الحديث 19 من الأدب المفرد

19 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ؟ قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا»

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ (ثقةٌ) :

محمد بن كثير العبدى ، أبو عبد الله البصرى (ت 223 هـ) : خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ثقة) :

سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى ، أبو عبد الله الكوفى، من كبار أتباع التابعين (ت 161 هـ) : خ م د ت س ق

 

عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ (صدوق) :

عطاء بن السائب بن مالك: أبو محمد الثقفى الكوفى، من صغار التابعين (ت 136 هـ) : خ د ت س ق

 

عَنْ أَبِيهِ (ثقة) :

السائب بن مالك الثقفى ، أبو يحيى الكوفى ( والد عطاء )، من كبار التابعين : بخ د ت س ق

رتبته عند ابن حجر : 

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو :

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى ، أبو محمد _رضي الله عنهما_ (توفي ليالى الحرة بـ الطائف سنة 63 هـ) : خ م د ت س ق

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري الأدب المفرد (ص: 19 و 21) (رقم : 13 و 19) سنن أبي داود (3/ 17) (رقم : 2528)، سنن النسائي (7/ 143) (رقم : 4163)، سنن ابن ماجه (2/ 930) (رقم : 2782)

 

تقدم شرحه عند رقم (13)

 

===========================

 

20 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»[1].

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ (ثقة) :

على بن الجعد بن عبيد الجوهرى ، أبو الحسن البغدادى (مولى بنى هاشم)، من صغار أتباع التابعين، (230 هـ بـ بغداد) : خ د

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ (ثقة) :

شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى مولاهم الأزدى ، أبو بسطام الواسطى ثم البصرى (مولى عبدة بن الأغر مولى يزيد بن المهلب)، من كبار أتباع التابعين (ت :  160 هـ بـ البصرة) : خ م د ت س ق

 

عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ (ثقة) :

حبيب بن أبى ثابت : قيس بن دينار الأسدى مولاهم ، أبو يحيى الكوفى، من الوسطى من التابعين (ت 119 هـ) : خ م د ت س ق

 

قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى (ثقة) :  

السائب بن فروخ ، أبو العباس المكى الشاعر الأعمى، من الوسطى من التابعين : خ م د ت س ق

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو :

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى ، أبو محمد (ت 63 هـ ليالى الحرة بـ الطائف) خ م د ت س ق

 

قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 21) (رقم : 20)، وفي صحيح البخاري (4/ 59 و 8/ 3) (رقم : 3004 و 5972)، صحيح مسلم (4/ 1975) (رقم : 2549)، سنن أبي داود (3/ 17) (رقم : 2529)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 191) (رقم : 1671)، سنن النسائي (6/ 10) (رقم : 3103)

 

من فوائد الحديث :

 

شرح السنة للبغوي (10/ 378) :

"هَذَا فِي جِهَادِ التَّطَوُّعِ لَا يَخْرُجُ إِلا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا، فَلا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا، وَإِنْ مَنَعَاهُ عَصَاهُمَا وَخَرَجَ، وَإِنْ كَانَ الأَبَوَانِ كَافِرَيْنِ، فَيَخْرُجُ دُونَ إِذْنِهِمَا، فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا،

وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ كَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَالزِّيَارَةِ، وَلا يَصُومُ التَّطَوُّعَ إِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ الْمُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، إِلا بِإِذْنِهِمَا، وَمَا كَانَ فَرْضًا فَلا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنِهِمَا،

وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى جِهَادِ التَّطَوُّعِ إِلا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ إِذَا كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَاجِلٌ، كَمَا لَا يَخْرُجُ إِلَى الْحَجِّ إِلا بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ، لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الإِذْنِ." اهـ

 

فتح الباري لابن رجب (4/ 210)

الجهاد فرض كفاية، والدخول فيه بعد قيام من سقط به حق فرض الكفاية تطوع إذا لم يتعين بحضور العدو، ولهذا تقدم بر الوالدين على الجهاد إذا لم يتعين

 

الاستذكار (5/ 40)

قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَزْوُ وَوَالِدَاهُ كَارِهَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْخِلَافَ لَهُمَا فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عُقُوقٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنَ الْغَزْوِ مَا قُلْتُ

وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْوَالِدَيْنِ إِذَا أَذِنَا بِالْغَزْوِ قَالَ إِنْ كُنْتَ تَرَى هَوَاهُمَا فِي الْجُلُوسِ فَاجْلِسْ

قَالَ وَسُئِلَ الْحَسَنُ مَا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ أَنْ تَبْذُلَ لَهُمَا مَا مَلَكْتَ وَأَنْ تُطِيعَهُمَا فِيمَا أَمَرَاكَ بِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً

 

المنتقى شرح الموطإ (3/ 175)

وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ فَتَجَهَّزَ لَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلْيُؤَخِّرْ غَزْوَهُ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِهَادَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مُؤْمِنَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ قَالَهُ سَحْنُونٌ،

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَلَكَ أَبَوَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ طَاعَةَ أَبَوَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَالْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ آكَدُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْجِهَادُ وَهُوَ يَتَعَيَّنُ مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ وَالثَّانِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَدُوِّ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ، فَأَمَّا إنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ أَبَوَيْهِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِنَذْرٍ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ حَقُّ أَبَوَيْهِ فَإِذَا كَانَ آكَدَ مِنْ حَقِّ أَبَوَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين (ص: 124) لأبي الليث السمرقندي :

"فِي هَذَا الْخَبَرِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْجِهَادَ وَيَشْتَغِلَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ.

وَهَكَذَا نَقُولُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَبَوَاهُ، مَا لَمْ يَقَعِ النَّفِيرُ عَامًا، وَتَكُونُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 191)

"هذا موافق لحديث ابن مسعود أن بر الأبوين أفضل من الجهاد، لأنه ذلك عليه السلام بثم التى تدل على الرتبة، وهذا إنما يكون فى وقت قوة الإسلام وغلبه أهله للعدو، وإذا كان الجهاد من فروض الكفاية، فأما إذا قوى أهل الشرك وضعف المسلمون، فالجهاد متعين على كل نفس، ولايجوز التخلف عنه وإن منع منه الأبوان. وقال ابن المنذر: فى هذا الحديث أن النهى عن الخروج بغير إذن الأبوين مالم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع." اهـ

 

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 23) للكوراني :

"وفي الحديث : دلالة على أن الجهاد بلا إذن الأبوين لا يجوز وعليه الأئمة، لكن هذا إذا لم يكن فرض عين، فإن خدمة الوالدين، وإن كان فرض عين أيضًا؛ إلا أن الجهاد أهم لعموم الضرر في تركه، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد.

 

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 590) للبيضاوي :

"المجاهدة والسعي في خدمة الوالدين أهم لك من الجهاد, فإنها فرض عين عليك, والجهاد ليس كذلك, فجاهد في أمرهما. وفيه : دليل على أن للوالدين منع الولد من الجهاد, وهذا إذا لم يتعين، وكانا مسلمين." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 140) :

"وَيُؤْخَذُ مِنْهُ : أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُتْعِبُ النَّفْسَ يُسَمَّى جِهَادًا وَفِيهِ أَنَّ بِرَّ الْوَالِدِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ وَأَنَّ الْمُسْتَشَارَ يُشِير بِالنَّصِيحَةِ الْمَحْضَة وَأَن الْمُكَلف يستفصل عَنِ الْأَفْضَلِ فِي أَعْمَالِ الطَّاعَةِ لِيُعْمَلَ بِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَ فَضْلَ الْجِهَادِ فَبَادَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَقْنَعْ حَتَّى اسْتَأْذَنَ فِيهِ فَدُلَّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي حَقِّهِ وَلَوْلَا السُّؤَالُ مَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ...

قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَحْرُمُ الْجِهَادُ إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسلمين___لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا إِذْنَ." اهـ

 

سبل السلام (2/ 461)

سَمَّى إتْعَابَ النَّفْسِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْأَبَوَيْنِ وَإِزْعَاجِهَا فِي طَلَبِ مَا يُرْضِيهِمَا وَبَذْلَ الْمَالِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمَا جِهَادًا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 141)

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ بِغَيْرِ إِذْنِ لِأَنَّ الْجِهَادَ إِذَا مُنِعَ مَعَ فَضِيلَتِهِ فَالسَّفَرُ الْمُبَاحُ أَوْلَى نَعَمْ إِنْ كَانَ سَفَرُهُ لِتَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ حَيْثُ يتَعَيَّن السَّفَرِ طَرِيقًا إِلَيْهِ فَلَا مَنْعَ وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْظِيمُ حَقِّهِمَا وَكَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَى بِرِّهِمَا وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

 

شرح النووي على مسلم (16/ 104) :

"* هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِعِظَمِ فَضِيلَةِ بِرِّهِمَا وَأَنَّهُ آكَدُ مِنَ الْجِهَادِ،

* وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا فَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ إِذْنِهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَشَرَطَهُ الثَّوْرِيُّ،

هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرَ الصَّفَّ وَيَتَعَيَّنِ الْقِتَالَ وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَأَنَّ عُقُوقَهُمَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَسَبَقَ بيانه مبسوطا في كتاب الايمان." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 638) :

"وقد يكون الجهاد في بعض الأوقات أفضل من سائر الأعمال، وذلك في وقت استيلاء العدوّ وغلبته على المسلمين، كحال هذا الزمان، فلا يخفى على من له أدنى بصيرة أن الجهاد اليوم أوكد الواجبات، وأفضل الأعمال؛ لِمَا أصاب المسلمين من قهر الأعداء، وكثرة الاستيلاء شرقًا وغربًا - جبر الله صدعنا، وجدّد نصرنا -.

والحاصل من هذا البحث أن تلك الأفضليّة تختلف بحسب الأشخاص والأحوال، ولا بُعد في ذلك، فأما تفصيل هذه القواعد من حيث هي، فعلى ما تقدّم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - الذي قال فيه: "بني الإسلام على خمس ... " الحديث، متّفق عليه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبى رحمه الله تعالى["المفهم" (1/ 275 – 176)]، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 224_225) للإثيوبي :

"في فوائده :

1 - (منها) : أن الحديث دليل على عِظَم فضيلة بر الوالدين، وأن حقّهما آكد وأعظم من الجهاد، وفيه بيان كثرة الثواب على برهما.

2 - (ومنها) : ما قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه حجة لِمَا قاله العلماء: إنه لا___يجوز الجهاد إلا بإذن الوالدين إذا كانا مسلمين، أو بإذن المسلم منهما، فلو كانا مشركين لم يُشترط إذنهما عند الشافعيّ ومن وافقه، وشَرَطه الثوريّ، هذا كله إذا لم يحضر الصفّ، ويتعيَّن القتال، وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن، وأجمع

العلماء على الأمر ببرّ الوالدين، وأن عقوقهما حرام من الكبائر، وسبق بيانه مبسوطاً في "كتاب الإيمان". انتهى ["الفتح" 7/ 255، كتاب "الجهاد" رقم (3004)]

وقال في "الفتح": قال جمهور العلماء: يَحْرم الجهاد إذا مَنَع الأبوان، أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن بزهما فَرْض عَيْن عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان، من طريق أخرى، عن عبد الله بن عمرو :

"جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن أفضل الأعمال، قال: الصلاة، قال: ثم مه؟ قال: الجهاد، قال: فإن لي والدين، فقال: آمرك بوالديك خيراً، فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لأجاهدنّ، ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم"،

وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقأ بين الحديثين، وهل يُلحق الجدّ والجدّة بالأبوين في ذلك؟ الأصح عند الشافعية نعم، والأصح أيضاً أن لا يفرّق بين الحُرّ والرقيق في ذلك؛ لشمول طلب البرّ،

فلو كان الولد رقيقاً، فَأذِن له سيده لم يُعْتبَر إذن أبويه، ولهما الرجوع في الإذن إلا أن حضر الصفّ، وكذا لو شرطا أن لا يقاتِل، فحضر الصفّ فلا أثر للشرط. انتهى ["الفتح" 7/ 255، كتاب "الجهاد" رقم (3004).].

3 - (ومنها) : أنه يستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضدّه إذا فُهِم المعنى؛ لأن صيغة الأمر في قوله: "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مراداً قطعاً، وإنما المراد: إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن والمال، قاله في "الفتح" ["الفتح" 7/ 255، كتاب "الجهاد" رقم (3004)].

4 - (ومنها) : أنه يؤخذ منه أن كل شيء يُتعِب النفس يسمى جهاداً.

5 - (ومنها) : أن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف____يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة؛ ليعمل به؛ لأنه سَمِع فَضْل الجهاد، فبادَرَ إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه، فدلّ على ما هو أفضل منه في حقه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك، ولمسلم من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة : "قال: ارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما"،

ولأبي داود، وابن حبان من وجه آخر، عن عبد الله بن عمرو : «ارجع، فأضحكهما كما أبكيتهما»، وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد، عند أبي داود، بلفظ : "ارجع، فاستأذنهما، فإن أَذِنَا لك فجاهِد، وإلا فبرّهما"، وصححه ابن حبان.

6 - (ومنها) : أنه استدِلّ به على تحريم السفر بغير إذن الأبوين؛ لأن الجهاد إذا مُنع مع فضيلته، فالسفر المباح أَولى، نعم إن كان سفره لتعلّمِ فرض عَيْن، حيث يتعيّن السفر طريقاً إليه، فلا مَنْع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف ["الفتح" 7/ 255 - 256، كتاب "الجهاد" رقم (3004)]، والله تعالى أعلم." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (26/ 123_124)

في فوائده:

(منها) : ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان الرخصة في التخلّف عن الجهاد في سبيل اللَّه تعالى لمن له والدان.

(ومنها) : فضل برّ الوالدين، وتعظيم حقّهما، وكثرة الثواب على برّهما.

(ومنها) : تحريم السفر بغير إذن الوالدين؛ لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته، فالسفر المباح أولى، نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعيّن السفر طريقًا إليه، فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف.

(ومنها) : أن برّ الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد.

(ومنها) : أن المستشار يشير بالنصيحة____المحضة.

(ومنها) : أنه يستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضدّه إذا فُهم المعنى؛ لأن صيغة الأمر في قوله: "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مرادًا قطعًا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن والمال.

(ومنها) : أنه يؤخذ منه أن كلّ شيء يتعب النفس يسمّى جهادًا.

(ومنها) : أن المكلّف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به؛ لأنه سمع فضل الجهاد، فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقّه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك.

وفي رواية مسلم، وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة، عن عبد اللَّه بن عمرو في نحو هذه القصّة، قال: "ارجع إلى والديك، فأحسِنْ صحبتهما".

ولأبي داود، وابن حبّان من وجه آخر، عن عبد اللَّه بن عمرو: "ارجع، فأضحكهما كما أبكيتهما"، وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ : "ارجع، فأستأذنهما، فإن أذنا لك، فجاهد، وإلا فبرّهما"، وصحّحه ابن حبّان. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

منحة الباري بشرح صحيح البخاري (6/ 119) للأنصاري :

"أمره بالمجاهدة فيهما يقتضي رضاهما عليه، ومن رضاهما إذنهما له عند الاستئذان في الجهاد." اهـ

 

كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (1/ 545) للسفاريني :

"ولا شك أن مرتبة الجهاد في الدين عظيمة، والقياس يقتضي أنه أفضل من سائر الأعمال التي هي وسائل؛ فإن العبادات على قسمين؛ منها ما هو مقصود لنفسه، ومنها ما هو وسيلةٌ إلى غيره، وفضيلةُ الوسيلة لحسب فضيلة المتوسَّل إليه، فحيث تعظُمُ فضيلة المتوسَّل إليه، تعظُمُ فضيلة الوسيلة، ولما كان الجهاد في سبيل الله وسيلةً إلى إعلانِ الدين ونشره، وإخمالِ الكفر ودَحْضِه، كانت فضيلةُ الجهاد بحسب فضيلة ذلك." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 342_343)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - بر الوالدين من فروض الأعيان، لاسيَّما في حالة كبرهما، وحاجاتهما إلى ولدهما، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وقال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، وقال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلتُ: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلتُ: ثم أي؟ قال؛ الجهاد في سبيل الله".____

وجاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَال: "رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنة".

2 - أما الجهاد: فهو فضيلة كبيرة جدًّا، ولكنه أقل فضلاً من بر الوالدين؛ كما أنَّ الجهاد فرض كفاية إلاَّ في حالات تقدم بيانها.

أما بر الوالدين: ففرض عين في كل حال؛ لذا فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل المستأذِن في الجهاد: "فيهما فجاهد" فيكون برهما مقدمًا على الجهاد في سبيل الله تعالى.

3 - سمي إتعاب النفس في القيام بمصالح الأبوين، وإزعاجهما الولد في طلب ما يحتاجانه، وبذل المال في قضاء حوائجهما: جهادًا، من باب المشاكلة؛ مثل قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] سميت الثانية: سيئة؛ لمشابهتها للأولى في الصورة.

4 - سواء كان الجهاد فرض عين، أو فرض كفاية، وسواء عذَره الأبوان بخروجه، أو لا -فإنَّ برهما مقدم؛ لما روى أحمد، والنسائي، أنَّ جاهمة السلمي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله،! أريد الغزو، وجئتك لأستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: "الزمها فإنَّ الجنة تحت رجليها".

5 - ذهب جمهور العلماء إلى أنَّه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان، أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأنَّ برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيَّن الجهاد، فيقدم على برهما؛ لأنَّ الجهاد مصلحة عامة، إذ هو لحفظ الدين، والدفاع عن المسلمين.

6 - يدل الحديث على وجوب النصيحة لمن استشارك في أمر من الأمور.

7 - الحديث يدل على عظم بر الوالدين، وتقدم بعض النصوص في ذلك.

8 - ويدل الحديث على أنَّ المفتي إذا سُئِل عن مسألة يتعيَّن عليه أن يستوضح من___السائل عن الأمور التي تعد من مجرى الجواب.

9 - وفي الحديث بيان حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على أن يأتوا بالعبادات على الوجه الصحيح، فإنَّهم لا يُقدمون عليها إذا كانوا يجهلونها أو يجهلون بعض أحكامها، حتى يسألوا عن ذلك؛ لتقع موقعها الشرعي، وهذا واجب المسلمين." اهـ

 

 



[1] وفي شرح مسند أبي حنيفة (1/ 324) للقاري (المتوفى: 1014هـ) : "(قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد")، أي : ففي حقهما وخدمتهما فاجتهد." اهـ 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين