الحديث 18 من الأدب المفرد

 

9- بَابُ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ مَا لم يكن معصية

 

18 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ الْبَصْرِيُّ - لَقِيتُهُ بِالرَّمْلَةِ - قَالَ: حَدَّثَنِي رَاشِدٌ أَبُو مُحَمَّدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:

"أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِتِسْعٍ : «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ[1]، وَلَا تَتْرُكَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ مُتَعَمِّدًا، وَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ[2]، وَلَا تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا، وَلَا تُنَازِعَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّكَ أَنْتَ، وَلَا تَفْرُرْ مِنَ الزَّحْفِ، وَإِنْ هَلَكْتَ وَفَرَّ أَصْحَابُكَ، وَأَنْفِقْ مِنْ طَوْلِكَ عَلَى أَهْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه : البخاري في الأدب المفرد (ص: 20) (رقم : 18)، وابن ماجه في سننه (2/ 1119 و 1339) (رقم : 3371 و 4034)، وابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 651) (رقم : 276)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 884) (رقم : 911)، والطبري في تهذيب الآثار _ مسند عمر (1/ 411) (رقم : 684)، وتمَّام الرازي في الفوائد (2/ 296) (رقم : 1791)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 904) (رقم : 1524) والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 408) (رقم : 5200).

 

والحديث حسن – حسنه الألباني في «الإرواء» (7/ 89) (2026)، وفي صحيح الترغيب والترهيب (1/ 367 و 2/ 601) (رقم : 567 و 2369)

 

صحيح مسلم (3/ 1587) (رقم : 2002) : عَنْ جَابِرٍ قال :

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»

 

رواة الحديث 18 :

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (صدوق)

محمد بن عبد العزيز بن محمد العُمَرِيُّ، أبو عبد الله الرملى ، المعروف بابـ"ن الواسطي"

روى له :  خ تم س  ( البخاري - الترمذي في الشمائل - النسائي )

 

 

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ الْبَصْرِيُّ - لَقِيتُهُ بِالرَّمْلَةِ – (مقبول) :

عبد الملك بن الخطاب بن عبيد الله بن أبى بكرة الثقفي البصري، من صغار أتباع التابعين :  بخ

 

قَالَ: حَدَّثَنِي رَاشِدٌ أَبُو مُحَمَّدٍ (صدوق) :  

راشد بن نجيح الحِمَّانِي[3] التميمي، أبو محمد البصري، من صغار التابعين :  بخ ق

 

عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ (صدوق) :

شهر بن حوشب الأشعري الشامي الحمصي: أبو سعيد (مولى أسماء بنت يزيد)، من الوسطى من التابعين (ت : 112 هـ) : بخ م د ت س ق 

 

عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ (ثقة فقيهة) :

أم الدرداء الصغرى (اسمها : هجيمة) بنت حُيَيٍّ الأوصابية[4] الدمشقية الأشعرية ( زوجة أبى الدرداء )، من الوسطى من التابعين، (ت : 81 هـ) : خ م د ت س ق

 

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ (صحابي) :

عويمر بن زيد بن قيس الأنصارى ، أبو الدرداء الخزرجي (ت : 32 هـ) :  خ م د ت س ق

 

قَالَ : "أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِتِسْعٍ : «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ مُتَعَمِّدًا، وَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا، وَلَا تُنَازِعَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّكَ أَنْتَ، وَلَا تَفْرُرْ مِنَ الزَّحْفِ، وَإِنْ هَلَكْتَ وَفَرَّ أَصْحَابُكَ، وَأَنْفِقْ مِنْ طَوْلِكَ عَلَى أَهْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

 

شرح الحديث :

 

سنن النسائي (8/ 315) (رقم : 5666) :

عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:

«اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ : "إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ"،

فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ : )إِنِّي وَاللَّهِ، مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ."

قَالَ : "فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا"، فَسَقَتْهُ كَأْسًا،

قَالَ : "زِيدُونِي."

فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ،

فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ»

وقال الألباني في "التعليقات الحسان" (8/ 22) (رقم : 5324) : "ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً - ((الأحاديث المختارة)) (320)." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 139) للعثيمين :

"والعقل يقتضي أن يكون محرما، لأنه يلحق صاحبه بالمجانين والعياذ بالله ولهذا يطلق نساءه، وربما يقتل أولاده، وربما يفعل الفاحشة في أهله،

وقد قرأت قبل سنوات كثيرة في – مجلة، لا أحب أن أذكر من أين هي صادرة- أن شابا دخل على أمه في الساعة الواحدة ليلا - أي: بعد منتصف الليل - وراودها عن نفسها يريد أن يفعل بها الفاحشة - والعياذ بالله- فأبت عليه، فأخذ السكين وهددها، وقال: إن لم تمكنيني من نفسك فإني أقتل نفسي، فأدركتها الشفقة فمكنته من نفسها - والعياذ بالله- فزنى بها، انتهى من الزنا،

ولما أصبح كان ضميره أشهره بذلك فجاء إلى أمه، فقال لها: يا أمي، أفعلت كذا وكذا؟ قالت  : "لا"، خوفا عليه، فأقسم عليها إلا أن تخبره فأخبرته،

ثم انطلق منها وأخذ وعاء من الجاز وصبه عليه وأحرق نفسه - والعياذ بالله-،

فانظر شرب الخمر وزنى بالأم، وفي النهاية : قتل نفسه، ولهذا جاء في الحديث تسميتها بأم الخبائث، ومفتاح كل شر.

فالعقل يؤيد الشرع في تحريم الخمر." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

1/ التحذير من الشرك والترغيب في الاستقامة  على التوحيد

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 494)

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي اخْتِيَارُ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ دُونَ إِظْهَارِ الشِّرْكِ

 

فتح الباري لابن رجب (1/ 57_58) :

وقد أخبر الله عن أصحاب الأخدود بما أخبر به وقد كانوا فتنوا المؤمنين والمؤمنات وحرقوهم بالنار ليرتدوا عن الإيمان، فاختاروا الإيمان على النار...

هذا مع أن التقية في ذلك باللسان جائزة مع طمأنينة القلب بالإيمان كما قال تعالى {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] . ولكن الأفضل الصبر وعدم التقية في ذلك. فإذا وجد القلب حلاوة الإيمان أحس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان ولهذا قال يوسف عليه السلام: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف " 33] . سئل ذو النون: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمر عندك من الصبر. وقال بشر بن السري : ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يبغضه حبيبك. واعلم أن القدر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو أن ينفر من ذلك ويتباعد منه جهده ويعزم على أن لا يلابس شيئا من جهده لعلمه بسخط الله له وغضبه على أهله.

 

2/ التحذير من ترك الصلاة

 

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 896)

سِيَاقُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الْإِيمَانِ

 

نيل الأوطار (1/ 363)

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ الْقَتْلُ لِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَحَادِيثُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ: لَا أُصَلِّي حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَجَبَ قَتْلُهُ، وَهَكَذَا حُكْمُ تَارِكِ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ سَتْرِ عَوْرَةٍ وَكُلُّ مَا كَانَ رُكْنًا وَشَرْطًا.

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 494)

مَنِ ابْتُلِيَ بِأَحَدِهِمَا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، أَيْ: صَارَ كَالْكَافِرِ الَّذِي لَا ذِمَّةَ لَهُ فِعْلًا فَإِنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا مِنْ خِصَالِهِمْ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 224)

قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوهٌ مِنَ الْفِقْهِ

* أَحَدُهَا : قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لِمِحْجَنٍ الدِّيلِيِّ : «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟»،

وَفِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا وَهَذَا مَوْضِعُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَتَقْرِيرُ هَذَا الْخِطَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ. [ثم ذكر حديث الباب]" اهـ

 

قلت : وحديث محجن الديلي أخرجه سنن النسائي (2/ 112) (رقم : 857)، فقال : أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ، عَنْ مِحْجَنٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟» قَالَ: بَلَى. وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ».

وأخرجه : موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 132) (رقم : 8)، وغيره، وهو حديث صحيح صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 324) (رقم : 1337)

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 217)

(الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّبْعُونَ: تَعَمُّدُ تَرْكِ الصَّلَاةِ) قَالَ - تَعَالَى - مُخْبِرًا عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45] .

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَمُسْلِمٌ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَالتِّرْمِذِيُّ: «بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَابْنُ مَاجَهْ: «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَصَحَّ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.

 

3/ تحريم الخمر

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 242)

الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ، وَالثَّمَانُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ:) شُرْبُ الْخَمْرِ مُطْلَقًا وَالْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا

 

وفي «إنجاح الحاجة» (ص: 241) لمحمد عبد الغني المجددي الحنفي (ت 1296 هـ) :

"الأقفال والأبواب المغلقة لَا تفتح بِدُونِ الْمِفْتَاح كَذَلِك أَبْوَاب الشرور لَا تتزين وَلَا تستحسن بِدُونِ شرب الْخمر وَفِي بعض الرِّوَايَات أم الْخَبَائِث ومآلهما وَاحِد...

وَذَلِكَ لِأَن الْعقل هُوَ الَّذِي ينْهَى الْإِنْسَان عَن الشَّرّ فَإِذا ذهب الْعقل يرتكب كل قَبِيح." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 113) للأمير الصنعاني :

"من شربها أتى كل فاحشة وتهاون لكل طاعة وفسد دينه ودنياه." اهـ

 

فيض القدير (6/ 404)

ومن ثم كان شربها من أفجر الفجور وأكبر الكبائر بل ذهب بعض الصحابة إلى أنها أكبرها بعد الشرك وذهب جمع من المجتهدين وتبعه المؤلف إلى أن شاربها يقتل في الرابعة وزعموا صحة الحديث بذلك من غير معارض

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (3/ 874) :

"قرن ترك الصلاة وشرب الخمر مع الشرك إيذاناً بأن الصلاة عمود الدين وتركهما ثلمة في الدين، وأن شرب الخمر كعابدة الوثن؛ ولأن أم الأعمال ورأسها الصلاة، وأم الخبائث الخمر، فأنى يجتمعان؟

قال الله تعالي: {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} ثم عقب كلا من المنهيات بما يزيد المبالغة فيها." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 284) لعبيد الله الرحمني :

"فالصلاة مفتاح كل خير، والخمر مفتاح كل شر، أي: لأنها تزيل العقل فلا يبالي بشيء، فقد انفتح له باب الشر بعد أن كان مغلقاً بقيد العقل." اهـ

 

قلت : قال الله _تعالى_ :

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (15/ 10) لابن عبد البر :

"وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ مَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ،

وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ قَالَ : (قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : "لِي جَارٌ، يَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟" فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ : "سَلِّمْ عَلَيْهِ، وَلَا تُجَالِسْهُ." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 146)

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شُرْبَ الْمُسْكِرِ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلَّ مَا هُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ صَارَ كَافِرًا

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 138_139)

والخمر محرم في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وتحريمه مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، ولهذا قال العلماء - رحمهم الله-: من أنكر تحريمه وقد عاش بين المسلمين فإنه مرتد عن الإسلام؛ لأنه أنكر ما علم من الدين بالضرورة وكل من أنكر ما علم من الدين بالضرورة؛ فإنه يكون___مرتدا كما لو أنكر تحريم الزنا أو وجوب الصلوات الخمس أو ما أشبه ذلك فهو يحرم بالكتاب والسنة والإجماع." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 147)

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُ خَمْرٍ بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ سَكْرَانُ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 147)

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لُعِنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةٌ: الْعَاصِرُ لَهَا وَالْمَعْصُورَةُ لَهُ، وَشَارِبُهَا وَسَاقِيهَا وَحَامِلُهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَتَاجِرُهَا وَمُتْجِرُهَا، وَبَائِعُهَا وَمُشْتَرِيهَا، وَشَاتِلُهَا يَعْنِي غَارِسُهَا.

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 145)

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: «يُجَاءُ بِشَارِبِ الْخَمْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدًّا وَجْهُهُ، مُزْرَقَّةً عَيْنَاهُ، مُدْلَعًا لِسَانُهُ عَلَى صَدْرِهِ يَسِيلُ لُعَابُهُ، يَسْتَقْذِرُهُ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ مِنْ نَتَنِ رَائِحَتِهِ.

لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ، وَلَا تَعُودُوهُمْ إِذَا مَرِضُوا، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ إِذَا مَاتُوا» .

وَقَالَ مَسْرُوقٌ: شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، يَعْنِي إِنِ اسْتَحَلَّ شُرْبَهَا وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ : (لَأَنْ أَشْرَبَ قَدَحًا مِنْ نَارٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْرَبَ قَدَحًا مِنْ خَمْرٍ)." اهـ

 

قلت : قال الله _تعالى_ :

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } [المائدة: 90_91]

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 148_149) :

"وَعَنْ عَطَاءٍ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَلْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ : نَعَمْ، هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] ، مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ.

إِنَّا أَنْزَلْنَا الْحَقَّ لِيَذْهَبَ بِالْبَاطِلِ، وَيُبْطِلَ بِهِ اللَّعِبَ وَالدُّفَّ وَالْمَزَامِيرَ.

وَالْخَمْرُ وَيْلٌ لِشَارِبِهَا.

أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ لِمَنِ انْتَهَكَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَطَّشْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلِمَنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا حَرَّمْتُهَا إِلَّا سَقَّيْتُهُ إِيَّاهَا مِنْ حَظِيرَةِ الْقُدْسِ.

قِيلَ: وَمَا حَظِيرَةُ الْقُدْسِ؟ قَالَ: اللَّهُ هُوَ الْقُدْسُ وَحَظِيرَتُهُ الْجَنَّةُ.

إِيَّاكَ وَشُرْبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّ فِيهِ عَشْرَ خِصَالٍ مَذْمُومَةٍ.

أَوَّلُهَا : أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ، وَيَصِيرُ ضَحِكَةً لِلصِّبْيَانِ وَمَذَمَّةً عِنْدَ الْعُقَلَاءِ.

كَمَا ذُكِرَ عَن ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ سَكْرَانًا فِي بَعْضِ سِكَكِ بَغْدَادَ يَبُولُ وَهُوَ يَتَمَسَّحُ بِبَوْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ.

وَذُكِرَ أَنَّ سَكْرَانًا قَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَجَاء كَلْبٌ يَمْسَحُ فَمَهُ وَلِحْيَتَهُ وَهُوَ يَقُولُ لِلْكَلْبِ يَا سَيِّدِي لَا تُفْسِدِ الْمِنْدِيلَ.

الثَّانِي: إِنَّهَا مُتْلِفَةٌ لِلْمَالِ مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ.

كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنَا رَأْيَكَ فِي الْخَمْرِ فَإِنَّهَا مُتْلِفَةٌ لِلْمَالِ مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ شُرْبَهَا سَبَبٌ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْإِخْوَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ.

كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: 91] ، وَهُوَ الْقِمَارُ الرَّابِعُ: أَنَّ شُرْبَهَا يَمْنَعُهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] ، يَعْنِي انْتَهُوا عَنْهَا.___

فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قَدِ انْتَهَيْنَا يَا رَبُّ.

الْخَامِسُ: أَنَّ شُرْبَهَا يَحْمِلُهُ عَلَى الزِّنَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ سَهُلَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَعَاصِي.

السَّابِعُ: أَنَّهُ يُؤْذِي حَفَظَتَهُ بِإِدْخَالِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَبِوُجُودِ الرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ مِنْهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْذِيَ مَنْ لَا يُؤْذِيه.

الثَّامِنُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى نَفْسِهِ ثَمَانِينَ جَلْدَةٍ فَإِنْ لَمْ يُضْرَبْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُضْرَبُ فِي الْآخِرَةِ بِسِيَاطٍ مِنَ النَّارِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْآبَاءُ وَالْأَصْدِقَاءُ.

التَّاسِعُ: أَنَّهُ رَدَّ بَابَ السَّمَاءِ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا تُرْفَعُ لَهُ حَسَنَاتُهُ وَلَا دُعَاؤُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

الْعَاشِرُ: أَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ الْإِيمَانُ عِنْدَ مَوْتِهِ.

فَهَذِهِ الْعُقُوبَاتُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْعُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ، فَأَمَّا عُقُوبَاتُ الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا لَا تُحْصَى مِنْ شُرْبِ الْحَمِيمِ وَالزَّقُّومِ وَفَوْتِ الثَّوَابِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَخْتَارَ لَذَّةً قَلِيلَةً وَيَتْرُكَ لَذَّةً طَوِيلَةً." اهـ

 

عون الاحد الصمد (١/ ٣٨_39) لزيد بن محمد المدخلي _رحمه الله_ :

"والخلاصة لهذا الحديث الشريف أجملها فيما يلي :

١_ التحذير من الإشراك بالله بجميع أنواعه، والجزم بتحريمه؛ فإنه ظلم عظیم

٢_ النهي الشديد عن ترك الصلاة على أي حال من الأحوال ما دام العقل موجودا؛ إذ لا دين لمن ترك الصلاة .

٣_ النهي عن شرب الخمر فإنها أم الخبائث، ومفتاح كل شر، ومحرمة بنصوص والسنة.

4_ الأمر ببر الوالدين أحياء وأمواتا.

5_ التحذير من الفرار من الزحف، فإن الآجال بيد الله، وقد كتبت وفرغ منها .

6_ الإرشاد إلى احترام الأصحاب والأقارب وتوقيرهم لما لهم من الحق.

۷_ وجوب النفقة على الأهل ابتغاء الأجر من الله.____

8_ الحرص على صلاح الأهل والقيام بإصلاحهم ولو بتأديبهم ولأنازع ولاة الأمر وإن رأيت أنك أنت.

 

عون الاحد الصمد (١/ 39) لزيد بن محمد المدخلي _رحمه الله_ :

قوله عليه الصلاة والسلام : «ولا تنازعن ولاة الأمر»

هذا الحديث، من مباحث الاعتقاد، ومن أهم الأمور التي حث عليها الشرع،

أعني : التحذير من منازعة ولي الأمر المسلم وإن جار وظلم،

وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة في هذا المعنى، إذ قال الله عزوجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

فأمر بطاعة أولي الأمر، وهي مقيدة كما سلف في المعروف، ولا يجوز لأحد مهما بلغ في الفضل والقوة لا يجوز له أن يعمد إلى ولي الأمر الذي تولى على المسلمين (إما بمبايعة أهل الحل والعقد له وإما بالغلبة بقوته وسلطانه حتى استتب له الأمر)،

لا يجوز لأحد أن يأتي فينازعه الأمر ويحاول خلعه والإطاحة به، فإن حصل شيء من ذلك وجب على العقلاء من الرعية أن يقفوا في وجهه حتى لا يشق عصا المسلمين ويخرج على واليهم، فتسفك الدماء بسبب ذلك، و تنتهب الأموال ويحصل الخلل في الأمن، و تضطرب الأمور،

فيصبح الناس همهم القتال والانتصار والانتقام بسبب خروج معتدٍ على ولي الأمر، بحجة أنه فعل معصية كذا وكذا أو يفعل في مملكته أو إقليمه الذي بسط يده عليه كذا وكذا،

كل هذه ليست مسوغاتٍ للخروج، ولا يُسَوِّغُ الخروجَ إلا الكفرُ الصریحُ،

كما قال النبي _صلى عليه وسلم_ :

«من جاءكم وأمركم جميعٌ على رجل، يريد أن يشق عصاكم، فاضروا عنقه كائنا من كان» [م د س]،

وهذه عقوبة عظيمة لمن ينازع ولاة الأمر المسلمين الذين بوجودهم تصلح أمور الناس؛ لأن الأمر عظيم، واجتماع المسلمين على والٍ (وإن كان فيه ظلم وجور، طالما هو مسلم)،

فإن اجتماعهم عليه خير من الفرقة وخير من الخروج عليه، بل کله إثم!!

لذا حذر النبي _صلى الله عليه وسلم_ من الخروج على ولاة الأمور أو شق العصا؛ لما يترتب على ذلك من الضرر، بل الواجب على الرعية، لاسيما العقلاء منهم (كأهل العلم وأهل الجاه)،

فإن الواجب عليهم أن يوجهوا ما رأوا فيه من خلل أو يوجهوه إلى الأصلح، وأن يكونوا____مُعِيْنِيْنَ له وبالدعوة الصالحة له سرا وعلا، لا على المنابر فقط، بل جهرا وسِرًّا،

كما قال الفضيل ابن عیاض _رحمه الله_ : «لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها في السلطان»،

ويعلل ذلك بان ما يصلح الله بالسلطان هو خير وأفضل،

وهذه عقيدة ومنهج من يهمه شأن المسلمين،

ومثل ذلك قال الإمام أحمد رحمه الله، وقال الإمام ابن تيمية رحم الله : ستون سنة بإمام جائر خيرٌ من ليلة بدون إمام،

وما ذلك إلا لأهمية وجود الرأس الذي يؤمن الله به السبل، و يحقن به الدماء، و يكف به ظلم الظالمين إلى ما لا يحصى من المصالح،

والأدلة قائمة على ذلك، فانظر إلى الشعوب التي فيها ولاة أمر، مهما كانوا عليه من المخالفات إلا أنها لا يوجد فيها سفك الدماء والعبث، إلا ما طرأ من الخوارج على اختلاف أشكالهم وأنواعهم،

لذا فالألفة بين المجتمع و أساسها أن يكون لهم وال مسلم يحقن الله به الدماء، ويرفع الظلم، و تقام الشعائر، و تؤمن السبل، وتحترم الأموال والأعراض، وهذا لا يحصل إلا بوال له كلمته وله نظامه بالحق أو في الحق،

لذا لا يجوز الخروج عليه بحال من الأحوال، مهما كان المسوغ إلا إذا ارتكب كفرا بواحا، ولم يقبل النصيحة للرجوع عنه، فذلك يسوع الخروج عليه بشرط أن لا يحصل منکر وضرر على الرعية."

 

عون الأحد الصمد (1/٤١) :

«ولا تفر من الزحف، وإن هلكت وفر أصحابك»

قد تقدمت الإشارة بالبيان لهذه الجملة، إذ الفرار من الزحف كبيرة من كبائر الذنوب لأن الله تبارك وتعالى نهی عن ذلك، فالواجب الثبات کما قال الله عز وجل موصيا المؤمنين

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأنفال: 45]،

ولا يجوز الفرار من الزحف إلا إذا كان الفار {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ } [الأنفال: 16]

أو كان عدد الكفار يزيد على اثنين منهم لواحد من المسلمين فإنه يجوز الفرار كذلك،

وما كان سوى ذلك فمن فر فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، بل الواجب الثبات وصدق العزيمة والرغبة في الشهادة، أو النصر والغنيمة؛ لأن المؤمن يقاتل لإعلاء كلمة الله ودحض كلمة الباطل بجميع صوره،

فمن أكرمه الله بالشهادة فقد فاز، والفتل لا يؤذيه بأي نوع من أنواع السلاح، لا يحس به مسلم مجاهد يجاهد الكفار إلا كقرصة البعوضة،

فإن للمجاهد في سبيل الله من الفضائل ما لا يحصى؛ لأنه قتل في سبيل الله،

ومن الفضائل أنه لايسأل في قبره، بل يكون قبره روضة من رياض الجنة، فلهذا لا يجوز الفرار من الزحف، اللهم إلا إذا كان العدد كبيرا و أمكن للمؤمن أن يتزحزح عن الكافرين، فلا حرج عليه إذا زاد عن مقابلة الواحد للاثنين، إذا كانوا أكثر من ذلك فلا يعتبر فرارا من الزحف، غير أنه إذا حمي الوطيس في المعركة، و التحم الحرب فلا سبيل إلى الفرار من الزحف، بل يثخن في أعداء الله إما النصر وإما الشهادة ." اهـ

 

عون الأحد الصمد (1/٤2) :

«وأنفق من طولك على أهلك»

كذلك من هذه الوصايا القيمة ذات الأوامر والنواهي: الإنفاق على الأهل،

الإنفاق على النفس واجب، والإنفاق على الأهل كذلك من النفقات الواجبة المفروضة،

كل من تحب عليك نفقتهم، كالزوجة والأولاد (الذين لا كاسب لهم سواك) والأبوين، وكل قریب وارث،

إذا احتاج إلى النفقة و أنت تقدر، وجب عليك أن تنفق عليهم حتى يستغنوا عن الناس، ويَكْتُب الله عزوجل لك الأجر، لاسيما السعي على اليتيم و على الأرملة التي تكون من أقاربك ورحمك،

إذا فعلت ذلك و أنفقت على هؤلاء، فأنت بمنزلة المجاهد في سبيل الله، وقد تقدم کلام مختصر على هذه الجملة قريبا." اهـ

 

عون الأحد الصمد (1/٤3) :

«ولا ترفع عصاك عن أهلك»

المراد بـ«ولا ترفع عصاك عن أهلك»

أي : عليك أن تخيفهم في الله ، إذا رايت من الأسرة من يقصر في الواجبات أو يرتکب المحارم، فعليك أن تخيفه وأنت تقدر على ذلك، وأن تؤدبه حتى لا يقتحم المعاصي فيهلك، أو يقصر في الواجبات فيقع في موجبات العقوبات العاجلة والآجلة،

وإنه لحق على صاحب البيت أن يجمل العصا على من فصر أو ارتكب المحارم من أسرته، ولكن يكون الضرب ضرب تأديب إن حصل،

وإلا فحمل العصا ذات التأديب قد تكون تخيف الأسرة، وإن لم يحصل بها تادیب،

وأمر الرعاية مهم، والرجل راع في أسيرته، لاسيما من كان في سن المراهقة من ذكر أو أنثى، فهؤلاء في حاجة و بقيتهم من تقدمت بهم السن وبلغ الرشد، فلا يسقط باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث والترغيب، حتی يقوم الإنسان بما أوجب الله عليه حيال أسرته وأقاربه ومن أمكنه القيام عليهم من جيران وإخوان و أصحاب ومجتمع." اهـ

 

عون الأحد الصمد (1/٤3) :

"«وأخفهم في الله عز وجل»

أخفهم في الله، عندما تحمل العصا على من يخاف من العصا ويعرف أنك ستؤدبه على مخالفته، هذه إخافة في الله، فيقوم للطاعة، وينشط للصلاة وينشط لطلب العلم ويكف عن الشر بسبب ما یری من عزمك على تأدیبه، عند وجود سببه، فهذا واجب." اهـ

 

رش البرد شرح الأدب (ص ٢٩) للشيخ محمد لقمان السلفي :

"فقه الحديث :

١_ الحث على الابتعاء عن الشرك واعتناق التوحيد حتى في الساعات الحرجة والظروف العصيبة الرهيبة .

2_ الحذر من ترك الصلاة المفروضة ومن سوء العاقبةِ والمصيرِ لتاركها بغير عذر شرعي

٣_ حرمة الخمر وبيان أضراره ومفاسده العظيمة .

4_ الحث على طاعة الوالدين حتى لو صدرت عنهما الأحكام الشديدة .

5_ وجوب طاعة الإمام وحرمة الخروج عليه ولو كان جائرا .

6_ الحض على الجهاد وعدم الخوف والفرار من لقاء العدو في أحرج ساعة.

۷_ الاقتصاد في النفقة على الأولاد.

۸_ عدم الامتناع عن الضرب لتربيتهم

۹_ إنذار الأولاد عن المعاصي والمخالفة لأوامر الله." اهـ

 

رش البرد ٢٩



[1] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 516) للقاري :

"يَكُونُ وَصِيَّةً بِالْأَفْضَلِ، فَانْدَفَعَ مَا قَالَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ: إِنَّ التَّلَفُّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِلْإِكْرَاهِ يُسَمَّى شِرْكًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ اللَّفْظِ لَا يَقُولُونَ إِنَّهُ كُفْرٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] صَرِيحٌ فِي الْحِلِّ." اهـ

[2] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 516) للقاري :

"(وَلَا تَتْرُكُ صَلَاةً مَكْتُوبَةً) : فَإِنَّهَا أُمُّ الْعِبَادَاتِ وَنَاهِيَةُ السَّيِّئَاتِ (فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا) : احْتِرَازٌ عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالنَّوْمِ وَالضَّرُورَةِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ، (فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) : كِنَايَةٌ عَنِ الْكُفْرِ تَغْلِيظًا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهَا الْأَمَانُ مِنَ التَّعَرُّضِ بِالْقَتْلِ أَوِ التَّعْزِيرِ." اهـ

[3] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 386) :

"الْحمانِي (بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم وَفِي آخرهَا نون) : هَذِه النِّسْبَة إِلَى حمان وَهِي قَبيلَة من تَمِيم وَهُوَ حمان بن عبد الْعَزِيز بن كَعْب ابْن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم نزلُوا الْكُوفَة." اهـ

[4] اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 94) :

"الأوصابي (بِفَتْح الْألف وَسُكُون الْوَاو وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَفِي آخرهَا الْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة) : هَذِه النِّسْبَة إِلَى أوصاب، وَهِي قَبيلَة من حمير والمنتسب إِلَيْهَا أم الدَّرْدَاء امْرَأَة أبي الدَّرْدَاء وَاسْمهَا هجيمة الأوصابية وَهِي الصُّغْرَى توفيت بعد سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين