الحديث الرابع من رياض الصالحين

 

[4] وعن أبي عبدِ اللهِ جابر بن عبدِ اللهِ الأنصاريِّ[1] رَضي اللهُ عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في غَزَاةٍ، فَقالَ: «إِنَّ بالمدِينَةِ لَرِجَالاً ما سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِياً، إلا كَانُوا مَعَكمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ» . وَفي روَايَة: «إلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ» . رواهُ مسلمٌ.

ورواهُ البخاريُّ :

عن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ:

رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم – فقال :

«إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادياً، إلا وَهُمْ مَعَنَا؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ»

 

ترجمة جابر بن عبد الله الخزرجي السَّلِمي -رضي الله عنه-

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن غنم ابن كعب بن سَلِمَةَ بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جُشَم بن الخزرج . الأنصارى ، الخزرجى ، السلمى ، أبو عبد الله  المدنى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ابن صاحبه . اهـ .

 

عن عبد الله بن عمارة بن القداح : عبد الله بن عمرو بن حرام ، شهد العقبة . و كان نقيبا ، و شهد بدرا ، و أستشهد ـ يعنى بأحد، و ابنه جابر بن عبد الله ، شهد العقبة ، و شهد المشاهد كلها، إلا بدرا، و أحدا .

 

و أمه : أنيسة بنت عقبة بن عدى بن سنان بن نابى بن زيد بن حرام بن كعب ابن غنم ، و أم أبيه عبد الله ، هند بنت قيس بن الفدم بن جارية بن عطية .

 

و قال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبى سفيان ، عن جابر : كنت أمتح أصحابى الماء يوم بدر .

 

قال محمد بن سعد : ذكرت لمحمد بن عمر هذا الحديث ، فقال : هذا وهم من أهل

العراق ، و أنكر أن يكون جابر شهد بدرا .

 

عن أبي الزبير :

أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تسع عشرة غزوة ، قال جابر : لم أشهد بدرا ، و لا أحد ، منعنى أبى .

قال : فلما قتل عبد الله يوم أحد ، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة قط .

 

عن عمرو ، قال : سمعت جابرا ، قال : كنا يوم الحديبية ألفا و أربع مئة ، فقال لنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم اليوم خير أهل الأرض .

رواه البخارى ، و مسلم ، و النسائى من حديث سفيان . 


عن زيد بن أسلم : أن جابر بن عبد الله كف بصره .

 

عن هشام بن عروة : رأيت لجابر بن عبد الله حلقة فى المسجد يؤخذ عنه .

 

قال البخارى : و صلى عليه الحجاج .

و قال الهيثم بن عدى ، و أبو موسى محمد بن المثنى ، و خليفة بن خياط ، فى بعض الروايات عنهم : مات سنة ثمان و ستين (68هـ).

 

و قال محمد بن يحيى بن حبان : مات سنة سبع و سبعين .

و كذلك أبو نعيم فى رواية أخرى ، قال : و يقال : مات و هو ابن أربع و تسعين ،

و صلى عليه أبان بن عثمان ،

و كان آخر من مات من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة .

 

و قال أبو عون المدنى ، و خارجة بن الحارث بن رافع بن مكيث الجهنى ، و على بن عبد الله التميمى ، و أبو الحسن المدائنى ، و الواقدى و المفضل بن غسان الغلابى ، و يحيى بن بكير ، و أبو عبيد ، و عمرو بن على ، و خليفة بن خياط ، فى رواية أخرى : مات سنة ثمان و سبعين (78).

زاد أبو عون : و صلى عليه أبان بن عثمان بقباء .

روى له الجماعة . اهـ .


الأعلام للزركلي (2/ 104) :

"روى له البخاري ومسلم وغيرهما 1540 حديثا." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

* حديث جابر _رضي الله عنه_ :

أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1518) (رقم : 1911)، وابن ماجه في سننه (2/ 923) (رقم : 2765)

 

* وحديث أنس _رضي الله عنه :

أخرجه البخاري في صحيحه (رقم : 2839 و 4423)، وأبو داود في سننه (3/ 12) (رقم : 2508)، وابن ماجه في سننه (2/ 923) (رقم : 2764).

 

من فوائد الحديث :

 

·     تطريز رياض الصالحين (ص: 13) لفيصل بن عبد العزيز الحريملي :

"في هذا الحديث : دليل على أن من صحت نيته، وعزم على فعل عمل صالح وتركه لعذر، أن له مثل أجر فاعله." اهـ

 

·     تطريز رياض الصالحين (ص: 736)

"قال العيني : "فيه : أن من حبسه العذر عن أعمال البر مع نيته فيها يكتب له أجر العامل بها." اهـ

 

·     شرح النووي على مسلم (13/ 57) :

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ :

* فَضِيلَةُ النِّيَّةِ فِي الْخَيْرِ،

* وَأَنَّ مَنْ نَوَى الْغَزْوَ وَغَيْرَهَ مِنَ الطَّاعَاتِ فَعَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ،

* وَأَنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ وَتَمَنَّى كَوْنَهُ مَعَ الْغُزَاةِ وَنَحْوِهُمْ كَثُرَ ثَوَابُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

 

·     المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (12/ 52) لأبي العباس القرطبي :

"وقوله : (( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ، ولا قَطَعتُم واديًا إلا كانوا معكم ، حَبَسَهُمُ المرض ))؛

يدل على ما ذكرناه : من أنَّ الناوي لأعمال البرِّ ؛ الصادق النيه فيها ؛ إذا منعه من ذلك عذر كان له مثلُ أجر المباشر مضاعفًا ، كما قدَّمناه . وقد دلَّ عليه من هذا الحديث ذكر قطع الوادي، والمسير ،

فإن هذا إشارة إلى قوله تعالى : { ذلَكَ بأنَّهُمْ لا يُصِيبهُم ظَمَأ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ في سَبيل اللهِ } إلى قوله تعالى : {وَلا يقطَعُونَ وَاديًا إلا كُتِبَ لَهُم ليَجْزَيهُمُ اللهُ أحْسَنَ مَا كَانُوا يعمَلُونَ } ، ولما كان القاعدون لأجل العُذر قد صحَّت نيَتهم في مباشرة كل ما باشره إخوانهم المجاهدون ؛ أعطاهم الله تعالى مثل أجر مَن باشر كما قدَّمناه في حديث أبي كبشة الأنماري ." اهـ

 

·     كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 112_113) لابن الجوزي :

"هَؤُلَاءِ قوم صدقت نياتهم فِي الْخُرُوج إِلَى تِلْكَ الْغُزَاة، فحبسهم الْقدر بِالْمرضِ، فَكَانُوا كَأَنَّهُمْ غزوا،

وعَلى هَذَا جَمِيع أَفعَال الْخَيْر مَتى نَوَاهَا الْإِنْسَان فَمَنعه الْقدر، كتب لَهُ ثَوَاب الْفِعْل.

وَمن جنس هَذَا : { قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105]

وَرُبمَا زَادَت النِّيَّة الصادقة____على الْفِعْل، لِأَن الْفَاعِل قد يُلَاحظ عمله، والممنوع بالعذر لَا يرى إِلَّا عَجزه." اهـ

 

قال الله تعالى :

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)} [الصافات: 103 - 111]

 

·     دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 65) لابن علان الصديقي :

"قال العاقولي في «شرح المصابيح» : "هذا دليل على أنهم شركاء في الأجر وعلى التساوي أيضاً، لأنه إذا قال الرجل لصاحبه هذا لي ولك حمل على المساواة، ولذلك تجعل الدار بينهما نصفين إلا أنه يستدل بقوله تعالى :

{لا يستوي القاعدون} (النساء: 95) الآيةَ على ترجيح جانب الغازي على جانب القاعد،

فيحمل ذلك على القاعد من غير عذر، والتساوي المفهوم من الحديث على القاعد بعذر فلا معارضة بين الآية والحديث." اهـ

 

·     شرح رياض الصالحين (1/ 36_37) للعثيمين :

"فالمتمني للخير، الحريص عليه؛ إن كان من عادته أنه كان يعلمه، ولكنه حبسه عنه حابس، كتب له أجره كاملاً.

فمثلاً : إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص.

وكذلك إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعاً، ولكنه منعه منه مانع، ولم يتمكن منه؛ فإنه يكتب له أجره كاملاً، وكذلك إن كان من عادته أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم عجز عن ذلك، ومنعه مانع، فإنه يكتب له الأجر كاملاً.

وغيره من الأمثلة الكثيرة.____

أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله؛ فإنه يكتب له أجر النية فقط، دون أجر العمل.

ودليل ذلك : أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله سبقنا أهل الدثور بالدرجات العلي، والنعيم المقيم _ يعني: أن أهل الأموال سبقوهم بالصدقة والعتق- فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ((أفلا أخبركم بشي إذا فعلتموه أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد إلا من عمل مثل ما عملتم!! فقال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) ففعلوا، فعلم الأغنياء بذلك؛ ففعلوا مثلما فعلوا، فجاء الفقراء إلي الرسول صلي الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا؛ ففعلوا مثله، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) والله ذو الفضل العظيم. ولم يقل لهم: إنكم أدركتم أجر عملهم، ولكن لا شك أن لهم أجر نية العمل." اهـ

 

·     الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (20/ 260) للأُرَمِي :

"قال الأُبِّيُّ : "المعية والشركة بدلان على أن له مطلق أجر لا على المساواة وانظر العكس لو خرج محاربون وتخلف بعضهم لمانع وتأسف على عدم الخروج هل يأثم بنيته وما طاب قلبه أو يقال البابان مختلفان لأنه ثبت التضعيف في الحسنات دون السيئات ويشهد لعدم المؤاخذة حديث إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها." اهـ

 

·     مجموع الفتاوى (2/ 395) لابن تيمية :

"وَالْبَاطِنَةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنْ الظَّاهِرَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: " قُوَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ وَضَعْفُهُ فِي جِسْمِهِ وَقُوَّةُ الْمُنَافِقِ فِي جِسْمِهِ وَضَعْفُهُ فِي قَلْبِهِ " وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ}

{وَقَالَ: إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ}

وَقَالَ : {فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ} فِي حَدِيثِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْعَاجِزِ عَنْهُ الَّذِي قَالَ : {لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانِ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا عَمِلَ}

فَإِنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ الْقَلْبِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعْذُورَ الْجِسْمِ اسْتَوَيَا فِي الْجَزَاءِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ} ." اهـ

 

·     مجموع الفتاوى (7/ 340) لابن تيمية :

"الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ قَدْ يُعْطَى الْإِنْسَانُ مِثْلَ أَجْرِ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا وَيُرِيدُهَا جُهْدَهُ وَلَكِنَّ بَدَنَهُ عَاجِزٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ}." اهـ

 

·     مجموع الفتاوى (10/ 192) لابن تيمية :

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُبَّ يُحَرِّكُ إرَادَةَ الْقَلْبِ فَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْمَحَبَّةُ فِي الْقَلْبِ طَلَبَ الْقَلْبُ فِعْلَ الْمَحْبُوبَاتِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ تَامَّةً اسْتَلْزَمَتْ إرَادَةً جَازِمَةً فِي حُصُولِ الْمَحْبُوبَاتِ. فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَيْهَا حَصَّلَهَا. وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا فَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْفَاعِلِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا} . وَقَالَ {إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ}

 

·     مجموع الفتاوى (22/ 243_245) لابن تيمية :

وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نِيَّةُ الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ} .

فَأَجَابَ:

"هَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُ مَرْفُوعًا وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ :

(أَحَدُهَا) : أَنَّ النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ مِنْ الْعَمَلِ يُثَابُ عَلَيْهَا وَالْعَمَلَ الْمُجَرَّدَ عَنْ النِّيَّةِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِغَيْرِ إخْلَاصٍ لِلَّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ} .

(الثَّانِي) : أَنَّ مَنْ نَوَى الْخَيْرَ وَعَمِلَ مِنْهُ مَقْدُورَهُ وَعَجَزَ عَنْ إكْمَالِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ عَامِلٍ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ} .

وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي كَبْشَةَ الأنماري عَنْ النَّبِيِّ____صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا. فَقَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانِ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فُلَانٌ. قَالَ: فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَقَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانِ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فُلَانٌ قَالَ: فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ} وَشَوَاهِدُ هَذَا كَثِيرَةٌ.

الثَّالِثُ أَنَّ الْقَلْبَ مَلِكُ الْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءَ جُنُودُهُ فَإِذَا طَابَ الْمَلِكُ طَابَتْ جُنُودُهُ وَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ وَالنِّيَّةُ عَمَلُ الْمَلِكِ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا عَمَلُ الْجُنُودِ. الرَّابِعُ أَنَّ تَوْبَةَ الْعَاجِزِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ تَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.____

كَتَوْبَةِ الْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَا وَكَتَوْبَةِ الْمَقْطُوعِ اللِّسَانِ عَنْ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ. وَأَصْلُ التَّوْبَةِ عَزْمُ الْقَلْبِ وَهَذَا حَاصِلٌ مَعَ الْعَجْزِ. الْخَامِسُ أَنَّ النِّيَّةَ لَا يَدْخُلُهَا فَسَادٌ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَصْلُهَا حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِرَادَةُ وَجْهِهِ وَهَذَا هُوَ بِنَفْسِهِ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَرْضِيٌّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ تَدْخُلُهَا آفَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً؛ وَلِهَذَا كَانَتْ أَعْمَالُ الْقَلْبِ الْمُجَرَّدَةِ أَفْضَلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ الْمُجَرَّدَةِ. كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: قُوَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ وَضَعْفُهُ فِي جِسْمِهِ وَقُوَّةُ الْمُنَافِقِ فِي جِسْمِهِ وَضَعْفُهُ فِي قَلْبِهِ وَتَفْصِيلُ هَذَا يَطُولُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

·     قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح (ص: 19) لابن تيمية :

ويكون الجهاد بـ: اليد والقلب واللسان.

 كما قال صلى الله عليه وسلم :

"جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم" [د]

وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر." اهـ

 



[1] ترجمة جابر بن عبد الله الأنصاري _رضي الله عنهما_ :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 189) :

جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ السَّلِمِيُّ * (ع) : ابْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ حَرَامِ بنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلِمَةَ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّلِمِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً.

رَوَى : عِلْماً كَثِيْراً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ." اهـ

وفي تاريخ الإسلام، ت. بشار (2/ 801) : "قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَاشَ أَرْبَعًا وتسعين سنة." اهـ

وفي الأعلام للزركلي (2/ 104)

جابِر بن عبد الله (16 ق هـ - 78 هـ = 607 - 697 م)

جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السملي: صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة. له ولأبيه صحبة. غزا تسع عشرة غزوة. وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم. روى له البخاري ومسلم___وغيرهما 1540 حديثا." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين