الحادي عشر من صحيح الترغيب

 

11 - (11) [صحيح] وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"يَغْزُو جيشٌ الكعبة، فإذَا كانوا ببيداءَ من الأرضِ، يُخسَفُ بأولِهِم وآخرهم".

قالتْ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! كيفَ يُخسَفُ بأوَّلِهِم وآخرِهِم وفيهم أسواقُهم (2)، ومَن ليسَ مِنهم؟ قال:

"يُخسفُ بأولِهم وآخرِهم، ثم يُبْعَثُونَ على نِيّاتِهم".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

__________

(1) قلت: وهو من أحاديث الآحاد الصحيحة التي اتفق العلماء على صحتها، وتلقته الأمة بالقبول كما في "شرح الأربعين" للحافظ ابن رجب، فهو يفيد العلم واليقين، خلافًا لما يجهر به بعض الكتاب اليوم: بن أحاديث الآحاد مطلقاً لا تفيد العلم، فإن هذا القول على إطلاقه باطل، دون شك ولا ريب، وبيانه في رسالتي "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة". ورسالتي الأخرى "الحديث حُجة بنفسه في العقائد والأحكام". وهما مطبوعتان.

(2) جمع (سوق): وهي موضع البياعات، والتقدير: أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن. وفي الأصل: "قدر نياتهم"، وهو خطأ. وانظر كتابي "مختصر البخاري - البيوع".

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 102_103) :

"واختصَّت عائشةُ بفضائل لم يشركْها أحدٌ من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها:

الأولى : أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بِكْرًا دون غيرها.

الثانية : أنها خُيِّرَتْ فاختارتِ اللهَ ورسولَه على الفور، وكُنَّ تبعًا لها في ذلك.

الثالثةُ : نزول آية التَّيَمُّم بسبب عِقْدِها حين حبسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاس، وقال أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرِ : (ما هيَ بأولِ بركتِكم يا آلَ أبي بكر).

الرَّابعةُ : نزولُ براءتها من السَّماء.

الخامسة : جَعْلُها قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.

السادسةُ : تَتَبُّعُ الناس بهداياهم يومَها؛ لما علموا من حبِّه - صلى الله عليه وسلم - لها.

السابعة : اختيارُه - صلى الله عليه وسلم - أن يُمَرَّضَ في بيتها.

الثامنةُ : وفاته - صلى الله عليه وسلم - بين سَحْرِها ونحرِها.

التاسعة : وفاته في يومها.

العاشرةُ : وفاته - صلى الله عليه وسلم - في بيتها.

الحاديةَ عشرةَ : دفنُه - صلى الله عليه وسلم - في بيتِها.

الثانية عشرة : بيتها بقعة هي أفضلُ بقاع الأرض مطلقًا، وهي مدفنه - صلى الله عليه وسلم -، وادعى القاضي عياض الإجماع عليه.

الثالثةَ عشرةَ : أنها رأتْ جبريلَ - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحيةَ الكلبيِّ، وسلَّم عليها.

الرَّابعةَ عشرةَ : كانت أحبَّ نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه.

الخامسةَ عشر : اجتماعُ ريقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريقِها في آخر أنفاسه.

السَّادسةَ عشرةَ : كانت أكثرَهن علمًا.

السَّابعةَ عشرةَ : كانت أفصحَهن لسانًا.____

الثامنةَ عشرةَ : لم ينزلِ الوحيُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لِحاف امرأةِ غيرها.

التَّاسعةَ عشرةَ : أن جبريلَ جاء إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بصورتها قبل أن يتزوَّجها.

العشرون : لم ينكح النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبواها مُهاجران بلا خلاف سواها.

الحاديةُ والعشرون : كان أبوها أحبَّ الرجال إليه، وأعزهم عليه - صلى الله عليه وسلم -.

الثَّانيةُ والعشرونَ : كان لها يومان وليلتان في القَسْم دونهن لمَّا وهبتْها سَوْدَةُ بنتُ زمعةَ يومَها وليلتَها.

الثالثةُ والعشرون : أنَّها كانت تغضب، فيترضَّاها - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت ذلك لغيرها.

الرَّابعةُ والعشرون : لم ينزلْ بها أمر إلا جعل الله لها منه مخرجا، وللمسلمين بركة.

الخامسةُ والعشرون : لم يَرْوِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ حديثًا أكثرَ منها.

السَّادسةُ والعشرون : أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يتتبع رضاها في المباحات؛ كضرب الجواري إليها، وجعل ذقنها على عاتقه، ووقوفه لتنظر إلى الحَبَشَةِ يلعبون." اهـ


تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (3/ 65) (رقم : 2118)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2210) (رقم : 2884)، وابن حبان في "صحيحه" (15/ 155) (رقم : 6755)، وأبو محمد الفاكهي في "الفوائد" (ص: 258) (رقم : 92)، وابن جُمَيْع الغَسّاني الصيداوي في "معجم الشيوخ" (ص: 190)، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (5/ 11)، ومحمد بن علي الأصبهاني الحنبلي المعروف بـ"أبي سعيد النَّقَّاشِ" في "فوائد العراقيين" (ص: 58) (رقم : 44)، والبغوي في "شرح السنة" (14/ 400) (رقم : 4205) عن عائشة _رضي الله عنها_

 

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 2210) (رقم : 2883)، وأبو عبد الله الفاكهي في "أخبار مكة" (1/ 362) (رقم : 757) عن حفصة بنت عمر _رضي الله عنها_

 

وأخرجه : مسلم في "صحيحه" (4/ 2208) (رقم : 2882)، وأبو داود في "سننه" (4/ 108) (رقم : 4289)، والترمذي في "سننه"، ت. شاكر (4/ 469) (رقم : 2171)، وابن ماجه في في "سننه" (2/ 1351) (رقم : 4065) عن أم سلمة _رضي الله عنها_

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 341) :

"قَالَ الْمُهَلَّبُ : "فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فِي الْمَعْصِيَةِ مُخْتَارًا أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَلْزَمُهُ مَعَهُمْ."

قَالَ : "وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَالِكٌ عُقُوبَةَ مَنْ يُجَالِسُ شَرَبَةَ الْخَمْرِ وَإنْ لم يشرب."

وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْهَجْمَةُ السَّمَاوِيَّةُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ،

وَيُؤَيِّدُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ وَيُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 237) للعيني :

"وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ:

* أَن من كثَّر سَواد قوم فِي مَعْصِيّة وفتنة أَن الْعقُوبَة تلْزمهُ مَعَهم إِذا لم يَكُونُوا مغلوبين على ذَلِك.

* وَمن ذَلِك: أَن مَالِكًا استنبط من هَذَا أَن من وجد مَعَ قوم يشربون الْخمر وَهُوَ لَا يشرب أَنه يُعَاقب، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن الْعقُوبَة الَّتِي فِي الحَدِيث هِيَ الهجمة السماوية، فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة، وَفِيه: نظر، لِأَن الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة أَيْضا بالأمور السماوية،

* وَمن ذَلِك: أَن الْأَعْمَال تعْتَبر بنية الْعَامِل[1]. والشارع أَيْضا قَالَ : (وَلكُل امرىء مَا نوى)

* وَمن ذَلِك وجوب التحذير من مصاحبة أهل الظُّلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلاَّ لمن اضطُرَّ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1866) :

"فَيَدْخُلُ فِيهِمْ هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَثَّرُوا فِي سَوَادِهِمْ وَأَعَانُوهُمْ عَلَى فَسَادِهِمْ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]." اهـ

 

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 376) لابن الجوزي :

"إِن قيل : مَا ذَنْب من أكره على الْخُرُوج مِنْهُم، أَو من جمعه وإياهم الطَّرِيق؟

فَالْجَوَاب : أَنه يكون أَجله قد حضر، فَيكون مَوته بالخسف فيبعث على نِيَّته." اهـ

 

فيض الباري على صحيح البخاري (3/ 433) لأنوار شاه الكشميري :

"فإن قلتَ: من اتَّبَعَ الجيش الذي أراد أن يَغْزو الكعبة، فقد أعانهم، ولو في الجملة، فكيف يُبْعَثُ على نيِّته، وما العبرةُ بها بعد أن أعانهم؟

قلتُ:

* ولكنه فيما خَرَجَ الجيشُ لأن يَغْزُوَ غير مكَّة، ثم بدا له أن يَغْزُوَها أيضًا - والعياذ بالله - فلم يتمكَّن هؤلاء أن يتخلَّفُوا عنهم لمكان المصالح، فاتَّبَعُوه، وقلوبهم تَمَلْمَلُ، وأعينهم تَغْرَوْرِقُ بالدموع، فهؤلاء الذين يُبْعَثُون على نيَّاتهم.

* أمَّا مَن عَلِمَ من أول الأمر أن الجيشَ يريد الكعبةَ، ثم اتَّبَعَهُ فلا نِيَّة لهم، وهو معهم في الدنيا والآخرة. وإنما يُخْسَفُ بالأول والآخر، لأن ذلك من سُنَّة الله، إن من لم يَهْرُب من عذاب الله يَقَعُ فيه. ولذا أمر نوحًا عليه السلام أن يَرْكَبَ السفينة مع من آمن، وأمر لوطًا عليه السلام أن يَخْرُجَ من قومه، بل أمره أن لا يَلْتَفِتَ إليهم.

ولو كان العذاب يَقَعُ على بلدٍ، ويَنْجُو منه المؤمنون لتميَّز الحقُ عن الباطل قبل أوانه، ولم تَبْقَ هذه الدار دار الابتلاء. وإنما أراد الله سبحانه من التمحيص والتمييز في الدنيا بقدر ما لا يُوجِبُ رفع التكليف، والإِيمان بالغيب، فلم يَزَلْ التمحيصُ والتمييزُ، وهو من أهم مقاصد الغزوات، إلا أنه كان في ذيل الأسباب.

ومن ههنا تبيَّن السِّرُّ في ابتلاء الصَّبِيِّ بالمرض، مع أنه لا ذنبَ له، وذلك لأنه أراد أن يبقى الأمر غيبًا. فالعصاةُ تُبْتَلى نقمةً، والمؤمنون والصبيان رحمةً وتسبيبًا، ولا ظلمَ في التسبيب، فإن الله تعالى قد نبَّه على خواصِّ الأشياء. فمن يأكل السَّمَّ يموت، فلا اعتراض على الله سبحانه، وإنما الذنبُ على من أكله. فابتلاء الصبيان من هذا القبيل، لا أنه انتقام منه تعالى، وإنما كان الظلمُ لو لم يُنَبِّه عليها، أو لو قَهَرَه على أكلها. وأمَّا بعد أن هداه النَّجْدَيْن، ومَنَحَه السمعَ والعينَ، فمن اقترفها، فعليه اللَّوْمُ والشيْنُ." اهـ

 

منحة الباري بشرح صحيح البخاري (4/ 543) للأنصاري :

"وفيه : التحذير من مصاحبة أهل الظلمِ ومجالستهم." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 11_12) للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك :

"في هذا الحديث: التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم، وأن العقوبة____تلزمه معهم، وأنه يعامل عند الحساب بقصده من الخير والشر. وفي حديث ابن عمر مرفوعًا: «إذا أنزل الله بقوم عذابًا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نياتهم» .

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 341)

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ :

* أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْتَبَرُ بِنِيَّةِ الْعَامِلِ

* وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُصَاحَبَةِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَمُجَالَسَتِهِمْ وَتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ إِلَّا لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ،

وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي مُصَاحَبَةِ التَّاجِرِ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ هَلْ هِيَ إِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ أَوْ هِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ ثُمَّ يُعْتَبَرُ عَمَلُ كُلِّ أَحَدٍ بِنِيَّتِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَدُلُّ ظَاهر الحَدِيث." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 237) للعيني :

"ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ :

يُسْتَفَاد مِنْهُ قطعا قصد هَذَا الْجَيْش تخريب الْكَعْبَة، ثمَّ خسفهم بِالْبَيْدَاءِ وَعدم وصولهم إِلَى الْكَعْبَة لإخبار لمخبر الصَّادِق بذلك،

وَقَالَ ابْن التِّين :

"يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْجَيْش الَّذِي يخسف بهم هم الَّذين يهدمون الْكَعْبَة فينتقم مِنْهُم فيخسف بهم.

رد عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ : أَحدهمَا: أَن فِي بعض طرق الحَدِيث عِنْد مُسلم: (أَن نَاسا من أمتِي)[2]، وَالَّذين يهدمونها من كفار الْحَبَشَة، وَالْآخر: أَن مُقْتَضى كَلَامه: يخسف بهم، بعد الْهدم وَلَيْسَ كَذَلِك، بل خسفهم قبل الْوُصُول إِلَى مَكَّة فضلا عَن هدمها." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 487) لعبيد الله الرحمني :

"قال الحافظ : فيه إشارة إلى أن غزو الكعبة سيقع، فمرة يهلكم الله قبل الوصول إليها، وأخرى يمكنهم،

والظاهر : أن غزو الذين يخرِّبونه متأخرٌ عن الأول، وقال العيني: غزو الكعبة المذكور في حديث عائشة مقدمة لهدمها لأن غزوها يقع مرتين، ففي الأولى : هلاكهم، وفي الثانية : هدمها." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 485) لعبيد الله الرحمني :

وفي هذا الحديث من الفقه :

* التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم لئلا يناله ما يعاقبون به قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} (سورة الأنفال: الآية 25) ،

* وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليهم حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا،

* قال الحافظ: في هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر لذلك." اهـ[3]

 

 

شرح رياض الصالحين (1/ 29_30) للعثيمين :

"وفي هذا : دليل على أنهم جيش عظيم؛ لأن معهم اسواقهم؛ للبيع___والشراء وغير ذلك." اهـ                                      

 

شرح رياض الصالحين (1/ 30) :

"وفي هذا الحديث عبرة : أن من شارك أهل الباطل وأهل البغي والعدوان، فإنه يكون معهم في العقوبة؛ الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلي والمستكبر، ولا تترك أحداً، ثم يوم القيامة يبعثون علي نياتهم.

يقول الله عز وجل : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ

اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال: 25) والشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلي الله عليه وسلم: ((ثم يبعثون علي نياتهم)) فهو كقوله: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي)) ." اهـ                 

 

مجموع الفتاوى (28/ 537) لابن تيمية :

"فَاَللَّهُ تَعَالَى أَهْلَكَ الْجَيْشَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنْتَهِكَ حُرُمَاتِهِ - الْمُكْرَهُ فِيهِمْ وَغَيْرُ الْمُكْرَهِ - مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمْ مَعَ أَنَّهُ يَبْعَثُهُمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدِينَ أَنْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، بَلْ لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ خَرَجَ مُكْرَهًا لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ." اهـ

 

منهاج السنة النبوية (5/ 122) لابن تيمية :

"وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَإِنْ قُتِلَ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْكُفَّارِ، فَاللَّهُ يَبْعَثُهُ عَلَى نِيَّتِهِ. كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنَّا يُحْكَمُ لَهُمْ فِي الظَّاهِرِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَيُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، فَالْجَزَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ، لَا عَلَى مُجَرَّدِ الظَّوَاهِرِ." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (44/ 194)

في فوائده:

1 - (منها): بيان قصد الجيش تخريب الكعبة، ثم خَسْفهم بالبيداء، وعدم

وصولهم إلى الكعبة؛ لإخبار المُخبِر الصادق بذلك، وقال ابن التين: يَحْتَمِل

أن يكون هذا الجيش الذي يُخسف بهم هم الذين يهدمون الكعبة، فينتقم منهم،

فيَخسف بهم، ورُدّ عليه بوجهين:

أحدهما: أن في بعض طرق الحديث عند مسلم أن ناسًا من أمتي،

والذين يهدمونها من كفار الحبشة.

والآخر: أن مقتضى كلامه يُخسف بهم بعد الهدم، وليس كذلك، بل

خَسْفهم قبل الوصول إلى مكة؛ فضلًا عن هدمها.

2 - (ومنها): بيان أن من كَثّر سواد قوم في معصية وفتنة أن العقوبة تلزمه

معهم، إذا لم يكونوا مغلوبين على ذلك.

3 - (ومنها): ما نُقل أن مالكًا رحمه الله استَنبط من هذا أن من وُجد مع قوم

يشربون الخمر، وهو لا يشرب أنه يعاقَب، واعتَرض عليه بعضهم بأن العقوبة

التي في الحديث هي الهجمة السماوية، فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية،

وفيه نظر؛ لأن العقوبات الشرعية أيضًا من الأمور السماوية.

4 - (ومنها): بيان أن الأعمال تعتبر بنيّة العامل، وهو كما قال -صلى الله عليه وسلم-:

"ولكل امرئ ما نوى".

5 - (ومنها): وجوب التحذير من مصاحبة أهل الظلم، ومجالستهم،

وتكثير سوادهم، إلا لمن اضطُرَّ.

[فإن قلت]: ما تقول في مصاحبة التاجر لأهل الفتنة، هل هي إعانة لهم

على ظلمهم، أو هي من ضرورات البشرية؟ .

[قلت]: ظاهر الحديث يدل على الثاني، والله أعلم.



[1] وفي منهاج السنة النبوية (6/ 221_222) :

"فَإِنَّ الْأَعْمَالَ تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ، وَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونُ مَقَامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا، وَبَيْنَ____صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ نَحَّى غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ يُغْفَرُ لَهُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 37] . فَالنَّاسُ يَشْتَرِكُونَ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَاللَّهُ لَا يَنَالُهُ الدَّمُ الْمُهْرَاقُ وَلَا اللَّحْمُ الْمَأْكُولُ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ، لَكِنْ يَنَالُهُ تَقْوَى الْقُلُوبِ.

وَفِي الْأَثَرِ: «إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونُ مَقَامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا، وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» .

فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ يَعْظُمُ قَدْرُهَا [وَيَصْغُرُ قَدْرُهَا] بِمَا فِي الْقُلُوبِ، وَمَا فِي الْقُلُوبِ يَتَفَاضَلُ، لَا يَعْرِفُ مَقَادِيرَ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا اللَّهُ - عَرَفَ الْإِنْسَانُ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ كُلَّهُ حَقٌّ، وَلَمْ يَضْرِبْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ." اهـ

[2] أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2210) (رقم : 2884) : أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: عَبَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَنَعْتَ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ: «الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ، قَالَ: «نَعَمْ، فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ، يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا، وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمُ اللهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»

وفي شرح النووي على مسلم (18/ 7) : "أَمَّا الْمُسْتَبْصِرُ فَهُوَ الْمُسْتَبِينُ لِذَلِكَ الْقَاصِدُ لَهُ عَمْدًا وَأَمَّا الْمَجْبُورُ فَهُوَ الْمُكْرَهُ." اهـ

[3] وفي شرح النووي على مسلم (18/ 7) :

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ التَّبَاعُدُ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُجَالَسَةِ الْبُغَاةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُبْطِلِينَ لِئَلَّا يَنَالَهُ مَا يُعَاقَبُونَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ فِي ظاهر عقوبات الدنيا." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين