الحديث 16 من رياض الصالحين مع شرح الأستاذ عبد القادر أبي فائزة البوجيسي

 

[16] وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ[1] _رضي الله عنه_ :

عن النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ :

«إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها» . رواه مسلم.

 

ترجمة الصحابي  أبي موسى الأشعري _رضي الله عنه_


وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 451) للذهبي :

أَبُو موسى الأشعري هُوَ عَبْد اللَّهِ بن قيس بن سليم بن حضّار اليماني، [الوفاة: 41 - 50 ه] : صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قدِم عَلَيْهِ مسلما سَنَة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وَكَانَ قِدم مكة، فحالف بِهَا أبو أحَيحة سَعِيد بن العاص، ثُمَّ رجع إِلَى بلاده، ثُمَّ خرج منها في خَمْسِينَ من قومه قَدْ أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إِلَى أَرْضِ الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أَبِي طالب، ثُمَّ قدموا معه.

اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا موسى عَلَى زبيد وعدن، ثُمَّ ولي الْكُوفَة والْبَصْرَة لعمر.

وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وَعَن أَبِي بكر، وعمر، ومُعاذ، وأبي بن كعب، وَكَانَ من أجِلاء الصحابة وفضلائهم. وفُتحت أصبهان عَلَى يده وتُسْتر وغير ذلك، وَلَمْ يكن في الصحابة أطيب صوتًا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرَ آلِ دَاوُدَ ". وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قضاة هَذِهِ الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأَبُو موسى."


تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 454)

قَالَ أَبُو نُعَيم، وابن نُمَيْر، وأَبُو بكر بن أَبِي شيبة، وقَعْنَب: تُوُفِّيَ سَنَة أربع وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ الهيثم: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وَأَرْبَعِينَ، وحكاه ابن مَنْده. وَقَالَ الْوَاقدي: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وخمسين. وَقَالَ المدائني: تُوُفِّيَ سَنَة ثلاث وخمسين (53 هـ)." اهـ


وفي مشاهير علماء الأمصار (ص: 65) لابن حبان :

"أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس بن وهب يلي الكوفة مدة والبصرة زمانا إلا أنه ممن استوطن البصرة، مات سنة أربع وأربعين (44 هـ) وهو بن بضع وستين سنة." اهـ


وفي الأعلام للزركلي (4/ 114) : "أَبُو مُوسى الأشْعَري (21 ق هـ - 44 هـ = 602 - 665 م) :

عبد الله بن قيس بن سليم بن حضَّار ابن حرب، أبو موسى، من بني الأشعر، من قحطان: صحابي، من الشجعان الولاة الفاتحين، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين. ولد في زبيد (باليمن) وقدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم، وهاجر إلى إلى أرض الحبشة. ثم استعمله رسول الله صلّى الله عليه وسلم على زبيد وعدن. وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 هـ فافتتح أصبهان والأهواز.

فارتد أبو موسى إلى الكوفة، فتوفي فيها. وكان أحسن الصحابة صوتا في التلاوة، خفيف الجسم، قصيرا. وفي الحديث: سيد الفوارس أبو موسى. له 355 حديثا" اهـ باختصار


تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2113) (رقم : 2759)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (1/ 395) (رقم : 492)، وأحمد في مسنده (32/ 295) (رقم : 19529) وعبد بن حميد في المنتخب (562)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 60) (رقم : 34204)، و(البزّار) في "مسنده" (8/ 39) (3021)، و(اللالكائيّ) في "اعتقاد أهل السُّنَّة" (695)، والبيهقي في السنن الكبرى ل (8/ 235 و 10/ 317) (رقم : 16504 و 20766)، وفي شعب الإيمان (9/ 290) (رقم : 6673)، وغيرهم

 

من فوائد الحديث :

 

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 589_590) للسفاريني :

"قَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَأَنَّ الذُّنُوبَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :

* تَرْكُ وَاجِبٍ فَعَلَيْك أَنْ تَقْضِيَهُ أَوْ مَا أَمْكَنَك مِنْهُ،

* أَوْ ذَنْبٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ تَعَالَى كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَتَنْدَمُ عَلَيْهِ وَتُوَطِّنُ الْقَلْبَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ أَبَدًا،

* أَوْ ذَنْبٌ بَيْنَك وَبَيْنَ الْعِبَادِ، وَهَذَا أَشْكَلُهَا وَأَصْعَبُهَا،

وَهَذَا يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا لِأَنَّهُ إمَّا فِي الْمَالِ أَوْ النَّفْسِ أَوْ الْعِرْضِ أَوْ فِي الْحُرْمَةِ أَوْ الدِّينِ بِأَنْ كَفَّرَهُ أَوْ بَدَّعَهُ. فَمَا كَانَ فِي الْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهِ إنْ___أَمْكَنَ أَوْ الِاسْتِحْلَالِ مِنْهُ،

فَإِنْ تَعَذَّرَ لِغَيْبَةِ الرَّجُلِ أَوْ مَوْتِهِ فَوَارِثُهُ مَقَامَهُ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ، وَمَرَّ مَا يُفْهَمُ عَنْهُ جَمِيعُ ذَلِكَ،

وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْجَمِيعِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ اهْتِمَامًا.

وَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ أَنَّهُ قَالَ: دَعَوْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يَرْزُقَنِي تَوْبَةً نَصُوحًا ثُمَّ تَعَجَّبْت فِي نَفْسِي وَقُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ حَاجَةٌ دَعَوْت اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا قُضِيَتْ إلَى الْآنَ فَرَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِمُ قَائِلًا يَقُولُ لِي أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ أَتَدْرِي مَاذَا تَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى؟ إنَّمَا تَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُحِبَّك، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]

إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31] ، وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالْكَلِمَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ." اهـ

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (1/ 29) للشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) :

"والأحاديثُ في هذا كَثِيرةٌ، والإجماعُ مُنْعَقِدٌ عَلى وُجُوبِ التَّوبَةِ لأَمْرِ اللهِ ورسولِهِ بها، ولأن الذنوبَ مُهْلِكاتٌ مُبْعداتٌ عن اللهِ، فَيَجِبُ الهَرَبُ مِنْها على الفَورِ ولْيَحْذَرْ الإِنسانُ كُلَّ الحذرِ مِن الذنوبِ الكبَائِر والصَّغائِر.

وُوُجُوبُ التوبةِ مِن الكبائر أَهَمُّ وآكدُ، والإصْرارُ على الصغيرةِ أيضًا كبيرةٌ، فلا صَغِيرةَ مع الإِصْرارِ ولا كَبيرةَ مَعَ التوبةِ والاسْتِغْفارِ. وَتَواتُرُ الصَّغَائِرِ عظيمُ التأْثيرِ في تسْويدِ القلب وهوَ كَتَواتُر قَطَراتِ الماءِ على الحَجَر، فإِنه يُحْدِثُ فيهِ حُفْرَةً لا مَحَالةَ مَعَ لِينَ الماءِ وَصَلابةِ الحجرِ فَعَلَى العاقِل أن يَسْتَرصِدَ قَلبَهُ باسْتِمْرَارٍ ويُراقِبَ حركاتِهِ وَيُسجّلَ تَصَّرُفَاتِهِ ولا يَتَسَاهلَ ولا يقولَ إنها مِن التوافِهِ الصِغارِ،

وَصَدَقَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حيثُ يقولُ: «إِياكُمْ وَمُحَقّراتِ الذُنُوب فإِنهنَّ يجْتمعْنَ عَلَى الرَّجُل يُهْلكنَهْ» .

 

&      جامع العلوم والحكم - (1 / 386) لابن رجب :

"فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدرَ عليها ويُحَالَ بينها وبينه إما بِمَرَضٍ أو موت أو بأن يُدْرِكه بعضُ هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل،

قال أبو حازم[2] : "إن بضاعة الآخرة كاسدة يوشك أن تَنْفُقَ[3]، فَلَا يُوْصَلُ مِنْهَا إلى قليلٍ ولا كثيرٍ. ومتي حيل بين الإنسان والعمل، لم يبق له إلا الْحَسْرَةُ وَالْأَسَفُ عَلَيْهِ، ويتمني الرجوع إلى حالٍ يتمكن فيها من العملِ، فلا تَنْفَعُهُ الْأُمْنِيَةُ." [أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " (3/242)]

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 22) للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك الحريملي _رحمه الله_ :

"في هذا الحديث: طلب من اللطيف الرؤوف الغافر لعباده أن يتوبوا، ليتوب عليهم." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 178) للزيداني :

"يدعو المذنبين إلى التوبة في الليل والنهار ما لم تطلُع الشمس من المغرب، فإذا طلعت الشمس من المغرب لا تقبل التوبة." اهـ[4]

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 295) :

"في هذا الحديث : أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده ليلاً ونهارًا ما لم يغرغره الموت، أو تطلع الشمس من مغربها. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام (158) ] ." اهـ[5]

 

التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 368) للأمير الصنعاني :

"فباب قبول التوبة مفتوح في كل الأوقات، يدخله من يتوب (حتى تطلع الشمس من مغربها)، وعند ذلك لا يقبل من نفسٍ إيمانُها لم تكن آمنت من قبْلُ، أو كسبت في إيمانها خيراً." اهـ

 

شرح حديث لبيك اللهم لبيك (ص: 137) لابن رجب السَّلاَمِيِّ :

"التَّوْبَة والإستغفار يقبل فِي جَمِيع آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار،

وَفِي صَحِيح مُسلم مَرْفُوعا : "إِن الله يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا."

وَلَكِن بعض الْأَوْقَات أَرْجَى قبولا، فَإِذا وَقعت التَّوْبَة والإستغفار فِي مظانِّ الْإِجَابَة كَانَ أقرب إِلَى حُصُول الْمَطْلُوب،

وَلِهَذَا مدح الله تَعَالَى المستغفرين بالأسحار، قَالَ : {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]

وَفِي الصَّحِيح : حَدِيث النُّزُول، وَأَن الله يَقُول كل لَيْلَة، حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخِرُ : «هَل من مُسْتَغْفِر، فَاغْفِر لَهُ، هَل من تائب، فأتوب عَلَيْهِ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 104) للعثيمين :

"وهذا من كرمه- عز وجل- أنه يقبل التوبة حتى وإن تأخرت، فإذا أذنب الإنسان ذنباً في النهار، فإن الله- تعالي- يقبل توبته ولو تاب في___الليل.

إذا أذنب وتاب في النهار فإن الله _تعالي_ يقبل توبته، بل إنه _تعالى_ يبسط يده حتى يتلقى هذه التوبة التي تصدر من عبده المؤمن." اهـ[6]

 

شرح رياض الصالحين (1/ 105) :

"وفي هذا الحديث: دليل على محبة الله _سبحانه وتعالى_ للتوبة، وقد سبق في الحديث السابق _في قصة الرجل الذي أضل راحلته حتى وجدها_ : أن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب إليه اشد فرحاً من هذا براحلته." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 105) :

"ومن فوائد حديث أبي موسي : إثباتُ أن الله _تعالى_ له يده، وهو كذلك، بل له يدان _جل وعلا_، كما قال تعالى :

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]،

وهذه اليد التي أثبتها الله لنفسه _بل اليدان_ يجب علينا أن نؤمن بهما؛ وأنهما ثابتتان لله.

ولكن لا يجوز أن نتوهم أنها مثل أيدينا؛ لأن الله يقول في كتابه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الآية11)

وهكذا كل ما مر بك من صفات الله، فأَثْبِتْهَا لله _عز وجل_، لكن بدون أن تمثلها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته _عز وجل_." اهـ[7]

 

شرح رياض الصالحين (1/ 105_106) :

"وفي هذا الحديث : دليل على أن الشمس إذا طلعت من مغربها، انتهي قبول التوبة. وقد يسأل السائل، يقول: هل الشمس تطلع من مغربها؟ المعروف أن الشمس تطلع من المشرق؟!____

فنقول : نعم، هذا هو المعروف، وهذا هو المطرد منذ خلق الله الشمس إلي يومنا هذا، لكن في آخر الزمان يأمر الله الشمس أن ترجع من حيث جاءت، فتنعكس الدورة، وتطلع من مغربها،

فإذا رآها الناس آمنوا كلهم، حتى الكفار اليهود، والنصارى، والبوذيون، والشيوعيون، وغيرهم؛ كلهم يؤمنون. ولكن الذي لم يؤمن قبلَ أن تطلع الشمس من مغربها لا ينفعه إيمانه.

كل يتوب أيضاً، لكن الذي لم يتب قبل أن تطلع الشمس من مغربها لا تقبل توبته؛ لأن هذه آية يشهدها كل أحد، وإذا جاءت الآيات المنذرة لم تنفع التوبة ولم ينفع الإيمان!

أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في أن الله -سبحانه وتعالي- يقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها فهو كحديث أبي موسى.

وأما حديث عبد الله بن عمر: ((إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر)) أي: ما لم تصل الروح الحلقوم، فإذا وصلت الروح الحلقوم فلا توبة، وقد بينت النصوص الأخرى أنه إذا حضر الموت فلا توبة؛ لقوله تعالي : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآن) (النساء: من الآية 18) .

فعليك يا أخي المسلم أن تبادر بالتوبة إلي الله _عز وجل_ من الذنوب، وأن تقلع عما كنت متلبسا به من المعاصي، وأن تقوم بما فرطت به من الواجبات، وتسأل الله قبول تتوبتك. والله الموفق." اهـ

 

الاستقامة (2/ 193) لابن تيمية :

"وَالله تَعَالَى يقبل تَوْبَة العَبْد من جَمِيع الذُّنُوب : الشّركِ فَمَا دونه، كَمَا قَالَ _تَعَالَى_ : (يَا عبَادي الَّذين اسرفوا على أنفسهم) الآيةَ [سُورَة الزمر 53]،

وَقَالَ : (إن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ثمَّ لم يتوبوا) الآية [سُورَة البروج 10]

وَقَالَ تَعَالَى : (فإن تَابُوا وأقاموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي الدّين) [سُورَة التَّوْبَة 11]___

وَقَالَ تَعَالَى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة : 73_74]

وَقَالَ : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال : 38]

فَمن تَابَ من هَذِه الاعتقادات الْفَاسِدَة وَهُوَ استحلال شَيْء من الْمُحرمَات اَوْ التدين بِشَيْء مِنْهَا، قَبِلَ اللهُ تَوْبَته، وأما من اسْتحلَّ ذَلِك أوْ تدين بِهِ، وإن لم يَفْعَله فَالَّذِي يفعل ذَلِك وَهُوَ مُعْتَقد للتَّحْرِيم خير مِنْهُ، فَإِن هَذَا مُؤمن مذنب، وأما الاستحلال لَهَا والتدين بهَا، فَهُوَ كُفْرٌ." اهـ

 

الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (2/ 542)

في الحديث تنبيه على سعة رحمة الله، وكثر تجاوزه عن الذنوب، والله أعلم.

 



[1] ترجمة أبي موسى الأشعري _رضي الله عنه_

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 451) للذهبي :

أَبُو موسى الأشعري هُوَ عَبْد اللَّهِ بن قيس بن سليم بن حضّار اليماني، [الوفاة: 41 - 50 ه] : صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قدِم عَلَيْهِ مسلما سَنَة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وَكَانَ قِدم مكة، فحالف بِهَا أبو أحَيحة سَعِيد بن العاص، ثُمَّ رجع إِلَى بلاده، ثُمَّ خرج منها في خَمْسِينَ من قومه قَدْ أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إِلَى أَرْضِ الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أَبِي طالب، ثُمَّ قدموا معه.

اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا موسى عَلَى زبيد وعدن، ثُمَّ ولي الْكُوفَة والْبَصْرَة لعمر.

وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وَعَن أَبِي بكر، وعمر، ومُعاذ، وأبي بن كعب، وَكَانَ من أجِلاء الصحابة وفضلائهم. وفُتحت أصبهان عَلَى يده وتُسْتر وغير ذلك، وَلَمْ يكن في الصحابة أطيب صوتًا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرَ آلِ دَاوُدَ ". وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قضاة هَذِهِ الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأَبُو موسى."

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 454)

قَالَ أَبُو نُعَيم، وابن نُمَيْر، وأَبُو بكر بن أَبِي شيبة، وقَعْنَب: تُوُفِّيَ سَنَة أربع وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ الهيثم: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وَأَرْبَعِينَ، وحكاه ابن مَنْده. وَقَالَ الْوَاقدي: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وخمسين. وَقَالَ المدائني: تُوُفِّيَ سَنَة ثلاث وخمسين." اهـ

وفي مشاهير علماء الأمصار (ص: 65) لابن حبان :

"أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس بن وهب يلي الكوفة مدة والبصرة زمانا إلا أنه ممن استوطن البصرة مات سنة أربع وأربعين وهو بن بضع وستين سنة." اهـ

وفي الأعلام للزركلي (4/ 114) : "أَبُو مُوسى الأشْعَري (21 ق هـ - 44 هـ = 602 - 665 م) :

عبد الله بن قيس بن سليم بن حضَّار ابن حرب، أبو موسى، من بني الأشعر، من قحطان: صحابي، من الشجعان الولاة الفاتحين، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين. ولد في زبيد (باليمن) وقدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم، وهاجر إلى إلى أرض الحبشة. ثم استعمله رسول الله صلّى الله عليه وسلم على زبيد وعدن. وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 هـ فافتتح أصبهان والأهواز.

فارتد أبو موسى إلى الكوفة، فتوفي فيها. وكان أحسن الصحابة صوتا في التلاوة، خفيف الجسم، قصيرا. وفي الحديث: سيد الفوارس أبو موسى. له 355 حديثا" اهـ باختصار

[2] قال الذهبي _رحمه الله_ في سير أعلام النبلاء (6/97): ((أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ المَدِيْنِيُّ المَخْزُوْمِيُّ (ع)

الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ المَدِيْنَةِ النَّبَويَّةِ، أَبُو حَازِمٍ المَدِيْنِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، مَوْلاَهُمُ الأَعْرَجُ، الأَفزرُ، التَّمَّارُ، القَاصُّ، الزَّاهِدُ.)) اهـ

[3] نفِد وذهَب وراج.

[4] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 687) للإثيوبي :

"قال الجامع _عفا الله عنه_ : طلوع الشمس من مغربها إحدى العلامات الكبرى التي رمز إليها بعضهم بقوله : "مَدْعِي طَد" فالميم للمهديّ، والدال للدجّال، والعين لعيسى - عليه السلام -، والياء ليأجوج ومأجوج، والطاء لطلوع الشمس من مغربها، والدال لدابّة الأرض،

ويزاد عليها ثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وريح تخرج من قعر عدن، فتسوق الناس إلى المحشر،

فهذه هي الآيات العشر التي سيأتي بيانها بالتفصيل في "كتاب الفتن، وأشراط الساعة" عند شرح حديث حذيفة بن أَسِيد الغِفَاريّ _رضي الله عنه_." اهـ

[5] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 686) للإثيوبي : "وسرّ ذلك، وسببه أن ذلك هو أول قيام الساعة، فإذا شوهد ذلك، وَعُويِنَ حصل الإيمان الضروريّ، وارتفع الإيمان بالغيب الذي هو المكلّف به." اهـ

[6] وفي شرح رياض الصالحين (1/ 105) للعثيمين :

"وفي هذا الحديث: أن الله- سبحانه وتعالي- يقبل توبة العبد وإن تأخرت، لكن المبادرة بالتوبة هي الواجب؛ لأن الإنسان لا يدري، فقد يفجأه الموت فيموت قبل أن يتوب. فالواجب المبادرة، لكن مع ذلك، لو تأخرت تاب الله على العبد." اهـ

[7] وفي الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (25/ 225) لمحمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي :

"وهذا الحديث من أحاديث الصفات نجريه على ظاهره ولا نؤوله كما أوّله المؤولون كما هو المذهب الصحيح الذي عليه السلف الصالح، فنقول : فبَسْطُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يده المقدسة صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نؤولها ولا نكيفها ولا نمثلها، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير،

يعني : أن التوبة تصح وتقبل دائمًا إلى الوقت الذي تطلع فيه الشَّمس من حيث تغرب فإذا كان ذلك طبع على كل قلب بما فيه ولن تنفع توبة أحد،

وهذا معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام/158]

وسر ذلك وسببه أن ذلك من أول يوم القيامة، فإذا شوهد ذلك وعوين حصل الإيمان الضروري وارتفع الإيمان بالغيب الذي هو المكلف به اه من المفهم،

قال ابن ملك: مفهوم هذا الحديث لا تقبل التوبة بعد طلوع الشَّمس من مغربها إلى يوم القيامة، وقيل: هذا مخصوص بمن شاهد طلوعها فمن ولد بعد ذلك أو بلغ وكان كافرًا وآمن أو مذنبًا فتاب يقبل إيمانه وتوبته لعدم المشاهدة كذا في المرقاة اه." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين