الحديث التاسع من كتاب صحيح الترغيب والترهيب

  

9 - (9) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداءِ :

عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال :

«الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها إلا ما ابتُغِيَ به وجهُ الله».

رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. (1)

__________

(1) كذا قال، وفيه من لا يعرف، لكن له شواهد يتقوى بها، وهو مخرج في "الصحيحة" (2797). ومن جهل المعلقين الثلاثة أنهم صدروه بقولهم: "حسن"، ثم أعلوه بما نقلوه عن الهيثمي أنه قال: "رواه الطبراني، وفيه خداش بن المهاجر، ولم أعرفه"!!

 

تخريج الحديث :

أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1/ 353) (رقم : 612)، وابن أبي عاصم في "الزهد" (ص: 62) (رقم : 127)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (13/ 197) (رقم : 10178)، وابن أبي الدنيا في "الزهد" (ص: 155)  (رقم : 334).

 

شرح الحديث :

 

ورد الحديث عن أَبي هريرة - رضي الله عنه – قَالَ :

سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول :

«أَلا إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إلا ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَمَا وَالاهُ[1]، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً[2]»[3] .

رواه الترمذي في سننه (4/ 139) (رقم : 2322)، وقال الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1431) (رقم : 5176) : "حسن."

 

شرح الحديث :

 

وفي لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 416_417) لعبد الحق الدهلوي :

"قوله : (وما والاه) ذكروا في توجيهه ثلاثة أوجه:

إحداها: أن (والاه) من الولي بمعنى المحبة، والمستكن في (والاه) للَّه والبارز لـ (ما)، والمراد بما والاه اللَّه ما أحبه اللَّه من القرب والطاعات.

وثانيها: أنه من الوَلْيِ، بمعنى : القُرْبِ، والضمير المستكن لـ (الذكر) والبارز لـ (ما)، أو على العكس، أي: ما قاربه وشابهه، والمراد به : ذكر خير، يعني : من غير ذكر اللَّه.

وثالثها : أنه من الموالاة بمعنى المتابعة، والمستكن والبارز لـ (الذكر)، أي: ما تابع الذكر ولازمه، وكان من مقتضيات الذكر اتباع أمره ونهيه تعالى،

وهذه الوجوه كلها إنما تتم إذا أريد بالذكر ذكر اسمه _سبحانه_،

وأما إذا أريد به ما يشمل كل عمل خير يعمل بنية التقرب، فالطاعات والعبادات كلها داخلة في الذكر، فيمكن أن يراد____بما والاه الأسباب التي تتولى أمر الذكر وتعين عليه من كفاف المعيشة والضروريات الأخر، أو يكون المراد الذاكرين، والتعبير بـ (ما) لإرادة الصفة، كما يقال في تفسير أمثال قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]، أو لأنها أعم تستعمل على ذوي العقل وغيرهم كما قال ابن الحاجب، فافهم." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 136) لشمس الدين محمد بن عمر بن أحمد السفيري الحلبي الشافعي (المتوفى: 956هـ) :

"قال بعض السلف : (كل ما شغلك عن الله من مال ولد فهو شؤم عليك)،

وهو الذي نبه الله _سبحانه_ عليه بقوله :  {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ } [الحديد: 20]." اهـ

 

قال مقيده (أبو فائزة) _غفر الله له وللمسلمين_ :

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [لقمان: 33]،

وَقَالَ تَعَالَى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]

 

فيض القدير (3/ 550)

"قد أعلم بهذا الحديثِ والأربعةِ قبله :

"أن الدنيا مذمومة مبغوضة إليه تعالى إلا ما تعلق منها بدرء مفسدة أو جلب مصلحة، فالمرأة الصالحة يندفع بها مفسدة الوقوع في الزنا، والأمر بالمعروف جماع جلب المصالح، والذكر جماع العبادة، ومنشور الولاية، ومفتاح السعادة، والكل يبتغى به وجه الله تعالى." اهـ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3285)

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء: جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر، فالمؤمن يتزود، والمنافق يتزين، والكفار يتمتع.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3240)

وَإِذَا عَرَفْتَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَدُنْيَاكَ مَا لَكَ فِيهِ لَذَّةٌ فِي الْعَاجِلِ، وَهِيَ مَذْمُومَةٌ، فَلَيْسَتْ وَسَائِلُ الْعِبَادَاتِ مِنَ الدُّنْيَا كَأَكْلِ الْخُبْزِ مَثَلًا لِلتَّقَوِّي عَلَيْهَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ: الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ وَمَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ مِنْهَا» " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَجُزْءٌ لِلْمُنَافِقِ، وَجُزْءٌ لِلْكَافِرِ، فَالْمُؤْمِنُ يَتَزَوَّدُ، وَالْمُنَافِقُ يَتَزَيَّنُ، وَالْكَافِرُ يَتَمَتَّعُ.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 322_323) :

"فيه: ذم ما أشغل من الدنيا عن ذكر الله وطاعته، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ]،

وأما ما أعان على طاعة الله من الدنيا فليس بمذموم، قال تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء___الزَّكَاةِ} [النور (37) ]." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 757)

الملعون من الدنيا، ما ألهى عن طاعة الله.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ] .

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 199_200)

فَالدُّنْيَا وَكُلُّ مَا فِيهَا مَلْعُونَةٌ، أَيْ مَبْعَدَةٌ عَنِ اللَّهِ، لِأَنَّهَا تَشْغَلُ عَنْهُ، إِلَّا الْعِلْمَ النَّافِعَ الدَّالَّ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَطَلَبِ قُرْبِهِ وَرِضَاهُ، وَذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ مِمَّا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ،

فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَنْ يَتَّقُوهُ وَيُطِيعُوهُ، وَلَازِمُ ذَلِكَ دَوَامُ ذِكْرِهِ،

كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : "تَقْوَى اللَّهِ حَقَّ تَقْوَاهُ أَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى".

وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّهُ إِقَامَ الصَّلَاةِ لِذِكْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَالطَّوَافُ. وَأَفْضَلُ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلَّهِ فِيهَا، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةِ___

وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِيجَادِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] [الذَّارِيَاتِ: 56]." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3241) للقاري :

"وَفِي الْحَدِيثِ[4] : أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ رَأْسُ كُلِّ عِبَادَةٍ وَرَأْسُ كُلِّ سَعَادَةٍ، بَلْ هُوَ كَالْحَيَاةِ لِلْأَبْدَانِ وَالرُّوحِ لِلْإِنْسَانِ، وَهَلْ لِلْإِنْسَانِ عَنِ الْحَيَاةِ غِنًى، وَهَلْ لَهُ عَنِ الرُّوحِ مَعْدَلٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : (بِهِ بَقَاءُ الدُّنْيَا، وَقِيَامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3241)

فَالْحَدِيثُ إِذًا مِنْ بَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَجَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا هَذَا النَّبِيُّ الْمُكَرَّمُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ دَلَّ بِالْمَنْطُوقِ عَلَى جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَبِالْمَفْهُومِ عَلَى رَذَائِلِهَا.

 

التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 143)

واعلم: أن هذا الحديث من جوامع الكلم وكنوز الحكم لدلالته بالمنطوق على جميع الخصال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة.

 

التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 144) :

"أفاد أن كل ما قصد به وجهه فإنه خارج عن لعنة الله وطرده." اهـ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14)

قَالَ الْغَزالِيّ من عرف نَفسه وَعرف ربه وَعرف الدُّنْيَا وَعرف الْآخِرَة شَاهد بِنور البصيرة وَجه عَدَاوَة الدُّنْيَا للآخرة وانكشف لَهُ أَن لَا سَعَادَة فِي الْآخِرَة إِلَّا لمن قدم على الله عَارِفًا بِهِ محباً وَأَن الْمحبَّة لَا تنَال إِلَّا بدوام الذّكر والمعرفة لَا تنَال إِلَّا بدوام الْفِكر." اهـ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14)

وَمن أحب مَا لَعنه الله فقد تعرض للعنه وغضبه قَالَ الْغَزالِيّ لَعَلَّ ثلث الْقُرْآن فِي ذمّ الدُّنْيَا

 

فيض القدير (3/ 550)

قال الحكيم: فكل شيء أريد به وجه الله من الأمور والأعمال فهو مستثنى من اللعنة فإنه قد أوى إلى ذكر الله والكفار والشياطين وكل أمر أو عمل لم يرد به وجه الله فهو ملعون فهذه الأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك لأنها ملهية للعباد عنه وكل شيء بعد البعد عن ربه فالبركة منزوعة منه." اهـ

 

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (26/ 330) محمد الأمين الأرمي :

"ومعنى هوان الدنيا على الله تعالى : أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لذاتها بل جعلها طريقًا موصلًا إلى ما هو المقصود لذاته وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار رحلة وبلاء وأنه ملكها في الغالب الكفرة والجهال وحماها الأنبياء والأولياء." اهـ

 

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (26/ 331)

وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها، ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدًا من الله وشاغلًا عنه كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه الله على ذمه بقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20]، وأما ما كان من الدنيا يقرِّب إلى الله تعالى ويعين على عبادة الله تعالى فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال: "إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم"

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 409_411) للصنعاني :

واعلم أنه ورد علينا سؤال في لعن الدنيا، وأجيب بما حاصله: أنه معلوم أن الله تعالى قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} (2) الآية، وأن الذي زينها هو الله تعالى، أي: جعل الطباع البشرية مائلة إلى ما زينه. ودليل أنه الذي زينها قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} أي: ما زينه،

وثبت حديث: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب"،

ومعلوم يقيناً أن الله لا يزين ولا يحبب إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ملعوناً قطعاً. وإذا عرفت هذا فلا بدَّ من النظر فيما هو ملعون منها.

فالتحقيق : أنها تجري الأحكام الخمسة فيما خلقه الله من متاع الدنيا، ونبينه في اللباس.

فإن ستر العورة واجب، والتجمل بالثياب لما شرع له التجمل سنة, ولبسه لا بنية التجمل مباح، ولبسه زيادة على الحاجة مكروه، ولبسه كبراً وفخراً محرم.

ومعلوم أن غير المحرم غير ملعون فاعله، ولا الثوب الذي لبسه لأحدها؛ فتعين : أن الملعون من متاعها هو المحرم،

وقد لعن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من متاع الدنيا ما حرم كالخمر، وعاصرها، ومعتصرها، ونحوهما، والربا، وكاتبه، وشاهديه, وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}،

لأنهم فاعلوا____المحرمات، ولا ريب أن لفظ الدنيا مجمل وليس بلفظ عام؛ لأن الدنيا من صيغ العموم يطلق على جميع الأعيان التي فيها اللعن واقعٌ على لفظ مجمل، ولا بد من بيانه، فبينه الله ورسوله بلعن المحرمات،

وأما قوله: «ملعون ما فيها» فهو لفظ عام؛ لأن كلمة (ما) بمعنى الذي، فهو في معنى : (ملعون كل شيء فيها)، ولكن نعلم قطعاً ويقيناً أنه لم يرد هنا____العموم؛ لأن مما فيها الأنبياء، والرسل، والأولياء، وأهل الإيمان،

وهؤلاء معلوم أنهم غير ملعونين، ثم فيها بقاع شريفة نعلم يقيناً أنها غير ملعونة، كالمساجد، والحرمين، ونحوها.

فالتحقيق : أنه لفظ عام مخصص، وأن الملعون منه : ما حرمه الله كما قلنا في الجملة الأولى." اهـ



[1] وفي لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 416_417) لعبد الحق الدهلوي :

"قوله : (وما والاه) ذكروا في توجيهه ثلاثة أوجه:

إحداها: أن (والاه) من الولي بمعنى المحبة، والمستكن في (والاه) للَّه والبارز لـ (ما)، والمراد بما والاه اللَّه ما أحبه اللَّه من القرب والطاعات.

وثانيها: أنه من الولي بمعنى القرب، والضمير المستكن لـ (الذكر) والبارز لـ (ما)، أو على العكس، أي: ما قاربه وشابهه، والمراد به ذكر خير، يعني من غير ذكر اللَّه.

وثالثها: أنه من الموالاة بمعنى المتابعة، والمستكن والبارز لـ (الذكر)، أي: ما تابع الذكر ولازمه، وكان من مقتضيات الذكر اتباع أمره ونهيه تعالى، وهذه الوجوه كلها إنما تتم إذا أريد بالذكر ذكر اسمه سبحانه، وأما إذا أريد به ما يشمل كل عمل خير يعمل بنية التقرب، فالطاعات والعبادات كلها داخلة في الذكر، فيمكن أن يراد____بما والاه الأسباب التي تتولى أمر الذكر وتعين عليه من كفاف المعيشة والضروريات الأخر، أو يكون المراد الذاكرين، والتعبير بـ (ما) لإرادة الصفة، كما يقال في تفسير أمثال قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]، أو لأنها أعم تستعمل على ذوي العقل وغيرهم كما قال ابن الحاجب، فافهم.

[2] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3241) :

"وَالْعِلْمَ تَخْصِيصًا بَعْدَ التَّعْمِيمِ دَلَالَةً عَلَى فَضْلِهِ، فَعَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ: وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِمَا صَرِيحًا بِخِلَافِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ، وَلِيُؤْذِنَ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ سِوَى الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ هَمَجٌ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِالْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَيُخْرِجُ مِنْهُ الْجُهَلَاءَ وَالْعَالِمَ الَّذِي لَمْ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَمَنْ تَعَلَّمَ عِلْمَ الْفُضُولِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ" اهـ

[3] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 283) للزيداني :

"يعني : ملعونٌ ما في الدنيا إلا ذكر الله أو ما أحبَّ الله؛ يعني : ما يجري في الدنيا ممَّا يحبه الله غير ملعون، والباقي ملعون؛ أي: مطرودٌ مبغوض عند الله." اهـ

[4] أشار إلى ما أخرجه الترمذي في سننه (5/ 458) (رقم : 3376) : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ العِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنَ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الكُفَّارِ وَالمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً»

ضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (14/ 1126) (رقم : 7026) لأجل ابن لهيعة ودراج في روايته عن أبي الهيثم.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين