الحديث الثامن من رياض الصالحين

 

[8] وعن أبي موسى عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ الأشعريِّ[1] _رضي الله عنه_ قَالَ :

"سُئِلَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ عَنِ الرَّجُلِ يُقاتلُ شَجَاعَةً، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً، ويُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذلِكَ في سبيلِ الله؟

فقال رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ : «مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيَا، فَهوَ في سبيلِ اللهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 36) (رقم : 123)، ومسلم في صحيحه (3/ 1512) (رقم : 1904)، وأبو داود في سننه (3/ 14) (رقم : 2517)، والترمذي في سننه (4/ 179) (رقم : 1646)، وابن ماجه في سننه (2/ 931) (رقم : 2783)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (1/ 393) (رقم : 488)، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (5/ 268) (رقم : 9567)، وسعيد بن منصور في سننه (2/ 250) (رقم : 2543)، وأحمد في مسنده (32/ 243) (رقم : 19493)، وغيرهم.

 

هذا الحديث سيذكره المؤلف _رحمه الله_ في كتَاب الجِهَاد، 234-[باب فضل الجهاد] : برقم [1343] عن أَبي موسى - رضي الله عنه - :

"أنَّ أعرابياً[2] أتى النبيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقال : "يَا رسولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ ليُرَى مَكَانُهُ؟"

وفي رواية : "يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً."

وفي رواية : وَيُقَاتِلُ غَضَباً، فَمَنْ في سبيل الله؟

فقالَ رسولُ اللهِ : «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ في سَبيلِ اللهِ»[3] . متفقٌ عَلَيْهِ[4]

رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (5/ 608) للفاكهاني :

"الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قال أهل اللغة: الشجاعة: شِدَّةُ القَلْبِ عندَ البأسِ، والرجلُ شُجاعٌ، وقومٌ شِجْعَة، مثل صِبْيَة (1)، وشُجْعانٌ أيضًا.

فإن قلت: شَجيعٌ، قلت: شُجعانٌ، وشُجَعاءُ أيضًا، مثل: فُقَهاء، وقد يقال : امرأةٌ شُجاعةٌ، ومنهم مَنْ لا يصفُ المرأة بذلك.

الثاني: الحَمِيَّةُ: الأَنَفَةُ والغَضَبُ، قاله العُزَيرِيُّ في تفسير قوله تعالى: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]

وحَمِيتُ عن كذا حَمِيَّةً -بالتشديد-، ومَحْمِيَّةً: إذا أَنِفْتَ منه، وداخَلَكَ عارٌ وأَنَفَة أن تفعلَه، يقال: فلانٌ أَحْمى أَنْفًا، وأَمْنَعُ ذِمارًا من___فلانٍ، قاله الجوهري.

الثالث: الرياء: يُمدُّ ويقصرَ، والاكثرُ الأشهرُ (2) المدُّ.

قال الغزالي: وهو إرادةُ نفعِ الدنيا بعمل الآخرة.

قلت : وهو ضدُّ الإخلاص، وتارةً يَتَمَحَّضُ الرياءُ، وهو أن يريدَ بعمل الآخرة نفعَ الدنيا؛ كما تقدم، وتارةً لا يتمحَّضُ بأن يريدَهما جميعًا _أعني : نفعَ الدنيا والآخرة_، وبسطُ هذا في كتب الرقائق." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 15) للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك _رحمه الله_ :

"قال ابن عباس : كلمة الله : «لا إله إلا الله» .

* وفي هذا الحديث : أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة.

* وفيه : ذم الحرص على الدنيا، وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة.

* وفيه: أن الفضل الذي يورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإِعلاء دين الله.

قال ابن أبي جمرة: إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه.

* قال الحافظ: القتال يقع بسبب خمسة أشياء : طلب المغنم، وإظهار الشجاعة، والرياء، والحمية، والغضب، وكل منها يتناوله المدح والذم، فلهذا لم يحصل الجواب بالإِثبات ولا بالنفي." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 736_737) :

"الحاصل: أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم، وإظهار الشجاعة، والرياء، والحمية، والغضب. وكلٌّ منها يتناوله المدح والذم،___

فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي.[7]

وفي الحديث: أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة.

وفيه: ذم الحرص على الدنيا، وعلى القتال، لحظ النفس في غير الطاعة.

وفيه: أن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإعلاء دين الله.

قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله، لم يضره ما انضاف إليه." اهـ

 

تلبيس إبليس (ص: 131) لابن الجوزي :

"(ذكر تلبيس إبليس عَلَى الغزاة) :

قَالَ الْمُصَنِّفُ : قَدْ لَبِسَ إِبْلِيسُ عَلَى خلق كثير فخرجوا إِلَى الجهاد ونيتهم المباهاة والرياء ليقال فلان غاز وربما كان المقصود أن يقال شجاع أَوْ كان طلب الغنيمة وإنما الأعمال بالنيات." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 29)

* قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ :

"ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ قَصْدَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إِلَيْهِ اهـ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ غَيْرِ الْإِعْلَاءِ ضِمْنًا لَا يَقْدَحُ فِي الْإِعْلَاءِ إِذَا كَانَ الْإِعْلَاءُ هُوَ الْبَاعِثُ الْأَصْلِيُّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ : "بَعَثَنَا رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ، لَا تَكِلهُمْ إِلَيَّ) الْحَدِيثَ.

* وَفِي إِجَابَةِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِمَا ذُكِرَ : غَايَةُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، لِأَنَّهُ لَوْ أَجَابَهُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،

احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَعَدَلَ إِلَى لَفْظٍ جَامِعٍ، عَدَلَ بِهِ عَنِ الْجَوَابِ عَنْ مَاهِيَّةِ الْقِتَالِ إِلَى حَالِ الْمُقَاتِلِ، فَتَضَمَّنَ الْجَوَابَ وَزِيَادَةً،

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ رَاجِعًا إِلَى الْقِتَالِ الَّذِي فِي ضِمْنِ (قَاتَلَ)، أَيْ : فَقِتَالُهُ قِتَالٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاشْتَمَلَ طَلَبُ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ عَلَى طَلَبِ رِضَاهُ وَطَلَبِ ثَوَابِهِ وَطَلَبِ دَحْضِ أَعْدَائِهِ. وَكُلُّهَا مُتَلَازِمَةٌ،

وَالْحَاصِلُ مِمَّا ذُكِرَ :

أَنَّ الْقِتَالَ : مَنْشَؤُهُ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ وَالْقُوَّةُ الشَّهْوَانِيَّةُ وَلَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا الأول،

* وَقَالَ بن بَطَّالٍ :

"إِنَّمَا عَدَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَفْظِ جَوَابِ السَّائِلِ لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالْحَمِيَّةَ قَدْ يَكُونَانِ لِلَّهِ فَعَدَلَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ عَنْ ذَلِكَ إِلَى لَفْظٍ جَامِعٍ، فَأَفَادَ دَفْعَ الْإِلْبَاسِ وَزِيَادَةَ الْإِفْهَامِ."

* وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَعْمَالَ إِنَّمَا تُحْتَسَبُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِ يَخْتَصُّ بِمَنْ ذُكِرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَبَاحِثِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ عَنِ الْعِلَّةِ وَتَقَدُّمُ الْعِلْمِ عَلَى الْعَمَلِ.

وَفِيهِ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَعَلَى الْقِتَالِ لِحَظِّ النَّفْسِ فِي غير الطَّاعَة." اهـ كلام الحافظ." اهـ

 

الاستذكار (5/ 116) لابن عبد البر :

"قَالَ أَبُو عُمَرَ : «هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِأَنْ لَا يُقْطَعَ بِفَضْلِ فَاضِلٍ عَلَى مِثْلِهِ فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ وَأَنْ يُسْكَتَ فِي مِثْلِ هَذَا»." اهـ

 

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 318_320) لابن دقيق العيد القشيري _رحمه الله_ :

"فِي الْحَدِيثِ : دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ وَتَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْقِتَالَ لِلشَّجَاعَةِ وَالْحَمِيَّةِ، وَالرِّيَاءِ: خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا " الرِّيَاءُ " فَهُوَ ضِدُّ الْإِخْلَاصِ بِذَاتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونَ بِعَيْنِهِ لِأَجْلِ النَّاسِ، وَأَمَّا " الْقِتَالُ لِلشَّجَاعَةِ " فَيَحْتَمِلُ وُجُوهًا:

* أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ دَاخِلًا فِي قَصْدِ الْمُقَاتِلِ، أَيْ قَاتَلَ لِأَجْلِ إظْهَارِ الشَّجَاعَةِ، فَيَكُونُ فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِي مُنَافَاتِهِ لِلْإِخْلَاصِ.

* وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِقِتَالِهِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ لَهُ فِي الْقَصْدِ بِالْقِتَالِ كَمَا يُقَالُ: أَعْطَى لِكَرْمِهِ، وَمَنَعَ لِبُخْلِهِ، وَآذَى لِسُوءِ خُلُقِهِ وَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالسُّؤَالِ، وَلَا الذَّمِّ فَإِنَّ الشُّجَاعَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ يَقْصِدُ بِهِ إظْهَارَ الشَّجَاعَةِ، وَلَا دَخَلَ قَصْدُ إظْهَارِ الشَّجَاعَةِ فِي التَّعْلِيلِ.

* وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا " قَاتَلَ لِلشَّجَاعَةِ " أَنَّهُ يُقَاتِلُ لِكَوْنِهِ شُجَاعًا فَقَطْ، وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ؛

لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ:

* حَالٌ يُقْصَدُ بِهَا إظْهَارُ الشَّجَاعَةِ،

* وَحَالٌ يُقْصَدُ بِهَا إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى،

* وَحَالٌ يُقَاتِلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إعْلَاءَ كَلِمَةَ اللَّهِ _تَعَالَى_، وَلَا إظْهَارَ الشَّجَاعَةِ عَنْهُ، وَهَذَا يُمْكِنُ فَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي تَدْهَمُهُ الْحَرْبُ، وَكَانَتْ طَبِيعَتُهُ الْمُسَارَعَةَ إلَى الْقِتَالِ: يَبْدَأُ بِالْقِتَالِ لِطَبِيعَتِهِ، وَقَدْ لَا يَسْتَحْضِرُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، أَعْنِي أَنَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى،

وَيُوضِحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا:

* أَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِيَ لَا يُنَافِيه وُجُودُ قَصْدٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، وَقَاتَلَ لِلرِّيَاءِ؛ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، فَإِنَّ الْجُبْنَ مُنَافٍ لِلْقِتَالِ، مَعَ كُلِّ قَصْدٍ يُفْرَضُ.

* وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّالِثُ : فَإِنَّهُ يُنَافِيه الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِ الْقِتَالَ لِلشَّجَاعَةِ بِقَيْدِ التَّجَرُّدِ عَنْ غَيْرِهَا،

وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ _تَعَالَى_ إذَا قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَلَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا لَمْ___يُقَاتِلْ لِذَلِكَ.

فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: تَكُونُ فَائِدَتُهُ بَيَانَ أَنَّ الْقِتَالَ لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ مَانِعٌ،

وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ: تَكُونُ فَائِدَتُهُ: أَنَّ الْقِتَالَ لِأَجْلِ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْطٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ،

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَفْهُومَ الْحَدِيثِ الِاشْتِرَاطُ، لَكِنْ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نُضَيِّقَ فِيهِ، بِحَيْثُ تُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهُ لِسَاعَةِ شُرُوعِهِ فِي الْقِتَالِ، بَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا. وَيُكْتَفَى بِالْقَصْدِ الْعَامِّ لِتَوَجُّهِهِ إلَى الْقِتَالِ، وَقَصْدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى،

وَيَشْهَدُ لِهَذَا: الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي أَنَّهُ «يُكْتَبُ لِلْمُجَاهِدِ اسْتِنَانُ فَرَسِهِ، وَشُرْبُهَا فِي النَّهْرِ» مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِذَلِكَ،

لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ الْأَوَّلُ إلَى الْجِهَادِ وَاقِعًا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، إلَّا أَنَّ الْأَقْرَبَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ الْقَصْدِ بِأَوَّلِ الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ صَحِيحًا فِي الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، فَإِنَّ حَالَةَ الْفَزَعِ حَالَةُ دَهَشٍ.

وَقَدْ تَأْتِي عَلَى غَفْلَةٍ فَالْتِزَامُ حُضُورِ الْخَوَاطِرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ.

* ثُمَّ إنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : مُؤْمِنٌ، قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَالْمُجَاهِدُ لِطَلَبِ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،

وَيَشْهَدُ لَهُ : فِعْلُ الصَّحَابِيِّ - وَقَدْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «قُومُوا إلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» - فَأَلْقَى الثَّمَرَاتِ الَّتِي كُنَّ فِي يَدِهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،

وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ قَاتَلَ لِثَوَابِ الْجَنَّةِ، وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا طَافِحَةٌ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ لِأَجْلِ الْجَنَّةِ أَعْمَالٌ صَحِيحَةٌ، غَيْرُ مَعْلُولَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ صِفَةَ الْجَنَّةِ، وَمَا أَعُدْ فِيهَا لِلْعَامِلِينَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْعَمَلِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُرَغِّبَهُمْ لِلْعَمَلِ لِلثَّوَابِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُولًا مَدْخُولًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا الْمَقَامِ أَعْلَى مِنْهُ، فَهَذَا قَدْ يُتَسَامَحُ فِيهِ،

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فِي الْعَمَلِ فَلَا.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَأَنَّ الْمُقَاتِلَ لِثَوَابِ اللَّهِ، وَلِلْجَنَّةِ: مُقَاتِلٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ - أَعْنِي الْقِتَالَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى - مَا هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ مَا يُلَازِمُهُ، كَالْقِتَالِ لِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَإِمَّا____أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَاصِدَ مُنَافِيَةٌ لِلْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَإِنَّ السُّؤَالَ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ الْقِتَالِ لِهَذِهِ الْمَقَاصِدِ، وَطَلَبِ بَيَانِ أَنَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَصْدِ السُّؤَالِ، بَعْدَ بَيَانِ مُنَافَاةِ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: هُوَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْقِتَالَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ قِتَالٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا عَلَى أَنَّ " سَبِيلَ اللَّهِ " لِلْحَصْرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا لَا يُنَافِي الْإِخْلَاصَ، كَالْقِتَالِ لِطَلَبِ الثَّوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْقِتَالُ حَمِيَّةٌ: فَالْحَمِيَّةُ مِنْ فِعْلِ الْقُلُوبِ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ الْفَاعِلِ: إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا فِي مُرَادِ الْحَدِيثِ وَدَلَالَةِ السِّيَاقِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَادِحًا فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، إمَّا لِانْصِرَافِهِ إلَى هَذَا الْفَرْضِ، وَخُرُوجِهِ عَنْ الْقِتَالِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِمَّا لِمُشَارَكَتِهِ الْمُشَارَكَةَ الْقَادِحَةَ فِي الْإِخْلَاصِ،

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمِيَّةِ: الْحَمِيَّةُ لِغَيْرِ دِينِ اللَّهِ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ ضَعْفُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْكَلَامَ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ بِقَرَائِنِهِ وَسِيَاقِهِ وَدَلَالَةِ الدَّلِيلِ الْخَارِجِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ." اهـ

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (3/ 1720_1722) :

" * وفي هذا الحديث دليل: على وجوب الإخلاص في الجهاد.

* وفيه : تصريح بأن القتال للشجاعة والحمية والرياء خارجٌ عن الإخلاص لله تعالى.

* وفيه دليل على أن الإخلاص لله تعالى هو العمل لأجل امتثال أمره، واجتناب نهيه؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، فهو في سبيلِ الله"، وكلمة الله تعالى هي أمره ونهيه.

* وفيه دليل: على أن المجاهد في سبيل الله تعالى مؤمن، فلو قاتل لطلب ثواب الله تعالى، أو للنعيم المقيم، كان في سبيل الله تعالى أيضًا،

ويشهد له فعل الصحابي الذي سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول : "قوموا إلى جنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ"،

فألقى تمرات كُنَّ في يده، وقاتل حتى قُتل - رحمه الله تعالى -، وظاهر هذا أنه قاتل لثواب الجنة.

والشريعة كلها طافحة بأن الأعمال لأجل الجنة أعمال صحيحة غير معلولة؛ لأن الله تعالى ذكر صفة الجنة، وما أعدَّ فيها للعاملين؛ ترغيبًا للناس في العمل، ومحال أن يرغبهم في العمل للثواب، ويكون ذلك معلولًا مدخولًا، اللهم إلا أن يدعي أن غير هذا المقام أعلى منه، فهذا قد يسامح فيه.

وأما أن يكون علة في العمل، فلا، إذا ثبت أن كلمة الله أمرُ الله ونهيه، وأن المطلوب إعلاؤها بالامتثال أو الانتهاء، وأن الموعود عليها حثًّا على الامتثال___والانتهاء حق، كان المقاتل للموعود به على الفعل أو الترك مقاتلًا في سبيل الله تعالى، ولا يكون المقاتل لثواب الله تعالى والجنة منافيًا للقتال لإعلاء كلمة الله؛ لأن طلب الفعل وتركه والجزاء عليه والترغيب على الفعل، والترهيب من الترك كله ثبت بكلمة الله، فمن قاتل لواحد منهما، فقد قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى، وهو في سبيل الله، فيكون القتال لإعلاء كلمة الله تعالى؛ التي هي الأمر بالقتال وطلبه والمقصود منه في سبيل الله لا على سبيل الحصر، فلا يكون القتال لغيره من الثواب والجزاء، خارجًا عن سبيل الله؛ حيث إنه ثابت بوعد الله تعالى، والحث على القتال به.

فلا يضاد ذلك الإخلاص لله تعالى، بل يكون من فعل فعلًا لطلب ثواب الله تعالى، أو تركه خوفًا من عقاب الله تعالى، مخلصًا له - سبحانه وتعالى -؛ حيث إن الثواب والعقاب من المضاف إلى الله تعالى، إيجادًا وحكمًا وجزاءً، والله أعلم.

وفيه دليل: على تحريم الفخر بالشجاعة على الناس، فإن فَخَرَ بها لكونها فضْلًا من الله تعالى، فليس بحرامٍ؛ فإن التحدثَ بنعم الله تعالى مطلوب، وهو شكر لها.

وفيه دليل: على تحريم الحَمِيَّةِ غيرِ الدينية؛ فإن الحميَّةَ للدين مطلوبةٌ شرعًا، وتسمى الحُرْقة على الدين والخير، وذلك مُجمَعٌ عليه، وهو من أفضلِ القُربات، وبه امتاز أهل العنايات على غيرهم من أهل الطاعات.

وفيه دليل: على تحريم الرياء، وقد ثبت في الصحيح: "مَنْ راءى، راءى اللهُ به" [خ]___

* وفيه: السؤال عن الأعمال القلبية والقصد إليها.

* وفيه: وجوب الجواب عنها لمن عنده علم على الفور.

* واعلم أن الرياء لا يدخل في الأعمال القلبية إلا بالإصرار على إرادته، وكذلك لا يدخل في الأعمال المأمور بإظهارها؛ كالجمعة والجماعات، وأداء الزكوات الواجبات، ونحو ذلك، إلا أن يقصده ويصرَّ عليه، فيكون بقصده له وإصراره عليه مرائيًا فيما بينه وبين الله تعالى، فإن أظهر قصده للناس وإصراره، كان مرائيًا فيما بينه وبينهم، ولا يتصور الرياء فيما أمر بإظهاره بمجرده، والله أعلم." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 79) لابن رجب :

"وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَقْسَامٌ : فَتَارَةً يَكُونُ رِيَاءً مَحْضًا، بِحَيْثُ لَا يُرَادُ بِهِ سِوَى مُرَاءَاتِ الْمَخْلُوقِينَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، كَحَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] (النِّسَاءِ: 142) .

وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 4 - 6] (الْمَاعُونِ: 4 - 6) .

وَكَذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَ بِالرِّيَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47] (الْأَنْفَالِ: 47) .

وَهَذَا الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقَدْ يَصْدُرُ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ فِيهَا عَزِيزٌ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُ حَابِطٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَحِقُّ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةَ.

وَتَارَةً يَكُونُ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَيُشَارِكُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنْ شَارَكَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَحُبُوطِهِ أَيْضًا. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشَرِيكَهُ»...___

وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ الْعَمَلَ إِذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيَاءِ كَانَ بَاطِلًا: طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي مَرَاسِيلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا فِيهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ رِيَاءٍ» . وَلَا نَعْرِفُ عَنِ السَّلَفِ فِي هَذَا خِلَافًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَإِنْ خَالَطَ نِيَّةَ الْجِهَادِ مَثَلًا نِيَّةٌ غَيْرُ الرِّيَاءِ، مِثْلُ أَخْذِهِ أُجْرَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ أَخْذِ____شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوِ التِّجَارَةَ، نَقَصَ بِذَلِكَ أَجْرُ جِهَادِهِمْ، وَلَمْ يُبْطَلْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : «إِنَّ الْغُزَاةَ إِذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً، تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا، تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» .

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِجِهَادِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي الْجِهَادِ إِلَّا الدُّنْيَا.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: التَّاجِرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُكَارِيُّ أَجْرُهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَخْلُصُ مِنْ نِيَّتِهِمْ فِي غُزَاتِهِمْ، وَلَا يَكُونُ مِثْلَ مَنْ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَا يَخْلِطُ بِهِ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ يَأْخُذُ جُعْلًا عَلَى الْجِهَادِ: إِذَا لَمْ يَخْرُجْ لِأَجْلِ الدَّرَاهِمِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ، كَأَنَّهُ خَرَجَ لِدِينِهِ، فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا، أَخَذَهُ.

وَكَذَا رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِذَا أَجْمَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْغَزْوِ، فَعَوَّضَهُ اللَّهُ رِزْقًا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إِنْ أَحَدُكُمْ إِنْ أُعْطِيَ دِرْهَمًا غَزَا، وَإِنْ مُنِعَ دِرْهَمًا مَكَثَ، فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ.

وَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا كَانَتْ نِيَّةُ الْغَازِي عَلَى الْغَزْوِ، فَلَا أَرَى بَأْسًا. وَهَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ أَخَذَ شَيْئًا فِي الْحَجِّ لِيَحُجَّ بِهِ: إِمَّا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَجِّ الْجَمَّالِ وَحَجِّ الْأَجِيرِ وَحَجِّ التَّاجِرِ: هُوَ تَمَامٌ لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُمُ الْأَصْلِيَّ كَانَ هُوَ الْحَجَّ دُونَ التَّكَسُّبِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَصْلُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الرِّيَاءِ، فَإِنْ كَانَ خَاطِرًا___وَدَفَعَهُ، فَلَا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أَمْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيُجَازَى عَلَى أَصْلِ نِيَّتِهِ؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ قَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَرَجَّحَا أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ." اهـ

 

ثم قال ابن رجب _رحمه الله_ في جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 83) :

"فَأَمَّا إِذَا عَمِلَ الْعَمَلَ لِلَّهِ خَالِصًا، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ لَهُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، فَفَرِحَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ.

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (17/ 393) لابن الملقن الأندلسي :

" * والحديث دال على وجوب الإخلاص في الجهاد، ومصرح بأن القتال للذكر، ونحوه خارج عن ذَلِكَ،

* ودال أيضًا على أن الإخلاص هو العمل على وفق الأمر.

* ودال أيضًا على تحريم الفخر بالذكر، اللَّهُمَّ إلا أن يقصد بذلك إظهار النعمة.

* ودال أيضًا على حرمة الرياء وعلى السؤال عن الأعمال القلبية.

* وبيان أحوال الناس في جهادهم ونياتهم." اهـ

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (17/ 394) :

"قَالَ المهلب :

"إذا كان في أصل النية إعلاء كلمة الله تعالى ثم دخل عليها من حب الظهور والمغنم ما دخل فلا يضرها ذلك "ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا" فخليق أن يحب الظهور بإعلاء كلمة الله وأن يحب الغني لإعلاء كلمة الله فهذا لا يضره إن كان عقده صحيحًا." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 138) لابن علاَّن :

"والحاصل : أن المثاب من قاتل الكفار إيماناً واحتساباً، لا المقاتل لغرض دنيوي أو عرض دني." اهـ

 

حجة الله البالغة (1/ 293) لولي الله الدهلوي :

"وَالْفِقْه فِي ذَلِك أَن عَزِيمَة الْقلب روح الْأَعْمَال أشباح لَهَا[8]." اهـ

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 8) للسعدي :

"والأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص، حتى إن صاحب النية الصادقة _وخصوصا إذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل_ يلتحق صاحبها بالعامل، قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]

وفي الصحيح مرفوعا «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ ما كان يعمل صحيحا مقيما» ، «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم - أي: في نياتهم وقلوبهم وثوابهم - حبسهم العذر»." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 35) للعثيمين :

"والقتال في سبيل الله؛ أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن القتال للوطن ليس قتالاً صحيحاً وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وأقاتل عن وطني؛ لأنه وطن إسلامي؛ فأحميه من أعدائه وأعداء الإسلام؛ فبهذه النية تكون النية صحيحة والله الموفق." اهـ

 

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 753) لعبد الله البسام النجدي :

"ما يستفاد من الحديث:

1- أن الأصل في صلاح الأعمال وفسادها، النية. فهي مدار ذلك.

2- لذا فإن من قاتل الكفار لقصد الرياء، أو الحمية، أو لإظهار الشجاعة، أو لغير ذلك من مقاصد دنيوية، فليس في سبيل الله تعالى.

3- أن الذي قتاله في سبيل الله، هو من قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى.

4- إذا انضم إلى قصد إعلاء كلمة الله قصد المغنم، فهل يكون في سبيل الله؟.

قال الطبري: لا يضر، وبذا قال الجمهور، مادام قَصْد المغنم قد جاء ضمن النية الصالحة الأولى، وهذا جار في جميع أعمال القرب والعبادات.

قال تعالى: {لَيْسَ عليكم جناح أنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم} يعنى التجارة في سفر الحج.

والصحابة رضي الله عنهم، خرجوا يوم بدر ورغبتهم في عير قريش {وَتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكم} .

5- مدافعة الأعداء عن الأوطان والحرمات، من القتال المقدس. ومن قتل فيه، فهو شهيد، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد.. الخ"." اهـ

 

عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها (ص: 156_157) لشيخنا عبد المحسن العباد _حفظه الله_ :

"من فقه الحديث، وما يستنبط منه :

1- الرجوع إلى العلماء وسؤالهم عن أمور الدين.

2- بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة، والحديث شاهد لحديث : «إنما الأعمال بالنيات».

3- أن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

4- جواز السؤال عن العلة.___

5- تقدم العلم على العمل.

6.- ذم الحرص على الدنيا وعلى القتال لخط النفس في غير الطاعة.

7- إطلاق الكلمة مرادا بها الكلام.

8- أن من حسن إجابة المفتي أن تكون فتواه وفية بغرض السائل وزيادة." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (26/ 194_195) لمحمد بن علي بن آدم الأثيوبي :

"في فوائده :

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان فضل من قاتل لتكون كلمة هي العليا.

(ومنها): أن فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيّة الصاحة، فهو شاهد لحديث: "إنما الأعمال بالنيات ... " الحديث.

(ومنها): أن الإخلاص شرط في العبادة، فمن كان له الباعث على العمل هو الأمر الدنيويّ، فلا شكّ في بطلان عمله،___

ومن كان الباعث الدينيّ أقوى، فقد حكم الحارث المحاسبيّ بإبطال العمل؛ تمسّكًا بهذا الحديث، وخالفه الجمهور، فقالوا: العمل صحيح.

(ومنها): أن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يختصّ بمن قاتل لإعلاء كلمة اللَّه تعالى.

(ومنها): أن هذا من جوامع كلمه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه.

(ومنها): ما أعطي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الفصاحة، وجوامع الكلم؛ لأنه أجاب السائل بجواب جامع لمعنى سؤاله، لا بلفظه، من أجل أن الغضب والحميّة قد يكون للَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد يكون لغرض دنيويّ، فأجابه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالمعنى مختصرًا، إذ لو ذهب يقسم وجوه الغضب لطال ذلك، ولخشي أن يلبس عليه.

(ومنها): جواز السؤال عن العلّة.

(ومنها): أن العلم يتقدّم العمل.

(ومنها): ذمّ الحرص على الدنيا.

(ومنها): ذمّ القتال لحظّ النفس في غير طاعة اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".

 

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (20/ 242) للأُرمي :

"قال النووي وفي الحديث دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته يوم القيامة وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصًا وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصًا له اهـ.

 

مجموع الفتاوى (18/ 256) لابن تيمية :

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ الْأَعْمَالِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ تُمَيِّزُ بَيْنَ مَنْ يُرِيدُ اللَّهَ بِعَمَلِهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَبَيْنَ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا: مَالًا وَجَاهًا وَمَدْحًا وَثَنَاءً وَتَعْظِيمًا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ بِالْقَصْدِ

 

مجموع الفتاوى (28/ 164_165) لابن تيمية :

فَكُلُّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْغَايَةِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا الْخَلْقُ كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى لِصَاحِبِهِ وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ. وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: مَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْجَنَّةِ. وَمَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ؛___

فَهَذَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَمَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ لَكِنْ لَا بِشَجَاعَةِ وَلَا سَمَاحَةٍ؛ فَهَذَا فِيهِ مِنْ النِّفَاقِ وَنَقْصِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَمَنْ لَا يَعْمَلْ لِلَّهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَلَا سَمَاحَةٌ؛ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٌ. فَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ وَالْأَفْعَالُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُؤْمِنُ عُمُومًا وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الْمِحَنِ وَالْفِتَنِ الشَّدِيدَةِ؛ فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ وَدَفْعِ الذُّنُوبِ عَنْ نُفُوسِهِمْ عِنْدَ الْمُقْتَضِي لِلْفِتْنَةِ عِنْدَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى أَمْرِ غَيْرِهِمْ وَنَهْيِهِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ مِنْ الصُّعُوبَةِ مَا فِيهِ؛ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَمَرَهُمْ بِدَعْوَةِ النَّاسِ وَجِهَادِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ." اهـ

 

مختصر منهاج القاصدين (ص: 222_223) لابن قدامة :

"اعلم أن أصل الرياء حب الجاه والمنزلة، وإذا فصل، رجع إلى ثلاثة أصول،

وهى : حب لذة الحمد، والفرار من ألم الذم، والطمع فيما في أيدي الناس.

ويشهد لذلك ما في "الصحيحين" من حديث أبى موسى رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فقال يارسول الله، أرأيت الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله".

فمعنى قوله: «يقاتل شجاعة» أي : ليذكر ويحمد، ومعنى قوله : «يقاتل حمية» أي : يأنف أن يقهر أو يذم، ومعنى: "يقاتل رياء" أي: ليرى مكانه، وهذه هو لذة الجاه والمنزلة في القلوب.

وقد لا يشتهى الإنسان الحمد، ولكنه يحذر من الذم، كالجبان بين الشجعان، فإنه يثبت ولا يفر لئلا يذم. وقد يفتى الإنسان بغير علم حذراً من الذم بالجهل، فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرك إلى الرياء.

وعلاجه أن الإنسان إِنما يقصد الشيء ويرغب فيه إذا ظن أنه خير له ونافع، إما في الحال أو المآل، فإن علم أنه لذيذ في الحال ضارٌّ في المآل، سهل عليه اجتنابه وقطع عنه الرغبة، كمن يعلم أن العسل لذيذ، ولكن إِذا بان أن فيه سماً، أعرض عنه،

فكذلك طريق هذه الرغبة أن تعلم ما فيها من المضرَّة، فإِن الإِنسان متى عرف مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه، ومن المنزلة في الآخرة، وما يتعرض له من العذاب والمقت والخزي، هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق، فإنَّ رضى الناس غاية لا تدرك،

فكل ما يرضى به فريق يسخط به فريق، ومن طلب رضاهم في سخط الله، سخط الله عليه وأسخطهم عليه. ثم أي غرض له في مدحهم وإيثار ذم الله له لأجل مدحهم؟ ولا يزيد مدحهم رزقاً ولا أجلاً، ولا ينفعه يوم فقره وفاقته. وكذلك ذمهم لمَ يحذر منه؟ ولا يضره ذمهم شيئاً ولا يجعل أجله، ولا يؤخر رزقه، فإن العباد كلهم عجزة، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإِذا قرر هذا في نفسه، فترت رغبته في الرياء، وأقبل على الله تعالى بقلبه، فإن العاقل لا يرغب فيما يضره ويقل نفعه.___

وأما الطمع فيما في أيدي الناس، فيزيله بأن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإِعطاء، وأنه لا رازق سواه، ومن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة، وإن وصل إلى المراد، لم يخل من المنة والمهانة، فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد.

ومن الدواء النافع أن يعود نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، فإنه لا دواء في الرياء مثل إخفاء الأعمال، وذلك يشق في بداية المجاهدة، فإذا صبر عليه مدة بالتكلف، سقط عنه ثقله، وأمده الله بالعون، فعلى العبد المجاهدة، ومن الله التوفيق." اهـ

 

الإفهام في شرح عمدة الأحكام (ص: 815) لابن باز :

"هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالجهاد، والنفل، والإخلاص, سبق أن الجهاد فضله عظيم, ومصالحه كثيرة, وأصله فرضٌ على المسلمين فرضُ كفاية, وقد يجب على الأعيان, فإذا لم يكن فرضاً صار في حق الشخص سُنة، من أفضل العبادات وأفضل القُربات, وهو من وسائل إعلاء كلمة اللَّه, ومن وسائل نشر الإسلام, وتكثير المسلمين، وتنفيذ أحكام اللَّه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور, وله مصالح كثيرة, ولهذا شرعه اللَّه لعباده, وأوجبه في الجملة، وعظَّم شأن أهله" اهـ

 

كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (7/ 257_259) للسفاريني :

"لطيفة :

ذكر ابنُ عرب شاه في "تاريخ تمرلنك" الذي أنشأه، وابنُ الشحنة في "تاريخه": أن تمرلنك لما أخذ حلب الشهباء، واستأصل أهلَها قتلًا وأسرًا ونهبًا، وذلك سنة ثمان مئة وثلاث في شهر ربيع الأول، قال ابن الشحنة: لما كان يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الأول، صَعِد تمرلنك لقلعة حلب، وآخرَ النهار طلب علماءها وقضاتها.

قال: فحضرنا إليه، فأوَقَفنا ساعةً، ثمَّ أمر بجلوسنا، وطلب مَنْ معه من أهل العلم، فقال لأميرهم عنده، وهو المولى عبدُ الجبار بنُ العلامةِ نُعمانِ الدينِ الحنفيّ، ووالده من العلماء المشهورين بسمرقند: قُلْ لهم: إني سائلُهم عن مسألة سألتُ عنها علماءَ سمرقند وبخارى وهراةَ وسائر البلاد التي افتتحتُها، فلم يفصحوا عن الجواب، فلا تكونن مثلهم، ولا يجاوبني___إلا أعلمُكم وأفضلُكم، وليعرفْ ما يتكلَّم به؛ فإني خالطتُ العلماء، ولي بهم اختصاص وأُلفة، ولي في العلم طلب قديم.

قال: وكان يبلغنا عنه أنَّه يتعنت العلماء في الأسئلة، ويجعلُ ذلك سببًا لقتلهم أو تعذيبهم.

فقال القاضي شرفُ الدين الأنصاري الشافعي: هذا شيخُنا، ومدرس هذه البلاد ومفتيهًا، سلوه، وبالله المستعان.

فقال لي عبد الجبار: سلطانُنا يقول: إنه بالأمس قُتل منا ومنكم، فمن الشهيدُ، قتيلنُا أم قتيلُكم؟.

فقلنا في أنفسنا: هذا الذي يبلغنا عنه من التعنت.

وسكتَ القوم، ففتحَ اللهُ عليَّ بجواب سريع بديع، وقلت: هذا سئل عنه سيدنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأجاب عنه، وأنا مجيبٌ بما أجاب به سيدُنا رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

قال لي القاضي شرفُ الدين الأنصاري بعد أن انقضت الحادثة: والله العظيم! لما قلتَ: هذا سؤالٌ سُئل عنه سيدُنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأجاب عنه، وأنا محدث يا مولانا هذا عالمنا قد اختل عقله، وهو معذور، فإن هذا السؤال لا يمكن الجواب عنه في هذا المقام، ووقع في نفس عبد الجبار مثلُ ذلك.

وألقى تمرلنك إليَّ سمعَه وبصرَه، وقال لعبد الجبار: سله كيف سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا، وكيف أجاب؟

قلت: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! الرجلُ يقاتل حَمِيَّةً، الحديث.___

فقال تمرلنك: خوب، وقال عبد الجبار: ما أحسن ما قلت!

ومعنى خوب: جيد[9]، والله الموفق." اهـ  



[1] ترجمة أبي موسى الأشعري _رضي الله عنه_

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 451) للذهبي :

أَبُو موسى الأشعري هُوَ عَبْد اللَّهِ بن قيس بن سليم بن حضّار اليماني، [الوفاة: 41 - 50 ه] : صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قدِم عَلَيْهِ مسلما سَنَة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وَكَانَ قِدم مكة، فحالف بِهَا أبو أحَيحة سَعِيد بن العاص، ثُمَّ رجع إِلَى بلاده، ثُمَّ خرج منها في خَمْسِينَ من قومه قَدْ أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إِلَى أَرْضِ الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أَبِي طالب، ثُمَّ قدموا معه.

اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا موسى عَلَى زبيد وعدن، ثُمَّ ولي الْكُوفَة والْبَصْرَة لعمر.

وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وَعَن أَبِي بكر، وعمر، ومُعاذ، وأبي بن كعب، وَكَانَ من أجِلاء الصحابة وفضلائهم. وفُتحت أصبهان عَلَى يده وتُسْتر وغير ذلك، وَلَمْ يكن في الصحابة أطيب صوتًا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرَ آلِ دَاوُدَ ". وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قضاة هَذِهِ الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأَبُو موسى."

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 454)

قَالَ أَبُو نُعَيم، وابن نُمَيْر، وأَبُو بكر بن أَبِي شيبة، وقَعْنَب: تُوُفِّيَ سَنَة أربع وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ الهيثم: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وَأَرْبَعِينَ، وحكاه ابن مَنْده. وَقَالَ الْوَاقدي: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وخمسين. وَقَالَ المدائني: تُوُفِّيَ سَنَة ثلاث وخمسين." اهـ

وفي مشاهير علماء الأمصار (ص: 65) لابن حبان :

"أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس بن وهب يلي الكوفة مدة والبصرة زمانا إلا أنه ممن استوطن البصرة مات سنة أربع وأربعين وهو بن بضع وستين سنة." اهـ

وفي الأعلام للزركلي (4/ 114) : "أَبُو مُوسى الأشْعَري (21 ق هـ - 44 هـ = 602 - 665 م) :

عبد الله بن قيس بن سليم بن حضَّار ابن حرب، أبو موسى، من بني الأشعر، من قحطان: صحابي، من الشجعان الولاة الفاتحين، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين. ولد في زبيد (باليمن) وقدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم، وهاجر إلى إلى أرض الحبشة. ثم استعمله رسول الله صلّى الله عليه وسلم على زبيد وعدن. وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 هـ فافتتح أصبهان والأهواز.

فارتد أبو موسى إلى الكوفة، فتوفي فيها. وكان أحسن الصحابة صوتا في التلاوة، خفيف الجسم، قصيرا. وفي الحديث: سيد الفوارس أبو موسى. له 355 حديثا" اهـ باختصار

[2] وفي منحة الباري بشرح صحيح البخاري (10/ 379) لزكريا لأنصاري :

"(جاء رجل) هو لاحق بن ضُمَيْرَةَ، ومرَّ الحديث في الجهاد."

وفي رواية عَنْ أَبِي مُوسَى، قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". خ م

وقال الحافظ في الإصابة في تمييز الصحابة (5/ 497) : "لاحق بن ضميرة الباهلي. أخرج أبو موسى من طريق أبي الشيخ بسند له فيه مجاهيل إلى سليم أبي عامر..." اهـ

[3] فتح الباري لابن حجر (6/ 28_29)

"قَوْلُهُ : ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.))

الْمُرَادُ بِكَلِمَةِ اللَّهِ دَعْوَةُ اللَّهِ إِلَى الْإِسْلَامِ،

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ كَانَ سَبَبُ قِتَالِهِ طَلَبَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَطْ،

* بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ أَخَلَّ بِذَلِكَ،

* وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُخِلَّ إِذَا حَصَلَ ضِمْنًا لَا أَصْلًا وَمَقْصُودًا،

وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ، فَقَالَ :

"إِذَا كَانَ أَصْلُ الْبَاعِثِ هُوَ الْأَوَّلُ لَا يَضُرُّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ.

لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ :

"جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا لَهُ؟ قَالَ : "لَا شَيْءَ لَهُ"، فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ : "لَا شَيْءَ لَهُ"

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ".

* وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ أَوَّلًا فَتَصِيرُ الْمَرَاتِبُ خَمْسًا أَنْ يَقْصِدَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا صِرْفًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا وَيَحْصُلُ الْآخَرُ ضِمْنًا فَالْمَحْذُورُ أَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ الْإِعْلَاءِ فَقَدْ يَحْصُلُ الْإِعْلَاءُ ضِمْنًا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَرْتَبَتَانِ وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَدُونَهُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا فَهُوَ مَحْذُورٌ أَيْضًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ.____حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِعْلَاءَ صَرْفًا وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْإِعْلَاءِ وَقَدْ لَا يحصل فَفِيهِ مرتبتان أَيْضا." اهـ كلام الحافظ

وفي مجموع الفتاوى (28/ 263) لابن تيمية :

فَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ اللَّهِ: اسْمٌ جَامِعٌ لِكَلِمَاتِهِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا كِتَابُهُ

[4] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 28) :

"فَمَرْجِعُ الَّذِي قَبْلَهُ إِلَى السُّمْعَةِ وَمَرْجِعُ هَذَا إِلَى الرِّيَاءِ وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ،

وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ : ((وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً))، أَيْ : لِمَنْ يُقَاتِلُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ عَشِيرَةٍ أَوْ صَاحِبٍ،

وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ: ((وَيُقَاتِلُ غَضَبًا)) أَيْ لِأَجْلِ حَظِّ نَفْسِهِ،

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَسَّرَ الْقِتَالُ لِلَّحْمِيَّةِ بِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ وَالْقِتَالُ غَضَبًا بِجَلْبِ الْمَنْفَعَةِ." اهـ

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 141) للعيني :

"قَوْله: (حمية) أَي: أَنَفَة ومحافظة على ناموسه. قَوْله : (لتَكون كلمة الله) أَي : كلمة التَّوْحِيد، أَو حكم الله بِالْجِهَادِ." اهـ

[5] رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (5/ 609_611) للفاكهاني :

القتالُ للشجاعة، يحتمل ثلاثة أوجه:

الأول: أن يُقاتل إظهارًا لشجاعته، ليقال: إنَّ فلانًا شجاعٌ، وهذا ضدُّ الإخلاص، وهو الذي يُقال فيه: لكي يُقال، وقد قيل، ويكون الفرق بين هذا القِسْم وبين قوله بعدُ : ويقاتل رياءً: أن يكون المراد بالرياء: إظهارَ المقاتَلَةِ لإعلاء كلمة اللَّه تعالى، وبذلَ النفس في رضاه، والرغبة فيما عنده، وهو في باطن الأمر بخلاف ذلك، لا ليقال: إنه شجاع، والذي قلنا: إنه قاتل إظهارًا للشجاعة ليس مقصودُه إلا تحصيلَ المدح على الشجاعة من الناس، فقد رأيت افتراق القصدين.___

الثاني: أن يقاتل للشجاعة طبعًا لا قصدًا، فهذا لا يُقال إنه كالأول؛ لعدم قصدِه إظهارَ الشجاعة، ولا يقال: إنه قاتل لتكون كلمةُ اللَّه هي العليا؛ إذ لم يقصد ذلك أيضًا، نعم، إن كان قد تقدم له القصدُ أولًا، لعدم قصد إظهار الشجاعة،  ثم قاتل بعد ذلك بمقتضى طبعه، ولم يطرأ على النية الأولى ما ينافيها، فهو كالأول؛ إذ ليس من شرط هذه النية أن تكون مقارنةً للقتال ولابُدَّ؛ فإن الشجاع إذا دهمه القتال، وكان طبعه يقتضي المبادرةَ لذلك، يسارع لذلك ذاهلًا عن مطلق القصد، ولا يقدح ذلك في النية الأولى، بل هي باقية على ما كانت، وهذا في التمثيل؛ كالمريضِ مرضَ الموت، يستحضِرُ الإيمانَ في وقتٍ ما، ثم يغيبُ عن إحساسه، ويموت وهو على هذه الحالة، من غير أن يطرأ على استحضاره المتقدم ما ينافيه، فهذا محكومٌ لإسلامه قطعًا.

والثالث: أن يقاتل الشجاعُ قاصدًا إعلاءَ كلمةِ اللَّه -تعالى- حالَ القتال، فهو هو المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "قاتل لتكونَ كلمةُ اللَّه هي العُليا"، وأنه في سبيل اللَّه، وهو أفضلُ من القسم الذي___قبله؛ لاستحضاره النيّةَ حالَ القتال، واللَّه أعلم.

وإذا ثبت هذا، علمت أن الحميةَ خارجةٌ عن هذين القسمين -أعني: الرياء والشجاعة-، فإن الجبان قد يقاتل حميّة، والمرائي يقاتل لا لحميّة، وخارجة أيضًا عن أن تكون كلمة اللَّه هي العليا؛ إذ المرادُ بالحمية: الحميةٌ لغير اللَّه تعالى، إما تمحيضًا، أو إشراكًا كما تقدم، واللَّه أعلم." اهـ كلام الفاكهاني _رحمه الله_

[6] وفي الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (20/ 242) لمحمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي :

"وفي شرح الأشباه للحموي الإخلاص سر بينك وبين ربك لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيضله ولا هوى فيميله قال بعض العرفاء المخلص من لا يحب أن يحمده الناس على شيء من أعماله."

[7] وهذا من كلام الحافظ ابن حجر _رحمه الله_، كما في فتح الباري لابن حجر _رحمه الله_ (6/ 28) :

"فَالْحَاصِلُ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ أَنَّ الْقِتَالَ يَقَعُ بِسَبَبِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ طَلَبِ الْمَغْنَمِ وَإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَمِيَّةِ وَالْغَضَبِ وَكُلٌّ مِنْهَا يَتَنَاوَلُهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلِ الْجَوَابُ بِالْإِثْبَاتِ وَلَا بِالنَّفْيِ." اهـ

[8] ومنه : عالم الأشباح : مقرّ الأموات،

 

[9] وقال نور الدين طالب محقق كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (7/ 259) : انظر: "عجائب المقدور في نوائب تيمور" لابن عربشاه (ص: 48)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين