالْخَمِيصَةِ "

وهذا إسناد حسن على أقل أحواله، وقد صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/ 1045) (رقم : 3346) من رواية أنس بن مالك.

[5]  والحُلَّة : إزار ورداء

[6]  وقال ابن سيده: "هو ضرب من البرود. وقيل: ثوب مسيّر فيه خطوط يُعمل من القَزّ. وقيل : ثياب من اليمن."

وقال الجوهريّ: بُرْد فيه خطوط صُفْر.

[7]  وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (34/ 559) للإثيوبي : "وفي رواية البخاريّ من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: "فأرسل بها عمر إلى أخ له، من أهل مكّة قبل أن يُسلم"،

قال النوويّ: هذا يُشعر بأنه أسلم بعد ذلك. انتهى." اهـ ["شرح النوويّ" 14/ 38 - 39.]

وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (34/ 559) : وقال صاحب "التنبيه": قوله: "فكساها عمر أخاً له" هو أخو أخيه زيد بن الخطّاب؛ لأمه أسماء بنت وهب، واسمه عثمان بن حكيم، قاله الدمياطيّ،

وقال ابن الحذّاء في "التعريف" : إنه أخوه لأمه عثمان بن حكيم، قال الحافظ وليّ الدين: والصواب مع الدمياطيّ. انتهى. ["تنبيه المعلم" ص 358.]" اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين