الحديث 22-24 من الأدب المفرد

 

11_بَابُ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ زَادَ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ

 

22 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ طُوبَى لَهُ، زَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُمْرِهِ»

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ  (ثقة فقيه) :

أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع القرشى الأموى ، أبو عبد الله المصرى الفقيه مولى عمر بن عبد العزيز ( وراق عبد الله بن وهب )، توفي سنة  225 هـ بـ حلوان : خ د ت س

 

قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ (ثقة حافظ عابد) :

عبد الله بن وهب بن مسلم القرشى مولاهم الفهرى ، أبو محمد المصرى الفقيه، من صغار أتباع التابعين (ت :  197 هـ) : خ م د ت س ق

 

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ (صدوق ربما أخطأ) :

يحيى بن أيوب الغافقى ، أبو العباس المصرى، من كبار أتباع التابعين، (ت : 168 هـ) : خ م د ت س ق 

 

عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ (ضعيف الحديث مع صلاحه و عبادته) :

زبان بن فائد المصرى ، أبو جوين الحمراوى، من الذين عاصروا صغارالتابعين (ت :  155 هـ) : بخ د ت ق 

 

عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ (لا بأس به إلا فى روايات زبان عنه) :

سهل بن معاذ بن أنس الجهنى ، الشامى (نزل مصر)، من التابعين : بخ د ت ق 

 

عَنْ أَبِيهِ (صحابى) :

معاذ بن أنس الجهنى الأنصارى ( نزل مصر)، بقى إلى خلافة عبد الملك :  بخ د ت ق

 

قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ طُوبَى لَهُ، زَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُمْرِهِ»

 

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه ابن وهب في الجامع (ص: 178) (رقم : 111)، ومن طريقه البخاري في الأدب المفرد (ص: 22) (رقم : 22)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (3/ 65) (رقم : 1494)، وفي "المفاريد" (ص: 28) (رقم : 11)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 170) (رقم : 7257)، والبيهقي في شعب الإيمان (10/ 264) (رقم : 7470)

 

وأخرجه والطبراني في المعجم الكبير (20/ 198) (رقم : 447) وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان (1/ 199)

 

كلهم من طريق زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ. وزَبَّانَ ضعيف، فلذلك ضعف الحديث الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (10/ 72) (رقم : 4567)

 

فخلاصة الكلام : أن الحديث ضعيف، إلا أنه ورد في "مسند أحمد" - عالم الكتب (6/ 159) (رقم : 25259) : عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا :

«إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ»

 

وفي صحيح البخاري (3/ 56) (رقم : 2067) وصحيح مسلم (4/ 1982) (رقم : 2557) : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»

 

وفي سبل السلام (2/ 627) للصنعاني :

"قَالَ ابْنُ التِّينِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مُعَارَضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61]

قَالَ : وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ :

* أَحَدُهُمَا : أَنَّ الزِّيَادَةَ كِنَايَةٌ عَنْ الْبَرَكَةِ فِي الْعُمُرِ بِسَبَبِ التَّوْفِيقِ إلَى الطَّاعَةِ وَعِمَارَةِ وَقْتِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ تَضْيِيعِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا مَا جَاءَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَاصَرَ أَعْمَارُ أُمَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَعْمَارِ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَةِ وَالصِّيَانَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَيَبْقَى بَعْدَهُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.

وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ الْعِلْمُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِتَأْلِيفٍ وَنَحْوِهِ وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ، وَالْخَلَفُ الصَّالِحُ.

* وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالْعُمْرِ، وَاَلَّذِي فِي الْآيَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ اللَّهِ كَأَنْ يُقَالَ لِلْمَلَكِ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يَصِلُ أَوْ يَقْطَعُ فَاَلَّذِي فِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَاَلَّذِي يُقَالُ مَثَلًا إنَّ عُمْرَ فُلَانٍ مِائَةٌ إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ، وَإِنْ قَطَعَهَا فَسِتُّونَ وَقَدْ سَبَقَ مَثَلًا فِي عِلْمِ الْمَلَكِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] وَالْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي عِلْمِ الْمَلَكِ وَمَا فِي أُمِّ___الْكِتَابِ؛ وَأَمَّا الَّذِي فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَا مَحْوَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ.

وَيُقَالُ لَهُ الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ وَيُقَالُ لِلْأَوَّلِ الْقَضَاءُ الْمُعَلَّقُ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ فَإِنَّ الْأَثَرَ مَا يَتْبَعُ الشَّيْءَ فَإِذَا أُخِّرَ حَسُنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الذِّكْرِ الْحَسَنِ بَعْدَ فَقْدِ الْمَذْكُورِ وَرَجَّحَهُ الطِّيبِيُّ. وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَائِقِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ أُنْسِئَ لَهُ فِي أَجَلِهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ زِيَادَةً فِي عُمْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وَلَكِنَّ الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ يَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَأَخْرَجَهُ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى.

وَجَزَمَ ابْنُ فُورَكٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِزِيَادَةِ الْعُمْرِ نَفْيُ الْآفَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْبِرِّ فِي فَهْمِهِ وَعَقْلِهِ. قَالَ غَيْرُهُ: فِي أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي عِلْمِهِ وَرِزْقِهِ. وَلِابْنِ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ كَلَامٌ يَقْضِي بِأَنَّ مُدَّةَ حَيَاةِ الْعَبْدِ وَعُمْرِهِ هِيَ مَهْمَا كَانَ قَلْبُهُ مُقْبِلًا عَلَى اللَّهِ ذَاكِرًا لَهُ مُطِيعًا غَيْرَ عَاصٍ فَهَذِهِ هِيَ عُمْرُهُ وَمَتَى أَعْرَضَ الْقَلْبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَاشْتَغَلَ بِالْمَعَاصِي ضَاعَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ حَيَاةِ عُمْرِهِ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى أَنَّهُ يُنْسَأُ لَهُ فِي أَجَلِهِ أَيْ يُعَمِّرُ اللَّهُ قَلْبَهُ بِذِكْرِهِ وَأَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِهِ وَيَأْتِي تَحْقِيقُ صِلَةِ الرَّحِمِ." اهـ

 

===========================

 

12_ بَابُ لَا يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ الْمُشْرِكِ

 

23 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ فِي بَرَاءَةَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ (ثقة حافظ مجتهد) :

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلى ، أبو محمد وأبو يعقوب، المعروف بابن راهويه المروزى  (ت : 238 هـ بـ نيسابور) : خ م د ت س

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ (صدوق يهم) :

على بن الحسين بن واقد القرشى ، أبو الحسن المروزى (ت : 211 هـ) : بخ مق د ت س ق 

 

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي (ثقة له أوهام) :

الحسين بن واقد المروزى ، أبو عبد الله ، مولى عبد الله بن عامر بن كريز القرشى ( قاضى مرو)، من كبار أتباع التابعين (ت : 159 هـ) : خت م د ت س ق

 

عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ (ثقة عابد) :

يزيد بن أبى سعيد النحوى المروزى ، أبو الحسن القرشى مولاهم، من الذين عاصروا صغار التابعين، (131 هـ) : بخ د ت س ق

 

عَنْ عِكْرِمَةَ (ثقة ثبت عالم بالتفسير):

عكرمة القرشى الهاشمى ، أبو عبد الله المدنى ، مولى عبد الله بن عباس (ت : 104 هـ بـ المدينة) : خ م د ت س ق 

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى أبو العباس (ت :  68 هـ بـ الطائف) : خ م د ت س ق

 

فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ فِي بَرَاءَةَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]

 

شرح الحديث :

 

قال الله تعالى :

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23، 24]

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "نواسخ القرآن" = "ناسخ القرآن ومنسوخه"، ت. آل زهوي (ص: 168) : "قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء للوالدين المشركين...

قلت : وهذا ليس بنسخ عند الفقهاء، إنما هو عام دخله التخصيص، وإلى نحو ما قلته ذهب ابن جرير الطبري

 

وقال الطبري في "جامع البيان" ت شاكر (17/ 421) :

"وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا في كلّ الآباء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويلها على الخصوص، فيكون معنى الكلام: وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنين، كما رَبياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقوله ربياني: نَميَّاني." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 22) (رقم : 23)، والطبري في "جامع البيان" ت. شاكر (17/ 421)، وحسنه الألباني

 

من فوائد الحديث :

 

رش البرد شرح الأدب المفرد (ص ٢٨) :

"فقه الحديث :

١ - الآية الأولى : {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء: 23] تدل على الاستغفار والدعاء للوالدين المسلمين .

۲ - الآية الثانية : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113] تدل على منع الاستغفار والدعاء للوالدين الكافرين، فلا تعارض بينهما، ولا حاجة إلى القول بنسخ آية البراءة ." اهـ

 

 

فقه الأدعية والأذكار (2/ 240) للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر _حفظه الله_ :

"فأمر جلَّ وعلاَ بالإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان القوليِّ والفعليِّ؛ لأنَّهما سببُ وجود العبد، ولهما من المحبة والحقوق والإحسان والقرب ما يقتضي تأكُّدَ الحق ووجوبَ التقديم في البرِّ، وخصَّ بالذِّكر من ذلك الدعاء لهما بالرحمة أحياء وأمواتاً، جزاء على إحسانهما.

والدعاءُ للوالدين بالرحمة خاصٌّ فيما إذا كانا مسلمين، أما المشركُ فلا يُدعى له بالرحمة والمغفرة

 

عون الأحد الصمد (1/47) لزيد بن محمد المدخلي :

"إن الاستغفار للمسلمين عموما مطلب شرعي، ونفع متعدٍّ، وللوالدين المسلمين كذلك خصوصا. فمن كان والداه مسلمين، فليكثر من الاستغفار لها والدعاء لهما،

ويبرهما بعد مماتها بالصدقة والدعاء والإحسان إلى أقاربها، وأما إذا كانا مشركين أو الأب مشركا أو الأم مشركة شركا أكبر أو كفرا أكبر أو نفاقا اعتقادیا، أو إلحادا مخرجا من الملة،

فهذه الأعمال تخرج من الملة إن كان قبل ذلك على الإسلام،

فمن مات على ذلك فلا يجوز لأحد أن يستغفر له، لا الابن لأبيه ولا لأمه، ولا الأب لابنه ولا القريب لقريبه؛ لأن الله _عز وجل_ نهی عن ذلك، كما قال _سبحانه_ :

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة: 113]

ومتى يتبين ذلك؟ يتبين إذا تحقق الإنسان بأن فلانا مات على الكفر و الشرك الأكبر أو کان منافقا نفاقا اعتقادیا، يبغض الخير ويحب الشر وينصرُ الشر على الخير والأشرار على الأخيار، کما فعل المنافقون في عهد النبوة، ومات على ذلك، فهو من أهل اللعنة والخلود في النار،

لا يجوز لأحد أن يستغفر له أبدا، ولهذا يروى الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ سأل الله أن يستغفر لأمه، فلم يأذنْ له وسأله أن يزور قبرها، فأذن له؛ لأن زيارة القبور تذكر الآخرة،

وأما الاستغفار فلم يأذنْ له، وكانت قد ماتت في الفترة - كما هو معلوم - على دين أهل الجاهلية، ولله في حكمه ما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون." اهـ

 

===========================

 

13_ بَابُ بِرِّ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ

 

24 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى :

كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .

وَالثَّانِيَةُ : أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي هَذَا، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] .

وَالثَّالِثَةُ: أَنِّي مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْسِمَ مَالِي، أَفَأُوصِي بِالنِّصْفِ؟ فَقَالَ: «لَا» ، فَقُلْتُ: الثُّلُثُ؟ فَسَكَتَ، فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدَهُ جَائِزًا.

وَالرَّابِعَةُ : إِنِّي شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْفِي بِلَحْيِ جَمَلٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ (ثقة فاضل) :

محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبى مولاهم ، أبو عبد الله الفريابى، من صغار أتباع التابعين

(ت : 212 هـ) : خ م د ت س ق

 

قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (ثقة) :

إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السبيعى الهمدانى ، أبو يوسف الكوفى، من كبار أتباع التابعين (ت : 160 هـ) : خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

 

قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ (صدوق) :

سماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية الذهلى البكرى ، أبو المغيرة الكوفى، طبقة تلى الوسطى من التابعين (ت : 123 هـ) : خت م د ت س ق 

 

 

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ (ثقة أرسل عن عكرمة بن أبى جهل) :

مصعب بن سعد بن أبى وقاص القرشى الزهرى ، أبو زرارة المدنى، من الوسطى من التابعين (ت : 103 هـ) : خ م د ت س ق

 

عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ :

سعد بن أبى وقاص : مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب القرشى، أبو إسحاق الزهري (ت : 55 هـ بـ العقيق) :  خ م د ت س ق

 

 

قَالَ : نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .

وَالثَّانِيَةُ: أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي هَذَا، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] .

وَالثَّالِثَةُ: أَنِّي مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْسِمَ مَالِي، أَفَأُوصِي بِالنِّصْفِ؟ فَقَالَ: «لَا» ، فَقُلْتُ: الثُّلُثُ؟ فَسَكَتَ، فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدَهُ جَائِزًا.

وَالرَّابِعَةُ: إِنِّي شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْفِي بِلَحْيِ جَمَلٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ

 

 

شرح الحديث :

 

قال الله _تعالى_ :

{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]

 

وقال تعالى :

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]

 

وقال تعالى :

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90]

 

وقال تعالى :

{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 22) (رقم : 24)، مسلم في صحيحه (4/ 1877) (1748)، وأبو عوانة في المستخرج ط الجامعة الإسلامية (14/ 230) (رقم : 7052)، وأحمد في مسنده (3/ 163) (رقم : 1614)، عبد بن حميد في المنتخب ت صبحي السامرائي (ص: 74) (رقم : 132) والبزار في البحر الزخار (3/ 347) (رقم : 1149)، وابن حبان في صحيحه (15/ 452) (رقم : 6992)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 46) (رقم : 17833)، وفي شعب الإيمان (10/ 316) (رقم : 7556)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 279) (رقم : 5369)، والشاشي في المسند (1/ 140) (رقم : 78)

 

فالحديث صحيح : انظر تخريج المشكاة (3072)

 

من فوائد الحديث :

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 360) لابن هبيرة :

"* هذا الحديث يدل على شرف سعد وعلو منزلته، لأن الله تعالى أنزل هذه الآيات في شأنه، فاستمرت أحكامها باقية إلى يوم القيامة تعود عليه بركتها، ويناله من خيرها، فمن بركة هذه القصة أن الله تعالى أفتى فيها حيث كانت الوصاة قد تقدمت منه سبحانه ببر الوالدين وتتابعت، وكان حق الله عز وجل أولى في عبادته." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 361) :

"وأما القصة الثالثة في الخمر، فإنها تدل على أن الله عز وجل شرف أمة محمد _صلى الله عليه وسلم_ وأكرمها بأن حرم عليها الخمر، لما في الخمر من جماع الإثم، وإنها داعية إلى سفك دماء وانتهاك أعراض، وضياع أموال، وتغير عقول وغير ذلك." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (38/ 627)

في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - حيث نزلت الآيات المذكورة فيه.

2 - (ومنها): وجوب برّ الوالدين، وإن كانا كافرين بما لا يخالف الشرع.

3 - (ومنها): حلّ الغنائم خصوصيّةٌ لهذا الأمة، وجواز تنفيل الإمام بعض الغزاة بما يراه.

4 - (ومنها): جواز الوصيّة، وأنه لا يجوز إلا بالثلث.

5 - (ومنها): تحريم الخمر بعد أن كانت مباحة، قال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللهُ- :

"هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُبَاحًا مَعْمُولًا بِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِحَيْثُ لَا يُنْكَرُ وَلَا يُغَيَّرُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ النساء" لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "] النساء: 43] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَهَلْ كَانَ يُبَاحُ لَهُمْ شُرْبُ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْكِرُ؟ حَدِيثُ حَمْزَةَ ظَاهِرٌ فِيهِ حِينَ بَقَرَ خَوَاصِرَ نَاقَتَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجَبَّ أَسْنِمَتَهَمَا،

فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ إِلَى حَمْزَةَ فَصَدَرَ عَنْ حَمْزَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَوْلِ الْجَافِي الْمُخَالِفِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنِ احْتِرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْقِيرِهِ وَتَعْزِيرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَمْزَةَ كَانَ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِمَا يُسْكِرُ،

وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّاوِي : فَعَرَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى حَمْزَةَ وَلَا عَنَّفَهُ، لَا فِي حَالِ سُكْرِهِ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ لَمَّا قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجَ عَنْهُ.

وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَحَكَوْهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ، لِأَنَّ الشَّرَائِعَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ لَا مَفَاسِدُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَصَالِحِ الْعَقْلُ، كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْمَفَاسِدِ ذَهَابُهُ، فَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا يُذْهِبُهُ أَوْ يُشَوِّشُهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ حَدِيثُ حَمْزَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِشُرْبِهِ السُّكْرَ لَكِنَّهُ أَسْرَعَ فِيهِ فَغَلَبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى [تفسير القرطبي (6/ 287)].

[تنبيه]: قال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللهُ- أيضاً:

"كان تَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَانَ بِتَدْرِيجٍ وَنَوَازِلَ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُولَعِينَ بِشُرْبِهَا، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شأنها : ((يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ)) [البقرة: 219] أَيْ فِي تِجَارَتِهِمْ،

فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا : (لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ)، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا : (نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا)،

فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى " [النساء: 43]،

فَتَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يَشْغَلُنَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ" الْآيَةَ- فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيُوبَ الْخَمْرِ، وَمَا يَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِهَا، وَدَعَا اللَّهُ فِي تَحْرِيمِهَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ، فَقَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا.___

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "] النساء: 43]، و" يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ"] البقرة: 219] نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ" إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ" اهـ [تفسير القرطبي (6/ 286_287)]

 

عون الأحد الصمد (1/48_49) لزيد بن محمد المدخلي :

من المسلم به : أن قضایا نزل القرآن في بيانها، وأشخاصا نزل القرآن بسبب أفعال صدرت منهم، ومن جملة هؤلاء : سعد بن أبي وقاص، نزلت فيه تلك الآيات التي جاء ذكرها في هذا الحديث.

وخلاصة ما دل عليه هذا الحديث:

۱- تحريم الطاعة لأحد في معصية الله مهما كان حقه عليك .

۲- فيه دليل على بر الوالدين بالمعروف عندما يكونان مشرکین أو أحدهما استنادا إلى الآية الكريمة الواردة في الباب.___

3- منقبة عظيمة لسعد بن أبي وقاص _رضي عنه_ حيث نزلت فيه أربع آيات من القرآن الكريم فيها بيانُ أحكامٍ شرعيةٍ .

4- عدم جواز الوصية في مرض الموت إلا إذا توفرت شروطها، ومن شروطها أن تكون بالثلث فأقل." اهـ

 

رش البر شرح الأدب المفرد (ص 29) :

"فقه الحديث:

1- الحث على طاعة الوالدين في غير معصية الله

۲- فضل البر والإحسان مع الوالدين المشرکین .

3- فضل الأمة المحمدية على سائر الأمم بأن الغنيمة قد أحلت لها دون غيرها

4- استحباب زيارة المريض

5- تواضع النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأنه كان يهتم بعيادة المرضى اهتماما بالغًا.

6- عدم جواز الزيادة على الثلث في الوصية .

۷- إن الخمر حرام، وفيه مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة ." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين