الحديث الحادي عشر من رياض الصالحين

شرح الحديث الحادي عشر 

(وكتبه : الأستاذ عبد القادر البوجيسي)


[11] وعن أبي العبَّاسِ عبدِ اللهِ بنِ عباسِ بنِ عبد المطلب[1] _رضِيَ اللهُ عنهما_،

عن رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ فيما يروي عن ربهِ _تباركَ وتعالى_ قَالَ :

«إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ،[2] ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا : كَتَبَها اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وَإنْ هَمَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إِلى سَبْع مئةِ ضِعْفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ،

وإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلةً، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»[3]. مُتَّفَقٌ عليهِ.


ترجمة عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-

 

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى أبو العباس المدنى

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى ، أبو العباس المدنى، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يقال له الحبر، والبحر، لكثرة علمه ، دعا له النبى صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين .

 

وفي صحيح البخاري (1/ 41) (رقم : 143)، و صحيح مسلم (4/ 1927) (رقم : 2477) : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ : (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)»

 

مصنف ابن أبي شيبة (6/ 383) (رقم : 32220) : عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود قال : «نِعْمَ، تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ»

 

ولد فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين .

 

و قال غير واحد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : توفى النبى صلى الله عليه وسلم ، و أنا ابن عشر سنين .

و قيل عن سعيد بن جبير عنه : قبض النبى صلى الله عليه وسلم ، و أنا ابن ثلاث عشرة سنة .

 

و قال أبو نعيم ، و أبو بكر بن أبى شيبة ، و يحيى بن بكير فى آخرين : مات سنة ثمان و ستين (68) هـ.

 زاد يحيى : وهو ابن إحدى أو اثنتين و سبعين (72 سنة)، و صلى عليه محمد ابن الحنفية ،

 

و قال : اليوم مات ربانى هذه الأمة ، و مات بالطائف .


وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 331_359) للذهبي باختصار :

"عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * (ع) : حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ، ابْنُ___عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ (وَاسْمُهُ عَمْرُو) بنُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

مَوْلِدُهُ: بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ، قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.

صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.

انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ."

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (68 هـ)، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (67 هـ). وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

و (مُسْنَدُهُ) : أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ (1660) حَدِيثاً. وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ. وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ." اهـ

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 278 :

وقال ابن مسعود : (لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد).

 

و روى ابن أبى خيثمة بسند فيه جابر الجعفى أن ابن عمر كان يقول : (ابن عباس أعلم أمة محمد بما أنزل على محمد)

 و روى ابن سعد بسند صحيح أن أبا هريرة قال لما مات زيد بن ثابت : (مات اليوم حبر الأمة، و لعل الله أن يجعل فى ابن عباس منه خلفا)

 

و قال ابن أبى الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه : (ما رأيت مثل ابن عباس قط)

وقال يزيد بن الأصم : (خرج معاوية حاجا ، و خرج ابن عباس حاجا ، فكان لمعاوية موكب ، ولابن عباس ممن يطلب العلم موكب)

 

و قالت عائشة : هو أعلم الناس بالحج .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/ 398) :

"قَالَ مَعْمَرٌ : عَامَّةُ عِلْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ثَلاَثَةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ." اهـ

 

قال الحافظ فى "تقريب التهذيب" ص / 309 :

و هو أحد المكثرين من الصحابة ، و أحد العبادلة من فقهاء الصحابة . اهـ .

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (8/ 103) (رقم : 6491)، ومسلم في صحيحه (1/ 118) (رقم : 131)

 

المعنى الإجمالي :

 

"في هذا الحديث القدسي : البشرى العظيمة للمسلمين حيث إن من هم بحسنة فلم يعملها يكتبها الله عنده حسنة كاملة,

وإن هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى أضعاف كثيرة,

وإن هم بسيئة فلم يعملها من أجل خوف الله وعقابه كتبها الله له حسنة لعدم إقدامه عليها،

وإن عملها كتبها الله تعالى سيئة واحدة، فانظر يا آخى المسلم وفقك الله إلى كل خير ... إلى فضل الله على عباده حيث إن الله سبحانه يعطي لمن يعمل الحسنات هذا الفضلَ العظيمَ المضاعف مؤكدا سبحانه بأنه محفوظ عنده تعريفا لصاحبه,

والسيئة إذا فعلت أكدها بأنها تكتب واحدة فقط، ولم يؤكدْها بكاملةٍ، ولا عنده لعدم الاعتناء بها،

فلله الحمد على نعمه التي لا تحصى ولا تعد {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}."[4]

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 17) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك :

"هذا حديث شريف عظيم، بيَّن فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدار ما تفضَّل الله به _عزَّ وجلّ_ على خلقه : من تضعيف الحسنات، وتقليل السيئات.

زاد مسلم بعد قوله: «وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة» . «أو محاها، ولا يَهْلِك على الله إلا هالكٌ» .

قال ابن مسعود: ويلٌ لمن غلبت وحداته عشراته.

قال العلماء: إنَّ السيئة تعظم أحيانًا بشرف الزمان أو المكان، وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته، كما قال تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} [الأحزاب (30، 31) ] .

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 161) :

"الْوَسْوَسَةَ لَا اعْتِبَارَ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّوَطُّنِ فَكَذَلِكَ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَا توطن لَهما." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 325) :

"وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي قَلْبِ الْآدَمِيِّ، إِمَّا بِإِطْلَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُ أَوْ بِأَنْ يَخْلُقَ لَهُ عِلْمًا يُدْرِكُ بِهِ ذَلِكَ،[5]

وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ : مَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ :

"يُنَادَى الْمَلَكُ اكْتُبْ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ : "يَا رَبِّ، إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ." فَيَقُولُ : "إِنَّهُ نَوَاهُ." وَقِيلَ : "بَلْ يَجِدُ الْمَلَكُ لِلْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ رَائِحَةً خَبِيثَةً، وَبِالْحَسَنَةِ رَائِحَةً طَيِّبَةً." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 325) :

"قَالَ الطُّوفِيُّ : "إِنَّمَا كُتِبَتِ الْحَسَنَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْخَيْرِ سَبَبٌ إِلَى الْعَمَلِ، وَإِرَادَةَ الْخَيْرِ خَيْرٌ، لِأَنَّ إِرَادَةَ الْخَيْرِ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ.

وَاسْتُشْكِلَ : بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تُضَاعَفُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ :

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام : 160]،

وَأُجِيبَ : بِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى عَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَالْحَدِيثِ عَلَى الْهَمِّ الْمُجَرَّدِ.

وَاسْتشْكل أَيْضًا : بِأَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ إِذَا اعْتُبِرَ فِي حُصُولِ الْحَسَنَةِ، فَكَيْفَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حُصُولِ السَّيِّئَةِ؟

وَأُجِيبَ : بِأَنَّ تَرْكَ عَمَلِ السَّيِّئَةِ الَّتِي وَقَعَ الْهَمُّ بِهَا يُكَفِّرُهَا، لِأَنَّهُ قَدْ نَسَخَ قَصْدَهُ السَّيِّئَةَ، وَخَالَفَ هَوَاهُ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 326) :

"وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ حَسَنَةَ مَنْ هَمَّ بِهَا تَنْدَرِجُ فِي الْعَمَل فِي عشرَة الْعَمَل لَكِنْ تَكُونُ حَسَنَةُ مَنْ هَمَّ بِهَا أَعْظَمَ قَدْرًا مِمَّنْ لَمْ يَهِمَّ بِهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 327_328) :

"فَمَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَصَمَّمَ عَلَيْهَا، كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ. فَإِذَا عَمِلَهَا، كُتِبَتْ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ ثَانِيَةٌ،

قَالَ النَّوَوِيُّ :

"وَهَذَا ظَاهِرٌ حَسَنٌ، لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ بِالْمُؤَاخَذَةِ عَلَى عَزْمِ الْقَلْبِ الْمُسْتَقِرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ان تشيع الْفَاحِشَة)) الْآيَة،

وَقَولِه : ((اجتنبوا كثيرا من الظَّن))، وَغير ذَلِك."

وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ :

"إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ لَمْ يُؤَاخَذْ فَإِنْ عَزَمَ وَصَمَّمَ زَادَ عَلَى حَدِيثِ النَّفْسِ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ."

قَالَ : "وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَوَقَعَ فِي خَاطِرِهِ أَنْ يَقْطَعَهَا لَمْ تَنْقَطِعْ فَإِنْ صَمَّمَ عَلَى قَطْعِهَا بَطَلَتْ، وَأُجِيبَ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالْمَعْصِيَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى عَمَلِ الْقَلْبِ بِقَصْدِ مَعْصِيَةِ الْجَارِحَةِ إِذَا لَمْ يَعْمَلِ الْمَقْصُودَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُوَ بِالْقَصْدِ وَمَا هُوَ بِالْوَسِيلَةِ.

وَقَسَمَ بَعْضُهُمْ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ أَقْسَامًا : يَظْهَرُ مِنْهَا الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي، أَضْعَفُهَا أَنْ يَخْطِرَ لَهُ ثُمَّ يَذْهَبَ فِي الْحَالِ، وَهَذَا مِنَ الْوَسْوَسَةِ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُوَ دُونَ التَّرَدُّدِ،

وَفَوْقَهُ : أَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِ، فَيَهُمَّ بِهِ ثُمَّ يَنْفِرَ عَنْهُ فَيَتْرُكَهُ، ثُمَّ يَهُمَّ بِهِ، ثُمَّ يَتْرُكَ كَذَلِكَ، وَلَا يَسْتَمِرُّ عَلَى قَصْدِهِ،

وَهَذَا هُوَ التَّرَدُّدُ فَيُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا.

وَفَوْقَهُ : أَنْ يَمِيلَ إِلَيْهِ وَلَا يَنْفِرَ عَنْهُ لَكِنْ لَا يُصَمِّمُ عَلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْهَمُّ، فَيُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا.

وَفَوْقَهُ : أَنْ يَمِيلَ إِلَيْهِ وَلَا يَنْفِرَ مِنْهُ بَلْ يُصَمِّمُ عَلَى فِعْلِهِ، فَهَذَا هُوَ الْعَزْمُ وَهُوَ مُنْتَهَى الْهَمِّ.

وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ :

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ صِرْفًا كَالشَّكِّ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ أَوِ النُّبُوَّةِ أَوِ الْبَعْثِ.

فَهَذَا كُفْرٌ، وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ جَزْمًا،

وَدُونَهُ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي لَا تَصِلُ إِلَى الْكُفْرِ كَمَنْ يُحِبُّ مَا يُبْغِضُ اللَّهَ وَيُبْغِضُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيُحِبُّ لِلْمُسْلِمِ الْأَذَى بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ، فَهَذَا يَأْثَمُ.

وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْبَغْيُ وَالْمَكْرَ وَالْحَسَدُ، وَفِي بَعْضِ هَذَا خِلَافٌ،

فَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَحَسَدَهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَى دَفْعِهِ، لَكِنَّ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِمُجَاهَدَتِهِ النَّفْسَ عَلَى تَرْكِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ.

فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النزاع فَذَهَبت___طَائِفَة إِلَى عدم الْمُؤَاخَذَة بذلك أصلا وَنقل عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ قَبْلُ فَإِنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْهَمَّ بِالْحَسَنَةِ قَالَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا وَحَيْثُ ذَكَرَ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ بَلْ قَالَ فِيهِ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الْفَضْلِ فَلَا يَلِيقُ التَّحْجِيرُ فِيهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ بالعزم المصمم."

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 328_329)

قَوْلُهُ : "فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا، فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً."

فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ : "فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا."

وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ : "فَجَزَاؤُهُ بِمِثْلِهَا، أَوْ أَغْفِرُ وَلَهُ."

فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "أَوْ يَمْحُوهَا."

وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ يَمْحُوهَا بِالْفَضْلِ أَوْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ بِالِاسْتِغْفَارِ أَوْ بِعَمَلِ الْحَسَنَةِ الَّتِي تُكَفِّرُ السَّيِّئَةَ. وَالْأَوَّلُ : أَشْبَهُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ.

وَفِيهِ : رَدٌّ لِقَوْلِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُغْفَرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ.

وَيُسْتَفَادُ مِنَ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ : "وَاحِدَةً" أَنَّ السَّيِّئَةَ لَا تُضَاعَفُ، كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ،

وَهُوَ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ _تَعَالَى_ : "فَلَا يُجْزَى إِلَّا___ مثلهَا." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 329) :

"قَالَ بن بَطَّالٍ : "فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ اللَّهِ الْعَظِيمِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ كَادَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ لِأَنَّ عَمَلَ الْعِبَادِ لِلسَّيِّئَاتِ أَكْثَرُ مِنْ عَمَلِهِمُ الْحَسَنَاتِ وَيُؤَيِّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ :

حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ الْإِثَابَةِ عَلَى الْهَمِّ بِالْحَسَنَةِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت إِذْ ذَكَرَ فِي السُّوءِ الِافْتِعَالَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْمُعَالَجَةِ وَالتَّكَلُّفِ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَسَنَةِ وَفِيهِ مَا يَتَرَتَّبُ لِلْعَبْدِ عَلَى هِجْرَانِ لَذَّتِهِ وَتَرْكِ شَهْوَتِهِ مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ رَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ وَرَهْبَةً مِنْ عِقَابِهِ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 329) :

"وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَفَظَةَ لَا تَكْتُبُ الْمُبَاحَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ عَدَّ الْمُبَاحَ مِنَ الْحَسَنِ،

وَتُعُقِّبَ : بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَ الْمُبَاحُ، وَلَوْ سُمِّيَ حَسَنًا كَذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُكْتَبُ حَسَنَةً بِالنِّيَّةِ، وَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ حِفْظِ اللِّسَانِ قَرِيبًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 329) :

"وَفِيهِ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ جَعَلَ الْعَدْلَ فِي السَّيِّئَةِ وَالْفَضْلَ فِي الْحَسَنَةِ فَضَاعَفَ الْحَسَنَةَ وَلَمْ يُضَاعِفِ السَّيِّئَةَ بَلْ أَضَافَ فِيهَا إِلَى الْعَدْلِ الْفَضْلَ فَأَدَارَهَا بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَفْوِ بِقَوْلِهِ كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ أَوْ يَمْحُوهَا وَبِقَوْلِهِ فَجَزَاؤُهُ بِمِثْلِهَا أَوْ أَغْفِرُ،

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : رَدٌّ عَلَى الْكَعْبِيِّ فِي زَعْمِهِ أَنْ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ مُبَاحٌ بَلِ الْفَاعِلُ إِمَّا عَاصٍ وَإِمَّا مُثَابٌ، فَمَنِ اشْتَغَلَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُثَابٌ.

وَتَعَقَّبُوهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ بِتَرْكِهَا رِضَا اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ،

وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ يَلْزَمهُ أَنَّ الزَّانِيَ مَثَلًا مُثَابٌ لِاشْتِغَالِهِ بِالزِّنَا عَنْ مَعْصِيَةٍ أُخْرَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 35) للعيني :

"قَالَ التَّيْمِيّ النِّيَّة أبلغ من الْعَمَل، وَلِهَذَا الْمَعْنى تُقْبَلُ النِّيَّةُ بِغَيْر الْعَمَلِ،

فَإِذا نوى حَسَنَة، فَإِنَّهُ يجزى عَلَيْهَا، وَلَو عمل حَسَنَة بِغَيْر نِيَّة لم يجز بهَا،

فَإِن قيل : فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : (من هم بحسنة وَلم يعملها كتبت لَهُ وَاحِدَة، وَمن عَملهَا كتبت لَهُ عشرا)،

وَرُوِيَ أَيْضا أَنه قَالَ : (نِيَّة الْمُؤمن خير من عمله)[6]

فالنية فِي الحَدِيث الأول دون الْعَمَل، وَفِي الثَّانِي فَوق الْعَمَل وَخير مِنْهُ،

قُلْنَا : أما الحَدِيث الأول فَلِأَن الْهَام بِالْحَسَنَة إِذا لم يعملها خَالف الْعَامِل لِأَن الْهَام لم يعْمل وَالْعَامِل لم يعْمل حَتَّى هم ثمَّ عمل،

وَأما الثَّانِي : فَلِأَن تخليد الله العَبْد فِي الْجنَّة لَيْسَ لعمله وَإِنَّمَا هُوَ لنيته لِأَنَّهُ لَو كَانَ لعمله لَكَانَ خلوده فِيهَا بِقدر مُدَّة عمله أَو أضعافه إِلَّا أَنه جازاه بنيته لِأَنَّهُ كَانَ نَاوِيا أَن يُطِيع الله تَعَالَى أبدا لَو بَقِي أبدا،

فَلَمَّا اخترمته منيته دون نِيَّته جزاه الله عَلَيْهَا، وَكَذَا الْكَافِر لِأَنَّهُ لَو كَانَ يجازى بِعَمَلِهِ لم يسْتَحق التخليد فِي النَّار إِلَّا بِقدر مُدَّة كفره غير أَنه نوى أَن يُقيم على كفره أبدا لَو بَقِي فجزاه على نِيَّته."[7]

 

الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (ص: 33) للسعدي :

"ومن كان له عادةُ خيرٍ وطاعةٍ، فَمَرِضَ أو سافر، كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما، فما أحق العبد بشكر مولاه،

ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن هم بسيئة فتركها لله كتبها الله عنده حسنة كاملة،

ومن حرص على فعل المعصية فعجز عنها فهو بمنزلة الفاعل،

ومن سعى في خير فأدركه الموت قبل تكميله وقع أجره على الله الذي أكرمه بلطفه الشامل،

ومن أخذ أموال الناس وعاملهم يريد الوفاء أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله،

ومن توسل بحيلة إلى معاملة محرمة فهو مخادع ظالم،

ومن وقف وقفا أو أوصى بوصية يريد حرمان غريمه أو مضارة وارثه فهو معتد آثم،

ومن عضل زوجته وظلمها لتفتدي منه نفسها فذلك من أعظم الجرائم،

فطوبى لأهل الهمم العالية، لقد انقلبت عاداتهم بالنية الصالحة عباداتٍ،

ويا ويح أهل الجهل والهمم الدنيّة، لقد كادت عباداتهم لضعف النية تكون عاداتٍ، قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19] الآية.

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (1/ 179) لعبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) :

"فَالْمَرْءُ مَا دَامَ قَدْ أَسْلَم وَجْهَهُ للهِ، وأخلصَ نِيَّتَهُ لله، فإنَّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَنَوْمَاتِهِ وَيَقْظَاتِهِ تُحْسَبُ خَطَوَاتٍ إلى مَرْضَاةِ اللهِ.

قَالَ بَعضُ السلفِ : "إنِّي لأَسْتَحِبُ أَنْ يَكُونَ لِي فِي كُلِّ شَيْءٍ نيةٌ حَتَّى في أكلي وَشُرْبِي وَنَوْمِي وَدُخُولِ الْخَلاءِ، وفي كلِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أن يُقْصَد بِهِ التقربُ إلى اللهِ تَعَالى، لأَنَّ كُلَّ مَا هُو سَبَبٌ لِبَقَاء البَدَنِ وَفَرَاغِ القلبِ مِنَ مُهِمَّاتِ الدينِ.

فَمْنْ قَصَدَ مِنْ الأَكْلِ التَّقَوِّي علَى العبَادَة ومن النكاح العَفَافَ وَتَحْصِينَ الدين وَتَطَييبَ قَلْبِ أهلِهِ والتَّوصُّل إلى وَلَدٍ يَعْبُدُ الله بَعْدَهُ، أُثِيبَ على ذلك.

وَلا تَحْتَقِرْ شَيْئًا مِنْ حَرَكَاتِكَ وَسَكَنَاتِكَ، فَصْلاح النِّيَّةِ وَإخْلاصُ القلبِ لِرَبِّ العالمينَ يَرْفَعَانِ مَنْزلَةَ العَمَلِ الدُّنْيَوي البَحْتِ فَيَجْعَلانِهِ عِبَادَةً مُتَقَبَّلَةً، كَمَا أَنْ فَسَادَ النِّيَّةِ يَنْزلُ بالطَّاعَاتِ وَتَنْقَلِبُ مَعَه مَعَاصِيَ، فلا يَنَالُ المرءُ بَعْدَ التَّعَب في أدَائِهَا إِلا الْفشَلَ وَالْخَسَارَةَ." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 427) للقاضي عياض :

"وكل هذا فضل الله، إذ ضاعف حتى تكثر، وتزيد على السيئات لكثرة سيئات بنى آدم، فمن حُرِم هذه السعة وضُيِّق عليه رحبها حتى غلبت عليه سيئاته مع إفرادها حسناته مع تضعيفها، فهو الهالك الذى سبق عليه ذلك فى أم الكتاب." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 199_200) :

"قال المؤلف: هذا حديث شريف بينّ فيه النبى (صلى الله عليه وسلم) مقدار تفضل الله على عباده بأن جعل هموم العبد بالحسنة، وإن لم يعملها حسنة، وجعل همومه بالسيئة إن لم يعملها حسنة، وإن عملها___كتبت سيئة واحدة، وإن عمل الحسنة كتبت عشرًا، ولولا هذا التفضل العظيم لم يدخل أحد الجنة؛ لأن السيئات من العباد أكثر من الحسنات، فلطف الله بعباده بأن ضاعف لهم الحسنات، ولم يضاعف عليهم السيئات، وإنما جعل الهموم بالحسنة حسنةً، لأن الهموم بالخير هو فعل القلب بعقد النية على ذلك. فإن قيل: فكان ينبغى على هذا القول أن يكتب لمن همّ بالشرّ ولم يعمله سيئةً؛ لأن الهموم بالشرّ عمل من أعمال القلب للشرّ. قيل: ليس كما توهمت، ومن كفّ عن فعل الشرّ فقد نسخ اعتقاده للسيئة باعتقاد آخر نوى به الخير وعصى هواه المريد للشرّ، فذلك عمل للقلب من أعمال الخير، فجوزى على ذلك بحسنة،

وهذا كقوله (صلى الله عليه وسلم) : (على كل مسلم صدقة. قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشرّ فإنه صدقة)." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 248) لابن هبيرة :

"إن فضل الله سبحانه وتعالى لما كان فائقًا مقدار أماني الخلق بلغ من ذلك إلى أن بدل السيئة حسنة، إذا عملت السيئة فتاب عاملها منها انقلبت بعينها حسنة.

ثم إن ذلك سرى إلى أنه متى هم الإنسان بسيئة فلم تتم هذه الهمة؛ بل تركها بأن هم به، أجرى الله سبحانه ذلك له في ديوان فضله، فإنما مقام الفعل الحسن، فكتب ذلك حسنة." اهـ

 

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (23/ 13) لمحمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني (المتوفى: 786هـ) :

"قوله (كتب الحسنات) أي قدرها وجعلها حسنة أو سيئة،

وفيه : دلالة على بطلان قاعدة الحسن والقبح العقليين وأن الأفعال ليست بذواتها قبيحة أو حسنة بل الحسن والقبح شرعيان حتى لو أراد الشارع التعكيس والحكم بأن الصلاة قبيحة والزنا حسن كان له ذلك خلافا للمعتزلة فإنهم قالوا الصلاة في نفسها حسنة والزنا قبيح والشارع كاشف مبين لا مثبت وليس له تعكيسا." اهـ

 

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (23/ 14) للكرماني :

"العزم وهو توطيد النفس على فعله غير الهم الذي هو تحديث النفس من غير استقرار،

وفيه : أن الحفظة تكتب ما يهم به العبد ولا يشترط ظهوره منه ولا يخفى أن الترك الذي يثاب عليه ما يكون لوجه الله تعالى لا لأمر آخر،

الخطابي : هذا إذا تركها مع القدرة عليها إذ لا يسمى الإنسان تاركا للشيء الذي لا يقدر عليه." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 81) لابن علان :

وفي رواية في «الصحيحين» أيضاً «إلى تسعمائة ضعف إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به»

وفيها : دليل على أن الصوم لا يعلم قدر مضاعفة ثوابه إلا الله تعالى لأنه أفضل أنواع الصبر، وقد قال تعالى : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 83) :

"قال ابن رزين: والعزم على الكبيرة وإن كان سيئة فهو دون الكبيرة المعزوم عليها، والله أعلم." اهـ

 

كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (2/ 16_17) لمحمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354هـ) :

"وقوله : "إلى أضعاف كثيرة"

في حديث أبي ذر عند مسلم رفعه : "مَنْ عمل حسنةً فله عشرة أمثالها وأزيد"،

وهذا يدُلُّ على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به، وما زاد عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الإِخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع، كالصدقة___الجارية، والعلم النافع، والسنة الحسنة، وشرف العمل، ونحوه." اهـ

 

بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني مع الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (19/ 7) لعبد الرحمن الساعاتي :

"الأمة المحمدية فقد أكرمها الله تعالى وضاعف لها الحسنات وخفف عنها مما كان على غيرها من الإصر وهو الثقل والمشاق." اهـ

 

بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني مع الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (19/ 7) لعبد الرحمن الساعاتي :

"قال النووي : فيه تصريح بالمذهب الصحيح المختار عند العلماء أن التضعيف لا يقف على سبعمائة ضعف، وحكى أبو الحسن أقضى القضاة الماوردى عن بعض العلماء : أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ضعف، وهو غلط لهذا الحديث والله أعلم اهـ

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 86) لإسماعيل بن محمد بن ماحي السعدي الأنصاري (المتوفى: 1417هـ) :

"يستفاد منه :

1 - بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة، إذ لو ما ذكر في الحديث لعظمت المصيبة، لأن عمل العباد للسيئات أكثر.

2 - أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب، خلافا لمن قال إنهم لا يكتبون إلا ألأعمال الظاهرة.

3 - أن الهم بالحسنة يكتب حسنة كاملة.

4 - أن من هم بالحسنة فعلمها كتبها الله عنده عشر حسنات، إلا أن يشاء الزيادة على ذلك.

5 - أن الهم بالسيئة من غير عمل يكتب حسنة، لكن الترك الذي يثاب عليه هو الترك مع القدرة لوجه الله عز وجل، لما في بعض روايات هذا الحديث (( ...... إ، ما تركها من جرائى)).

6 - أن السيئة تكتب بمثلها من غير مضاعفة ولا ينافي ذلك أنها تعظم بشرف الزمان والمكان، أو قوة معرفة الفاعل لله وقربه منه.

7 - أن التضعف لا يتقيد بسبعمائة." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 369_370) :

واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:

الوجه الأول: أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء: الآية100)

وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه.

الوجه الثاني: أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها، فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا، ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟ فقال: "صَلِّ هَاهُنَا" فكرر عليه، فقال له "شَأنُكَ إذاً" [د]، فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.

الوجه الثالث: أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى، فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال له: هيا بنا نتمشى، فترك الصلاة وذهب معه يتمشى، فهذا يثاب___على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر، وبدون انتقال إلى ما هو أفضل." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 370)

واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال[8]:

الحال الأولى: أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه، وليس مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله عزّ وجل، فهذا هو الذي يؤجر، فتكتب له حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة.

الحال الثانية: أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها: كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله، فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة، بل يكتب وزر نيته، كما جاء في الحديث بلفظه: "فَهوَ بِنيَّتهِ"، فَهُمَا في___الوِزرِ سواء

الحال الثالثة: أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ: يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقتُول؟ " أي لماذا يكون في النار- قَالَ: "لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ"، فكتب عليه عقوبة القاتل.

ومثاله : لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز.

الحال الرابعة: أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه، وهذا يقع كثيراً، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة.

وعلى هذا فيكون قوله في الحديث: "كَتَبَهَا عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" أي إذا تركها لله عزّ وجل." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 372)

من فوائد هذا الحديث:

1_ رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، وما رواه عن ربه في الأحاديث القدسية: هل هو من كلام الله عزّ وجل لفظاً ومعنى، أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم؟

اختلف المحدثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا تتعمق في البحث في هذا، وأن تقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل وكفى، وتقدم الكلام على ذلك.

 

2_ اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعاً وثواباً وعقاباً، لقوله إن الله كتب الحسنات والسيئات.

 

3_ أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد فرِغ منها وكتبت واستقرت.

ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله، لأن الله تعالى أعطاه سمعاً وبصراً وفهماً وأرسل إليه الرسل، وبيّن له الحق وهو لا يدري ماذا كُتِبَ له في الأصل، فكيف يقحم نفسه في المعاصي، ثم يقول: قد كتبت عليَّ، لماذا لم يعمل بالطاعات...___

4_ إثبات أفعال الله عزّ وجل لقوله: "كَتَبَ" وسواء قلنا إنه أمر بأن يكتب، أو كتب بنفسه عزّ وجل.___

5_ عناية الله عزّ وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم قدراً وشرعاً..

6_ أن التفصيل بعد الإجمال من البلاغة، يعني أن تأتي بقول مجمل ثم تفصله، لأنه إذا أتى القول مجملاً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل، فيأتي التفصيل والبيان وارداً على نفس مشرئبة مستعدة، فيقع منها موقعاً يكون فيه ثبات الحكم.

7_ فضل الله عزّ وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة، والمراد بالهم: العزم، لا مجرد حديث النفس، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس لا للإنسان ولا عليه.

وسبق شرح أحوال من هم بالحسنة ولم يعملها فليرجع إليه.

8_ مضاعفة الحسنات، وأن الأصل أن الحسنة بعشر أمثالها، ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.

 

ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور، منها:

الأول: الزمان، مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة "مَا مِنْ أَيَّام العَمَلُ الصَّالِحُ فِيْهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر قَالوا: ولاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ، قَالَ: وَلا الجِهَادُ في سَبيلِ الله" (1) هذا عظم ثواب العمل بالزمن.

ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر: 3)

الثاني : باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صَلاَةٌّ في مَسجِدي هَذا أَفضَلُ مِنْ___أَلفِ صَلاَة فيمَا سِواهُ إِلاَّ مَسجِدِ الكَعبَة"

الثالث: باعتبار العمل، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مَمَّا افتَرَضْتُ عَلَيْهِ" (2) فالعمل الواجب أفضل من التطوع.

الرابع: باعتبار العامل قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما- ما وقع "لاَ تَسِبوا أَصحَابي، فوالذي نَفسي بيَدِهِ لَو أَنفَقَ أَحَدُكُم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مَد أَحَدِكُم ولاَ نصيفَهُ"،

وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل ومتدبر الأدلة.

أيضاً يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله عزّ وجل والتقرب إليه، وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة، والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا.

فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها، ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة..

9_ أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح، فإن هم بها وعملها كتبها الله سيئة واحدة.

ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر، كما أن الحسنات منها واجبات وتطوعات ولكلٍ منهما الحكم والثواب المناسب، والله الموفق." اهـ كلام الشيخ العثيمين

 

شرح رياض الصالحين (1/ 77) للعثيمين :

"وهذا الحديث فيه : دليل على اعتبار النية؛ وأن النية قد توصل صاحبها إلي الخير." اهـ

 

عِظَاتٌ وعِبَرٌ من أحاديث سيد البشر صلى الله عليه وسلم (ص: 21_22) لجابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري _رحمه الله_ (ت : 1439 هـ) :

"وهذا وجه العظة من هذا الحديث الشريف :

1- إخبار الله تعالى عباده بأنه كتب الحسنات والسيئات ليعملوا ذلك فيعملوا الحسنات ويتركوا السيئات فيكملوا ويسعداو في الدارين.___

2- الحسنة هي ما يقوم به قلب المؤمن من اعتقاد صحيح ونية صالحة وما تقوم به جوارحه من ذكر وشكر شرعهما الله تعالى في كتابه وبينهما بالقول والفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- من هم بحسنة فلم يعملها لعجزه عنها كتبت له حسنة كاملة فإن هو عملها كتبت له بعشر حسنات وقد تضاعف إلى سبعمائة حسنة إلى أضعاف كثيرة بحسب آثارها الطيبة.

4- من هم بسيئة فلم يعملها خوفا من الله كتبها الله له حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبت له سيئة واحدة، وهذا فضل الله على عباده المؤمنين. ألا فلنتعظ أيها المؤمنون بهذه العظة فتصبح أعمالنا كلها حسنات مضاعفة ندخل بها الجنة، ولا سيئات تكتب علينا فندخل بها النار، والعياذ بالله الواحد القهار." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 299_300) لحمزة محمد قاسم

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً: أن من همّ بالحسنة، ولم يفعلها لعذر أو لغير عذر تكتب له حسنة كاملة، والظاهر أنه لا يشترط أن يكون قد عزم عليها، بل يكفي مجرد الميل إليها، أو حديث النفس بها، لما جاء في رواية الأعرج: " إذا أراد "، وفي رواية أبي هريرة: " إذا تحدث " وهو محمول على حديث النفس. فإذا حدثته نفسه بالحسنة، أو مال إليها، أو أرادها ولم يفعلها كتبت له حسنة، ولا يشترط العزم، بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة، سواء كان الترك لمانع، أم لا. اهـ. كما أفاده الحافظ.

ثانياً : ظاهر الحديث أن من هم بالسيئة ولم يفعلها يثاب على تركها مطلقاً، واختلفوا في معنى ذلك، فذهب بعضهم إلى أن المراد به كلُّ هم ولو عزم على فعلها، ووطن نفسه عليها ولم يفعلها، فإنه يعفى عنه لما في حديث أبي هريرة " فأنا أغفرها له ما لم يعملها " أخرجه مسلم، ويثاب على تركها لقوله في حديث الباب: " ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة " وحكاه الماوردي عن كثير من الفقهاء والمحدثين ونُقِل ذلك عن الشافعي. وقال الباقلاني وغيره: من عزم على المعصية بقلبه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو على الخاطر، وحديث__

النفس، والميل إلى المعصية دون تصميم عليها، وذكر القاضي عياض أن عامة السلف على ما قاله الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، والظاهر أنه لا تكتب السيئة حسنة إلاّ إذا تركها خوفاً من الله." اهـ

 

الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 72) لعبد الله بن صالح المحسن :

الفوائد:

(1) استعمال التفصيل بعد الإجمال ليكون أوقع في النفس وأدعى للقبول.

(3) إن ما يعمله الإنسان في هذه الدنيا من الحسنات والسيئات قد كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ.___

(3) من فضل الله تعالى على عباده أن من عزم على فعل حسنة ثم تركها فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة.

(4) إن من عزم على فعل حسنة وعملها فهو يضاعف أجرها لصاحبها بعشرة أضعاف إلى أضعاف كثيرة.

(5) إن من رحمة الله تعالى بعباده أن السيئات لا تضاعف ولا يمنع ذلك من كونها تعظم على حسب العمل.

(6) إن الله شرف صاحب الحسنات بكتب حسناته عنده إشارة إلا قربه إليه.

(7) إن من عمل السيئات وداوم على فعلها ولم يأت بحسنات تمحوها فهو بعيد من الله سبحانه.

(8) إن من هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة.

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 127) :

"مِمَّا يُستفاد من الحديث :

1 إثبات كتابة الحسنات والسيِّئات.

2 أنَّ من فضل الله عزَّ وجلَّ مضاعفة ثواب الحسنات.

3 من عدل الله عزَّ وجلَّ ألاَّ يُزاد في السيِّئات.

4 أنَّ الله يُثيب على الهمِّ بالحسنة إذا لم يعملها بكتابتها حسنة كاملة.

5 أنَّ مَن همَّ بسيِّئة وتركها من أجل الله يكتب له بتركها حسنة كاملة.

6 الترغيب في فعل الحسنات والترهيب من فعل السيِّئات." اهـ

 

تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 45) لأبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي المعروف بـ «ابن خمير» (المتوفى: 614 هـ) :

"الْهم الْحَقِيقِيّ مَحَله الْقلب، وَهُوَ غير محسوس، فَلَمَّا لم ندركه بالحواس، لم نعلمهُ. فَإِذا أدركنا أَسبَابه الدَّالَّة عَلَيْهِ بالحواس، قُلْنَا : "هَمَّ" أَي : فَعَلَ أَفْعَالاً دلّت على همِّه بهَا فِي بَاطِنه. فَثَبت أَن الْهم الْحَقِيقِيّ: هُوَ الْإِرَادَة لَا الْفِعْل." اهـ

 

قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 120) للشيخ العَبَّاد :

"ومن فضل الله وإحسانه أنَّ العبدَ إذا كان يعملُ أعمالاً صالِحةً، وشغله عنها مرضٌ أو سفر كتب اللهُ له في حال سفره ومرضه مثل ما كتب له في حال صحَّته وإقامته." اهـ

 

منهاج المسلم (ص: 59) لأبي بكر الجزائري :

"فبمجردِ الهمِّ الصالحِ كانَ العملُ صالحا يثبتُ بهِ الأجر وتحصلُ بهِ المثوبةُ وذلكَ لفضيلةِ النِّيَّةِ الصَّالحةِ." اهـ

 

صحيح ابن حبان - (2/ 106) للبُسْتِي :

"ذِكْرُ تَفَضُّلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ بِكَتْبِهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا وَبِكَتْبِهِ عَشْرَةَ أَمْثَالِهَا إِذَا عَمِلَهَا." اهـ

 

صحيح ابن حبان - (2/ 107) للبُسْتِي :

ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ يَكْتُبُ لِلْمَرْءِ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إِذَا شَاءَ ذَلِكَ

 

الإيمان لابن منده (1/ 490) :

"ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى دَرَجَاتِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ الْمُحْسِنِ." اهـ

 

الإيمان لابن منده (2/ 707) :

"ذِكْرُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا رَأَى فِي بَدْءِ أَمْرِهِ حِينَ شُقَّ صَدْرُهُ وَمُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، ثُمَّ أَرَاهُمْ أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِيهِ مُعَجِّزَةً لَهُ وَتَصْدِيقًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ." اهـ

 

التوبة لابن أبي الدنيا (ص: 51) : "تَضْعِيفُ حَسَنَاتِ التَّائِبِينَ." اهـ

 

فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 378 - الشاملة) للشيخ عطية صقر المصري :

"إن للنفسي عدة حركات، منها الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم والعزم، وكل إنسان معرض لها بحكم طبيعته التى خلقه الله عليها، ولو حاسبنا عليها وآخذنا بها لكان ذلك تكليفا بما لا يطاق، وهو سبحانه حكم عدل رءوف رحيم،

ولذلك لا يحاسب إلا على نتيجة هذه الحركات النفسية من القول أو العمل، أما ما دامت فى المرحلة الداخلية فلا يكلفنا إلا بأقواها واقربها إلى التنفيذ، وذلك يكون عند الهم والعزم." اهـ

 

تفسير الخازن = لباب التأويل في معاني التنزيل (2/ 521) :

"قال القاضي عياض في كتابه "الشفاء" :

"فعلى مذهب كثير من الفقهاء المحدثين إن هم النفس لا يؤاخذ به وليس سيئة وذكر الحديث المتقدم فلا معصية في هم يوسف إذن،

وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وطنت عليه النفس كان سيئة وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه هذا هو الحق فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا." اهـ

 

التحرير والتنوير (1/ 436) لابن عاشور التونسي المالكي (1393 هـ)

وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَسْأَلَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ الْأَخْلَاقِ حَسَنِهَا وَقَبِيحِهَا هُوَ الْخَوَاطِرُ الْخَيِّرَةُ وَالشِّرِّيرَةُ ثُمَّ يَنْقَلِبُ الْخَاطِرُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ فَيَصِيرُ خُلُقًا وَإِذَا قَاوَمَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ صَارَتْ تِلْكَ الْمُقَاوَمَةُ سَبَبًا فِي اضْمِحْلَالِ ذَلِكَ الْخَاطِرِ، وَلِذَلِكَ حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْهَمِّ بِالْمَعَاصِي وَكَانَ جَزَاءُ تَرْكِ فِعْلِ مَا يَهُمُّ بِهِ مِنْهَا حَسَنَةً وَأَمَرَتْ بِخَوَاطِرِ الْخَيْرِ فَكَانَ جَزَاءُ مُجَرَّدِ الْهَمِّ بِالْحَسَنَةِ حَسَنَةً وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْهَا وَكَانَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْهَمِّ عَشْرَ حَسَنَاتٍ."[9]

 

 

 



[1] ترجمة عبد الله بن عباس _رضي الله عنهما_ :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 331_359) للذهبي باختصار :

"عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * (ع) : حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ، ابْنُ___عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بنُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

مَوْلِدُهُ: بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ، قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.

صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.

انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ.

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (68 هـ)، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (67 هـ). وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

و (مُسْنَدُهُ) : أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ حَدِيثاً. وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ. وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ." اهـ

[2] وفي شرح رياض الصالحين (1/ 75_76) للعثيمين :

فهاتان كتابتان :

* كتابة سابقة : لا يعلمها إلا الله - عز وجل- فكل واحد منا لا يعلم___ماذا كتب الله له من خير أو شر حتى يقع ذلك الشيء.

* وكتابة لاحقة : إذا عمل الإنسان العمل كتب إذا عمل الإنسان العمل كتب له حسب ما تقتضيه الحكمة، والعدل، والفضل:

((ثم بين ذلك))، أي : ثم بين النبي _صلي الله عليه وسلم_ ذلك كيف يكتب، فبين أن الإنسان إذا هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله _تعالى_ حسنة كاملة." اهـ

[3] وفي أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (3/ 2252) للخطابي :

"قوله : "ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة"،

هذا إذا لم يعملها تاركا لها مع القدرة عليها، لا إذا هم بها فلم يعملها مع العجز عنها وعدم القدرة عليها، ولا يسمى الإنسان تاركاً للشيء الذي لا يتوهم قدرته عليه." اهـ

[4] الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 73) لعبد الله بن صالح المحسن

[5] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (23/ 80) للعيني :

"وَفِيه : دَلِيل على أَن الْملك يطلع على مَا فِي الْآدَمِيّ إِمَّا باطلاع الله إِيَّاه، وَإِمَّا بِأَن يخلق الله لَهُ علما يدْرك بِهِ ذَلِك." اهـ

وفي إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 427) للقاضي عياض :

"قال أبو جعفر الطبرى : "وفى الحديث دليل على أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب وعقدها، خلافًا لمن قال : إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة." اهـ

وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 200) :

"وفى هذا الحديث تصحيح مقالة من يقول: إن الحفظة تكتب ما يهم به العبد من حسنة أو سيئة وتعلم اعتقاده لذلك، وردّ مقالة من زعم أن الحفظة، إنما تكتب ما ظهر من عمل العبد وسمع." اهـ

[6] أخرجه : الطبراني في المعجم الكبير (6/ 185) (رقم : 5942)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (3/ 255). والحديث ضعيف : ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (5/ 244) (رقم : 2216).

[7] وفي تأويل مختلف الحديث (ص: 224_225) أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) :

قَالُوا: رُوِّيتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَاحِدَةً، وَمَنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا".

ثُمَّ رُوِّيتُمْ "نِيَّةُ الْمَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ".

فَصَارَتِ النِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ دُونَ الْعَمَلِ، وَصَارَتْ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي خَيْرًا مِنَ الْعَمَلِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَاخْتِلَافٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ :

وَنحن نقُول: إِنَّه لَيْسَ هَهُنَا تَنَاقُضٌ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْهَامُّ بِالْحَسَنَةِ إِذَا لَمْ يَعْمَلْهَا خِلَافُ الْعَامِلِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْهَامَّ لَمْ يَعْمَلْ، وَالْعَامِلَ لَمْ يَعْمَلْ حَتَّى هَمَّ ثُمَّ عَمِلَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِيَّةُ الْمَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ" فَإِنَّ الله تَعَالَى تخلد الْمُؤْمِنَ فِي الْجَنَّةِ بِنِيَّتِهِ لَا بِعَمَلِهِ.

وَلَوْ جُوزِيَ بِعَمَلِهِ، لَمْ يَسْتَوْجِبِ التَّخْلِيدَ، لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي سِنِين مَعْدُودَة.___وَالْجَزَاءُ عَلَيْهَا يَقَعُ بِمِثْلِهَا وَبِأَضْعَافِهَا.

وَإِنَّمَا يُخَلِّدُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنِيَّتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ نَاوِيًا، أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى أَبَدًا لَوْ أَبْقَاهُ أَبَدًا فَلَمَّا اخْتَرَمَهُ1 دُونَ نِيَّتِهِ جَزَاهُ عَلَيْهَا.

وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ نِيَّتُهُ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ نَاوِيا أَن يُقيم على كفره، لَوْ أَبْقَاهُ أَبَدًا، فَلَمَّا اخْتَرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ نِيَّتِهِ، جَزَاهُ عَلَيْهَا." اهـ                                                                                                          

الحديث الذي ساقه الدينوري : " نية المؤمن خير من عمله"، قد ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (5/ 244) (رقم : 2216)

[8] وفي الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (4/ 249)

الهم بالسيئة له أحوال :

1 - يهم بها ولا يعملها ويتركها تشاغلًا فلا شيء عليه.

2 - أن يهتم بها ولا يعملها لأجل خوف الله، فتكتب حسنة لقوله: إنما تركها من جرائي.

3 - أن يهم بها ولا يعملها ولكن يجتهد ويحرص، فتكتب له سيئة، وفي الحديث «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه».

4 - أن يهم بالسيئة فيعملها فتكتب له سيئة واحدة.

قلت: كل هذا التقسيم إذا لم يكن دعا إليها أو سنها.

* هم بها فلم يعملها كما في قصة يوسف، فتكتب حسنة على الصحيح، ومن قال بغير ذلك فليس بشيء. قلت: هم يوسف هم خطرات وهم امرأة العزيز: هم إصرار.

[9] الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (1/ 92) للكوراني الحنفي :

"والتحقيقُ في هذا المقام :

أن الخواطر وهواجس النفس لا يُؤاخذ بها في ملةٍ من المِلَل، وأن الذي يُخطره الإنسانُ بقلبه من المعاصي باختياره، إن لم يصمم عليه العزمَ، فهو الذي لا تؤاخذ به هذه الأمة، بخلاف سائر الأمم. والذي صمم العزم عليه يُؤاخذ به بهذا النص وأمثاله." اهـ 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين