الحديث السادس العشر من الأدب المفرد

 

16 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ وَرَّادٌ : فَأَمْلَى عَلَيَّ وَكَتَبْتُ بِيَدَيَّ :

«إِنِّي سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَعَنْ قِيلَ وَقَالَ».

 

 

وفي رواية البخاري :

عن أَبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قَالَ :

«وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ، وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ»

 

وفي رواية مسلم :

«إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ، حَرَّمَ عُقُوقَ الْوَالِدِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَلَا وَهَاتِ، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 20) (رقم : 16)، وفي صحيحه (8/ 100) (رقم : 6473)، ومسلم في صحيحه (3/ 1341) (593)

 


رواة الحديث


حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ (ثقة ثبت) :

محمد بن سلام بن الفرج : أبو عبد الله البخاري البيكندي : المتوفى سنة (227 هـ) : روى له :  خ

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ (ثقة)

جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبى : أبو عبد الله الرازى الكوفى القاضى ( نزل الرى ، و ولى قضائها ) من الوسطى من أتباع التابعين (ت : 188 هـ) : خ م د ت س ق 

  

عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ (ثقة) :

عبد الملك بن عمير بن سويد الفرسى اللخمى : أبو عمرو الكوفى، المعروف بالقبطى ( حليف بنى عدى ) من التابعين (ت 136 هـ) خ م د ت س ق

 

عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (ثقة) :

وراد الثقفى ، أبو سعيد ، و يقال أبو الورد ، الكوفى ، مولى المغيرة بن شعبة (و كاتبه) من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

المغيرة بن شعبة _رضي الله عنه_ :

المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب : أبو عيسى الثقفى _رضي الله عنه_ (ت : 50 هـ على الصحيح بـ الكوفة) خ م د ت س ق

 

شرح الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 307) :

"وَالنَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، يَتَنَاوَلُ : الْإِلْحَافَ فِي الطَّلَبِ، وَالسُّؤَالَ عَمَّا لَا يَعْنِي السَّائِلَ (وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ : الْمَسَائِلُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا : {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101][1]،

وَقِيلَ يَتَنَاوَلُ الْإِكْثَارَ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ)

وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : "وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ."

وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَقَعْ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ التَّكَلُّفِ فِي الدِّينِ وَالتَّنَطُّعِ وَالرَّجْمِ بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ عِنْدَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ فِي الْمَالِ،

وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ لِمُنَاسَبَتِهِ لِقولِهِ : «وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»،

وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِكَثْرَةِ سُؤَالِ النَّاسِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ عَنْ أَحْدَاث الزَّمَان ومالا يَعْنِي السَّائِلَ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ : «نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ»، وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

q           فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 407_408)

قوله: "وكثرة السؤال " :

تقدم في كتاب الزكاة بيان الاختلاف في المراد منه : "وهل هو سؤال المال، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات، أو أعم من ذلك؟"

وأن الأولى حمله على العموم.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به :

*كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو

*كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا.

*وقد ثبت النهي عن الأغلوطات : أخرجه أبو داود من حديث معاوية.

*وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ

*وأما ما تقدم في اللعان فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، وكذا في التفسير في قوله تعالى: { لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فذلك خاص بزمان نزول الوحي، ويشير إليه حديث: "أعظم الناس جرما عند الله من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته"

*وثبت أيضا ذم السؤال للمال ومدح من لا يحلف فيه كقوله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} وتقدم في الزكاة حديث : "لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم" وفي صحيح مسلم: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي____فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو جائحة" وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله" وفي سنن أبي داود "إن كنت لا بد سائلا فاسأل الصالحين"

 

q           فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 408)

"قوله : «وإضاعة المال» تقدم في الاستقراض أن الأكثر حملوه على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام،

والأقوى : أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيعها وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوِّت حقا أخرويا أهم منه." اهـ

 

q           شرح النووي على مسلم - (12 / 11)

وأما اضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه افساد والله لا يجب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس

 

q           شرح النووي على مسلم - (12 / 11_12)

وأما عقوق الأمهات فحرام وهو من الكبائر باجماع العلماء وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر وكذلك عقوق الآباء من الكبائر وإنما____اقتصر هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولهذا قال صلى الله عليه و سلم حين قال له السائل من أبر قال أمك ثم أمك ثلاثا ثم قال في الرابعة ثم أباك ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات ويطمع الأولاد فيهن وقد سبق بيان حقيقة العقوق وما يتعلق به في كتاب الإيمان

 

شرح النووي على مسلم - (12 / 12)

وأما وأد البنات بالهمز فهو دفنهن في حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من الكبائر الموبقات لأنه قتل نفس بغير حق ويتضمن أيضا قطيعة الرحم وإنما اقتصر على البنات لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله

 

شرح النووي على مسلم - (12 / 12)

وأما قوله ومنعا وهات وفي الرواية الأخرى ولا وهات فهو بكسر التاء من هات، ومعنى الحديث : أنه نهى أن يمنع الرجل ما توجه عليه من الحقوق أو يطلب مالا يستحقه

 

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري - (10 / 207)

"قال [يعني : الخطابي] : "ويريد بـ«منعا وهات» منع الواجب عليك من الحقوق، وأخذ مَا لاَ يَحِلُّ لَكَ من أموال الناس." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح - (5 / 203)

"وكَرِهَ لكم قيل وقال" : وكَرِهَ الله لكم التحدُّثَ بالحكايات التي ليس فيها ثوابٌ ولا ضرورةَ لكم فيها؛ لأن كثرةَ الكلام قسوةٌ للقلوب.

 

q           أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) - (2 / 1203)

قوله: (وعقوق الأمهات)، لم يخص الأمهات بالعقوق، لأن عقوق الاباء غير محرم، لكنه نبه بأحدهما على الآخر، إذ كان بر الأم مقدما على بر الأب في نوع من أنواع حقوقهما، وهو في باب التحفي بها، واللطف والإحسان إليها , وحق الأب مقدم في الطاعة، وحسن المتابعة لرأيه، والنفوذ لأمره، وقبول الأدب منه.

 

q           فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 406_407)

وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك [يعني : وأد البنات] كراهة فيهن، ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها. فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب في ذلك، وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقا، إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات، وكان صعصعة بن ناجية التميمي أيضا وهو جد الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة أول من فدى الموءودة، وذلك أنه كان يعمد إلى من يريد أن يفعل ذلك فيفدي الولد منه بمال يتفقان عليه،...____

وقد بقي كل من قيس وصعصعة إلى أن أدركا الإسلام ولهما صحبة، وإنما خص البنات بالذكر لأنه كان الغالب من فعلهم، لأن الذكور مظنة القدرة على الاكتساب. وكانوا في صفة الوأد على طريقين: أحدهما أن يأمر امرأته إذا قرب وضعها أن تطلق بجانب حفيرة، فإذا وضعت ذكرا أبقته وإذا وضعت أنثى طرحتها في الحفيرة، وهذا أليق بالفريق الأول. ومنهم من كان إذا صارت البنت سداسية قال لأمها: طيبيها وزينيها لأزور بها أقاربها، ثم يبعد بها في الصحراء حتى يأتي البئر فيقول لها انظري فيها ويدفعها من خلفها ويطمها، وهذا اللائق بالفريق الثاني، والله أعلم.

 

q           فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 407)

وقال المحب الطبري :

"في (قيل وقال) : ثلاثة أوجه :

أحدها: أنهما مصدران للقول، تقول قلت قولا وقيلا وقالا والمراد في الأحاديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام لأنها تؤول إلى الخطأ، قال: وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه،

ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر عنها فيقول: قال فلان كذا وقيل كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيء مخصوص منه وهو ما يكرهه المحكي عنه.

ثالثها: أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله: قال فلان كذا وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل، وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه ولا يحتاط له. قلت: ويؤيد ذلك الحديث الصحيح "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" أخرجه مسلم،

 

من فوائد الحديث :

 

q           فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 408_409)

والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:

الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فلا شك في منعه،

والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا فلا شك في كونه مطلوبا بالشرط المذكور،

والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس،

فهذا ينقسم إلى قسمين:

1)  أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف.

2)  والثاني: ما لا يليق به عرفا،

وهو ينقسم أيضا إلى قسمين:

أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة، فهذا ليس بإسراف،

والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك

*فالجمهور على أنه إسراف، **وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال: لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له. ***قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال اهـ.

وقد صرح بالمنع القاضي حسين، فقال في كتاب "قسم الصدقات" : "هو حرام". وتبعه الغزالي، وجزم به الرافعي في الكلام على المغارم،

وصحح في باب الحجر من الشرح وفي المحرر : أنه ليس بتبذير، وتبعه النووي، والذي يترجح أنه ليس مذموما لذاته، لكنه يفضي غالبا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس، وما أدى إلى المحذور فهو محذور.

وقد تقدم في كتاب الزكاة البحث في جواز التصدق بجميع المال وأن ذلك يجوز لمن عرف من نفسه الصبر على المضايقة،

وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة قال: ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس به إذا وقع نادرا لحادث يحدث كضيف أو عيد أو وليمة.

ومما لا خلاف في كراهته مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة، ولا سيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة

ومنه : احتمال الغبن الفاحش في البياعات بغير سبب.

وأما إضاعة المال في المعصية فلا يختص بارتكاب الفواحش، بل يدخل فيها سوء القيام على الرقيق والبهائم حتى يهلكوا، ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه، وقسمه مالا____ينتفع بجزئه كالجوهرة النفيسة.

وقال السبكي الكبير في "الحلبيات": الضابط في إضاعة المال أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي، فإن انتفيا حرم قطعا، وإن وجد أحدهما وجودا له بال وكان الإنفاق لائقا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا. وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابط.

فعلى المفتي أن يرى فيما تيسر منها رأيه، وأما ما لا يتيسر فقد تعرض له؛ فالإنفاق في المعصية حرام كله، ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبه من قضاء شهوة ولذة حسنة. وأما إنفاقه في الملاذ المباحة فهو موضع الاختلاف، فظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف.

ثم قال: ومن بذل مالا كثيرا في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعا، بخلاف عكسه، والله أعلم.

 

q           فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 409)

قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق، وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة.

 

q           شرح النووي على مسلم - (12 / 11_12)

وأما عقوق الأمهات فحرام وهو من الكبائر باجماع العلماء وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر وكذلك عقوق الآباء من الكبائر وإنما____اقتصر هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولهذا قال صلى الله عليه و سلم حين قال له السائل من أبر قال أمك ثم أمك ثلاثا ثم قال في الرابعة ثم أباك ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات ويطمع الأولاد فيهن

 

q           إكمال المعلم بفوائد مسلم - (5 / 570)

فلا خلاف أن العقوق من الكبائر، وكذلك الوأد للبنات. والوأد: دفنهن أحياء، كما كانت تفعله الجاهلية.

 

q           شرح النووي على مسلم - (12 / 12)

قوله صلى الله عليه و سلم ( إن الله حرم ثلاثا ونهى عن ثلاث حرم عقوق الوالد ووأد البنات ولا وهات ونهى عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال )

هذا الحديث دليل لمن يقول : أن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح ويجاب عن هذا بأنه خرج بدليل آخر." اهـ

 

سبل السلام - (2 / 630)

وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْأُمُّ هُنَا إظْهَارًا لِعِظَمِ حَقِّهَا وَإِلَّا فَالْأَبُ مُحَرَّمٌ عُقُوقُهُ، وَضَابِطُ الْعُقُوقِ الْمُحَرَّمِ كَمَا نُقِلَ خُلَاصَتُهُ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ وَهُوَ أَنْ يَحْصُلُ مِنْ الْوَلَدِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَا إذَا حَصَلَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ فَخَالَفَهُمَا بِمَا لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مُخَالَفَتُهُ عُقُوقًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَثَلًا عَلَى الْأَبَوَيْنِ دَيْنٌ لِلْوَلَدِ أَوْ حَقٌّ شَرْعِيٌّ فَرَافَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا كَمَا «وَقَعَ مِنْ بَعْضِ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ شِكَايَةُ الْأَبِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي احْتِيَاجِهِ لِمَالِهِ فَلَمْ يَعُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِكَايَتَهُ عُقُوقًا» (قُلْت) فِي هَذَا تَأَمُّلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» دَلِيلٌ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ مَنْعِ أَبِيهِ عَنْ مَالِهِ وَعَنْ شِكَايَتِهِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الضَّابِطِ: فَعَلَى هَذَا، الْعُقُوقُ أَنْ يُؤْذِيَ الْوَلَدُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ أَبَوَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّغَائِرِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ كَبِيرَةً، أَوْ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَوْ مُخَالَفَتُهُمَا فِي سَفَرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْوَلَدِ أَوْ فِي غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ فِيمَا لَيْسَ لِطَلَبِ عِلْمٍ نَافِعٍ أَوْ كَسْبٍ، أَوْ تَرْكِ تَعْظِيمٍ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقُمْ إلَيْهِ أَوْ قَطَّبَ فِي وَجْهِهِ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ مَعْصِيَةً فَهُوَ عُقُوقٌ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (30/ 105)

في فوائده:

1 - (منها): تحريم عقوق الأمهات، وهو من الكبائر بإجماع العلماء، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عدّه من الكبائر، وكذلك عقوق الآباء من الكبائر، وإنما اقتصر هنا على الأمهات؛ لأنَّ حرمتهن آكد من حرمة الآباء، ولهذا قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال له السائل: مَن أَبَرّ؟ قال: "أمك، ثم أمك"، ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: "ثم أباك"، ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات.

2 - (ومنها): تحريم وأد البنات - بالهمز - وهو دفنهن في حياتهن، فيمتن تحت التراب، وهو من الكبائر الموبقات؛ لأنه قتل نفس بغير حقّ، ويتضمن أيضًا قطيعة الرحم، وإنما اقتصر على البنات؛ لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله غالبًا.

3 - (ومنها): تحريم "منعٍ، وهات"، وهو أن يمنع الرجل ما توجّه عليه من الحقوق، أو يطلب ما لا يستحقه.

4 - (ومنها): تحريم كثرة السؤال، وقد مضى تفصيله.____

5 - (ومنها): تحريم إضاعة المال، وقد مضى تفصيل أيضًا.

6 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حرّم ثلاثًا"، و"كَرِه ثلاثًا" دليل على أنَّ الكراهة في هذه الثلاثة الأخيرة للتنزيه، لا للتحريم. انتهى

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لا للتحريم" محلّ تأمّل، والله تعالى أعلم.

 



[1] وفي زاد المسير في علم التفسير (1/ 590_591) لابن الجوزي : "في سبب نزولها ستة أقوال :

أحدها : أن الناس سألوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى أَحْفَوْهُ بالمسألة، فقام مغضباً خطيباً، فقال :

«سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلا بينته لكم» ، فقام رجل من قريش، يقال له: عبد الله بن حُذافة كان إِذا لاحى  يُدعى إِلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله مَن أبي؟ قال: أبوك حُذافة، فقام آخر، فقال: أين أبي؟ قال: في النار، فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إِماماً، إِنَّا حديثو عهدٍ بجاهلية، والله أعلم مَن أباؤنا، فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن أبي هريرة، وقتادة عن أنس.

والثاني: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس، فقال: «إِن الله كتب عليكم الحجّ، فقام عكاشة____ابن مُحصن، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: أما إِني لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ثم تركتم لضللتم، اسكتوا عني ما سكتُّ عنكم، فإنما هلكَ من هلك ممن كان قبلكم بكثرة سؤالِهم، واختلافهم على أنبيائهم» فنزلت هذه الآية، رواه محمد بن زياد عن أبي هريرة. وقيل: إِن السائل عن ذلك الأقرع بن حابس.

والثالث: أن قوما كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استهزاء، فيقول الرجل: مَن أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فنزلت هذه الآية، رواه أبو الجويرية «1» عن ابن عباس.

والرابع: أن قوماً سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، فنزلت هذه الآية، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير.

والخامس: أن قوماً كانوا يسألون الآيات والمعجزات، فنزلت هذه الآية، روي هذا المعنى عن عكرمة.

والسادس: أنها نزلت في تمنيهم الفرائض، وقولهم: وددنا أن الله تعالى أذِنَ لنا في قتال المشركين، وسؤالهم عن أحبِّ الأعمال إِلى الله، ذكره أبو سليمان الدمشقي." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين