الحديث الثالث والخمسون

 

الحديث الثالث والخمسون :

عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

«الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ[1]، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ[2]، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَرَوَاهُ ابن ماجه عن ابن عباس.

 

تخرجه :

صحيح, الحديث أصله في "صحيح البخاري" (رقم: 1870, 3172, 6755, 7300)،

وأخرجه أبو داود (رقم : 4530)، والنسائي (8/19) والبيهقي 8/29, وأحمد 1/122, 142, 148, والقاسم بن سلام في "الأموال" 179, 209, وأبو يعلى 1/282, رقم: 338, 462, رقم: 628.

أمّا حديث ابن عباس : فقد رواه ابن ماجه 2660, 2683, وإسناده ضعيف فيه حنش وهو الحسين بن قيس,

وله شواهد من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وانظر: "إرواء الغليل" 2208, "غوث المكدود" 770.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 117)

هذا الحديث كالتفصيل لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانا» .

فعلى المؤمنين: أن يكونوا متحابين، متصافين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعا لمصالحهم الكلية التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحد منهم أحدا. فدماؤهم تتكافأ، فإنه لا يشترط في القصاص إلا المكافأة في الدين، فلا يقتل المسلم بالكافر، كما في هذا الحديث، والمكافأة في الحرية، فلا يقتل الحر بالعبد.

وأما بقية الأوصاف، فالمسلمون كلهم على حد سواء. فمن قتل أو قطع طرفا متعمدا عدوانا، فلهم أن يقتصوا منه بشرط المماثلة في العضو، لا فرق بين الصغير بالكبير، وبالعكس، والذكر بالأنثى وبالعكس، والعالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، والكامل بالناقص كالعكس في هذه الأمور.

قوله صلى الله عليه وسلم: «ويسعى بذمتهم أدناهم» يعني: أن ذمة المسلمين واحدة. فمتى استجار الكافر بأحد من المسلمين وجب على بقيتهم تأمينه، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] فلا فرق في هذا بين إجارة الشريف الرئيس، وبين آحاد الناس.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ويرد عليهم أقصاهم» أي: في التأمين وكذلك اشتراك الجيوش مع سراياه التي تذهب فتغير أو تحرس، فمتى غنم الجيش، أو غنم أحد السرايا التابعة للجيش، اشترك الجميع في المغنم. ولا يختص بها المباشر؛ لأنهم كلهم متعاونون على مهمتهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وهم يد على من سواهم» أي: يجب على جميع المسلمين في جميع أنحاء الأرض أن يكونوا يدا على أعدائهم من الكفار، بالقول والفعل، والمساعدات والمعاونة في الأمور الحربية، والأمور الاقتصادية، والمدافعة بكل وسيلة.

فعلى المسلمين: أن يقوموا بهذه الواجبات بحسب استطاعتهم، لينصرهم الله ويعزهم، ويدفع عنهم بالقيام بواجبات الإيمان عدوان الأعداء، فنسأله تعالى أن يوفقهم لذلك.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا ذو عهد في عهده» أي: لا يحل قتل من له عهد من الكفار بذمة أو أمان أو هدنة، فإنه لما قال: «لا يقتل مسلم بكافر» لما احترز بذلك البيان عن تحريم قتل المعاهد، لئلا يظن الظان جوازه. والله أعلم.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 203)

قوله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، قال في "شرح السُّنَّة": يريد أنَّ دماءَ المسلمين متساويةٌ في القِصاص؛ يُقاد الشريفُ منهم بالوضيع، والكبيرُ بالصغير، والعالِمُ بالجاهل، والرجلُ بالمرأة، وإذا كان المقتولُ شريفًا أو عالمًا، والقاتلُ وضيعًا جاهلًا لا يُقتَل به غيرُ قاتله، على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية؛ كانوا لا يرضَون في دم الشريف بالاستقادة من قاتله الوضيع حتى يقتلوا عِدَّةَ من قبيلة القاتل.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 204)

قوله: "ويسعى بذِمَّتهم أدناهم"، (أدنى): أفعل التفضيل من دَنَا يَدْنَأُ دَنَاءَةً: إذا سَفُلَ في فعْلِهِ ومَجَنَ، ذكره في "الصَّحاح"، و (أدنى) معناه ها هنا: مَن يَقِلُّ اعتباره وقَدره كالعَبيْدِ والنسوان.

يعني: مَن أجارَ واحدًا من الكفار وأمَّنَه، ولو كان المُجير ممن يقلُّ قَدرُه واعتباره، لا يجوزُ لأحد أن يُبطلَ ذمَّتَه ويقتلَه؛ فمَن أبطلَ ذمَّتَه وقتله، لم يجد رائحة الجنة.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 204)

قال في "شرح السُّنَّة": معناه: أن يخرج الجيش، فيُنيخوا بقرب دار العدو، ثم تنفصل منهم سَرية، فيغنموا، يردُّون ما غنمُوه على الجيش الذين [هم] رِدءٌ لهم - أي: عونٌ - ولا يتفرَّدون به، بل يكونون جميعًا شركاء فيه، فأمَّا مَن أقامَ ببلدة ولم يخرج معهم فلا شِركةَ له فيه.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 204)

قوله: "وهم يدٌ على مَن سواهم"؛ يعني: المسلمين، لا يسعهم التخاذل، بل يُعاون بعضُهم بعضًا على جميع الأديان والمِلل، ذكره في "الغريبين".

قيل: جعلَهم كاليد الواحدة في التعاون والتناصر على مَن سواهم.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 204)

قوله: "لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده"، قال الخطَّابي: فيه البيان الواضح أنَّ المسلمَ لا يُقتَل بأحد من الكفار، سواءٌ كان المقتولُ منهم ذِمَّيًّا أو مُعاهدًا أو مُستأمَنًا أو ما كان، وذلك أنه نفيٌ في نكرةٍ؛ فاشتمل على جنس الكفار عمومًا.

وقد اختلف الناس في هذا؛ فقال بظاهر الحديث جماعةٌ من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد____ابن حنبل وإسحاق، وقال الشَّعْبي والنَّخَعي: يُقتَل المسلمُ بالذَّمَّيَّ، وإليه ذهب أصحاب الرأي، وتأوَّلوا قوله: "لا يُقتَل مؤمنٌ بكافرٍ"؛ أي: بكافرٍ حربيًّ، دونَ مَن له عهدٌ وذِمَّةٌ من الكفار، وادَّعوا في نظم الكلام تقديمًا وتأخيرًا، كأنه قال: لا يُقتَل مؤمنٌ ولا ذو عهد في عهده بكافر، قالوا: ولولا أنَّ المرادَ به هذا لَكان الكلامُ خاليًا عن الفائدة؛ لأنه معلوم بالإجماع: أنَّ المُعاهدَ لا يُقتَل في عهده، ولم يجرِ حملُ الخبر (1) الخاص على شيء قد استُفيد معرفتُه من جهة العلم العام المُستفيض.

قال في "شرح السُّنَّة": قوله: "لا يُقتَل مؤمن بكافر" كلامٌ تامٌّ مستقلٌّ بنفسه؛ فلا وجهَ لضمَّه إلى ما بعدَه وإبطالِ حُكم ظاهرِه، وقد رَوينا عن (صحيفة عليًّ): "أن لا يقتل مؤمن بكافر" من غير ذكر ذي العهد، فهو عامٌّ في حقِّ جميع الكفار أن لا يُقتَلَ به مؤمنٌ، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ"، وكان الذَّمَّيُّ والمُستأمَنُ والحربيُّ فيه سواءً.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 205)

وقال أيضًا في "شرح السُّنَّة": قوله: "ولا ذو عهد" وأراد به أنَّ ذا العهد لا يجوز قتلُه ابتداءً ما دام في العهد، وفي ذكر المُعاهَد أنه لا يُقتَل ابتداءً فائدةٌ: وهو أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما أسقطَ القَوَدَ عن المسلم إذا قتل الكافرَ أوجبَ ذلك توهينَ حُرمة دماء الكفار، فلم يُؤمَن من وقوع شبهة لبعض السامعين في حُرمة دمائهم، وإقدام المُسرِع من المسلمين إلى قتلهم، فأعادَ القولَ في حظر دمائهم دفعًا للشبهة، وقطعًا لتأويل المُتأوَّل.

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (36/ 39)

ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجب القصاص عَلَى مسلم بقتل كافر، أَيَّ كافر كَانَ، رُوي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، ومعاوية رضي الله عنهم، وبه قَالَ عمر بن عبد العزيز، وعطاء، والحسن، وعكرمة، والزهري، وابن شبرمة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر. وَقَالَ النخعي، والشعبي، وأصحاب الرأي: يقتل المسلم بالذمي خاصة، قَالَ الإِمام أحمد: الشعبي، والنخعي، قالا: دية المجوسي، واليهودي، والنصراني، مثل دية المسلم، وإن قتله يُقتَل به، هَذَا عَجَبٌ، يصير المجوسي مثل المسلم، سبحان الله، ما هَذَا القول، واستبشعه، وَقَالَ: النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يقتل مسلم بكافر"، وهو يقول: يقتل بكافر، فأي شيء أشدُّ منْ هَذَا؟.

وحجة هؤلاء عمومات النصوص، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية [البقرة: 178]، وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية [المائدة: 45]، وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الآية [البقرة: 179]، وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ قُتل له قتيل، فهو بخير النظرين، إما أن يُنل، وإما أن يُفدى" الْحَدِيث، متّفقٌ عليه. واحتجّوا أيضًا بما رَوَى ابن البيلماني: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أقاد مسلما بذمي، وَقَالَ: "أنا حق منْ وفي بذمته"، ولأنه معصوم عصمة مؤبدة، فيقتل به قاتله كالمسلم.

واحتجّ الأولون بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يقتل مؤمن بكافر"، رواه الإِمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وفي لفظ: "لا يقتل مسلم بكافر"، رواه البخاريّ، وأبو داود. ولأنه منقوص بالكفر، فلا يقتل به المسلم، كالمستأمن, وأما العمومات التي احتجّوا بها، فهي مخصوصات بهذا الْحَدِيث، وأما حديث البيلماني، فليس له إسناد، قاله أحمد، وَقَالَ الدارقطنيّ: يرويه ابن البيلماني، وهو ضعيف إذا أسند، فكيف إذا أرسل؟.

وأما المستأمن, فوافق أبو حنيفة الجماعة، فِي أن المسلم لا يقاد به، وهو المشهور عن أبي يوسف، وعنه يقتل به؛ لما سبق فِي الذمي. والصحيح الأول؛ لما ذكرنا. أفاده فِي "المغني" 11/ 465 - 467.

وَقَالَ فِي "الفتح" 14/ 259 - : وأما ترك قتل المسلم بالكافر، فأخذ به الجمهور، إلا أنه يلزم منْ قول مالك فِي قاطع الطريق، ومن فِي معناه: إذا قتل غيلة أن يقتل، ولو كَانَ المقتول ذميا، استثناء هذه الصورة، منْ منع قتل المسلم بالكافر، وهي لا تستثني فِي الحقيقة, لأن فيه معنى آخر، وهو الفساد فِي الأرض. وخالف الحنفية، فقالوا: يقتل المسلم بالذمي، إذا قتله بغير استحقاق، ولا يقتل بالمستأمن. وعن الشعبي، والنخعي: يُقتل باليهودي والنصراني، دون المجوسي، واحتجوا بما وقع عند أبي داود، منْ طريق

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 90)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - أنَّه لا يقتل مسلم بكافر؛ فإنَّ الكافر غير مكافىء للمسلم؛ وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد.

أما أبو حنيفة: فيرى قتل المسلم بالذمي؛ لأنَّ النصوص جاءت بعقوبة القصاص عامة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، ويقول تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]؛ فهذه النصوص عامة، لم تفصِّل بين قتيل وقتيل، ونفس ونفس، ومظلوم ومظلوم، فمن ادَّعى التخصيص والتقييد، فهو يدعيه بلا دليل.

واستدل الجمهور: بحديث الباب، وبحديث: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم".

وعن علي -رضي الله عنه-: "من السنة ألا يقتل مؤمن مسلم بكافر" [رواه أحمد] فهذه النصوص تخصص العمومات التي احتجَّ بها الحنفية.

ولِفَقد الكفاءة بين المسلم والكافر؛ فإنَّها شرط في وجوب القصاص، فالكفر نقصان، فإذا وُجد امتنعت المساواة، فامتنع وجوب القصاص، والأصل في الكفر أنَّه مبيح للدم، ولكن عقد الذمة منع الإباحة.

2 - أما الكافر فيقتل بالمسلم بإجماع العلماء؛ لما في الصحيح: "أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قتَل يهوديًّا رَضَح رأس جارية من الأنصار"، ولأنَّ المسلم أعلى رتبة بإسلامه من الكافر.

3 - ويدل الحديث على تحريم قتل المُعَاهَدِ، ما دام متمسِّكًا بعهده مع المسلمين؛ فقد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عمر؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قَتَل معاهدًا، لم يُرَحْ رائحة الجنة".

وعند أبي حنيفة: يقاد المسلم بالمعاهد؛ خلافًا للأئمة الثلاثة.____

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 91)

والمعاهد: هو الكافر يعقد أمانًا يدخل به بلاد المسلمين، فهو في أمان المسلمين، حتى يعود إلى بلاده.

أما فِكاك الأسير: فهو تخليص الأسير المسلم من يد العدو، وهو من أفضل القُرَب، ويجوز فكاكه، ولو من الزكاة، قال تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177].

4 - أما قوله: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" فمعناه: أنَّ دماء المؤمنين والمسلمين تتساوى في الدية والقصاص، فليس أحد أفضل من أحد، لا في الأنساب، ولا في الأعراق، ولا في المذاهب، فهم أمام هذا الحق والواجب سواء.

5 - أما قوله: "ويسعى بذمتهم أدناهم" فيعني: أنَّ المسلم الواحد إذا أمَّن كافرًا، صار أمانه ساريًا على عموم المسلمين، فيجب احترام أمانه، ولا يحل هتك عهده وعقده، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "قد أمَّنا من أَمَّنت يا أم هانىء".

6 - أما قوله: "وهم يد على من سواهم" فيعني أنَّ كلمة المسلمين واحدة، وأمرهم ضد أعدائهم واحد، فلا يتفرقون ولا يتخاذلون، وإنما هم عصبة واحدة، وأمرهم واحد على الأعداء؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

فهذه الأحكام الظاهرة الواضحة التي عليها عموم أهل السنة -هي في الصحيفة التي يحملها علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

أما أكاذيب الرافضة، ومزاعمهم الباطلة التي لا يرضاها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أعطى عليًّا صحيفة، طولها سبعون ذراعًا بذراع الرسول، وأملاه من فلق فيه، وخط على يمينه، فيها ألف باب، يفتح في كل باب ألف باب، فيها كل حلال وحرام.

وكذلك ما زعموه من إعطاء علي الجَفْرَ، ومعارف آدم، وعلم البيتين،____

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 92)

والوصيين، وعلم الأولين والآخرين.

وعندهم من ميراث النبوة مصحف فاطمة، فيه قدر المصحف الذي عند المسلمين ثلاث مرات، إلى غير ذلك فهي من السخافات، والخرافات، والأباطيل، التي بَنَتِ الرافضة عليها عقائدهم الفاسدة.

فعلي -رضي الله عنه- وعن أهل بيته الطيبين الأطهار، أشرف وأجلُّ من أن ينسبوا لأنفسهم هلذه الأكاذيب على الله وعلى رسوله، وأن يزعموا التحدث عن الغيب، وإخفاء شيء من القرآن، وغير ذلك من عقائد الرافضة، التي شطُّوا في نسبتها، فشوَّهوا بها الإسلام؛ لأنَّهم زعموا أمام الأجانب عن الإسلام أنَّهم هم المسلمون، وأنَّ الإسلام ما افتروه، فشعائر الإسلام هي عباداتهم المحرفة، وأعماله هي صراخهم ولطمهم، وفواحشهم هي أحكامه، وأكاذيبهم هي حقائقه، فما أبعدهم عن الإسلام!

7 - النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بُعث إلى الناس، وأُمر بتبليغهم شرع الله وأحكامه، ولم تَخُصَّ رسالته أحدًا دون أحد، وحاشاه أن يبلِّغ أحدًا دون أحد، أو أن يكتم شيئًا مما أرسله الله به؛ فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67].

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما أنا قاسم، والله هو المعطي"؛ ومن الإعطاء أن يرزق الله بعض عباده فَهْمًا وإدراكًا في معاني كتابه، ومعاني سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيفتح الله له بابًا من أبواب العلم، كما قال ذلك الإمام علي -رضي الله عنه-.

 



[1]

[2] المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 204)

قوله: "ويسعى بذِمَّتهم أدناهم"، (أدنى): أفعل التفضيل من دَنَا يَدْنَأُ دَنَاءَةً: إذا سَفُلَ في فعْلِهِ ومَجَنَ، ذكره في "الصَّحاح"، و (أدنى) معناه ها هنا: مَن يَقِلُّ اعتباره وقَدره كالعَبيْدِ والنسوان.

يعني: مَن أجارَ واحدًا من الكفار وأمَّنَه، ولو كان المُجير ممن يقلُّ قَدرُه واعتباره، لا يجوزُ لأحد أن يُبطلَ ذمَّتَه ويقتلَه؛ فمَن أبطلَ ذمَّتَه وقتله، لم يجد رائحة الجنة.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين