الوصايا العشر في مواجهة المحن والمصائب

 

الوصايا العشر في مواجهة المحن والمصائب

 

وضع علماء الإسلام منهجا خاصا يستطيع به المؤمن أن يواجه الأزمات التي قد تعرض له أو المصائب التي قد تصيبه في نفسه أو أهله أو ولده أو ماله وغير ذلك، على النحو التالي:

 

1_ على المصاب أن يسترجع ويصبر ويحتسب لحظة وقوع الصدمة ثم يركن إلى الله – تعالى -رجاء أن يخلف الله عليه ويعوضه عن مصابه.

 

ولهذا يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: " إنما الصبر عند أول صدمة ".[خ م]

 

عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول :

«ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول _ما أمره الله_ : (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها)، إلا أخلف الله له خيرا منها" [م]

 

وقد بشر الله الصابرين بثلاث كل منها خير مما يتحاسد عليه أهل الدنيا، فقال – تعالى -: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة157].

 

 

2_ أن يحمد الله –تعالى– على أن مصيبته وقعت عند هذا الحد، وأنه – تعالى – لو شاء لجعلها أعظم مما هي، وعليه أن يستقبلها بالبشر والقبول والكتمان.

 

وقال ابن رجب في تسلية أهل المصائب (ص: 17)

«فالمؤمن الموفق _نسأل الله تعالى حسن التوفيق_ من يتلقى المصيبة بالقبول، ويعلم أنها من عند الله لا من عند أحد من خلقه، ويجتهد في كتمانها ما أمكن.

قال عبد العزيز بن أبي داود : ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المصيبة وكتمان المرض وكتمان الصدقة.

وقال بعض السلف: ثلاثة يمتحن بها عقول الرجال: كثرة المال، والمصيبة والولاية.

وقال عبد الله بن محمد الهروي: من جواهر البر، كتمان المصيبة، حتى يظن أنك لم تصب قط.

وقال عون بن عبد الله: الخير الذي لا شر معه: الشكر مع العافية، والصبر مع المصيبة» اهـ

 

وفي صحيح الترغيب والترهيب (2/ 447) (رقم : 2012) حديث حسن : أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال : "إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قال الله لملائكَتِه: قبضْتُمْ وَلدَ عبْدي؟ فيقولونَ: نَعَمْ. فيقولُ: قبَضْتُم ثَمْرةَ فؤادِه؟ فيقولونَ: نَعمْ. فيقول: ماذا قالَ عبْدِي؟ فيقولونَ: حمِدَكَ واسْتَرْجعَ. فيقولُ الله تعالى : (ابْنُوا لِعبْدي بَيتاً في الجنَّةِ، وسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ)". رواه الترمذي

 

3_ أن يوطن المصاب نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله – تعالى -، وأنها بقضائه وقدره وأنه – سبحانه وتعالى- لم يقدرها عليه لِيُهْلِكَهُ بها، ولا ليعذبه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه وشكواه إليه وابتهاله ودعاءه.

 

قال – تعالى -: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد23].

 

مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 318)

قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : لاَ تَتَّهِمِ اللَّهَ فِي شَيْءٍ قَضَى لَكَ بِهِ.

 

4_ ألا يدعو المصاب على نفسه أو يحزن ويبكى إلا على تفريطه في حق الله – تعالى – أو ما لا يقترن بمحرم.

 

إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لما مات أبو سلمة : «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» [م]

 

5_ أن يعلم المصاب : أن الدنيا ليس فيها لذة على الحقيقة، إلا وهي مشوبة بالكدر، وأن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة في الآخرة وحلاوة الدنيا هي بعينها مرارة في الآخرة.

 

وقال ابن رجب في تسلية أهل المصائب (ص: 23) :

«فكل ما يظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب، وعمارتها وإن أحسنتَ صورتها خراب، وجمعها فهو للذهاب، ومن خاض الماء الغمر لم يَخْلُ مِنْ بَلَلٍ، ومن دخل بين الصفين، لَمْ يَخْلُ مِنْ وَجَلٍ».

 

وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) [م]

وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات ".[م]

 

6_ أن يعلم المصاب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصابه من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا.

 

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

 

7_ ومن أنفع الأمور للمصاب: أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل قرية ومدينة بل في كل بيت من أصيب، فمنهم من أصيب مرةً، ومنهم من أصيب مراراً، وليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت، حتى نفس المصاب، فيصاب، أسوة بأمثاله ممن تقدمه، فإنه إن نظر يمنةً فلا يرى إلا محنةً، وإن نظر يسرةً فلا يرى إلا حسرةً. [تسلية أهل المصائب (ص: 14)]

 

8_ «وليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها، وهوفي الحقيقة يزيد في مصيبته، بل يعلم المصاب أن الجذع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه.

وإذا صبر واحتسب أخزى شيطانه، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات في الأمر الديني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر» .

فهذا هو الكمال الأعظم، لا لطم الخدود وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والتسخط على المقدور»

 

تسلية أهل المصائب (ص: 29) :

"قال بعض الحكماء : "العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، يريد بذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» .

 

تسلية أهل المصائب (ص: 29)

بل يعلم المصاب أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه، بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه على مصيبته، فلينظر أي المصيبتين أعظم، مصيبته العاجلة بفوات محبوبه، أو مصيبته بفات بيت الحمد في جنة الخلد؟

 

9_ ينبغي للمصاب في نفسه أو بولده أو بغيرهما أن يجعل مكان الأنين والتأوه ذكر الله – تعالى – والاستغفار والتعبد خاصة في مصيبة مرض الموت.

 

كان الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في مرض موته يئن منه أنيناً، فقيل له: يا إمام! إن طاوساً يقول: إن الأنين يكتب، يعني لقول الله- تبارك وتعالى – في كتابه الكريم: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، فما عادها الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – حتى مات.

 

10_ أن يعلم المصاب أن من أعظم مصائب الدنيا والآخرة: المصيبة في الدين، وأيا كانت المصيبة التي أصيب بها طالما أنها ليست في دينه فهي تهون؛ لأن المصيبة في الدين هي الخسارة التي لا ربح معها.

ومن أعظم المصائب في الدين موت النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم؛ لأن بموته – صلى الله عليه وسلم – انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وانقطعت النبوات، وكان موته أول ظهور الشر والفساد بارتداد العرب عن الدين.

 

هذه هي الوصايا العشر في مواجهة المحن والمصائب والأزمات الشخصية، وهى خلاصة ما استفاض فيه الإمام ابن القيم في كتابه: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، والإمام ابن الجوزي في كتابه: " تسلية أهل المصائب".

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين