الحديث العاشر من صحيح الترغيب

 

الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

شرح الأستاذ أبي فائزة عبد القادر البوجيسي


(فصل)

10 - (10) [صحيح] عن عُمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"إِنما الأعمال[1] بالنِّيَّة، -وفي رواية: بالنَيَّاتِ-، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسولِهِ، ومن كانتْ هجرته إلى دنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ يَنكِحُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي (1).

قال الحافظ: "وزعم بعض المتأخرين أن هذا الحديث بلغ مبلغَ التواتر، وليس كذلك؛ فإنه انفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي(2)، ثم رواه عن الأنصاري خلق كثير، نحو مئتي راوٍ، وقيل: سبعُ مئة راوٍ، وقيل: أكثر من ذلك.

وقد روي من طرق كثيرة غير طريق الأنصاري، ولا يصح منها شيء. كذا قاله الحافظ علي بن المديني وغيره من____الأئمة. وقال الخطابي: لا أعلم في ذلك خلافاً بين أهل الحديث. والله أعلم (3) ". اهـ

__________

(1) قلت: وكذا قال المؤلف في "إخلاص النية في الجهاد" (12 - الجهاد/ 10)، وهو يوهم أن ابن ماجه لم يروه، وليس كذلك، فقد أخرجه في "الزهد" رقم (4227).

(2) قلت: وهو رواه عن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب، فالحديث ليس متواتراً، بل هو مشهور.

(3) قلت : وهو من أحاديث الآحاد الصحيحة التي اتفق العلماء على صحتها، وتلقته الأمة بالقبول كما في "شرح الأربعين" للحافظ ابن رجب، فهو يفيد العلم واليقين، خلافًا لما يجهر به بعض الكتاب اليوم: بن أحاديث الآحاد مطلقاً لا تفيد العلم، فإن هذا القول على إطلاقه باطل، دون شك ولا ريب، وبيانه في رسالتي "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة". ورسالتي الأخرى "الحديث حُجة بنفسه في العقائد والأحكام". وهما مطبوعتان.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 6) (رقم : 1)، و مسلم في صحيحه (3/ 1515) (رقم : 1907)، و(أبو داود) في "الطلاق" (رقم : 2201)، و (الترمذيّ) في "فضائل الجهاد" (1647)، و (النسائيّ) في "الطهارة" (1/ 58) و"الطلاق" (6/ 158) و"الأيمان والنذور" (7/ 13) و"الكبرى" (1/ 79 و 3/ 130 و 361)، و (ابن ماجه) في "الزهد" (4227)،

وأخرجه أيضا : (مالك) في "الموطّأ" برواية محمد بن الحسن (983)، و(ابن المبارك) في "الزهد" (1/ 62)، و (الطيالسيّ) في "مسنده" (ص 9)، و (الحميديّ) في "مسنده" (28)، و (أحمد) في "مسنده" (1/ 25 و 43)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه" (1/ 73)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (388 و 389)، و (ابن الجارود) في "المنتقى" (64)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (4/ 488)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (1/ 369)، و (الطبريّ) في "تهذيب الآثار" (2/ 784 و 802)، و (الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار" (3/ 96)، و (البزّار) في "مسنده" (1/ 380)، و (الدارقطنيّ) في "سننه" (1/ 50)، و (أبو نعيم) في "الحلية" (8/ 42)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (1/ 41 و 298 و 2/ 14 و 4/ 112 و 5/ 39 و 6/ 331 و 7/ 341) و"المعرفة" (189) و"شُعَب الإيمان" (5/ 336)، و (ابن منده) في "الإيمان" (1/ 154 و 363)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة"، والله تعالى أعلم.

 

صحابي الحديث :

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديِّ ابن كعب بن لُؤَيِّ بن غالب بن فهر (قريش) بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ : القرشى العدوى أبو حفص (ـ  23 هـ بـ المدينة) : روى له :  خ م د ت س ق  (قال : أمير المؤمنين مشهور ، جم المناقب )

 

* عمر بن الخطاب : ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنن، وأحد أصهار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن كبار علماء الصحابة وزهادهم، يضرب بعدله المثل.

* يجتمع نسبه مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الجد السابع، ويجتمع معه من جهة أمه في الجد السادس.

* ولد بمكة، وكان في____صغره يرعى الغنم، ثم احترف التجارة وكان يختلف فيها إلى الشام.

* وكان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وله السفارة فيهم، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين، فقوي به المسلمون.

قال ابن مسعود: "كان إسلام عمر فتحا، وكان هجرته نصرا، وكانت إمامته رحمة، وما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم".

* وصحب عمرُ الرسولَ (صلى الله عليه وسلم) بعد إسلامه، فأحسن صحبته، وبالغ في نصرته، ووقف حياته على المدافعة عنه والذود عن الإسلام.

* وشهد الوقائع. وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يستشيره في كثير من الأمور، وقد أثر عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان".

* ولقبه بـ"الفاروق" وكناه بأبي حفص.

* بويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ) وفي أيامه واصلت الجيوشُ العربية الفتوحاتِ التي بدأت في عهد أبي بكر، فتم فتح الشام والعراق، وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة، حتى قيل : انتصب في مدته اثنا عشر ألف (12000) منبر في الإسلام.

* وهو أول من اتخذ ديوانا لضبط المال، وعمل إحصاء للمسلمين، وفرض العطاء لهؤلاء، مبتدئا بأزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم أهل السابقة. وأول من استقضى القضاء،

* ووضع للعرب التاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون بالوقائع. وأمر بإنشاء معسكرات للجند، أصبحت فيما بعدُ مُدُنًا زاهرةً، كالبصرة والكوفة والفسطاط.

* ينسب إليه كثير من أحكام أهل الذمة الذين حرص على عدم إرهاقهم. وعرف بشدته في الحق، ومخافته من الله، وحرصه على العدل، والعمل على خدمة رعيته. وكان يحاسب ولاته على أعمالهم ويحصي عليهم أموالهم.

* ولما طلب منه الصحابة قبل وفاته أن يستخلف، جعل الخلافة في ستة، توفي الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهو عنهم راض، وهم : عثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف،

* وأوصى بأن يشهد عبد الله بن عمر ألا يكون له من الأمر شيء. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي (غلام المغيرة بن شعبة) غيلةً، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح في المسجد،

* وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال. وتوفي _رضي الله عنه_ سنة 23 هـ بالمدينة

* له في كتب الحديث 537 حديثا. ويعد ممن اشتهر بالتفسر من الصحابة ولم يرد عنه في التفسير إلا النزر اليسير.

 

منزلة الحديث :

 

&      شرح النووي على مسلم - (13 / 53_54) :

"أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِظَم مَوْقِع هَذَا الْحَدِيث ، وَكَثْرَة فَوَائِده وَصِحَّته ،

قَالَ الشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ : (هُوَ ثُلُث الْإِسْلَام)[2] ،

وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَدْخُل فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْفِقْه ،

وَقَالَ آخَرُونَ : (هُوَ رُبْع الْإِسْلَام)،

وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَغَيْره : (يَنْبَغِي لِمَنْ صَنَّفَ كِتَابًا أَنْ يَبْدَأ فِيهِ بِهَذَا الْحَدِيث تَنْبِيهًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَصْحِيح النِّيَّة).

وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا____عَنْ الْأَئِمَّة مُطْلَقًا ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبُخَارِيّ وَغَيْره ، فَابْتَدَءُوا بِهِ قَبْل كُلّ شَيْء ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي سَبْعَة مَوَاضِع مِنْ كِتَابه." اهـ

 

&        عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (1 / 22) :

"وَقَالَ ابْن مهْدي الْحَافِظ : (من أَرَادَ أَن يصنف كتابا، فليبدأ بِهَذَا الحَدِيث)،

وَقَالَ : (لَو صنفت كتابا، لبدأت فِي كل بَاب مِنْهُ بِهَذَا الحَدِيث)." اهـ

 

تنبيه حول سبب ورود الحديث :

 

لقد ذكر بعض العلماء أن قصة مهاجر أم قيس سبب لورود حديث " إنما الأعمال بالنيات " ، فما صحة هذا القول ؟

 

الجواب : قد أنكر ذلك جمع من العلماء، منهم :

 

1 - الحافظ ابن رجب الحنبلي :

قال ابن رجب _رحمه الله_ في "جامع العلوم والحكم" (1/74-75) :

"وقد اشتهرَ أنَّ قصةَ مهاجر أم قيسٍ هي كانت سببَ قول النبي صلى الله عليه وسلم : من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ، ولم نر لذلك أصلا بإسناد يصح ، والله أعلم." اهـ

 

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد _رحمه الله_ في كتابه " التأصيل " (1/73) : "ومن الفوائد المضافة : أن ثمة روايات في غير الحديث يتناقلها العلماء على التسليم بلا نكير، هي عندهم كالجبال الرواسي في الثبوت ، لكن عند التخريج لها، تُصَيَّرُها هباءً .

منها : جَعْلُ قصة مهاجر أم قيس (التي رواها ابن مسعود _رضي الله عنه_ كما في سنن سعيد بن منصور، ومعجم الطبراني) سببا لورود حديث عمر _رضي الله عنه_: «إنما الأعمال بالنيات»،

وقد وقع في هذا الغلطِ الكبارُ أمثالُ ابنِ دقيقِ العِيْدِ _رحمه الله_ كما في " إحكام الأحكام "، وأنكر ذلك الحفاظ، منهم : ابن رجب، وابن حجر _رحمهما الله_." اهـ

 

فوائد الحديث :

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 65) لابن رجب :

"وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» إِخْبَارٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا مَا نَوَاهُ بِهِ، فَإِنْ نَوَى خَيْرًا حَصَلَ لَهُ خَيْرٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ شَرًّا حَصَلَ لَهُ شَرٌّ،

وَلَيْسَ هَذَا تَكْرِيرًا مَحْضًا لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى أَنَّ صَلَاحَ الْعَمَلِ وَفَسَادَهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِيجَادِهِ، وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ ثَوَابَ الْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ الصَّالِحَةِ، وَأَنَّ عِقَابَهُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَقَدْ تَكُونُ نِيَّتُهُ مُبَاحَةً، فَيَكُونُ الْعَمَلُ مُبَاحًا، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ،

فَالْعَمَلُ فِي نَفْسِهِ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ وَإِبَاحَتُهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الْحَامِلَةِ عَلَيْهِ، الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُودِهِ، وَثَوَابُ الْعَامِلِ وَعِقَابُهُ وَسَلَامَتُهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الَّتِي بِهَا صَارَ الْعَمَلُ صَالِحًا، أَوْ فَاسِدًا، أَوْ مُبَاحًا." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 65_66) :

"وَاعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ نَوْعٌ مِنَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهِ.

وَالنِّيَّةُ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ تَقَعُ بِمَعْنَيَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : بِمَعْنَى تَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، كَتَمْيِيزِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَثَلًا، وَتَمْيِيزِ صِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ صِيَامِ غَيْرِهِ، أَوْ تَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الْعَادَاتِ، كَتَمْيِيزِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ مِنْ غُسْلِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ،

وَهَذِهِ النِّيَّةُ هِيَ الَّتِي تُوجَدُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: بِمَعْنَى تَمْيِيزِ الْمَقْصُودِ بِالْعَمَلِ، وَهَلْ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا___شَرِيكَ لَهُ، أَمْ غَيْرُهُ، أَمِ اللَّهُ وَغَيْرُهُ،

وَهَذِهِ النِّيَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا الْعَارِفُونَ فِي كُتُبِهِمْ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَتَوَابِعِهِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجَدُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ.

وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا مُصَنَّفًا سَمَّاهُ: كِتَابَ " الْإِخْلَاصِ وَالنِّيَّةِ " وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذِهِ النِّيَّةَ، وَهِيَ النِّيَّةُ الَّتِي يَتَكَرَّرُ ذِكْرُهَا فِي كَلَامِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ تَارَةً بِلَفْظِ النِّيَّةِ، وَتَارَةً بِلَفْظِ الْإِرَادَةِ، وَتَارَةً بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ لِذَلِكَ،

وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهَا كَثِيرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ لَفْظِ النِّيَّةِ أَيْضًا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُقَارِبَةِ لَهَا.

وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ وَنَحْوَهِمَا؛ لِظَنِّهِمُ اخْتِصَاصَ النِّيَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ." اهـ

 

&      فيه بيان أن إحداث النية للوضوء والغسل واجب

عليه بوب الحديث ابن خزيمة في صحيحه - (1 / 73) قائلا : "باب إيجاب إحداث النية للوضوء والغسل." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (1 / 30) للعيني :

"وَفِيه : دَلِيل على أَن الطَّهَارَة وَسَائِر الْعِبَادَات لَا تصح إِلَّا بنية.

وَقَالَ الْخطابِيّ : "قَوْله (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) لم يُرِدْ بِهِ أَعْيَان الْأَعْمَال، لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ حِسًّا وعِيَانًا بِغَيْر نِيَّة، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَن صِحَة أَحْكَام الْأَعْمَال فِي حق الدّين إِنَّمَا تقع بِالنِّيَّةِ وَأَن النِّيَّة هِيَ الفاصلة بَين مَا يَصح وَمَا لَا يَصح." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (1 / 30)

(استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول احتجت الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة بِهِ فِي وجوب النِّيَّة فِي الْوضُوء وَالْغسْل

 

&      شرح النووي على مسلم - (13 / 54)

وفيه دليل على أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لاتصح الا بالنية وكذلك الصلوة والزكوة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات،

وأما إزالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لا تفتقر إلى نية لأنها من باب التروك، والترك لايحتاج إلى نية، وقد نقلوا الاجماع فيها[3]،

وشذ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل وتدخل النية فى الطلاق والعتاق والقذف ومعنى دخولها أنها اذا قارنت كناية صارت كالصريح وان أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أوثلاثا وقع ما نوى وان نوى بصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولايقبل منه فى الظاهر قوله صلى الله عليه و سلم

 

&      فيه جواز اختلاف النية بين الإمام والمؤتمين، فيجوز أن يصلي المأموم ظهرا بينما الإمام ينوي ويصلي العصر :

عليه بوب الحديث أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى ط. المعارف بالهند - (3 / 87) قائلاً : "باب الظُّهْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّى الْعَصْرَ {ت} قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.."

 

&      عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (1 / 27)

مَا ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ : أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْأَعْمَال الْخَارِجَة عَن الْعِبَادَة قد تفِيد الثَّوَاب إِذا نوى بهَا فاعلها الْقرْبَة كَالْأَكْلِ وَالشرب إِذا نوى بهما التقوية على الطَّاعَة وَالنَّوْم إِذا قصد بِهِ ترويح الْبدن لِلْعِبَادَةِ وَالْوَطْء إِذا أَرَادَ بِهِ التعفف عَن الْفَاحِشَة كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : "فِي بضع أحدكُم صَدَقَة" الحَدِيثَ[4]

 

&      شرح السيوطي لسنن النسائي - (7 / 242)

قال المازري : وإنما نبه أهل العلم على عظم هذا الحديث لان الإنسان إنما يعبد بطهارة قلبه وجسمه فأكثر المذام المحظورات إنما تنبعث من القلب،

وأشار _صلى الله عليه و سلم_ لاصلاحه، ونبه على أن اصلاحه هو إصلاح الجسم، وأنه الأصل، وهذا صحيح، يؤمن به حتى من لا يؤمن بالشرع، وقد نص عليه الفلاسفة والاطباء." اهـ

 

&      البدر المنير - (1 / 664) لابن الملقن :

قَالَ الْخطابِيّ : وَأفَاد قَوْله _صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم_ : «وإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى» فَائِدَة لم تحصل بقوله : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، (وَهِي) : أَن تعْيين الْعِبَادَة المنوية شرطٌ لصحتها»." اهـ

 

حاشية السندي على ابن ماجه - (8 / 80)

إِنَّ الْعَمَل يُحْسَب بِحَسْبِهَا (خَيْرًا وَشَرًّا) أَوْ يُجْزَى الْمَرْء بِحَسَبِهَا عَلَى الْعَمَل ثَوَابًا وَعِقَابًا وَإِذَا تَقَرَّرَ الْمُقَدِّمَتَانِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا[5]

 

قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 45) :

"وَتَحْرِيرُهُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (إِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ إِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ فَهِيَ لَهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلدُّنْيَا فَهِيَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَهِيَ لِذَلِكَ." اهـ

 

&      عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (1 / 28)

خص ذكر الْمَرْأَة دون سَائِر مَا ينوى بِهِ الْهِجْرَة من أَفْرَاد الْأَغْرَاض الدُّنْيَوِيَّة لأجل تبين السَّبَب لِأَنَّهَا كَانَت أعظم أَسبَاب فتْنَة الدُّنْيَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تركت بعدِي فتْنَة أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء وَذكر الدُّنْيَا مَعهَا من بَاب زِيَادَة النَّص على السَّبَب كَمَا أَنه لما سُئِلَ عَن طهورية مَاء الْبَحْر زَاد حل ميتَته

 

&      المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري - (5 / 23_24)

وفيه دليل على أن ما ليس بعمل تشترط فيه النية كالتروك (مثل : تركِ الزنا، والخمر، وباقي المعاصي)، نعم، إذا أراد تحصيل الثواب ولابد له من القصد[6]،

فمن ترك الزنا مثلاً بعد أن خطر على باله خوفاً من الله يثاب على هذا الترك، أما من لم يقصد ترك المعصية لا يثاب على تركها فمن لم تخطر المعصية بباله أصلاً ليس كمن خطر في نفسه عنها خوفاً من الله.[7]

وفيه دليل على أن النجاسة لا تجب إزالتها وهو الأصح لأنه من باب التروك (انتهى).

وفيه دليل على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكارم الأخلاق حيث لم يصرح بالإنكار على من هاجر لأجل المرأة، بل أورده مورد الإيهام كقوله في حديث آخر: «ما بال أقوام يفعلون كذا»(1) وهذا من مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -.

وفيه دليل على استجاب التخلق بمكارم الأخلاق، وما أحسن قول الشيخ برهان الدين القيراطي حيث قال:____

بمكارم الأخلاق كن متخلقا ... ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي

وانفع صديقك إن صدقت صدقه ... وادفع عدوك بالتي فإذا الذي

وفيه دليل على أنه يستحب الستر على من وقع منه منكر.

وفيه دليل على أنه لا بأس للخطيب أن يورد أحاديث في أثناء الخطبة.

وفيه دليل على أن الإمام الأعظم يستحب له أن يخطب عند الأمور المهمة وتعليم الحكم المهمة، لأنه أبلغ في الإشاعة والإشتهار.

واستدل الحديث بعضهم على وجوب النية على غاسل الميت، وهو وجه عندنا، والأصح في النية لا تجب على الغاسل، بدليل أنه لو غسله كافر عندنا صح، وهو ليس من أهل النية.

وفيه دليل وحث على الإخلاص في النية، والإخلاص من أعمال القلب والفرق بينه وبين النية أن النية تتعلق بفعل العبادة، والإخلاص يتعلق بإضافه العبادة إلى الله تعالى فالنية لابد منها في صحة العمل، وأما الإخلاص فليس يتعين، فمن صلى ونوى ولم يضف الصلاة إلى الله تعالى صحت صلاته، لأن العبادة لا تكون إلا لله سواء أضافها إليه أم لا، نعم الإخلاص مع النية أكمل من النية وحدها.[8]

 

&      فيض القدير - (1 / 30)

فمعنى " هجرته إلى الله ورسوله " الارتحال من الأكوان إلى المكون ومعنى : " هجرته إلى ما هاجر إليه " البقاء مع الأكوان والشغل بها

ففيه تلويح بأنه ينبغي للسالك كونه عالي الهمة والنية فلا يلتفت إلى غير المكون كما أفصح عنه في الحكم حيث قال : العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه ويطلب ما لا بقاء له معه فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل عنه ولكن ارحل من الأكوان

 

&      مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 42)

قَالَ الْمُحَقِّقُ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ: قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ، وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ: أُصَلِّي كَذَا، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، بَلِ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ اهـ.[9]

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 43)

ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الْقِيَمِ ذَكَرَ فِي زَادِ الْمَعَادَ فِي هَدْيِ خَيْرِ الْعِبَادِ، وَهَذَا لَفْظُهُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) » ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا، وَلَا تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، وَلَا قَالَ: (أُصَلِّي لِلَّهِ صَلَاةَ كَذَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا) ، وَلَا قَالَ: أَدَاءً، وَلَا قَضَاءً، وَلَا فَرْضَ الْوَقْتِ، وَهَذِهِ عَشْرُ بِدَعٍ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَدٌ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا ضَعِيفٍ، وَلَا مُسْنَدٍ، وَلَا مُرْسَلٍ لَفْظَةً وَاحِدَةً مِنْهَا الْبَتَّةَ، بَلْ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَإِنَّمَا غَرَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالصِّيَامِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِذِكْرٍ فَظَنَّ أَنَّ الذِّكْرَ تَلَفُّظُ الْمُصَلِّي بِالنِّيَّةِ، وَأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالذِّكْرِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لَيْسَ إِلَّا، وَكَيْفَ يَسْتَحِبُّ الشَّافِعِيُّ أَمْرًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَهَذَا هَدْيُهُمْ، وَسِيرَتُهُمْ، فَإِنْ أَوْجَدَنَا أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ، وَقَابَلْنَاهُ بِالْقَبُولِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَلَا هَدْيَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِمْ، وَلَا سُنَّةَ إِلَّا مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.[10]

وَصَرَّحَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ بِنَفْيِ رِوَايَةِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَيْرُوزُأَبَادِي صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، وَلَا أَعْلَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ التَّلَفُّظَ بِهَا، وَلَا أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: ( «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ) .

 

&      مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 42)

وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْمُكَمَّلَ عَدَمُ النُّطْقِ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا : بِكَرَاهَتِهِ، وَالْحَنْبَلِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ،

وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ فَلَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مَحَلُّهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ تَرْكُهُ عِنْدَ الْحُفَّاظِ الْمُحَدِّثِينَ بِلَا رَيْبٍ."

والصحيح : أن التلفظ بالنية بدعة تورث الوسوسة، فكيف يعالج بها الوسوسة؟!" اهـ

 

&      إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 138_139)

"ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش: هل فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو أحد من أصحابه شيئاً من ذلك، لما ظفر به، إلا أن يجاهر بالكذب البحت. فلو كان___فى هذا خير لسبقونا إليه، ولدلونا عليه." اهـ

 

&      مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 47)

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ فِي ضِمْنِ الْهِجْرَةِ سُنَّةً عَظِيمَةً أَبْطَلَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ[11]، أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَعْظَمِ فِتَنِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] . وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» ) لَكِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً تَكُونُ خَيْرَ مَتَاعِهَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» ) .

 

&      مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 47)

وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى مِنْ مَطَالِبِ السُّعَدَاءِ، وَهِيَ الْخَلَاصُ عَنِ الدَّرَكَاتِ السُّفْلَى مِنَ الْكُفْرِ، وَالشِّرْكِ، وَالْجَهْلِ، وَالْمَعَاصِي، وَالسُّمْعَةِ، وَالرِّيَاءِ، وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، وَحَجْبِ الْأَوْصَافِ، وَالْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَهِيَ الْمَعْرِفَةُ، وَالتَّوْحِيدُ، وَالْعِلْمُ، وَالطَّاعَاتُ، وَالْأَخْلَاقُ الْمَحْمُودَةُ، وَجَذَبَاتُ الْحَقِّ، وَالْفَنَاءُ عَنْ إِنَابَتِهِ، وَالْبَقَاءُ بِهُوِيَّتِهِ[12]،

أَوْ مِنْ مَقَاصِدِ الْأَشْقِيَاءِ، وَهِيَ إِجْمَالًا مَا يُبْعِدُ____عَنِ الْحَقِّ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ أَيْ: خُرُوجُهُ مِنْ مَقَامِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ اسْتِعْدَادَهُ الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ النَّفْسِ، أَوْ مَقَامًا مِنْ مَقَامَاتِ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ لِتَحْصِيلِ مِرَاضِيهِ، وَتَحْسِينِ الْأَخْلَاقِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَى تَوْحِيدِ الذَّاتِ، وَرَسُولِهِ بِاتِّبَاعِ أَعْمَالِهِ، وَاقْتِفَاءِ أَخْلَاقِهِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَى طَلَبِ الِاسْتِقَامَةِ فِي تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ." اهـ

 

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 14)

مِمَّا يُستفاد من الحديث:

1_ أنَّه لا عمل إلاَّ بنيَّة.

2_ أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها.

3_ أنَّ ثواب العامل على عمله على حسب نيَّته.

4_ ضرب العالم الأمثال للتوضيح والبيان.

5_ فضل الهجرة لتمثيل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بها، وقد جاء في صحيح مسلم (192) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أمَا علمتَ أنَّ الإسلامَ يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يهدم ما كان قبله؟ ".

6_ أنَّ الإنسانَ يُؤجرُ أو يؤزر أو يُحرم بحسب نيَّته.

7_ أنَّ الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعةً إذا نوى به الإنسان خيراً، كالأكل والشرب إذا نوى به التقوِّي على العبادة.

8_ أنَّ العمل الواحد يكون لإنسان أجراً، ويكون لإنسان حرماناً." اهـ

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 6)

يستفاد منه :

1 - الحث على الإخلاص، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه. ولهذا استحب العلماء استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.

2 - أن الأفعال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب على مجرد ذلك الفعل وإن كان صحيحا، حتى يقصد بها التقرب إلى الله.

3 - فضل الهجرة إلى الله ورسوله. وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين: الأول _ الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة، الثاني _ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين. وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص. وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا.

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 13)

وفي قوله: "إلى ما هاجر إليه" تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا واستهانة به، حيث لم يذكره بلفظه، وأيضاً فالهجرةُ إلى الله ورسوله واحدةٌ، فلا تعدُّدَ فيها، فلذلك أعاد الجوابَ فيها بلفظ الشرط، والهجرةُ لأمور الدنيا لا تَنحصر، فقد يهاجرُ الإنسانُ لطلب دنيا مباحة تارة ومحرَّمة أخرى، وأفراد ما يُقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر، فلذلك قال: "فهجرته إلى ما هاجر إليه" يعني كائناً ما كان".

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 13)

"من فوائد هذا الحديث :

1_ هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، ولهذا قال العلماء: مدار الإسلام على حديثين: هما هذا الحديث، وحديث عائشة: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلِيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ (1) فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب، فهو ميزان الأعمال الباطنة، وحديث عائشة: عمدة أعمال الجوارح....

2_ من فوائد الحديث: أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض، والعبادات عن المعاملات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ولنضرب مثلاً بالصلاة، رجل أراد أن يصلي الظهر، فيجب أن ينوي الظهر حتى تتميز عن غيرها. وإذا كان عليه ظُهْرَان، فيجب أن يميز ظهر أمس عن ظهر اليوم، لأن كل صلاة لها نية...

3_ من فوائد الحديث: الحثّ على الإخلاص لله عزّ وجل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم الناس إلى قسمين:

قسم: أراد بعمله وجه الله والدار الآخرة.

وقسم: بالعكس، وهذا يعني الحث على الإخلاص لله عزّ وجل.

والإخلاص يجب العناية به والحث عليه، لأنه هو الركيزة الأولى الهامة التي خلق الناس من أجلها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)

4_ ومن فوائد الحديث : حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بتنويع الكلام وتقسيم الكلام، لأنه قال: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وهذا للعمل وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وهذا للمعمول له.

ثانيهما: تقسيم الهجرة إلى قسمين: شرعية وغير شرعية، وهذا من حسن التعليم، ولذلك ينبغي للمعلم أن لايسرد المسائل على الطالب سرداً لأن هذا يُنْسِي، بل يجعل أصولاً، وقواعد وتقييدات، لأن ذلك أقرب لثبوت العلم في قلبه، أما أن تسرد عليه المسائل فما أسرع أن ينساها..

5_ من فوائد الحديث : قرن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى بالواو حيث قال: إلى الله ورسوله ولم يقل: ثم رسوله، مع أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، فَقَالَ: بَلْ مَاشَاءَ اللهُ وَحْدَه (1) فما الفرق؟

والجواب: أما ما يتعلّق بالشريعة فيعبر عنه بالواو، لأن ماصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال: (مَنْ يُطِعِ الرسول صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء: الآية80)

وأما الأمور الكونية : فلا يجوز أن يُقرن مع الله أحدٌ بالواو أبداً، لأن كل شيئ تحت إرادة الله تعالى ومشيئته." اهـ



[1] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (32/ 590) :

"والمراد بالأعمال: الأعمال الصادرة عن المكلفين، وهل تخرج أعمال الكفار؟ الظاهر الإخراج؛ لأن المراد أعمال العبادة، وهي لا تصح من الكافر، وإن كان مخاطَبًا بها معاقبًا على تركها، ولا يَرِد العتق، والصدقة؛ لأنهما بدليل آخر." اهـ

[2] قال علي بن سلطان القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 43)

وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي فَضْلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ، وَالْعَمَلَ عُبُودِيَّةُ الْقَالِبِ، أَوْ أَنَّ الدِّينَ إِمَّا ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْعَمَلُ، أَوْ بَاطِنٌ، وَهُوَ النِّيَّةُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» ) لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ،

ثم قال –رحمه الله- في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 44)

"وَوَجَّهَهُ الْبَيْهَقِيُّ : بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ إِمَّا بِقَلْبِهِ (كَالنِّيَّةِ)، أَوْ بِلِسَانِهِ، أَوْ بِبَقِيَّةِ جَوَارِحِهِ، وَالْأَوَّلُ : أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَلْ أَرْجَحُهَا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بِانْفِرَادِهَا." اهـ

[3] وفيه نظر. فقد قال الإثيوبي _رحمه الله_ ردا على النووي في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (32/ 622) : "عندي أن الحقّ هو الذي ذهب إليه الجمهور من اشتراط النية في الوضوء والغسل؛ لحديث الباب، والله تعالى أعلم." اهـ

وهو الصحيح المؤيد بالأدلة نقلا وعقلا، فإنه لا يكون من العبد عمل إلا والنية مقترنة به، والله أعلم.

[4] قال القاري الحنفي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 45)

الْأُمُورُ الْمُبَاحَاتُ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمَثُوبَاتِ إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرُبَاتِ كَالْمَآكِلِ، وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَنَاكِحِ، وَسَائِرِ اللَّذَّاتِ إِذَا نَوَى بِهَا الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَاتِ لِاسْتِيفَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَكَالتَّطَيُّبِ إِذَا قَصَدَ إِقَامَةَ السُّنَّةِ، وَدَفْعَ الرَّائِحَةِ الْمُؤْذِيَةِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ عَمَلٍ صَدَرَ عَنْهُ لِدَاعِي الْحَقِّ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَكَذَا الْمَتْرُوكَاتُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْمَثُوبَاتُ إِلَّا بِالنِّيَّاتِ.

[5] قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 45)

"وَتَحْرِيرُهُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (إِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ إِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ فَهِيَ لَهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلدُّنْيَا فَهِيَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَهِيَ لِذَلِكَ،

فَالتَّقْدِيرُ : إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَنْوِيَّهُ مِنْ طَاعَةٍ، أَوْ مُبَاحٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ مِنَ الْهَجْرِ، وَهُوَ التَّرْكُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْوَصْلِ، وَالْمُرَادُ هَنَا تَرْكُ الْوَطَنِ الَّذِي بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَهِجْرَةِ الصَّحَابَةِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِمْ أَذَى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْهَا إِلَى الْحَبَشَةِ، وَإِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ هِجْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبَعْدَهَا، وَلَمَّا احْتَاجُوا إِلَى تَعَلُّمِ الْعُلُومِ مِنْ أَوْطَانِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تُطْلَقُ كَمَا فِي أَحَادِيثَ عَلَى هِجْرَةِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ،" اهـ

[6] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (32/ 602_603) للإثيوبي :

"قال الجامع عفا الله تعالى عنه : ويتناول الحديث أيضًا التروك؛ لأنها أفعال، قال الشيخ إبراهيم الكرديّ: الترك إذا أريد به كفّ النفس، فهو فعل اختياريّ، وكل فعل اختياريّ يختلف باختلاف النيات، وقد صحّ: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة" إلى قوله: "وإن تركها من أجلي، فاكتبوها له حسنةً"، ومفهومه أنه إذا لم يتركها من أجل الله لا تُكتب له حسنة، وهو كذلك كما قاله الغزالي وغيره، "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة. . .".

قال الصنعانيّ: بل قد نقل الشيخ نفسه أنه قد قيل: إذا تركها لخوف المسلمين كان آثمًا.

قال الشيخ : "ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، فنقول: الكفّ إن كان تركًا للشر لله فهو خير، وإن كان تركًا للخير بلا عذر شرعيّ فهو شرّ، والعمل قد أُطلق على الخير والشر، قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8]، ويوضّحه أن الكف قد أُطلق عليه أنه صدقة، كما في حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه -: "كُفّ شرّك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك"، أخرجه ابن أبي الدنيا.

وفي حديث معاذ عند الديلميّ: "أفضل الصدقة حفظ اللسان".___

والأصل الحقيقة، ولا صارف، ولا سيما وقد ورد: "كل معروف صدقة"، وتَرْك الأذى والشرّ من المعروف، ولا شبهة، والصدقة من أفضل الأعمال، فالكفّ عن الأذى والشر من أفضل الأعمال، فالتروك من الأعمال، وهو المطلوب. انتهى." اهـ

[7] قال القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 44) :

وَالْحَاصِلُ : أَنَّ عَزْمَ الْكُفْرِ كُفْرٌ، وَخَطْرَةَ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ مَعْفُوٌّ عَنْهَا، وَعَزْمَ الذَّنْبِ إِذَا نَدِمَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بَلْ يُثَابُ، فَأَمَّا إِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مُنِعَ عَنْهُ بِمَانِعٍ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةَ فِعْلِهِ أَيْ: بِالْعَزْمِ عَلَى الزِّنَا لَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ الزِّنَا، وَهَلْ يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ عَزْمِ الزِّنَا؟ قِيلَ: لَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «إِنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» ) . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْخَطْرَةِ دُونَ الْعَزْمِ، وَأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْعَزْمِ ثَابِتَةٌ، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] الْآيَةَ." اهـ

وقال في موضع من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 44)

وَمِنْ جُمْلَةِ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِمُكَفِّرٍ يَدِينُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِذْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُنَا خَبَرُ مُسْلِمٍ فِي «الَّذِي ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا، فَقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) » .

[8] المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري - (5 / 24) :

وأما الرياء فقد قال العراقي في «الفروق»: إنه حرام محصل للإثم ومبطل لثواب العبادة.

الرياء على قسمين: أحدهما: أن يعمل الذي أمره الله ويقصد به وجه الله تعالى وأن تعظمه الناس أو بعضهم.

ثانيهما: أن يعمل الذي أمره الله ولا يريد وجه الله تعالى بالنية بل الناس فقط، ويسمى القسم الأول: رياء الشرك لأنه للخلق وللحق، والثاني: رياء الإخلاص لأنه لا شريك فيه بل هو خالص للخلق، ومقصود المرائي يعمله ثلاثة أشياء: تعظيم الخلق له، وجلب المنافع الدنيوية له، ودفع المضار الدنيوية عنه.

وإنما كان حراماً لأنه شرك وتشريك مع الله في طاعته، وقد صح في صحيح مسلم وغيره: «إن الله تعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته له، أو تركته لشريكي»

[9] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 42)

وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْمُكَمَّلَ عَدَمُ النُّطْقِ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: بِكَرَاهَتِهِ، وَالْحَنْبَلِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ فَلَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مَحَلُّهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ تَرْكُهُ عِنْدَ الْحُفَّاظِ الْمُحَدِّثِينَ بِلَا رَيْبٍ."

والصحيح : أن التلفظ بالنية بدعة تورث الوسوسة، فكيف يعالج بها الوسوسة

[10] انظر : زاد المعاد في هدي خير العباد ـ مشكول وموافق للمطبوع - (1 / 194) لابن قيم الجوزية الدمشقي

[11] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 47)

قِيلَ: إِنَّمَا ذُمَّ لِأَنَّهُ طَلَبَ الدُّنْيَا فِي صُورَةِ الْهِجْرَةِ فَأَظْهَرَ الْعِبَادَةَ لِلْعُقْبَى، وَمَقْصُودُهُ الْحَقِيقِيُّ مَا كَانَ إِلَّا الدُّنْيَا فَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ لِمُشَابَهَتِهِ أَهْلَ النِّفَاقِ، وَلِذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمَّا رَأَى بَهْلَوَانًا يَلْعَبُ عَلَى الْحَبْلِ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ جَمَلَ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا، وَأَصْحَابُنَا يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَتَى اجْتَمَعَ بَاعِثُ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَلَا ثَوَابَ مُطْلَقًا لِلْخَبَرِ، وَفِي الصَّحِيحِ: ( «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» ) . قَالَ الْغَزَالِيُّ: يُعْتَبَرُ الْبَاعِثُ فَإِنْ غَلَبَ بَاعِثُ الْآخِرَةِ أُثِيبَ، أَوْ بَاعِثُ الدُّنْيَا، أَوِ اسْتَوَيَا لَمْ يُثَبْ.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 47)

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ مَنْ حَجَّ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَانَ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْمُتَخَلِّي عَنْهَا أَنَّ الْقَصْدَ الْمُصَاحِبَ لِلْعِبَادَةِ إِنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرِّيَاءِ أَسْقَطَهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَحْمِلُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ لَفْظُهُ، أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ أُثِيبَ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الْآخِرَةَ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] اهـ.

وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَتَعْلِيلٌ مُسْتَحْسَنٌ هَذَا بِلِسَانِ الْعُلَمَاءِ أَرْبَابِ الْعِبَارَةِ،

[12] الملون بالحمرة أخشى أن يكون من مصطلحات الصوفية، فإن علي بن سلطان القاري -غفر الله له ولنا- تأثر بالصوفية

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين