الحديث الخامس والخمسون من بهجة قلوب الأبرار

 

الحديث الخامس والخمسون : درأ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"ادْرَءُوا الحُدودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ، فَخَلُّوا سَبِيلَهُ. فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا وموقوفاً

 

أخرجه الترمذي ت شاكر (4/ 33) (رقم : 1424)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 25) (رقم : 2355)، وقال : هو ضعيف مرفوعا وموقوفا , فان مداره على يزيد بن زياد الدمشقى وهو متروك كما فى " التقريب ".

ولذلك لما قال الحاكم عقبه: " صحيح الإسناد "!

رده الذهبى بقوله: " قلت: قال النسائى: يزيد بن زياد شامى متروك ". اهـ

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 119)

هذا الحديث: يدل على أن الحدود تدرأ بالشبهات. فإذا اشتبه أمر الإنسان وأشكل علينا حاله، ووقعت الاحتمالات: هل فعل موجب الحد أم لا؟ وهل هو عالم أو جاهل؟ وهل هو متأول معتقد حله أم لا؟ وهل له عذر عقد أو اعتقاد؟ . درئت عنه العقوبة، لأننا لم نتحقق موجبها يقينا.

ولو تردد الأمر بين الأمرين، فالخطأ في درء العقوبة عن فاعل سببها، أهون من الخطأ في إيقاع العقوبة على من لم يفعل سببها، فإن رحمة الله سبقت غضبه، وشريعته مبنية على اليسر والسهولة.___

والأصل في دماء المعصومين وأبدانهم وأموالهم التحريم، حتى نتحقق ما يبيح لنا شيئا من هذا.

وقد ذكر العلماء على هذا الأصل في أبواب الحدود أمثلة كثيرة، وأكثرها موافق لهذا الحديث.

ومنها : أمثلة فيها نظر، فإن الاحتمال الذي يشبه الوهم والخيال، لا عبرة به. والميزان لفظ هذا الحديث. فإن وجدتم له، أو فإن كان له مخرج، فخلوا سبيله.

وفي هذا الحديث: دليل على أصل. وهو: أنه إذا تعارض مفسدتان تحقيقا أو احتمالا، راعينا المفسدة الكبرى، فدفعناها تخفيفا للشر. والله أعلم.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 247)

* مفردات الحديث:

- ادرءوا: من: درأ يدرء درءًا أي: دفعه، فالدرء: الدفع.

والمعنى: التمسوا الأعذار مما يسقط الحد.

- الشبهات: يقال: اشتبه الأمر: خفي والتبس، فالشبهة: التباس للأمر بالثبوت وعدمه، جمعه: "شُبَه وشُبُهَات".

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة؛ لِما اتَّصف به جلَّ وعلا من الستر على عباده، والعفو، والمغفرة عن ذنوبهم، وخطاياهم.

2 - ومن هذا ما جاء في هذا الحديث الذي جاء من طرق مرفوعة وموقوفة، يعضد بعضها بعضًا، لتدل على أصل هذا المعنى، وهو معنى دلَّ عليه كرم الله تعالى، وصفحه عن عباده.

3 - فحدود الله تعالى، وحقوقه تدرأ وتدفع بالشبهات، ما وجد إلى درئها ودفعها سبيل، من الأمور التي يجوز دفعها، ويمكن درؤها؛ كأن تدعي المرأة الإكراه، أو أنَّها وطئت وهي نائمة، ونحو ذلك، فحينئذٍ يقبل قولها، ويدفع عنها الحد، ولا تكلف البينة فيما دفعت به، وزعمته.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنَّ الحدود تدرأ بالشبهات.

وقال الموفق: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنَّه لا حد مع الشبهة؛ لأنَّ الحدود تدرأ بالشُّبهات.____

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 248)

قال الشوكاني عن حديث الباب: الحديث يصلح للاحتجاج على مشروعية درء الحدود بالشُّبهات المحتملة، لا مطلق الشبهة.

4 - أما حقوق الخلق: فهي مبنية على الشح والتقصي، فالمقر بحق آدمي لا يقبل رجوعه عن إقراره، والقرينة على صحة الدعوى يعمل بها، ويحاول إظهار الحق ممن أنكره

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي عند هذا الحديث: يدل الحديث على أنَّ الحدود تدرأ بالشُّبهات، فإذا اشتبه أمر الإنسان: هل فعل ما يوجب الحد، أم لا؟ وهل هو عالم، أو جاهل؟ وهل هو متأول، أو معتقد حِلَّه، أم لا؟ دُرئت عنه العقوبة؛ لأنَّنا لم نتحقق موجبًا، فالخطأ في درء العقوبة، أهون من الخطأ في إيقاع العقوبة على من لم يفعل سببها؛ فإنَّ رحمة الله تعالى سبقت غضبه، وشريعته مبنية على اليسر والسهولة، وهذا في الاحتمالات المعتبرة، أما الاحتمالات التي تشبه الوهم والخيال، فلا عبرة بها.

وقال: وفي الحديث دليل على أصل هو: أنَّه إذا تعارضت مفسدتان، تحقيقًا أو احتمالاً، راعينا المفسدة الكبرى، فدفعناها؛ تخفيفًا للشر، والله أعلم.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2344)

فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ كَوْنُ الْحَدِّ يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِلَا شَكٍّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِفْسَارَاتِ الْمُفِيدَةَ لِقَصْدِ الِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ كُلِّهِ كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ لِأَنَّهُ كَانَ صَرِيحَ الْإِقْرَارِ، وَبِهِ الثُّبُوتُ، وَهَذَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: ( «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ) فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْطُوعًا بِثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَكَانَ الشَّكُّ فِيهِ شَكًّا فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ أَحْيَانًا فِي بَعْضٍ أَهِيَ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ أَوْ لَا؟ وَبَيَّنَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْسِيمِهَا وَتَسْمِيَتِهَا اصْطِلَاحًا إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (5/ 369_370)

من الفوائد: أنه يجب رفع الحد إذا حدثت الشبهة.___

ومن فوائده: الحفاظ على أعراض المسلمين وعلى اعتباراتهم، وأنه لا يجوز أن نخدشها إلَّا إذا قامت البينة الواضحة التي ليس فيها شبهة.

 

======================

 

الحديث السادس والخمسون: لا طاعة إلاّ في المعروف.

عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيةٍ. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" متفق عليه

 

أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 7145, ومسلم في "صحيحه" رقم: 1840 بعد 39, واللفظ له.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 120)

هذا الحديث: قيد في كل من تجب طاعته من الولاة، والوالدين والزوج، وغيرهم. فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء.

وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف. فإن الشارع رد الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة، والعدل والإحسان العام. فكذلك طاعة من تجب طاعته.

وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم، أو ترك واجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، فإذا أمر أحدهم بقتل معصوم، أو____ضربه، أو أخذ ماله، أو بترك حج واجب، أو عبادة واجبة، أو بقطيعة من تجب صلته، فلا طاعة لهم، وتقدم طاعة الله على طاعة الخلق.

ويفهم من هذا الحديث: أنه إذا تعارضت طاعة هؤلاء الواجبة، ونافلة من النوافل، فإن طاعتهم تقدم: لأن ترك النفل ليس بمعصية، فإذا نهى زوجته عن صيام النفل، أو حج النفل، أو أمر الوالي بأمر من أمور السياسة يستلزم ترك مستحب، وجب تقديم الواجب.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» كما أنه يتناول ما ذكرنا، فإنه يتناول أيضا تعليق ذلك بالقدرة والاستطاعة، كما تعلق الواجبات بأصل الشرع.

وفي الحديث «عليكم السمع والطاعة فيما استطعتم» .

والله أعلم.

 

 

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين