الحديث الثالث من رياض الصالحين

 

[3] وعن عائِشةَ[1] _رضيَ اللهُ عنها_ قَالَتْ :

قَالَ النبي _صلى الله عليه وسلم_ :

«لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمَعناهُ: لا هِجْرَةَ مِنْ مَكّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إسلاَمٍ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (رقم : 3900 و 4312)، ومسلم في صحيحه (3/ 1488) (رقم : 1864)،

وأخرجه : ابن أبي شيبة في "مصنّفه" (7/ 408) (رقم : 36932)، و أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (8/ 362) (رقم : 4952)، وأبو عوانة في "مسنده" (4/ 437)، وابن حبان في صحيحه (11/ 209) (رقم : 4867)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم أسامي الشيوخ (3/ 730) (رقم : 345)، والبيهقيّ في السنن الكبرى (9/ 29) (رقم : 17776 و 17777) ، والله تعالى أعلم.

 

شرح الحديث وبيان غرائبه :

 

أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (2/ 1354) للخطابي :

"كانت الهجرة على معنيين :

أحدهما : أن الآحاد من القبائل كانوا إذا أسلموا، وأقاموا في ديارهم بين ظهراني قومهم، فُتِنُوْا وأُوْذُوْا، فأمروا بالهجرة ليسلم لهم دينهم، ويزول الأذى عنهم.

والمعنى الآخر : أن أهل الدين بالمدينة كانوا في قلة من العدد، وضعف من القوة،

فكان الواجب على من أسلم من الأعراب، وأهل القرى أن يهاجروا، فيكونوا بحضرة الرسول." اهـ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 22) لأبي زرعة العراقي :

"وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : الْهِجْرَةُ تَقَعُ عَلَى أُمُورٍ:

(الْهِجْرَةُ الْأُولَى) إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ

(الثَّانِيَةُ) مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ.

(الثَّالِثَةُ) هِجْرَةُ الْقَبَائِلِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

(الرَّابِعَةُ) هِجْرَةُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

(الْخَامِسَةُ) هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ،

قَالَ : وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمُهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ،

غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ : الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمِّ قَيْسٍ فَسُمِّيَ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ.

(قُلْت) : بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَقْسَامِ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَهِيَ :

(الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ) إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ وَلَا يُقَالُ: كِلَاهُمَا هِجْرَةٌ إلَى الْحَبَشَةِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْهِجْرَةِ إلَيْهَا مَرَّةً، فَإِنَّهُ قَدْ عَدَّدَ الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي الْأَقْسَامِ لِتَعَدُّدِهَا.

(وَالْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ) هِجْرَةُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبِلَادِ الْكُفْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا.

(وَالْهِجْرَةُ الثَّالِثَةُ) الْهِجْرَةُ إلَى الشَّامِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ

كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :

«سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.[2]

قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : يُرِيدُ بِهِ الشَّامَ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْعِرَاقِ مَضَى إلَى الشَّامِ وَأَقَامَ بِهِ انْتَهَى

وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ[3] مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ»[4]، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ لِلْهِجْرَةِ." اهـ

 

قال النوويّ - رحمه الله – في شرح النووي على مسلم (13/ 8) :

"قال أصحابنا وغيرهم، من العلماء : "الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة"، وتأولوا هذا الحديث تأويلين:

[أحدهما] : لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، فلا تتصور منها الهجرة.

[والثاني]: وهو الأصح: أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمّة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازًا ظاهرًا، انقطعت بفتح مكة، ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة؛ لأن الإسلام قَوِيَ وعَزَّ بعد فتح مكة عِزًّا ظاهرًا بخلاف ما قبله. انتهى

 

من فوائد الحديث :

 

&      شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (5 / 37_38) :

وذلك أنه كان فى بدو الإسلام فرضًا على كل مسلم أن___يهاجر مع الرسول فيقاتل معه حتى تكون كلمة الله هى العليا ، فلما فتح الله مكة وكسر شوكة صناديد قريش ودخل الناس فى دين الله أفواجًا نزلت المقاومة من المسلمين و [. . . . . ][5] على عدوهم فلم تلزم الناس الهجرة بعد ؛ لكثرة المسلمين

 

يؤيده ما ورد في صحيح البخاري (رقم : 3900) : عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ :

"زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ فَسَأَلْنَاهَا (فَسَأَلَهَا) عَنِ الْهِجْرَةِ،

فَقَالَتْ : "لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ،

فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ الْإِسْلَامَ وَالْمُؤْمِنُ (وَالْيَوْمَ) يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ."

 

 

&      شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (5 / 239)

"فهذا بين أن الهجرة منسوخة بعد الفتح إلا أن سقوط فرضها بعد الفتح لا يسقطها عمن هاجر قبل الفتح،

فدل أن قوله : ( لا هجرة بعد الفتح ) ليس على العموم ؛ لأن الأمة مجمعة أن من هاجر قبل الفتح أنه يحرم عليه الرجوع إلى وطنه الذى هاجر منه ، كما حرم على أهل مكة الرجوع إليها ، ووجب عليهم البقاء مع النبى ، والتحول معه حيث تحول لنصرته ومؤازرته وصحبته وحفظ شرائعه والتبليغ عنه ، وهم الذين استحقوا اسم المهاجرين ومدحوا به دون غيرهم .

 

&      شرح النووي على مسلم - (9 / 123)

قال العلماء الهجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام باقية إلى يوم القيامة.

وفي تأويل هذا الحديث قولان :

أحدهما : لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام وإنما تكون الهجرة من دار الحرب وهذا يتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه و سلم بأنها تبقى دار الاسلام لا يتصور منها الهجرة،

والثاني : معناه لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضلها قبل الفتح،

كما قال الله _تعالى_ : {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10] الآية.

وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( ولكن جهاد ونية ) فمعناه ولكن لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء قوله صلى الله عليه و سلم." اهـ

 

قال مقيده أبو فائزة :

قال الله _تعالى_ : {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]

 

·     تطريز رياض الصالحين (ص: 12) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك الحريملي _رحمه الله_ :

"قال الخطَّابي وغيره : كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم؛ لقلة المسلمين بالمدينة، وحاجتهم إلى الاجتماع. فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد، والنية على من قام به، أو نزل به عدو.

وقال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها؛ لما يترجى من دخول غيره في الإسلام.

قال الحافظ: كانت الحكمة في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم إلى أن يرجع عن دينه." اهـ

 

&      عون المعبود - (7 / 113) لشرف الح العظيم آبادي :

"الهجرة بسبب الجهاد في سبيل الله، والهجرة بسبب النية الخالصة لله تعالى كطلب العلم والفرار من الفتن باقيان مدى الدهر." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 38_39) :

"وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ ليسْلَم من أَذَى ذويه مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ،

وَفِيهِمْ نَزَلَتْ : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا___فِيهَا} [النساء: 97]، الْآيَةَ.

وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ بَاقِيَةُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 39) :

"أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ انْقَطَعَتْ إِلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ وَالنِّيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 39) :

"قَوْلُهُ : (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)

قَالَ النَّوَوِيُّ : "يُرِيد أَن الْخَيْر الَّذِي انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَإِذَا أَمَرَكُمُ الْإِمَامُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 39) :

"وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ :

"الْهِجْرَةُ : هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَار الْإِسْلَام، وَكَانَت فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ،

وَالَّتِي انْقَطَعَتْ أَصْلًا هِيَ الْقَصْدُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَانَ.

* وَفِي الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ بِأَنَّ مَكَّةَ تَبْقَى دَارَ إِسْلَامٍ أَبَدًا.

* وَفِيهِ وُجُوبُ تَعْيِينِ الْخُرُوجِ فِي الْغَزْوِ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ،

* وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّاتِ

* تَكْمِلَة :

قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ _مَا مُحَصِّلُهُ_ :

"إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَحْوَالِ السَّالِكِ لِأَنَّهُ أَوَّلًا يُؤْمَرُ بِهِجْرَةِ مَأْلُوفِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الْفَتْحُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ أَمْرٌ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ مَعَ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ فِي ذَلِك." اهـ

 

ويدل على بقاء الهجرة : ما رواه أحمد في مسنده، ط. الرسالة (3/ 206) :

عن َعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ :

إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :

"إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ :

إِحْدَاهُمَا : أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ،

وَالْأُخْرَى : أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. وَلا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ، وَلا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ المَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ." حم (رقم : 1671)، د (رقم : 2479).

وحسنه الألباني في "الإرواء" تحت حديث: 1208 , وصَحِيح الْجَامِع: 7469، كذا حسنه الأرنؤوط في تخريجه للمسند (رقم : 1671)

 

الاستذكار (7/ 277_278) لابن عبد البر :

"فَهَذِهِ الْهِجْرَةُ الْمُفْتَرَضَةُ الْبَاقِيَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ بِهِجْرَتِهِمْ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ تَرْكُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَدِينَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ أَبَدًا___

أَلَا تَرَى أَنَّ عُثْمَانَ وَغَيْرَهُ كَانُوا إِذَا حَجُّوا لَا يَطُوفُونَ طَوَافَ الْوَدَاعِ إِلَّا وَرَوَاحِلُهُمْ قَدْ رُحِّلَتْ

وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِمْ مَا كان _صلى الله عليه وسلم_ حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.

فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِمَوْتِهِ فَافْتَرَقُوا فِي الْبُلْدَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -." اهـ

 

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 390_391) لابن عبد البر :

"وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْهِجْرَةِ بَابٌ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا أَطَاقَتْ أُسْرَتُهُ أَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْهَا فَرْضًا وَاجِبًا،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ»،

وَكَيْفَ يجوز لمسلم____الْمُقَامُ فِي دَارٍ تَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا أَحْكَامُ الْكُفْرِ، وَتَكُونُ كَلِمَتُهُ فِيهَا سُفْلَى، وَيَدُهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ!" اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 190) :

"حُكْمَ غَيْرِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ حُكْمُهَا فَلَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَلَدٍ قَدْ فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ،

أَمَّا قَبْلَ فَتْحِ الْبَلَدِ فَمَنْ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ :

الْأَوَّلُ : قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْهَا لَا يُمْكِنُهُ إِظْهَارُ دِينِهِ وَلَا أَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ فَالْهِجْرَةُ مِنْهُ وَاجِبَةٌ،

الثَّانِي : قَادِرٌ لَكِنَّهُ يُمْكِنُهُ إِظْهَارُ دِينِهِ وَأَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ فَمُسْتَحَبَّةٌ لِتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا وَمَعُونَتِهِمْ وَجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْأَمْنِ مِنْ غَدْرِهِمْ وَالرَّاحَةِ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ،

الثَّالِثُ : عَاجِزٌ يُعْذَرُ مِنْ أَسْرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ فَإِنْ حَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَكَلَّفَ الْخُرُوجَ مِنْهَا أُجِرَ." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 275) للقاضي عياض :

"وأما قوله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : " إذا استنفرتم فانفروا "

فإنه إذا استنفر الناس للجهاد وجب عليهم إذا كان قعودهم عنه يؤدى إلى استباحة الحريم والأموال، وإن كان طلباً للاستظهار على العدو وقد قام بالجهاد من يكفى كان ندباً فى حق الباقين.

قال القاضى: وقوله: " وإذا استنفرتم فانفروا " هو على وجهين؛

* فأما الاستنفار لعدوٍ صدم أرض قوم، فنفيرهم له واجب فرض متعين عليهم، وكذلك لكل عدو غالب ظاهر حتى يقع،

* وأما لغير هذين الوجهين فيتأكد النفير لطاعة الإمام لذلك، ولا يجب وجوب الأول." اهـ                                                      

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (11/ 18) لأبي العباس القرطبي :

"* قوله : (( لا هجرة بعد الفتح )) ، هذا رافع لما كان تقرَّر من وجوب الهجرة إلى المدينة على أهل مكة باتفاق وعلى غيرهم بخلاف ، ولم يتعرَّض هذا العموم لنفي هجرة الرجل بدينه ؛ إذ تلك الهجرة ثابتة إلى يوم القيامة ، وإنما رفع حكم الهجرة يوم الفتح لكثرة ناصري الإسلام ، ولظهور الدِّين ، وأمن الفتنة عليه .

* وقوله : (( ولكن جهاد ونية )) ؛ دليل على بقاء فرض الجهاد وتأبيده خلافًا لمن أنكر فرضيته ، على ما يأتي .

* وقوله : (( وإذا استنفرتم فانفروا )) ؛ أي : طَلَب منكم الإمام النَّفير. وهو : الخروج إلى الغزو ، فحينئذ يتعيَّن الغزو على من استُنفر بلا خلاف." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (12/ 110) :

"قوله : (( لا هجرة )) ؛ أى : لا وجوب هجرة بعد فتح مكة ، وإنما سقط فرضها إذ ذاك ؛ لقوة المسلمين ، وظهورهم على عدوهم ، ولعدم فتنة أهل مكة لمن كان بها من المسلمين ، بخلاف ما كان قبل الفتح ؛ فإنَّ الهجرة كانت واجبةً ؛ لأمور : سلامة دين المهاجر من الفتنة ، ونُصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتعلُّم الدين وإظهاره . وقد تقدّم : أنه لم يختلف في وجوب الهجرة على أهل مكة من المسلمين، واختلف في وجوبها على من كان بغيرها . فقيل : هي واجبة على كل من أسلم ، تمسُّكًا بمطلق الامر بالهجرة ، وذم من لم يهاجر ، وببيعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الهجرة ، كما جاء في حديث مجاشع . وقيل : بل كانت مندوبًا إليها في حق غير أهل مكة . حكاه أبو عبيد . ويُستدلُّ لهذا القول بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأعرابيِّ الذي استشاره في الهجرة : (( إن شأنها لشديد )) ، ولم يأمره بها ، بل أَذِنَ له في ملازمة مكانه ، كما يأتي . وبدليل : أنَّه لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة . وقيل : إنما كانت واجبة على من لم يسلم جميعُ أهلِ بلده ؛ لئلا يبقى تحت أحكام الشرك ، ويخاف الفتنة على دينه ." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (12/ 110) :

"قلت : ولا يختلف في أنه لا يحل لمسلم المقام في بلاد الكفر مع التمكن من الخروج منها ؛ لجريان أحكام الكفر عليه ، ولخوف الفتنة على نفسه . وهذا حكم ثابت مؤيَّد إلى يوم القيامة . وعلى هذا فلا يجوز لمسلم دخول بلاد الكفر لتجارة ، أو غيرها مما لا يكون ضروريًّا في الدِّين ، كالرُّسل ، وكافتكاك المسلم . وقد أبطل مالك رحمه الله شهادة من دخل بلاد الهند للتجارة ." اهـ

 

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 246) لابن هبيرة الشيباني :

"[عن مجاهد، قال: (قلت لابن عمر: أريد أن أهاجر إلى الشام، قال: لا هجرة، ولكن جهاد، فانطلق فاعرض نفسك، فإن وجدت شيئا وإلا رجعت).

وفي رواية: (لا هجرة بعد الفتح)].

* في هذا الحديث المنع من أن يسمى الجهاد هجرة.

* وفيه أيضا أن الغازي يذهب قاصدا بذهابه إلى أن تكون كلمة الله هي العليا؛ فإن وجد موادعة أو لم يصادف قتالا رجع معدا بفيئه لغير تلك الجهة."

 

الميسر في شرح مصابيح السنة للتُّوْرِبِشْتِي (3/ 879) :

"فإن قيل : كيف التوفيق بين هذا بين هذا الحديث، وبين الحديث الذي يرويه معاوية- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة .. الحديث)؟

قلنا: قد تكلموا في سند هذا الحديث، ولكن لم يبلغ به ذلك إلى الرد،

وقد ورد في غير ذلك من الأحاديث ما يؤيد معناه،

والوجه أن نقول : الهجرتان مختلفتان في الحد والحقيقة،

* وذلك أن الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فرضت على من بمكة من المسلمين، وعلى من كان بين ظهراني قوم كفار لئلا يكثر بهم سواد أهل الشرك المحاربة لله ولرسوله، ثم لينصروا دين الله، وليعزروا رسوله، وليتمكنوا من إقامة ما فرض عليهم من الفرائض،

فلما فتح الله مكة، وانكسرت شوكة الكفر، وقلت أنصاره، وطهر الله الحرم الشريف عن رجس الجبت والطاغوت، بحيث لم يبق للكفر به معلم- سقط فرض الهجرة عنهم، وعادت الفضائل المجعولة للمهاجرين مختصة بمن هاجر قبل الفتح،

هذا ولم يرتفع بذلك فضل الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لنيل شرف الصحبة والتفقه في الدين، والمسارعة إلى مرضاة الله ومرضاة رسوله؛

ألا ترى أنه قال لعكرمة بن_____أبي جهل- رضي الله عنه- لما قدم عليه،

وكان قد فر منه يوم الفتح إلى اليمن: (مرحباً بالراكب المهاجر)؟!

* وأما الهجرة التي لا تنقطع حتى تنقطع : التوبة، فإنها الهجرة لله من الأرض التي يهجر عنها المعروف، ويشيع بها المنكر، ولا يستقيم بها لذي دين دينه، أو الهجرة من الأرض التي أصاب فيها الذنب، وارتكب الأمر الفظيع، وذلك مندوب إليه، وربما بلغ حد الواجب إذا استضر بتركه في دينه، والآن قد ظهرت الفتن في الإسلام فأنها أشد تأكيداً، وإليها يلتفت قوله - صلى الله عليه وسلم -في حديث عبد الله بن عمرو: (ستكون هجرة بعد هجرة .. الحديث)." اهـ

 

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 590) للبيضاوي :

"الظاهر أنه أراد به نفي الهجرة من مكة، لأن الهجرة عنها إنما كانت مأمورا لأنها كانت دار كفر، فلما فتحت وصارت دار إسلام لم يبق للهجرة عنها أثر شرعا, لا نفيها مطلقا, لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام – قال :

" لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة " ولقيام المعنى الداعي إليها بالنسبة إلى بلاد الكفار من أهل الحرب." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 348) // للحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري (المتوفى: 727 هـ) :

"إذا فُتِحتْ مكةُ لا فضيلةَ في تَرْكِ مكة، والإتيانِ إلى المدينة؛ لأن كليهما من دار الإسلام، ولكنْ تكونُ الفضيلةُ في الجِهاد، ونيةِ الخير، وإرادةِ ما يحب الله." اهـ

 

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 385) لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام النجدي :

"ما يؤخذ من الحديث:

1- انقطاع الهجرة من مكة إلى غيرها، لأنها _ولله الحمد_ بلادٌ إسلامية. أما الهجرة من غيرها، فهي باقية، من كل بلد لا يقيم الإنسان فيه دينه.

2- أن الجهاد باقٍ، واجب عند وجوده، ونيته عند عدمه. وكذلك النية الصالحة، ركن أساسي في قبول الأعمال، وعليها المدار.

3- قوله "وإذا استنفرتم فانفروا" أي: إذا طلبتم للجهاد فأجيبوا ففيه وجوب النفر من المسلم إذا طلبه الإمام لقتال عدو، إما بتنفير عام، أو تعيين. فمن عَيَّنه الإمام، خرج." اهـ

 

زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 488) :

"مَتَى اسْتَنْفَرَ الْجَيْشَ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْخُرُوجُ مَعَهُ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَصِيرُ فِيهَا الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ. وَالثَّانِي: إِذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ الْبَلَدَ. وَالثَّالِثُ: إِذَا حَضَرَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (5/ 449) للعثيمين :

"* ومن فوائد الحديث : أن الجهاد يقوم مقام الهجرة، بل كما قلت هو أعظم من الهجرة، لأنه هجوم على الكفار في بلادهم، والهجرة فرار منهم من بلد الإنسان.

* ومن فوائد الحديث: أن النية تقوم مقام الفعل لقوله: "ونية" وعلى هذا فتكون الواو هنا بمعنى "أو" يعني: أنه جهاد لمن قدر، أو نية لمن لم يقدر، ولكن النية لا تقوم مقام الفعل إلا بشروط:

الشرط الأول: أن تكون النية صادقة، بمعني: أن ينوي نية صادقة من قلبه أنه لولا المانع لفعل.

الشرط الثاني: أن يكون قد شرع في العمل ولكن عجز عن إتمامه لقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100].

أما إذا نوى بدون أن يشرع في العمل فله أجر النية فقط ويكون هذا الأجر مساويًا لأجر نية الفاعل، ودليل ذلك- أي: دليل أنه لا يحصل على الأجر كاملًا- قصة الفقراء الذين جاءوا يَشْكُوْنَ إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الأغنياء سبقوهم،

فقال صلي الله عليه وسلم : "ألا أحبركم بشيء تدركون به من سبقكم ولا يكون أحد أفضل منكم"،

ثم دلهم على التسبيح والتحميد والتكبير دبر كل صلاة، فعلم بذلك الأغنياء ففعلوا مثلهم، فرجع الفقراء مرة ثانية إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا الأغنياء بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال لهم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"، ولم يقل: أنتم وهم سواء، فدل على أن من لم يشرع في العمل لا يحصل له أجره.

* ومن فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان إذا نفى شيئًا يتطلع الناس إليه أن يفتح لهم بابًا آخر يكون قائمًا مقامه، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما نفى الهجرة بعد الفتح فتح الناس الراغبين في الخير بابًا آخر وهو: الجهاد والنية." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (32/ 277)

في فوائده:

1 - (منها): بيان انقطاع الهجرة، وقد تقدّم الجمع بينه وبين حديث: "لا تنقطع الهجرة".

2 - (ومنها): الحثّ على نية الخير مطلقًا، وأنه يثاب على النية.

3 - (ومنها): بيان أن الجهاد ليس فرض عين، بل فرض كفاية، إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم،

قال النوويّ : قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية، إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين، فيتعيّن عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية، وجب على من يليهم تتميم الكفاية، وأما في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فالأصح عند أصحابنا: أنه كان أيضًا فرض كفاية، والثاني: أنه كان فرض عين، واحتج القائلون بأنه كان فرض كفاية بأنه كان تغزو السرايا، وفيها بعضهم دون بعض. انتهى ["شرح صحيح مسلم للنوويّ" (13/ 8 – 9)]

وقال القرطبيّ - رحمه الله - :

"يدلّ الحديث على استمرار حكم الجهاد إلى يوم القيامة، وأنه لم ينسخ، لكنه يجب على الكفاية، وإنما يتعيّن إذا دَهَمَ العدوُّ بلدًا من بلاد المسلمين، فيتعيّن على كلِّ مَنْ تمكّن من نصرتهم، وإذا استنفرهم الإمام تعيّن على كل من استنفره؛ لنصِّ هذا الحديث على ذلك، وهو أمرٌ مُجْمَعٌ عليه."

4 - (ومنها): أنه تضمّن بشارة من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأن مكة تستمرّ دار إسلام.

5 - (ومنها): أن الإمام إذا استنفر إلى الجهاد تعيّن على كلّ من استنفره، وهذا بالإجماع، والله تعالى أعلم.



[1] ترجمة عائشة بنت أبي بكر الصديق _رضي الله عنهما :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 135) للذهبي :

"عَائِشَةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ * (ع) بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ، خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، زَوجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ.

وَأُمُّهَا: هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ.

هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا، وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ. وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ.

فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ." اهـ

وفي معرفة الصحابة لابن منده (ص: 939) :

"وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان، وقيل: سبع وخمسين، وقد قاربت السبعين، وأوصت أن تدفن بالبقيع، وكان وصيها: عبد الله بن الزبير بن العوام." اهـ

وفي الأعلام للزركلي (3/ 240) : "عائِشَة أم المُؤْمِنِين (9 ق هـ - 58 هـ = 613 - 678 م) :

عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، من قريش: أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب. كانت تكنى بأم عبد الله. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة، فكانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه. ولها خطب ومواقف. وما كان يحدث لها أمر إلا أنشدت فيه شعرا. وكان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض فتجيبهم. وكان (مسروق) إذا روى عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق. وكانت ممن نقم على (عثمان) عمله في حياته، ثم غضبت له بعد مقتله، فكان لها في هودجها، بوقعة الجمل، موقفها المعروف.

وتوفيت في المدينة. روي عنها 2210 أحاديث. ولبدر الدين الزركشي كتاب (الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة - ط)

[2] أخرجه أبو داود في سننه (3/ 4) (رقم : 2482)، وأحمد في مسنده – ط. عالم الكتب (2/ 198 و 209) (رقم : 6871 و 6952)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 194) (رقم : 3091)

[3] وفي عون المعبود مع حاشية ابن القيم (11/ 273_274) :

"(يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ___لِأَنَّ دِمْشَاقَ بْنَ نَمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ هُوَ الَّذِي بَنَاهَا فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهِ وَكَانَ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَارَ مَعَهُ وَكَانَ أَبُوهُ نَمْرُودُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ لِمَا رَأَى لَهُ مِنَ الْآيَاتِ، قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ." اهـ

[4] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 111) (رقم : 4298)، وصححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح (3/ 1768) (رقم : 6281)

[5] لعله : [وانتصروا على عدوهم] حسب المتبادر من السياق، والله أعلم.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين