الحديث 12 من رياض الصالحين

 

الشارح : عبدالقدر أبو فائزة البوجيسي _حفظه الله_


[12] وعن أبي عبد الرحمن عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ _رضيَ اللهُ عنهما_، قَالَ :

سمعتُ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_، يقول:

«انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ[1] مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقالُوا :

"إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلا أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ."

قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ[2] :

"اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلاً ولا مالاً، فَنَأَى بِي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا[3].

فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوْقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً، فَلَبِثْتُ _والْقَدَحُ عَلَى يَدِي_، أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ، والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ[4] عِنْدَ قَدَميَّ،

فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما.

اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ.

قَالَ الآخر[5]:

اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ،

_وفي رواية : كُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ_،

فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا، فامْتَنَعَتْ منِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا،

_وفي رواية : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا_،

قالتْ : اتَّقِ اللهَ وَلا تَفُضَّ الخَاتَمَ[6] إلا بِحَقِّهِ[7]، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا، وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها.

اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ، فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا.

وَقَالَ الثَّالِثُ[8] :

اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ، تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ،

فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ،

فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ، فَقالَ :

"يَا عبدَ اللهِ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي"،

فَقُلْتُ : "كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ : مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ"،

فقالَ : "يَا عبدَ اللهِ، لا تَسْتَهْزِئْ بي!"

فَقُلْتُ : "لا أسْتَهْزِئ بِكَ"،

فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً. الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ» . مُتَّفَقٌ عليهِ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه (البخاريّ) في "الحرث و"الإجارة" (2272) و"المزارعة" (2333) و"أحاديث الأنبياء" (3465) و"الأدب" (5974)، و(مسلم) [2/ 6924 و 6925 و 6926] (2743)، و(أحمد) في "مسنده" (2/ 116)، و(البزّار) في "مسنده" (3178 و 3179 و 3180)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (897)، و (الطبرانيّ) في "الدعاء" (197 و 198)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (3/ 421)، و (البيهقيُّ) في "شعب الإيمان" (5/ 412)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (3420)، والله تعالى أعلم.

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 509) :

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ فِي الْكَرْبِ وَالتَّقَرُّبُ إِلَى الله___ _تَعَالَى_ بِذِكْرِ صَالِحِ الْعَمَلِ وَاسْتِنْجَازُ وَعْدِهِ بِسُؤَالِهِ،

وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ اسْتِحْبَابَ ذِكْرِ ذَلِكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ." اهـ[9]

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 510) :

"وَفِيهِ : فَضْلُ الْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ وَفَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَتِهِمَا وَإِيثَارِهِمَا عَلَى الْوَلَدِ وَالْأَهْلِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِهِمَا." اهـ[10]

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 510) :

"وَفِيهِ : فَضْلُ الْعِفَّةِ وَالِانْكِفَافِ عَنِ الْحَرَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ،

* وَأَنَّ تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ يَمْحُو مُقَدِّمَاتِ طَلَبِهَا

* وَأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا،

* وَفِيهِ جَوَازُ الْإِجَارَةِ بِالطَّعَامِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الْمُتَآجِرَيْنِ

* وَفَضْلُ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَإِثْبَاتُ الْكَرَامَةِ لِلصَّالِحِينَ،

* وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ[11]،

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبُيُوعِ.

* وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إِذَا اتَّجَرَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ كَانَ الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ قَالَهُ أَحْمَدُ،

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُ فَقَالُوا إِذَا تَرَتَّبَ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْوَدِيعِ وَكَذَا الْمُضَارِبُ كَأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فَيَلْزَمُ ذِمَّتَهُ أَنَّهُ إِنِ اتَّجَرَ فِيهِ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ،

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : الْغَرَامَةُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الرِّبْحُ فَهُوَ لَهُ لَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ،

وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ : إِنِ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَالْعَقْدُ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْبُيُوعِ أَيْضًا." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 510) :

"وَفِيهِ : الْإِخْبَارُ عَمَّا جَرَى لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ لِيَعْتَبِرَ السَّامِعُونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَيُعْمَلُ بِحَسَنِهَا وَيُتْرَكُ قَبِيحُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 511) :

"وَفِي اخْتِلَافِهِمْ : دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ سَائِغَةٌ شَائِعَةٌ وَأَنْ لَا أَثَرَ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَأَرْجَحُهَا فِي نَظَرِي : رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لِمُوَافَقَةِ سَالِمٍ لَهَا فَهِيَ أَصَحُّ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادِ،

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى : فَيُنْظَرُ أَيُّ الثَّلَاثَةِ كَانَ أَنْفَعُ لِأَصْحَابِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِدُعَائِهِ،

وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ : أَفَادَ إِخْرَاجَهُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَالثَّانِي : أَفَادَ الزِّيَادَةَ فِي ذَلِكَ وَإِمْكَانَ التَّوَسُّلِ إِلَى الْخُرُوجِ بِأَنْ يَمُرَّ مَثَلًا هُنَاكَ مَنْ يُعَالِجُ لَهُمْ، وَالثَّالِثُ : هُوَ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُمُ الْخُرُوجُ بِسَبَبِهِ فَهُوَ أَنْفَعُهُمْ لَهُمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُ الثَّالِثِ أَكْثَرَ فَضْلًا من عمل الْأَخيرينِ،

وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ :

* فَصَاحِبُ الْأَبَوَيْنِ : فَضِيلَتُهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِأَبَوَيْهِ،

* وَصَاحِبُ الْأَجِيرِ : نَفْعُهُ مُتَعَدٍّ وَأَفَادَ بِأَنَّهُ كَانَ عَظِيمَ الْأَمَانَةِ،

وَصَاحِبُ الْمَرْأَةِ : أَفْضَلُهُمْ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِهِ خشيَة ربه وَقد شَهِدَ اللَّهُ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ بِأَنَّ لَهُ الْجَنَّةَ حَيْثُ قَالَ :

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40، 41]

وَقَدْ أَضَافَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى ذَلِكَ تَرْكَ الذَّهَبِ الَّذِي أَعْطَاهُ لِلْمَرْأَةِ، فَأَضَافَ إِلَى النَّفْعِ الْقَاصِرِ النَّفْعَ الْمُتَعَدِّيَ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ، فَتَكُونُ فِيهِ صِلَةُ رَحِمٍ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ قَحْطٍ فَتَكُونُ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ أَحْرَى،

فَيَتَرَجَّحُ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ جَاءَتْ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَخِيرَةً فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (12/ 25_26) للعيني :

"ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ :

فِيهِ : الْإِخْبَار عَن مُتَقَدِّمي الْأُمَم وَذكر أَعْمَالهم لترغيب أمته فِي مثلهَا، وَلم يكن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَكَلَّم بِشَيْء إلاَّ لفائدة، وَإِذا كَانَ مزاحه كَذَلِك فَمَا ظَنك بأخباره؟

وَفِيه : جَوَاز بيع الْإِنْسَان مَال غَيره بطرِيق الفضول، وَالتَّصَرُّف فِيهِ بِغَيْر إِذن مَالِكه إِذا أجَازه الْمَالِك بعد ذَلِك، وَلِهَذَا عقد البُخَارِيّ التَّرْجَمَة، وَقَالَ بَعضهم: طَرِيق الِاسْتِدْلَال بِهِ يبتنى على أَن شرع من قبلنَا شرع لنا، وَالْجُمْهُور على خِلَافه. انْتهى.

قلت : شرع من قبلنَا يلْزمنَا مَا لم يقص الشَّارِع الْإِنْكَار عَلَيْهِ،

وَهنا طَرِيق آخر فِي الْجَوَاز، وَهُوَ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر هَذِه الْقِصَّة فِي معرض الْمَدْح وَالثنَاء على فاعلها، وَأقرهُ على ذَلِك، وَلَو كَانَ لَا يجوز لبينه.

وَقَالَ ابْن بطال : "وَفِيه : دَلِيل على صِحَة قَول ابْن الْقَاسِم: إِذا أودع رجل رجلا طَعَاما فَبَاعَهُ الْمُودع بِثمن: فَرضِي الْمُودع بِهِ، فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ أَخذ الثّمن الَّذِي بَاعه بِهِ، وَإِن شَاءَ أَخذ مثل طَعَامه،

وَمنع أَشهب، قَالَ : "لِأَنَّهُ طَعَام بِطَعَام فِيهِ____خِيَار".

وَفِيه : الِاسْتِدْلَال لأبي ثَوْر فِي قَوْله: إِن من غصب قمحا فزرعه إِن كل مَا أخرجت الأَرْض من الْقَمْح فَهُوَ لصَاحب الْحِنْطَة.

وَقَالَ الْخطابِيّ : "اسْتدلَّ بِهِ أَحْمد على أَن الْمُسْتَوْدع إِذا أتجر فِي مَال الْوَدِيعَة وَربح أَن الرِّبْح إِنَّمَا يكون لرب المَال"،

قَالَ : "وَهَذَا لَا يدل على مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَن صَاحب الْفرق، إِنَّمَا تبرع بِفِعْلِهِ، وتقرب بِهِ إِلَى الله _عز وَجل_، وَقد قَالَ : "إِنَّه اشْترى بقرًا"، وَهُوَ تصرف مِنْهُ فِي أَمر لم يُوكله بِهِ، فَلَا يسْتَحق عَلَيْهِ ربحا، وَالْأَشْبَه بِمَعْنَاهُ أَنه قد تصدق بِهَذَا المَال على الْأَجِير بعد أَن أتجر فِيهِ، وأنماه،

وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَكثر الْفُقَهَاء فِي الْمُسْتَوْدع إِذا أتجر بِمَال الْوَدِيعَة وَالْمُضَارب إِذا خَالف رب المَال فربحا أَنه لَيْسَ لصَاحب المَال من الرِّبْح شَيْء، وَعند أبي حنيفَة: الْمضَارب ضَامِن لرأس المَال وَالرِّبْح لَهُ وَيتَصَدَّق بِهِ، والوضيعة عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ اشْترى السّلْعَة بِعَين المَال فَالْبيع بَاطِل، وَإِن كَانَ بِغَيْر عينه فالسلعة ملك المُشْتَرِي وَهُوَ ضَامِن لِلْمَالِ. وَقَالَ ابْن بطال: وَأما من أتجر فِي مَال غَيره؟ فَقَالَت طَائِفَة: يطيب لَهُ الرِّبْح إِذا رد رَأس المَال إِلَى صَاحبه، سَوَاء كَانَ غَاصبا لِلْمَالِ أَو كَانَ وَدِيعَة عِنْده مُتَعَدِّيا فِيهِ، هَذَا قَول عَطاء وَمَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف، وَاسْتحبَّ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ تنزهه عَنهُ، وَيتَصَدَّق بِهِ. وَقَالَت طَائِفَة: يرد المَال وَيتَصَدَّق بِالرِّبْحِ كُله، وَلَا يطيب لَهُ مِنْهُ شَيْء، هَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن وَزفر. وَقَالَت طَائِفَة: الرِّبْح لرب المَال وَهُوَ ضَامِن لما تعدى فِيهِ، هَذَا قَول ابْن عمر وَأبي قلَابَة، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَقَالَ ابْن بطال: وإصح هَذِه الْأَقْوَال قَول من قَالَ: إِن الرِّبْح للْغَاصِب والمتعدي وَالله أعلم.

وَفِيه : إِثْبَات كرامات الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ.

وَفِيه : فضل الْوَالِدين وَوُجُوب النَّفَقَة عَلَيْهِمَا، وعَلى الْأَوْلَاد والأهل،

قَالَ الْكرْمَانِي : نَفَقَة الْفُرُوع مُتَقَدّمَة على الْأُصُول فَلم تَركهم جائعين؟ قلت: لَعَلَّ فِي دينهم نَفَقَة الأَصْل مُقَدّمَة، أَو كَانُوا يطْلبُونَ الزَّائِد على سد الرمق، والصياح لم يكن من الْجُوع، قلت: قَوْله: والصياح لم يكن من الْجُوع، فِيهِ نظر لَا يخفى.

وَفِيه : أَنه يسْتَحبّ الدُّعَاء فِي حَال الكرب والتوسل بِصَالح الْعَمَل إِلَى الله تَعَالَى، كَمَا فِي الاسْتِسْقَاء.

وَفِيه : فضل بر الْوَالِدين وَفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهُمَا من الْأَوْلَاد وَالزَّوْجَة.

وَفِيه : فضل العفاف والانكفاف عَن الْمُحرمَات بعد الْقُدْرَة عَلَيْهَا.

وَفِيه : جَوَاز الْإِجَارَة بِالطَّعَامِ.

وَفِيه : فَضِيلَة أَدَاء الْأَمَانَة.

وَفِيه : قبُول التَّوْبَة، وَأَن من صلح فِيمَا بَقِي، غفر لَهُ، وَأَن من هم بسيئة فَتَركهَا ابْتِغَاء وَجهه كتب لَهُ أجرهَا. {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} (الرَّحْمَن: 64) .

وَفِيه : سُؤال الرب جلّ جَلَاله بإنجاز وعده، قَالَ تَعَالَى: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} (الطَّلَاق: 2) . وَقَالَ: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا} (الطَّلَاق: 4)." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 236) للقاضي عياض :

"* فيه جواز القرب إلى الله تعالى بما علم العبد أنه أخلصه من عمل صالح ومناجاته تعالى بذلك.

* وفيه فضل بر الوالدين، والكف عن المعاصى، وترك الشهوات، ومعونة المسلم، والسعى له بالخير فى ماله وجميع حاله. وفيه فضل الأمانة وأدائها." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 237) :

"وقوله : (فقُمْتُ عنها) :

فيه : أن من همّ بمعصية فتركها لله تعالى، وإن كان قد عزم عليها ووطن نفسه على فعلها، فإن ذلك يصير من تركه ونزوعه طاعة، وهى توبة حقيقة عنها، بدليل قوله فى الحديث الآخر: "فاكتبوها حسنة، لأنه إنما تركها من أجلى"، وقد مضى الكلام على هذا مفسراً مستوعباً أول الكتاب." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 472) :

"قال المهلب : لا تصح هذه الترجمة[12] إلا أن يكون الزارع متطوعًا إذ لا خسارة على صاحب المال؛ لأنه لو هلك الزرع أو ما ابتاع له بغير إذنه كان الهلاك من الزارع،

وإنما يصح هذا على سبيل التفضل بالربح وضمان رأس المال، لا أن من تعدى فى مال غيره، فاشترى منه بغير إذنه أو زرع به أنه يلزم صاحبه فعله؛ لأن ما فى ذمته من الدين لا يتغير إلا بقبض الأجير له، أو برضاه بعمله فيه، وقد تقدم فى كتاب الإجارة حكم من تجر فى مال غيره بغير إذنه فربح، ومذاهب العلماء فى ذلك.[13]

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 193_194) :

"كل من دعا إلى الله تعالى بنيةٍ صادقة وتوسل إليه بما صنعه لوجهه خاصا تُرْجى له الإججابة، ألاَ ترى أن اصحاب الغار توسلوا إلى الله تعالى بأعمال عملوها خالصة___لوجهه، ورجوا الفرج بها، فذكر أحدهم بر أبويه، وذكر الثانى أنه قعد من المرأة التى كان يحبها مقعد الرجل من المرأة، وانه ترك الزنا بها لوجه الله، وذكر الثالث أنه تجر فى أجرة الأجير حتى صار منها غنم وراعها، وأنه دفعه إليه حين طلب منه أجره،

فتفضل الله عليهم بإجابة دعائهم ونجاهم من الغار، فكما أجيب دعوة هؤلاء النفر، فكذلك ترجى إجابة دعاء كل من أخلص فعله لله وأراد به وجهه." اهـ

 

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 333) للكوراني :

"وفي هذا الحديث : دلالة ظاهرة على أن العمل الصالح الذي لا يشوبه رياء ينفع في الدنيا والآخرة، وقد سلف الكلام بتمامه في أبواب البيع." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3095) للقاري :

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: شَهْوَةُ الْفَرْجِ أَغْلَبُ الشَّهَوَاتِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَأَصْعَبُهَا عِنْدَ الْهَيَجَانِ عَلَى الْعَقْلِ،

فَمَنْ تَرَكَ الزِّنَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْقُدْرَةِ وَارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ، وَتَيَسُّرِ الْأَسْبَابِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ صِدْقِ الشَّهْوَةِ حَازَ دَرَجَةَ الصِّدِّيقِينَ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3095) :

"وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فِي مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ، وَطَرِيقِ الْأَمَانَةِ، وَإِرَادَةِ الشَّفَقَةِ حَيْثُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّقْرِيرِ لَا يُقَالُ لَعَلَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا،

فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ نَظِيرُهُ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ دَفَعَ قِيمَةَ كَبْشٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فَاشْتَرَاهُ بِهَا فَبَاعَهُ بِضِعْفِ ثَمَنِهِ، وَاشْتَرَى كَبْشًا آخَرَ، وَأَتَى بِهِ مَعَ قِيمَتِهِ فَدَعَا لَهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِالْبَرَكَةِ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3096) :

"قَالَ النَّوَوِيُّ : اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ كَرْبِهِ، وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ، وَيَتَوَسَّلَ بِصَالِحِ عَمَلِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ، وَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، وَذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَجَمِيلِ فَضَائِلِهِمْ، وَفِيهِ فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَإِيثَارُهَا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا مِنَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَفِيهِ فَضْلُ الْعَفَافِ وَالِانْكِفَافِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ." اهـ

 

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (25/ 172) لمحمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي _رحمه الله_ :

"وفيه : دليل على أنَّه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه وفي الاستقساء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به لأن هؤلاء دعوه فاستجيب لهم وذكرهم الله تعالى في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم." اهـ

 

ذم الهوى (ص: 245) لابن الجوزي :

"فَصْلٌ : قَدْ كَانَ يَغْلِبُ الْخَوْفُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّنْبِ، تَارَةً عَلَى الرِّجَالِ فَيَكُونُ الامْتِنَاعُ مِنْهُمْ، وَتَارَةً عَلَى النِّسَاءِ فَيَكُونُ الامْتِنَاعُ مِنْهُنَّ.

وَهَذَا سِيَاقُ أَخْبَارِ الرِّجَالِ الَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنَ الذُّنُوبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا." اهـ

 

التوابين لابن قدامة (ص: 49)

"ذكر التوابين من آحاد الأمم الماضية : 23 - [توبة أصحاب الغار]." اهـ

 

"فقه الأدعية والأذكار" (2/ 171) للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر _حفظه الله_ :

"فكانت أعمالُ هؤلاء الثلاثة الصالحةُ سبباً لتفريج همِّهم وكشف كربتهم وإجابة دعوتهم وتحقيق أملهم ورجائهم، فلمَّا تعرَّف هؤلاء إلى ربِّهم في حال رخائهم، تعرَّف إليهم ربُّهم سبحانه في حال شدَّتهم، فأمدَّهم بعونه، وأحاطهم بحفظه، وكلأهم برعايته وعنايته، وهو وحده الموفِّق والمعين لا شريك له." اهـ

 

"صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان" (ص: 198) للشيخ العلامة محمد بشير بن محمد بدر الدين السَّهْسَوَانِيِّ الْهِنْدِيِّ _رحمه الله_ (المتوفى: 1326هـ) :

"التوسل بالأعمال الصالحة، وهذا أيضاً ثابت بالكتاب والسنة الصحيحة، أما الكتاب فما تقدم ذكره من الآيتين اللتين فيهما ذكر الوسيلة، فإن المراد بها بإجماع المفسرين هي القربة،

وفي قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : إشارةٌ إلى ذلك، فإن العبادة قُدِّمَتْ على الاستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب وأدعى إلى الإجابة، كذا في البيضاوي وغيره،

يدل عليه قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} . والمعنى : استعينوا على حوائجكم وما تؤملون من خير الدنيا والآخرة إلى الله تعالى بالصبر والصلاة، حتى تُجَابُوْا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب، كذا في البيضاوي وغيره،

وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير عن حذيفة قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة."[14] اهـ

 

ثم قال السهسواني _رحمه الله_ بعد إيراد حديثنا في "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان" (ص: 198) :

"والحديث دال على أنه يستحب للإنسان أن يتوسل بصالح أعماله إلى الله تعالى، فإن هؤلاء فعلوه واستجيب لهم، وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء عليهم، وجميل فضائلهم، لكن الثابت منه إنما هو توسل الشخص بأعمال نفسه لا بأعمال غيره من الأنبياء والصالحين، كما زعم الإمام الشوكاني رحمه الله." اهـ[15]

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 19) لفيصل بن عبد العزيز الحريملي :

"في هذا الحديث : فضل الإخلاص في العمل، وأنه ينجي صاحبه عند الكرب.

وفيه : فضل بر الوالدين وخدمتهما، وإيثارهما على الولد والأهل، وتحمُّل المشقة لأجلهما.

وفيه : العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة.

وفيه : فضل حسن العهد وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 39_40) لابن هبيرة الشيباني :

"وفي هذا الحديث من الفقه :

* أن الدعاء في الشدة أقمنه[16] بالإجابة، ما صدق داعيه فيه، وهو أن يدعو الله _سبحانه وتعالى_ جاعلًا وسيلتَه ما كان من عمل صالح يذكر منه كلما لا يعلم الله تعالى خلافه، وليس هذا مما يخرج مخرج التمنن بالعبادة،

ولكن هذا الداعي بذكره هذا قد استشهد إيمانه الماضي بإخلاصه فيه حيث ظهر منه ذلك الإيمانُ في حالة الرخاء؛ فكان هو الذي أنقذه الله به في الشدة.

*وفيه أيضًا : أن هؤلاء الثلاثة لما اشتدت بهم الأزمة لم يفزعوا إلى مخلوق بأن يقولوا: نحتال في قلع هذه الصخرة أو حفرها أو نقرها أو غير ذلك، بل فزعوا إلى الله تعالى، فكان عونه هو الأقرب الأرجى.

*وفيه أيضًا : أن المسلم إذا حاطت به الشدة فلا ينبغي له أن يستصرخ ويسقط في يديه، وتمتد عنقه للهلاك بل يلجأ إلى الدعاء.

فيكون هجيراه فإنه في ذلك الوقت الشديد يكون مخلصًا في الدعاء فليغتنمه.

*وفيه _أيضًا_ : أن هؤلاء الثلاثة كانوا أصولًا في ثلاثة أمور، كلها عظيمِ الشأن، فسنوا___سنة الحسنى فيها إلى يوم القيامة،

وهي التي شكر النعمة التي من أرفعها : برُّ الوالدين، وكسر الشهوة التي من أشدِّها قذعُ النفس عن الجماع بعد جلوس الرجل من المنزلة ذلك المجلس، والأخرى أداء الأمانة لمن لا يخاف ولا يرجي.

فكانت هذه الأصول الثلاثة إذا نظر فيها حق النظر، وجدت مشتملة على ثغور العبادة لله تعالى؛ فلذلك لما اجتمعت من الثلاثة في حال واحدة، ودعوا بها دعوة رجل واحد، رفع الله بها الصخرة الهابطة من الجبل، خارًقا _سبحانه وتعالى_ العادة في مثلها، واستمر ذلك حديًثا تكلم به محمد _صلى الله عليه وسلم_، ورواه عنه الثقات ليعمل به لا ليتخد سمرًا فقط، ومما يحض على أن لا يستطرح الإنسان عند انقطاع حيلته بنزول البلاء واشتداده بل يفزع إلى الدعاء.

فإنه كنت مرة في جوف الليل نائمًا في زمان مر أخال أنه في أول نصف الليل الثاني، فأيقظني الله _سبحانه وتعالى_ وأوقع في نفسي أن الشيخ محمد ابن يحيى _رحمه الله_ في مثل هذه الليلة الباردة مع قلة كسوته يخاف عليه من أذية البرد فناديت غلامًا لنا اسمه كان (يحيى) ببيت في الدار عندي. وقلت له: "خذ في شيء نارًا، واقصد به إلى بيت الشيخ محمد بن يحيى."

فأخذ مجمرة وملأها نارًا من تنور هناك، وذهب بها إليه، فلما كان بعد ذلك بيوم أو يومين؛ وقد جلسنا في المسجد، فقال الشيخ محمد بن يحيى : "إني كنت قد غشيث أهلي ثم اغتسلت في الليل بالماء البارد فأصابتني وإياها ما تخيلت أن الموت قد دنا أو نحو ذلك، ثم قلت لنفسي: والله لا أستطرح هكذا بل أدعو الله _سبحانه وتعالى_."

قال : "فمددت يدي ودعوت الله بأن يعيننا مما نحن فيه، فإذا الباب يدق، وإذا قد جاء (يحيى) الغلام بمجمرة نار من عندك"،

فلما___حدثني بذلك كثر تعجبي من إيقاظي لذلك، فكأنه وقت خروج الدعاء منه أيقظت لأجله، وقد كان الله _تعالى_ قادرًا على إدفائه وأهله بغير نار، ولكن الله _تعالى_ أراد بما قدره من ذلك إظهار كرامة الشيخ وما يتبع ذلك من فضله _سبحانه_، إذا دعاه المضطر أنه مجيب ليعرف _سبحانه_، فإنني لا أحقق أنني نفذت إليه نارًا قبل تلك الليلة ولا بعدها.

*وفيه من الفقه : التنبيه على حسن تدبير المؤمن في إصلاح المال له ولغيره إذا كان ينمي اليسير منه، فيكثر ويتضاعف." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 85) لابن علان الصديقي :

"قال المصنف : واستدل أصحابنا بهذا أي بقوله: «لا ينجيكم...الخ» على أنه يستحبّ للإنسان الدعاء في حال كربه وفي حال الاستسقاء وغيره بصالح عمله، ويتوسل إلى الله تعالى بذلك، لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم، وذكره في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 85) :

"(قال رجل منهم) قُدِّمَ على الرجلين بعده إشارة إلى شرف برّ الوالدين والاهتمام بشأنهما، فإن التقديم في الذكر يكون للاهتمام." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 89_90) :

"في الحديث : استحباب الدعاء حال الكرب والتوسل بصالح العمل كما تقدم فيه.

وفيه : فضيلة برّ الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما من الولد والزوجة،

وفيه : فضل العفاف أو الانكفاف عن المحرّمات. لا سيما بعد القدرة عليها والهمّ بفعلها وترك ذلك خالصاً،

وفيه : جواز الإجارة بالطعام،

وفضلُ حسنِ العهدِ وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة.

وإثباتُ كرامات____الأولياء، وهو مذهب أهل الحق.[17]

ولا حجة فيه على جواز بيع الفضولية، لأن ما ذكر في شرع من قبلنا، وفي كونه حجة خلاف، وعلى تقدير الحجة فلعله استأجره بأجرة في الذمة كما أشرنا إليه ولم يسلمها له بل عرضها عليه فلم يقبلها لرداءتها، فبقيت على ملك المستأجر لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح،

ثم إن المستأجر تصرف فيه لبقائه على ملكه، فصح تصرفه فيه، ثم تبرع بما اجتمع منه على الأجير بتراضيهما،

قال الخطابي: إنما تطوع به صاحبه تقرباً به إلى الله تعالى، ولذا توسل به للخلاص، ولم يكن يلزمه في الحكم أن يعطيه أكثر من القدر الذي استأجره عليه، فلذا حمد فعله، والله أعلم." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 80) للعثيمين :

"وفي هذا دليل على الإخلاص لله - عز وجل- في العمل، وأن الإخلاص عليه مدار كبير في قبول العمل، فتقبل الله منه هذه الوسيلة وانفرجت الصخرة؛ لكن انفراجاً لا يستطيعون الخروج منه." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 82_83)

ففي هذا الحديث من الفوائد والعبر :

* فضيلة بر الوالدين؛ وأنه من الأعمال الصالحة التي تفرج بها الكربات، وتزال بها الظلمات.

* وفيه: فضيلة العفة عن الزنا، وأن الإنسان إذا عف عن الزنا- مع قدرته عليه- فإن ذلك من أفضل الأعمال، وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن هذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله)) .___

فهذا الرجل مكنته هذه المرأة التي يحبها من نفسها، فقام خوفاً من الله عز وجل، فحصل عنده كمال العفة، فيرجي أن يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

* وفي هذا الحديث أيضاً : دليل علي فضل الأمانة وإصلاح العمل للغير، فإن هذا الرجل بإمكانه- لما جاءه الأجير- أن يعطيه أجرته، ويبقي هذا المال له، ولكن لأمانته وثقته وإخلاصه لأخيه ونصحه له؛ أعطاه كل ما أثمر أجره.

* ومن فوائد هذا الحديث : بيان قدرة الله - عز وجل- حيث إنه تعالي أزاح عنهما الصخرة بإذنه، لم يأت آله تزيلها، ولم يأت رجال يزحزحونها، وإنما هو أمر الله عز وجلن أمر هذه الصخرة أن تنحدر فتنطبق عليهم ثم أمرها أن تنفرج عنهم، والله سبحانه- على كل شيء قدير.

* وفيه من العبر : أن الله تعالي سميع الدعاء؛ فإنه سمع دعاء هؤلاء واستجاب لهم.

* وفيه من العبر : أن الإخلاص من أسباب تفريج الكربات؛ لن كل واحد منهم يقول: ((اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه)) .

أما الرياء- والعياذ بالله- والذي لا يفعل الأعمال إلا رياء وسمعة، حتى يمدح عند الناس؛ فإن هذا كالزبد يذهب جفاء، لا ينتفع منه صاحبه." اهـ

 

الدعاء للطبراني (ص: 74)

"بَابُ تَقَرُّبُ الْعَبْدِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ الدُّعَاءِ بِصَالِحِ عَمَلِهِ." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري، ت. عمارة (1/ 51) :

"الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة."

 

الترغيب والترهيب للمنذري، ت. عمارة (3/ 268) :

"الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج."

 

الترغيب والترهيب للمنذري، ت. عمارة (3/ 314) :

"الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما."

 

الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (7/ 254) لان علان :

"هذا الحديث بدأ به صاحب الترغيب والترهيب في كتابه فذكره أول باب الإخلاص والصدق،

قال عمي (الشيخ الأستاذ أحمد بن علان الصديقي) : "ففيه إيماء إلى أن صخرة القلب إنما ينكشف عماؤها ويرتفع بلواؤها بالإخلاص الله والصدق معه، والله أعلم." اهـ

 

الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 397)

(بابُ دعاءِ الإِنسان وتوسّله بصالحِ عملهِ إلى الله تعالى)

 

الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (7/ 254) لابن علان :

قوله: (كان لي أبوان الخ) فيه فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم.

 

الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (7/ 256) محمد بن علان الصديقي (المتوفى: 1057 هـ) :

"ففي الحديث : فضل العفاف أو الانكفاف عن المحرمات لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها ويترك ذلك الله تعالى خالصاً،

وفي الحديث جواز الإجارة،

وفيه : حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة،

وفيه : إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل الحق.

 

حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة (ص: 452) لمحمد صديق حسن خان القنوجي : "321 - بَاب مَا ورد فِي أَن بر الْوَالِدين يُوجب الْفَلاح."

 

طريفة :

 

تفسير القرطبي (15/ 126_127)

"أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ يُونُسَ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، وَأَنَّ تَسْبِيحَهُ كَانَ سَبَبَ نَجَاتِهِ،

وَلِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا عَثَرَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" مِنَ الْمُسَبِّحِينَ" مِنَ الْمُصَلِّينَ الْمُطِيعِينَ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ".

وَقَالَ وَهْبٌ : "مِنَ الْعَابِدِينَ".

وَقَالَ الْحَسَنُ : "مَا كَانَ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا فِي حَالِ الرَّخَاءِ، فَذَكَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي حَالِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَإِذَا عَثَرَ وَجَدَ مُتَّكَأً.___

قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :

"مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ".[18]

فَيَجْتَهِدُ العبد، وَيَحْرِصُ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، يُخْلِصُ فِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَيَدَّخِرُهَا لِيَوْمِ فَاقَتِهِ وفقره، وَيُخَبِّؤُهَا بِجَهْدِهِ، وَيَسْتُرُهَا عَنْ خَلْقِهِ، يَصِلُ إِلَيْهِ نَفْعُهَا أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ.

وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ ومسلم مِنْ حَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنَّهُ قَالَ :

" بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ...". اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 517_521) للإثيوبي :

"في فوائده :

1 - (منها): بيان فضل الإخلاص في العمل، وفضل برّ الوالدين، وفضل

خدمتهما، وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة، وغيرهم، وتحمّل

المشقة لأجلهما.

وقد استُشكل تَرْكه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما، مع قدرته على تسكين جوعهم، فقيل: كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم، وقيل: يَحْتَمِل أن بكاءهم ليس عن الجوع، وقد تقدم ما يردّه، وقيل:____لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سدّ الرمق، وهذا أَولي، قاله في "الفتح".

2 - (ومنها): بيان إجابة دعاء من برّ والديه، وقد عقد البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في

"كتاب الأدب" من "صحيحه"، فقال: "باب إجابة دعاء من برّ والديه"، ثم أورد الحديث.

3 - (ومنها): استحباب التوسّل بالأعمال الصالحة، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -:

استدلّ أصحابنا بهذا على أنَّه يستحب للانسان أن يدعو في حال كربه، وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله، ويتوسل إلى الله تعالى به؛ لأنَّ هؤلاء فعلوه، فاستجيب لهم، وذكره النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في معرض الثناء عليهم، وجميل فضائلهم. انتهى (2).

وقال في "الفتح" : في هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده بسؤاله، واستَنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذِكر ذلك في الاستسقاء.

واستشكله المحبّ الطبريّ؛ لِمَا فيه من رؤية العمل، والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أَولى؛ لأنه مقام التضرع.

وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لَمْ يستشفعوا بأعمالهم، وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة، وقُبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم.

قال الحافظ: فتضمن جوابه تسليم السؤال، لكن بهذا القيد، وهو حسن،

وقد تعرّض النوويّ لهذا، فقال في "كتاب الأذكار": "باب دعاء الإنسان، وتوسله بصالح عمله إلى الله"، وذَكَر هذا الحديث، ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء، ثم قال: وقد يقال: إن فيه نوعًا من ترك الافتقار المطلق، ولكن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أثنى عليهم بفعلهم، فدلّ على تصويب فِعلهم.

وقال السبكي الكبير: ظهر لي أن الضرورة قد تُلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا، وأن هذا منه، ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية____عمل بالكلية؛ لقول كلّ منهم: إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص، بل أحال أمره إلى الله، فماذا لَمْ يجزموا بالإخلاص فيه، مع كونه أحسن أعمالهم، فغيره أَولي، فيستفاد منه أن الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه، ويسيء الظن بها، ويبحث عن كلّ واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه، فيفوّض أمره إلى الله، ويعلّق الدعاء على علم الله به، فحينئذ يكون إذا دعا راجيًا للإجابة، خائفًا من الردّ، فإن لَمْ يغلب على ظنه إخلاصه، ولو في عمل واحد، فليقف عند حدّه، ويستحي أن يسأل بعمل ليس بخالص، قال: وإنما قالوا: ادعوا الله بصالح أعمالكم في أول الأمر، ثم عند الدعاء لَمْ يطلقوا ذلك، ولا قال واحد منهم : أدعوك بعملي، وإنما قال: إن كنت تعلم، ثم ذكر عمله. انتهى ملخصًا.

قال الحافظ: وكأنه لَمْ يقف على كلام المحبّ الطبريّ الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكر، والله أعلم. انتهى

4 - (ومنها): بيان فضل العفاف، والانكفاف عن المحرمات، لا سيما بعد القدرة عليها، والهمّ بفعلها، وترْكها لله تعالى خالصًا، وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها، وأن التوبة تَجُبّ ما قبلها.

5 - (ومنها): بيان جواز الإجارة، وفضل حسن العهد، وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة.

6 - (ومنها): بيان جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين.

7 - (ومنها): بيان فضل أداء الأمانة، وإثبات الكرامة للصالحين بإجابة دعائهم، وغيره، قال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: لا خلاف في جواز استجابة الدعاء للوليّ وغيره ما عدا الكافر، فإن فيه خلافًا، لكنه ضعيف؛ لاستجابة دعاء إبليس، والاستدلالُ بقوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14] غير صحيح؛ لأنه ورد في دعاء الكفار في النار، بخلاف الدنيا، فإنه ورد أنه _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قال: "اتق دعوة المظلوم، وإن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجاب"[19]، على ما____رواه أحمد وغيره عن أنس،

فمثل هذا لا يُعَدّ من كرامات الأولياء؛ لأنَّ

الكرامة من أنواع خوارق العادة. انتهى كلام القاري - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

8 - (ومنها): استدل به على جواز بيع الفضوليّ، وهو مذهب الحنفيّة،

وبعض أهل العلم، قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهَ -: وتمسَّك به أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، ممن يجيز بيع الإنسان مال غيره، والتصرف فيه بغير إذنه، إذا أجازه المالك

بعد ذلك.

وأجاب أصحابنا بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وفي كونه شرعًا لنا خلاف، فإن قلنا: إنا متعبدون به، فهو محمول على أنَّه استأجره في الذمّة، ولم يسلم إليه، بل عَرَضه عليه، فلم يقبضه، فلم يتعين، ولم يَصِرْ ملكه،

فالمستأجر قد تصرف في ملك نفسه، ثم تبرع بما اجتمع منه من البقر والغنم وغيرهما.

وتعقَّبه القاري، فقال: وفيه أن قوله: استأجره في الذِّمة غير صحيح؛ لِمَا في الحديث التصريح بخلافه، حيث قال: استأجرت أجيرًا بفرق أرز، ولا بد من تعيينه، وإلا فالإجارة المجهولة غير صحيحة عندهم، وكذا يَرُدّ عليه قوله:

"فعرضت عليه حقه"؛ لأنه لو فُرض أنه في الذِّمة من غير تعيين لا يسمى حقّه،

فالحق أحقّ أن يتبع. انتهى

قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد القاري - رَحِمَهُ اللهُ - في تعقّبه هذا، فما دلّ عليه ظاهر الحديث من جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، إذا كان فيه نصيحة له هو الحقّ، والله تعالى أعلم.

9 - (ومنها): ما قاله في "العمدة": وفيه الاستدلال لأبي ثور في قوله: إن من غصب قَمْحًا، فزرعه، أن كلّ ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة.

وقال الخطابيّ: استَدَلّ به أحمد على أنَّ المستودَع إذا اتّجر في مال____الوديعة، ورَبِح أن الربح إنما يكون لرب المال، قال: وهذا لا يدلُّ على ما قال، وذلك أن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله، وتقرب به إلى الله - عَزَّوَجَلَّ -، وقد قال: إنه اشترى بقرأ، وهو تصرف منه في أمر لَمْ يوكله به، فلا يستحقّ عليه ربحًا، والأشبه بمعناه: أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتّجر فيه، وأنماه، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودَع إذا اتجر بمال الوديعة،

والمضارب إذا خالف رب المال، فربحا أنه ليس لصاحب المال من الربح شيء، وعند أبي حنيفة: المضارب ضامن لرأس المال، والربح له، ويتصدق به، والوضيعة عليه.

وقال الشافعيّ: إن كان اشترى السلعة بعين المال، فالبيع باطل، وإن كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري، وهو ضامن للمال.

وقال ابن بطال: وأما من اتجر في مال غيره، فقالت طائفة: يطيب له الربح إذا ردّ رأس المال إلى صاحبه، سواء كان غاصبًا للمال، أو كان وديعة عنده متعديًا فيه، هذا قول عطاء، وما لك، والليث، والثوريّ، والأوزاعي، وأبي يوسف، واستَحَبّ مالك، والثوريّ، والأوزاعيّ تنزهه عنه، ويتصدق به.

وقالت طائفة: يردّ المال، ويتصدق بالربح كله، ولا يطيب له منه شيء، هذا قول أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر.

وقالت طائفة: الربح لرب المال، وهو ضامن لِمَا تعدى فيه، هذا قول ابن عمر، وأبي قلابة، وبه قال أحمد، وإسحاق.

وقال ابن بطال: وأصح هذه الأقوال قول من قال: إن الربح للغاصب،

والمتعدي، والله أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه ابن عمر ومن معه هو الحقّ؛ لأنَّ الربح ثمرة أصل المال، وهو مُلك لصاحبه، فيكون تابعًا له، ولا ينتقل عنه إلى المودَع إلَّا بنمق، أو إجماع، ولا يوجدان، فتأمله بالإمعان،

والله تعالى أعلم.

10 - (ومنها): أن فيه الإخبارّ عن الأمم الماضية، وذِكر أعمالهم؛ ليعتبر

السامعون بأعمالهم، فيعملوا بحَسَنها، ويتركوا قبيحها، ولم يكن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يتكلم بشيء إلَّا لفائدة، وإذا كان مزاحه كذلك، فما ظنك بأخباره، والله تعالى أعلم." اهـ كلام الشيخ الإثيوبي _رحمه الله_.

 

 



[1] وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 84) لابن علان :

"(نفر)، في «النهاية» : هو اسم جمع يقع على عدد مخصوص من الرجال: أي: ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه." اهـ

[2] وفي رواية أحمد في مسنده (30/368_369/ رقم : 18417)

قَالَ الْآخَرُ: عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً، كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ، فَكُنْتُ أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا، ثُمَّ رَجَعْتُ___إِلَى غَنَمِي، قَالَ: فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ حَبَسَنِي، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَأَخَذْتُ مِحْلَبِي، فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي، فَمَا بَرِحْتُ جَالِسًا، وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ، فَسَقَيْتُهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا " قَالَ النُّعْمَانُ : لَكَأَنِّي أَسْمَعُ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " قَالَ الْجَبَلُ: طَاقْ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَخَرَجُوا "

[3] وفي الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 105) لشمس الدين الكرماني : "«غبوقهما»، أي : ما كان مُعَدًّا للغبوق، وإلا فهو صبوح، لأنه شرب في وقت الصباح." اهـ

وقال ابن فارس في "مقاييس اللغة" (4/ 411) : "(غَبَقَ) : الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْغَبُوقُ: شُرْبُ الْعَشِيِّ. يُقَالُ: غَبَقْتُ الْقَوْمَ غَبْقًا، وَاغْتَبَقَ اغْتِبَاقًا." اهـ

[4] فتح الباري لابن حجر (6/ 509) : "قَوْلُهُ (يَتَضَاغَوْنَ) بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالضُّغَاءُ بِالْمَدِّ : الصِّيَاحُ بِبُكَاءٍ." اهـ

[5] وفي رواية أحمد في مسنده (30/368/رقم : 18417) : «قَالَ الْآخَرُ: "قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً كَانَ لِي فَضْلٌ، فَأَصَابَتِ النَّاسَ شِدَّةٌ، فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا،

قَالَ: فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ"، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَذَكَّرَتْنِي بِاللَّهِ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا

وقُلْتُ : "لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ"،

فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَذَهَبَتْ، فَذَكَرَتْ لِزَوْجِهَا، فَقَالَ لَهَا : "أَعْطِيهِ نَفْسَكِ، وَأَغْنِي عِيَالَكِ"،

فَرَجَعَتْ إِلَيَّ، فَنَاشَدَتْنِي بِاللَّهِ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ : "وَاللَّهِ، مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ"،

فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا، فَلَمَّا تَكَشَّفْتُهَا، وَهَمَمْتُ بِهَا، ارْتَعَدَتْ مِنْ تَحْتِي،

فَقُلْتُ لَهَا : "مَا شَأْنُكِ؟" قَالَتْ : "أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"،

قُلْتُ لَهَا : "خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ، وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّجَاءِ".

فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا مَا يَحِقُّ عَلَيَّ بِمَا تَكَشَّفْتُهَا.

اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا. قَالَ: فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا وَتَبَيَّنَ لَهُمْ."» حسن إسناده الأرنؤوط في تخريج مسند أحمد، ط. الرسالة (30/ 366) (رقم : 18417)

[6] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 509) : "قَوْلُهُ (وَلَا تَفُضَّ...) بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ، أَيْ : لَا تَكْسِرْ.

وَالْخَاتَمُ : كِنَايَةٌ عَنْ عُذْرَتِهَا، وَكَأَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا وَكَنَّتْ عَنِ الْإِفْضَاءِ بِـ(الْكَسْرِ) وَعَنِ الْفَرْجِ بِـ(الْخَاتَمِ)، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِكْرًا." اهـ

[7] وفي التوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/ 530) لابن الملقن : "ومعنى : «إِلَّا بِحَقِّهِ» بوجه شرعي، وهو: النكاح." اهـ

وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 509) : "(إِلَّا بِحَقِّهِ)؛ أي : بالنِّكَاح الحلال، لا بالزنا." اهـ

[8] وفي رواية أحمد في مسنده (30/ 366_368/رقم : 18417)

"فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: قَدْ____عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً: كَانَ لِي أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ، فَجَاءَنِي عُمَّالٌ لِي،

اسْتَأْجَرْتُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ، فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَرْطِ أَصْحَابِهِ، فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ نَهَارِهِ، كَمَا عَمِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ كُلِّهِ، فَرَأَيْتُ عَلَيَّ فِي الذِّمَامِ أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُ بِهِ أَصْحَابَهُ، لِمَا جَهِدَ فِي عَمَلِهِ،

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَتُعْطِي هَذَا مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَنِي وَلَمْ يَعْمَلْ إِلَّا نِصْفَ نَهَارٍ؟ فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَمْ أَبْخَسْكَ شَيْئًا مِنْ شَرْطِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ مَا شِئْتُ، قَالَ: فَغَضِبَ، وَذَهَبَ، وَتَرَكَ أَجْرَهُ، قَالَ: فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ فَصِيلَةً مِنَ الْبَقَرِ، فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخًا ضَعِيفًا لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا فَذَكَّرَنِيهِ حَتَّى عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: إِيَّاكَ أَبْغِي، هَذَا حَقُّكَ، فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعَهَا، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَسْخَرْ بِي إِنْ لَمْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ، فَأَعْطِنِي حَقِّي، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَسْخَرُ____بِكَ: إِنَّهَا لَحَقُّكَ مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ: فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا. قَالَ: فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوْا مِنْهُ، وَأَبْصَرُوا." حسنه الأرنؤوط

وفي رواية أحمد في مسنده (19/ 438_439) :

"وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا عَلَى___عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَأَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، وَأَنَا غَضْبَانُ فَزَبَرْتُهُ، فَانْطَلَقَ فَتَرَكَ أَجْرَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعْتُهُ وَثَمَّرْتُهُ حَتَّى كَانَ مِنْهُ كُلُّ الْمَالِ، فَأَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَمْ أُعْطِهِ، إِلَّا أَجْرَهُ الْأَوَّلَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ، وَمَخَافَةَ عَذَابِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا

[9] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 510) : "وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَمَلِ وَالِاحْتِقَارُ عِنْدَ السُّؤَالِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَقَامُ التَّضَرُّعِ وَأَجَابَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَشْفِعُوا بِأَعْمَالِهِمْ وَإِنَّمَا سَأَلُوا اللَّهَ إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ خَالِصَةً وَقُبِلَتْ أَنْ يَجْعَلَ جَزَاءَهَا الْفَرَجُ عَنْهُمْ فَتَضَمَّنَ جَوَابُهُ تَسْلِيمَ السُّؤَالِ لَكِنْ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ حَسَنٌ،

وَقَدْ تَعَرَّضَ النَّوَوِيُّ لِهَذَا فَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بَابُ دُعَاءِ الْإِنْسَانِ وَتَوَسُّلِهِ بِصَالِحِ عَمَلِهِ إِلَى اللَّهِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَنَقَلَ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ،

ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ فِيهِ نَوْعًا مِنْ تَرْكِ الِافْتِقَارِ الْمُطْلَقِ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِفِعْلِهِمْ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيبِ فِعْلِهِمْ

وَقَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ :

"ظهر لي أَن الضَّرُورَة قد تلجىء إِلَى تَعْجِيلِ جَزَاءِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ هَذَا مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ رُؤْيَةُ عَمَلٍ بِالْكُلِّيَّةِ لِقَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمْ : "إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ"، فَلَمْ يَعْتَقِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي عَمَلِهِ الْإِخْلَاصَ بَلْ أَحَالَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا لَمْ يَجْزِمُوا بِالْإِخْلَاصِ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ أَحْسَنَ أَعْمَالِهِمْ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ : أَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّخْصُ تَقْصِيرَهُ فِي نَفْسِهِ وَيُسِيءَ الظَّنَّ بِهَا وَيَبْحَثَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَخْلَصَ فِيهِ، فَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ وَيُعَلِّقُ الدُّعَاءَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ بِهِ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ إِذَا دَعَا رَاجِيًا لِلْإِجَابَةِ خَائِفًا مِنَ الرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ إِخْلَاصُهُ وَلَوْ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ فَلْيَقِفْ عِنْدَ حَده، ويستحي أَنْ يَسْأَلَ بِعَمَلٍ لَيْسَ بِخَالِصٍ."

قَالَ : وَإِنَّمَا قَالُوا ادْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ عِنْدَ الدُّعَاءِ لَمْ يُطْلِقُوا ذَلِكَ وَلَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ : "أَدْعُوكَ بِعَمَلِي"، وَإِنَّمَا قَالَ : "إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ." ثُمَّ ذَكَرَ عَمَلَهُ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَهُوَ السَّابِقُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

[10] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 510) :

"وَقَدِ اسْتُشْكِلَ تَرْكُهُ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ يَبْكُونَ مِنَ الْجُوعِ طُولَ لَيْلَتِهِمَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْكِينِ جُوعِهِمْ، فَقِيلَ : كَانَ فِي شَرْعِهِمْ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَقِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنَّ بُكَاءَهُمْ لَيْسَ عَنِ الْجُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرُدُّهُ. وَقِيلَ : لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ زِيَادَةً عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَهَذَا أَوْلَى." اهـ

[11] بيع الفضولي : قيام الشخص ببيع مال غيره بدون توكيل أو ولاية. هذا البيع محل خلاف بين العلماء بين مجيز ومانع. فالذي أجازه يشترطون إجازة المالك.

تحرير محل النزاع :

1- إذا لم يجز المالك تصرف الفضولي فلا ينفذ تصرفه بلا خلاف، ومحل الخلاف إذا أجازه هل ينفذ أو لا؟.

2- إذا كان الفضولي معذوراً لعدم تمكنه من استئذان المالك فيقف نفاذه على الإجازة بلا خلاف كما قال ابن تيمية بل حكى اتفاق الصحابة على ذلك، ومحل الخلاف فيما إذا كان غير معذور بتصرفه كأن يمكن أن يستأذن المالك فلم يفعل.

3- المراد بالشراء هنا إذا اشترى بعين مال المالك بغير إذنه، أما إذا اشترى له في ذمته فتلك مسألة أخرى يوافق فيها المذهب ما اختاره ابن تيمية من وقف العقد على الإجازة، فلا خلاف فيها بين ابن تيمية وبين المشهور من المذهب، بل ذكر بعض الأصحاب جواز ذلك رواية واحدة، وحكى النووي أنه لا خلاف فيها.

والراجح : أن تصرف الفضولي موقوف على الإجازة، فإن أجازه المالك صح وإلا فلا.

وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في قول عنه، وأحمد في رواية، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وهو قول جماعة من كبار فقهاء الصحابة منهم بعض الخلفاء. والله أعلم بالصواب.

[12] وقال البخاري كما في "شرح صحيح البخارى" لابن بطال (6/ 472) : "بَاب : إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَكَانَ فِى ذَلِكَ صَلاَحٌ لَهُمْ." اهـ

[13] الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (5/ 47) للكوراني :

"وقد سلف منا أن استدلاله بهذا على جواز زرع مال الغير بغير إذنه غير تام ذلك أن الأجير لم يكن قبض الأجرة و إذا لم يقبضها لا يملكها، غايته أن المستأجر تبرع بذلك كله؛ اللهم إلَّا أن يكون مذهب البُخَارِيّ أن الخلية كافية كما ذهب إليه مالك وطائفة." اهـ

[14] أخرجه : أبو داود في "سننه" (2/ 35) (رقم : 1319)، ضعفه الألباني في "تخريج المشكاة" (1325)، ثم تراجع عنه وحسنه في "صحيح أبي داود" (1319)

[15] ذكر الشيخ الألباني أقسام التوسل كما في موسوعة الألباني في العقيدة (3/ 637)، وقال :

"أما التوسل المشروع : فهو توسل العبد إلى الله تبارك وتعالى باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته تبارك وتعالى، أو بعمله الصالح، أو بدعاء أخيه المسلم." اهـ

[16] أقمنه : أجدره

[17] وفي كرامات الأولياء للالكائي - من شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (9/ 85) :

"سِيَاقَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَدَّثَ عَنْ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي قَبْلَهُ مِنَ الْكَرَامَاتِ." اهـ

[18] أخرجه : الخطيب في "تاريخ بغداد"، ت. بشار (13/ 129) (رقم : 3787)، وفيه مقال، لكن له شاهد من حديث ابن عمر : أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 267) (رقم : 434) مرفوعا.

والحديث : صحيح، صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 398) (رقم : 2313)، وفي صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1041) (رقم : 6018).

[19] حديث حسن، أخرجه أحمد في مسنده - عالم الكتب (3/ 153) (رقم : 12549)، راجع: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ - رَحِمَهُ اللهُ - 2/ 395.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين