الحديث السادس من رياض الصالحين

 

[6] وعن أبي إسحاقَ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ مالِكِ بنِ أُهَيْب بنِ عبدِ منافِ ابنِ زُهرَةَ بنِ كلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤيٍّ القُرشِيِّ الزُّهريِّ[1] - رضي الله عنه - أَحَدِ

العَشَرَةِ المشهودِ لهم بالجنةِ - رضي الله عنهم - قَالَ: جاءنِي رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بي، فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنِّي قَدْ بَلَغَ بي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مالٍ وَلا يَرِثُني إلا ابْنَةٌ لي، أفأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لا» ، قُلْتُ: فالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فقَالَ: «لا» ، قُلْتُ: فالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ : «الثُّلُثُ،____والثُّلُثُ كَثيرٌ[2] - أَوْ كبيرٌ -، إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ[3] أغنِيَاءَ خيرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً[4] يتكفَّفُونَ النَّاسَ[5]، وَإنَّكَ لَنْ تُنفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بِهَا وَجهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِيِّ امْرَأَتِكَ» ،

قَالَ: فَقُلتُ: يَا رسولَ اللهِ، أُخلَّفُ بعدَ أصْحَابي؟

قَالَ : «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعملَ عَمَلاً تَبتَغي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلا ازْدَدتَ بِهِ دَرَجةً ورِفعَةً، وَلَعلَّكَ أنْ تُخَلَّفَ حَتّى يَنتَفِعَ بِكَ أقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخرونَ[6]. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحَابي هِجْرَتَهُمْ ولا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعقَابهمْ، لكنِ البَائِسُ سَعدُ بْنُ خَوْلَةَ[7]» . يَرْثي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ ماتَ بمَكَّة. مُتَّفَقٌ عليهِ.

 

شرح الحديث :

 

وفي رواية البخاري في صحيحه (7/ 118) (رقم : 5659):

قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ»

فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِي - فِيمَا يُخَالُ إِلَيَّ - حَتَّى السَّاعَةِ



 

ترجمة صحابي الحديث :

 

سعد بن أبى وقاص : مالك بن وهيب و يقال : ابن أهيب ، بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب القرشى ، أبو إسحاق الزهرى، صحابى جليل، ، فارس الإسلام و أحد العشرة. (المتوفى سنة 55 هـ بـ العقيق)

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/ 92_93)

وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ: مَالِكُ بنُ أُهَيْبِ بن عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ. ___الأَمِيْر، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَكِّيُّ.

أَحَدُ العَشَرَةِ، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَأَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْراً، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى.

 

الأعلام للزركلي (3/ 87)

سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، أبو إسحاق: الصح أبي الأمير، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم عمر للخلافة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ويقال. له فارس الإسلام. أسلم (وهو ابن 17 سنة)، وشهد بدار، وافتتح القادسية، ونزل أرض الكوفة فجعلها خططا لقبائل العرب، وابتنى بها دارا فكثرت الدور فيها. وظل واليا عليها مدة عمر بن الخطاب. وأقره عثمان زمنا، ثم عزله. فعاد إلى المدينة، فأقام قليلا وفقد بصره. وقالوا في وصفه: (كان قصيرا دحداحا، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر) مات في قصره بالعقيق (على عشرة أميال من المدينة) وحمل إليها. له في كتب الحديث 271 حديثا. ولعبد الحميد السحار كتاب (سعد بن أبي وقاص - ط)

 

تلقيح فهوم أهل الأثر (ص: 84)

"ذكر أَوْلَاده :

* كَانَ لَهُ من الْوَلَد : إِسْحَاق الْأَكْبَر (وَبِه يكنى)، وَأم الحكم الْكُبْرَى (أمهما ابْنة شهَاب بن عبد الله)،

* وَعمر (قَتله الْمُخْتَار) وَمُحَمّد (قتل يَوْم دير الجماجم، قَتله الْحجَّاج)، وَحَفْصَة، وَأم الْقَاسِم، وَأم كُلْثُوم (أمّهم : ماوية بنت قيس معدى كرب)،

* وعامر، وَإِسْحَاق الْأَصْغَر، وَإِسْمَاعِيل، وَأم عمرَان (أمّهم : أم عَامر بنت عَمْرو)،

* وَإِبْرَاهِيم، ومُوسَى، وَأم الحكم الصُّغْرَى، وَأم عَمْرو هِنْد، وَأم الزبير، وَأم مُوسَى (أمّهم : زبد)،

* وَعبد الله (أمه : سلمى)،

* وَمصْعَب (أمه : خَوْلَة بنت عَمْرو)،

* وَعبد الله الْأَصْغَر، وبجير _واسْمه : عبد الرَّحْمَن_، وحميدة (أمّهم : أم هِلَال بنت ربيع بن مري)،

* وَعُمَيْر الْأَكْبَر، وَحمْنَة (أمهما : أم حَكِيم بنت قارظ)،

* وَعُمَيْر الْأَصْغَر، وَعَمْرو، وَعمْرَان، وَأم عَمْرو، وَأم أَيُّوب، وَأم إِسْحَاق (أمّهم سلمى بن خصفة)،

* وَصَالح (أمه : ظَبْيَة بنت عَامر)،

* وَعُثْمَان، ورملة (أمهما : أم حُجَيْر)،

* وَعمرَة، وَهِي العمياء (أمهَا : من سبي الْعَرَب)،

* وَعَائِشَة." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 81) (رقم : 1295)، ومسلم في صحيحه (3/ 1250) (رقم : 1628)، وأبو داود في سننه (3/ 112) (رقم : 2864)، والترمذي في سننه (رقم : 975 و 2116)، وابن ماجه في سننه (2/ 903) (رقم : 2708)

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 368)

* وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ : مَشْرُوعِيَّةُ زِيَارَةِ الْمَرِيضِ لِلْإِمَامِ فَمَنْ دُونَهُ وَتَتَأَكَّدُ بِاشْتِدَادِ الْمَرَضِ

* وَفِيهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى جَبْهَةِ الْمَرِيضِ وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَمَسْحُ الْعُضْوِ الَّذِي يُؤْلِمُهُ وَالْفَسْحُ لَهُ فِي طُولِ الْعُمْرِ،

* وَجَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرِيضِ بِشِدَّةِ مَرَضِهِ وَقُوَّةِ أَلَمِهِ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُمْنَعُ أَوْ يُكْرَهُ مِنَ التَّبَرُّمِ وَعَدَمِ الرِّضَا بَلْ حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ لِطَلَبِ دُعَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الِاتِّصَافَ بِالصَّبْرِ الْمَحْمُودِ.

* وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْمَرَضِ كَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ أَجْوَزُ

* وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ قَامَ غَيْرُهُ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ مَقَامَهُ وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا خَافَ أَنْ يَمُوتَ بِالدَّارِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا فَيَفُوتُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَجْرِ هِجْرَتِهِ فَأَخْبَرَهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّفَ عَنْ دَارِ هِجْرَتِهِ فَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا مِنْ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ بِهِ أَجْرٌ يُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى.

* وَفِيهِ إِبَاحَةُ جَمْعِ الْمَالِ بِشَرْطِهِ، لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي قَوْلِهِ ((وَأَنَا ذُو مَالٍ)) لِلْكَثْرَةِ،

وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ صَرِيحًا : ((وَأَنَا ذُو مَالٍ كَثِيرٍ))

* وَالْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ،

* وَأَنَّ صِلَةَ الْأَقْرَبِ أَفْضَلُ مِنْ صِلَةِ الْأَبْعَدِ وَالْإِنْفَاقُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ إِذَا قُصِدَ بِهِ وَجه الله صَار طَاعَة وقد نبَّه عَلَى ذَلِكَ بِأَقَلِّ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْعَادِيَّةِ وَهُوَ وَضْعُ اللُّقْمَةِ فِي فَمِ الزَّوْجَةِ إِذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ غَالِبًا إِلَّا عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُمَازَحَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُؤْجَرُ فَاعِلُهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ قَصْدًا صَحِيحًا، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ

* وَفِيهِ مَنْعُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا لَأَمَرَ بِنَقْلِ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.

* وَبِأَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، لِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : ((أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ))،

فَمَفْهُومُهُ : أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا يُبَالِي بِالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ وَرَثَةً يَخْشَى عَلَيْهِمُ الْفَقْرَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيلًا مَحْضًا وَإِنَّمَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَحَظِّ الْأَنْفَعِ،

وَلَوْ كَانَ تَعْلِيلًا مَحْضًا لَاقْتَضَى جَوَازَ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ وَلَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِجَازَتِهِمْ، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ،

وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مَحْضًا، فَهُوَ لِلنَّقْصِ عَنِ الثُّلُثِ لَا لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا شُرِعَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْمُوصِي،

إِلَّا أَنَّ الِانْحِطَاطَ عَنْهُ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ يَتْرُكُ وَرَثَةً غَيْرَ أَغْنِيَاءَ فَنَبَّهَ سَعْدًا عَلَى ذَلِكَ.

* وَفِيهِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ، لِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : ((وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ )) لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ بِالْمَرَضِ أَحَدٌ لأجل حب الوطن، قَالَه بن عَبْدِ الْبَرِّ.

* وَفِيهِ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بهَا أَو دين فَأَطْلَقَ وَقَيَّدَتِ السُّنَّةُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ،

* وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ مُخْتَارًا

* وَفِيهِ التَّأَسُّفُ عَلَى فَوْتِ مَا يُحَصِّلُ الثَّوَابَ،

* وَفِيهِ حَدِيثُ مَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَةٌ وَأَنَّ مَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ بَادَرَ إِلَى جَبْرِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

* وَفِيهِ تَسْلِيَةُ مَنْ فَاتَهُ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ بِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ لِمَا أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بَعْدَ ذَلِكَ،

* وَفِيهِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِمَنْ عُرِفَ بِالصَّبْرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ،

* وَفِيهِ الِاسْتِفْسَارُ عَنِ الْمُحْتَمَلِ إِذَا احْتَمَلَ وُجُوهًا لِأَنَّ سَعْدًا لَمَّا مُنِعَ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، احْتَمَلَ عِنْدَهُ الْمَنْعَ فِيمَا دُونَهُ وَالْجَوَازَ، فَاسْتَفْسَرَ عَمَّا دُونَ ذَلِكَ.

* وَفِيهِ النَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْوَرَثَةِ وَأَنَّ خِطَابَ الشَّارِعِ لِلْوَاحِدِ يَعُمُّ مَنْ كَانَ بِصِفَتِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ لِإِطْبَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ إِنَّمَا وَقَعَ لَهُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَلَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ____بِسَعْدٍ وَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِمَّنْ يَخْلُفُ وَارِثًا ضَعِيفًا أَوْ كَانَ مَا يَخْلُفُهُ قَلِيلًا،

لِأَنَّ الْبِنْتَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُطْمَعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ مَالٍ لَمْ يُرْغَبْ فِيهَا.

* وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ مَالًا قَلِيلًا فَالِاخْتِيَارُ لَهُ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ وَإِبْقَاءُ الْمَالِ لِلْوَرَثَةِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ الْقَلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَصَايَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ التَّيْمِيُّ لِفَضْلِ الْغَنِيِّ عَلَى الْفَقِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ،

* وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْعَدْلِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَمُرَاعَاةُ الْعَدْلِ فِي الْوَصِيَّةِ،

* وَفِيهِ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ وَقَدِ اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ، وَيَحْتَاجُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِلَى ثُبُوتِ طَلَبِ الْكَثْرَةِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ

* وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ ((وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي)) مَنْ قَالَ بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ لِلْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَقُولُ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَهَا فَرْضَهَا ثُمَّ يَرُدُّونَ عَلَيْهَا الْبَاقِيَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَرِثُ الْجَمِيعَ ابْتِدَاءً." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 91_92) للعيني :

* وَفِيه: اسْتِحْبَاب عِيَادَة الْمَرِيض للْإِمَام وَغَيره.

* إِبَاحَة جمع المَال وَأَنه لَا عيب فِي ذَلِك كَمَا يَدعِيهِ بعض المتصوفة. وَفِيه: الْحَث على صلَة الرَّحِم وَالْإِحْسَان إِلَى الْأَقَارِب واستحباب الْإِنْفَاق فِي وُجُوه الْخَيْر،

* وَأَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَأَن الْمُبَاح إِذا قصد بِهِ وَجه الله صَار طَاعَة، ويثاب بِهِ، وَقد نبه عَلَيْهِ بِأَحْسَن الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة الَّتِي تكون فِي الْعَادة عِنْد المداعبة، وَهُوَ وضع اللُّقْمَة فِي فَم الزَّوْجَة، فَإِذا قصد بأبعد الْأَشْيَاء عَن الطَّاعَة وَجه الله تَعَالَى فَيحصل بِهِ الْأجر، فَغَيره بِالطَّرِيقِ الأولى.

فَإِن قلت : مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص ذكر الزَّوْجَة دون غَيرهَا؟ قلت: لِأَن زَوْجَة الْإِنْسَان من أخص حظوظه الدُّنْيَوِيَّة وشهواته.

* وَفِيه : من أَعْلَام نبوته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أطلعه الله تَعَالَى: أَن سَعْدا لَا يَمُوت حَتَّى يخلف جمَاعَة، كَمَا أطلعه أَنه لَا يَمُوت حَتَّى ينْتَفع بِهِ قوم ويتضرر بِهِ آخَرُونَ، على مَا ذَكرْنَاهُ، حَتَّى إِنَّه عَاشَ وَفتح الْعرَاق__وَغَيره.[8]

* وَفِيه : أَن الْإِنْفَاق إِنَّمَا يحصل فِيهِ الْأجر إِذا أُرِيد بِهِ وَجه الله، وَالنَّفقَة على الْعِيَال تحْتَمل وَجْهَيْن. الأول: أَن يكون الْمَعْنى يكْتب لَهُ بذلك أجر الصَّدَقَة. الثَّانِي: أَنه لما أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِمَالِه أخبرهُ أَن مَا يَنَالهُ الْعِيَال فِيهِ أجر كَمَا فِي الصَّدَقَة.

قَالَ الْقُرْطُبِيّ : "يُفِيد منطوقه أَن الْأجر فِي النَّفَقَات لَا يحصل إلاَّ بِقصد الْقرْبَة، وَإِن كَانَت وَاجِبَة، وَمَفْهُومه أَن من لم يقْصد الْقرْبَة لم يُؤجر على شَيْء مِنْهَا، والمعنيان صَحِيحَانِ، وَهل إِذا أنْفق نَفَقَة وَاجِبَة على الزَّوْجَة أَو الْوَلَد الْفَقِير، وَلم يقْصد التَّقَرُّب هَل تَبرأ ذمَّته أم لَا؟

فَالْجَوَاب : أَنَّهَا تَبرأ ذمَّته من الْمُطَالبَة، لِأَن وجوب النَّفَقَة من الْعِبَادَات المعقولة الْمَعْنى، فتجزىء بِغَيْر نِيَّة: كالديون وَأَدَاء الْأَمَانَات وَغَيرهَا من الْعِبَادَات، لَكِن إِذا لم ينْو لم يحصل لَهُ أجر.

وَفِيه : فَضِيلَة طول الْعُمر، للازدياد من الْخَيْر.

* وَفِيه : وجوب اسْتِدَامَة حكم الْهِجْرَة، وَلكنه ارْتَفع يَوْم الْفَتْح، واستبعد القَاضِي عِيَاض ارْتِفَاع حكم الْهِجْرَة بعد الْفَتْح، قَالَ: وَحكمه بَاقٍ بعد الْفَتْح لهَذَا الحَدِيث. وَقيل: إِنَّمَا لزم الْمُهَاجِرين الْمقَام بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة لنصرة النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ وَأخذ الشَّرِيعَة عَنهُ وَشبه ذَلِك، فَلَمَّا مَاتَ ارتحل أَكْثَرهم مِنْهَا.

وَقَالَ عِيَاض: قيل لَا يحبط أجر هِجْرَة المُهَاجر بَقَاؤُهُ بِمَكَّة وَمَوته بهَا إِذا كَانَ لضَرُورَة، وَإِنَّمَا يحبطه مَا كَانَ بِالِاخْتِيَارِ،

وَقَالَ قوم: المُهَاجر بِمَكَّة تحبط هجرته كَيفَ مَا كَانَ، وَقيل: لم تفرض الْهِجْرَة إلاَّ على أهل مَكَّة خَاصَّة.

* وَفِيه : أَن طلب الْغَنِيّ للْوَرَثَة أرجح على تَركهم عَالَة، وَمن هُنَا أَخذ تَرْجِيح الْغَنِيّ على الْفَقِير.

* وَفِيه : جَوَاز تَخْصِيص عُمُوم الْوَصِيَّة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن بِالسِّنِّ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَالله أعلم." اهـ

 

·     تطريز رياض الصالحين (ص: 14) لفيصل بن عبد العزيز الحريملي :

"في هذا الحديث : مشروعية عيادة المريض.

وفيه: الإنفاق على من تلزمه مؤنتهم، والحث على الإخلاص في ذلك.

وفيه: أن من ترك مالاً قليلاً، فالاختيار له: ترك الوصية، وإبقاء المال للورثة، ومن ترك مالاً كثيرًا، جاز له الوصية بالثلث فما دون. والله أعلم." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 367) :

"وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ : أَنَّ أَجْرَ الْوَاجِبِ يَزْدَادُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَاجِبٌ وَفِي فِعْلِهِ الْأَجْرَ فَإِذَا نَوَى بِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ازْدَادَ أَجْرُهُ بذلك قَالَه بن أَبِي جَمْرَةَ قَالَ وَنَبَّهَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 367) :

"قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ :

فِيهِ : أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْإِنْفَاقِ مَشْرُوطٌ بِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ وَهَذَا عُسْرٌ إِذَا عَارَضَهُ مُقْتَضَى الشَّهْوَةِ،

فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى يَبْتَغِيَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَسَبَقَ تَخْلِيصُ هَذَا الْمَقْصُودِ مِمَّا يَشُوبُهُ."

قَالَ : "وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُدِّيَتْ عَلَى قَصْدِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أُثِيبَ عَلَيْهَا،

فَإِنَّ قَوْلَهُ (حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ) لَا تَخْصِيصَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلَفْظَةُ (حَتَّى) هُنَا تَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى كَمَا يُقَالُ جَاءَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 381_385) :

"في فوائده[9] :

1 - (منها): بيان مشروعيّة الوصيّة بالثلث،

قال في "الفتح" : واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث، لكن اختُلِف فيمن كان له وارث، وسيأتي تحقيقه في المسألة السادسة، وفيمن لم يكن له وارث خاصّ فمنعه الجمهور، وجوّزه الحنفية، وإسحاق، وشريك، وأحمد في رواية، وهو قول عليّ، وابن مسعود، واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية، فقيّدتها السُّنَّة بمن له وارث، فيبقى من لا وارث له على الإطلاق.

قال: واختلفوا أيضًا: هل يُعتبر ثلث المال حال الوصية، أو حال الموت؟ على قولين، وهما وجهان للشافعية، أصحهما الثاني،

فقال بالأول : مالك، وأكثر العراقيين، وهو قول النخعيّ، وعمر بن عبد العزيز،

وقال بالثاني : ____أبو حنيفة، وأحمد، والباقون، وهو قول عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وجماعة من التابعين.

وتمسك الأولون بأن الوصية عَقْدٌ، والعقود تُعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتُبِر ذلك حالة النذر اتفاقًا.

وأجيب بأن الوصية ليست عقدًا من كل جهة، ولذلك لا تُعتبر فيها الفورية، ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها، والنذر يلزم.

وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حَدَثَ له مال بعد الوصية.

قال: واختلفوا أيضًا هل يُحسَب الثلث من جميع المال، أو تُنَفَّذ بما علمه الموصي دون ما خَفِي عليه، أو تجدَّد له، ولم يعلم به؟ وبالأول قال الجمهور، وبالثاني قال مالك.

وحجة الجمهور أنه لا يُشترط أن يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقًا، ولو كان عالِمًا بجنسه، فلو كان العلم به شرطًا لَمَا جاز ذلك.

[فائدة]: أول من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بن معرور _بمهملات_ أوصى به للنبىّ -صلى الله عليه وسلم-، وكان قد مات قبل أن يدخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة بشهر، فقبِله النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وردّه على ورثته، أخرجه الحاكم، وابن المنذر، من طريق يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن جدّه. انتهى ما في "الفتح".

2 - (ومنها): مشروعيّة عيادة المريض للإمام، فمَن دونه، وتتأكّد باشتداد المرض.

3 - (ومنها): أن فيه وضع اليد على جبهة المريض، ومسْح وجهه، ومسح العضو الذي يؤلمه، والفسح له في طول العمر؛ لِمَا تقدّم في رواية عائشة بنت سعد عند البخاريّ: "ثم وضع يده على جبهتي، ثم مسح وجهي، وبطني، ثم قال: اللَّهم اشف سعدًا، وأتمم له هجرته".

4 - (ومنها) : جواز إخبار المريض بشدّة مرضه، وقوّة ألمه، إذا لم يقترن بذلك شيء مما يُمنَع، أو يُكرَه، من التبرّم، وعدم الرضا، بل حيث يكون ذلك____لطلب دعاء، أو دواء، وربّما استُحِبّ، وأن ذلك لا ينافي الاتصاف بالصبر المحمود، وإذا جاز ذلك في أثناء المرض، كان الإخبار به بعد البرء أجوز.

5 - (ومنها) : أن أعمال البرّ والطاعة، إذا كان منها ما لا يمكن استدراكه، قام غيره في الثواب والأجر مقامه، وربّما زاد عليه،

وذلك أن سعدًا -رضي الله عنه- خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها، فيفوت عليه بعض أجر هجرته، فأخبره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأنه إن تخلّف عن دار هجرته، فعمل عملًا صالحًا، من حجّ، أو جهاد، أو غير ذلك، كان له به أجر بِعِوَض ما فاته من الجهة الأخرى.

6 - (ومنها): إباحة جمع المال بشرطه؛ لأن التنوين في قوله: "وأنا ذو مال" للكثرة، وقد وقع في بعض طرقه صريحًا: "وأنا ذو مال كثير".

7 - (ومنها): الحثّ على صلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب، وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الأبعد، والإنفاقِ في وجوه الخير.

8 - (ومنها): أن المباح إذا قُصد به وجه الله تعالى صار طاعةً، وقد نبّه على ذلك بأقلّ الحظوظ الدنيويّة العاديّة، وهو وضع اللقمة في فِي الزوجة؛ إذ لا يكون ذلك غالبًا إلا عند الملاعبة، والممازحة، ومع ذلك فيؤجر فاعله، إذا قَصَد به قصدًا صحيحًا، فكيف بما فوق ذلك.

9 - (ومنها): أن فيه منعَ نقل الميت من بلد إلى بلد؛ إذ لو كان ذلك مشروعًا لأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بنقل سعد ابن خَوْلة -رضي الله عنه-، قاله الخطابيّ.

قال الجامع عفا الله عنه : تقدّم عن القاضي عياض رحمه الله أنه قال : وقد رُوي في هذا الحديث : أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل : "إن توفّي بمكة، فلا تدفنه فيها"، فإن صحّ هذا فإنه يردّ قول الخطابيّ المذكور، لكن لم يذكر عياض سند الحديث، حتى يُنظر فيه، والله أعلم.[10]

10 - (ومنها): أن من لا وارث له تجوز له الوصيّة بما زاد على الثلث؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنْ تَدَع ورثتك أغنياء"، فمهومه أن من لا وارث له لا يبالي بالوصيّة بما زاد؛ لأنه لا يترك ورثته يُخشى عليهم الفقر.

وتُعُقّب بأنه ليس تعليلًا محضًا، وإنما فيه تنبيه على الأحظّ الأنفع، ولو كان تعليلًا محضًا لاقتضى جواز الوصيّة بأكثر من الثلث لمن كانت ورثته____أغنياء، ولنَفَذ ذلك عليهم بغير إجازتهم، ولا قائل بذلك،

وعلى تقدير أن يكون تعليلًا محضًا، فهو للنقص عن الثلث، لا للزيادة عليه، فكأنه لما شُرع الإيصاء بالثلث، وأنه لا يُعترض به على الموصي إلا أن الانحطاط عنه أولى، ولا سيّما لمن ترك ورثة غير أغنياء، فنبّه سعدًا على ذلك.

11 - (ومنها): أن فيه سدّ الذريعة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم"، لئلّا يتذرّع بالمرض أحدٌ لأجل حبّ الوطن، قاله ابن المنيّر.

12 - (ومنها): أن فيه تقييد مطلق القرآن بالسُّنَّة؛ لأنه قال سبحانه وتعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، فأَطْلَق، وقيّدت السُّنَّة الوصيّة بالثلث.

13 - (ومنها): أن من ترك شيئًا لله لا ينبغي له الرجوع فيه، ولا في شيء منه مختارًا.

14 - (ومنها): التأسّف على فوت ما يُحَصِّل الثواب، وأن من فاته ذلك بادر إلى جبره بغير ذلك.

15 - (ومنها): تسلية من فاته أمرٌ من الأمور لتحصيل ما هو أعلى منه؛ لِمَا أشار -صلى الله عليه وسلم- لسعد من عمله الصالح بعد ذلك.

16 - (ومنها): الاستفسار عن الْمُحْتَمِل إذا احْتَمَل وجوهًا؛ لأن سعدًا لما مُنع من الوصيّة بجميع المال احتَمَل عنده المنع فيما دونه، والجواز، فاستفسر عما دون ذلك.

17 - (ومنها): النظر في مصالح الورثة، وأن خطاب الشرع للواحد يعمّ من كان بصفته من المكلّفين؛ لإطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا، وإن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الإفراد، ولقد أبعد من قال: إن ذلك يختصّ بسعد، ومن كان في مثل حاله ممن يُخَفف وارثًا ضعيفًا، أو كان ما يخلُفه قليلًا؛ لأن البنت من شأنها أن يطمع فيها إذا كان لها مال، وإن كانت بغير مال لم يرغب فيها.

18 - (ومنها): أن من ترك مالًا قليلًا، فالاختيار له ترك الوصيّة، وإبقاء المال للورثة، وقد اختلف السلف في ذلك القليل، وقد تقدّم البحث فيه، مستوفًى.____

19 - (ومنها): أن بعضهم استدلّ به لفضل الغنيّ على الفقير، وفيه نظر، قاله في "الفتح".

20 - (ومنها): أن فيه مراعاةَ العدل بين الورثة، ومراعاةَ العدل في الوصيّة.

21 - (ومنها): أن الثلث في حدّ الكثرة، وقد اعتبره بعض الفقهاء في غير الوصيّة، ويحتاج الاحتجاج به إلى ثبوت طلب الكثرة في الحكم المعيّن، قاله في "الفتح".

22 - (ومنها): أنه استَدَلَّ بقوله: "ولا يرثني إلا ابنة" من قال بالردّ على ذوي الأرحام؛ للحصر في قوله: "ولا يرثني إلا ابنة".

وتُعُقّب بان المراد: من ذوي الفروض، كما تقدّم، ومن قال بالردّ لا يقول بظاهره؛ لأنهم يعطونها فَرْضَها، ثم يردّون عليها الباقي، وظاهر الحديث أنها ترث الجميع ابتداء، قاله في "الفتح"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب." اهـ



[1] ترجمة سعد بن أبي وقاص الزهري _رضي الله عنه_ :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/ 92_93) : "سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) : وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ: مَالِكُ بنُ أُهَيْبِ بن عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لأي : الأَمِيْر، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَكِّيُّ.

أَحَدُ العَشَرَةِ، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَأَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْراً، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى.

رَوَى جُمْلَةً صَالِحَةً مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً."

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 490 و 495) للذهبي : "سعد بن أَبِي وقاص، مالك بن أهيب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ بن مُرّة، أَبُو إِسْحَاق الزهري. [الوفاة: 51 - 60 ه]

أحد العشرة المشهود له بالجنة، وأحد السابقين الأولين، كَانَ يُقَالُ لَهُ: فارس الإسلام، وَهُوَ أول من رمي بسهم في سبيل اللَّه.

وَكَانَ مقدم الجيوش في فَتَحَ الْعِرَاق، مُجاب الدعوة، كثير المناقب، هاجر إِلَى المدينة قبل مَقْدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدرًا.___

وَعَن عائشة بِنْت سعد، أن أباها أرسل إِلَى مروان بزكاة عين ماله، خمسة آلاف، وخلف يَوْم مات مائتين وخمسين ألف درهم.

قَالَ الزبير بن بكار: كَانَ سعد قَدِ اعتزل في الآخر في قصرٍ بناه بطرف حمراء الأسد.

قَالَ الواقدي، والمدائني، وجماعة كثيرة: تُوُفِّيَ سَنَة خمس وخمسين. وَقَالَ قعنب بن المحرّر: سَنَة ثمان وخمسين، وقيل: سَنَة سبع، وليس بشيء. وَقَالَ ابن سعد: تُوُفِّيَ في قصره بالعقيق، عَلَى سبعة أميال من المدينة، وحُمل إِلَى المدينة، وصلى عَلَيْهِ مروان، وله أربع وسبعون سَنَة." اهـ

وفي الأعلام للزِّرِكْلِيِّ (3/ 87) : "سعد بن أبي وَقَّاص (23 ق هـ - 55 هـ = 600 - 675 م) :

سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، أبو إسحاق: الصح أبي الأمير، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم عمر للخلافة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ويقال. له فارس الإسلام. أسلم وهو ابن 17 سنة، وشهد بدار، وافتتح القادسية، ونزل أرض الكوفة فجعلها خططا لقبائل العرب، وابتنى بها دارا فكثرت الدور فيها. وظل واليا عليها مدة عمر بن الخطاب. وأقره عثمان زمنا، ثم عزله. فعاد إلى المدينة، فأقام قليلا وفقد بصره. وقالوا في وصفه: (كان قصيرا دحداحا، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر) مات في قصره بالعقيق (على عشرة أميال من المدينة) وحمل إليها. له في كتب الحديث 271 حديثا." اهـ

[2] وفي فتح الباري لابن حجر (5/ 365)

"قَوْلَهُ : ((وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)) مَسُوقًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ بِالثُّلُثِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَبْتَدِرُهُ الْفَهْمُ،

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثُّلُثِ هُوَ الْأَكْمَلُ أَيْ كَثِيرٌ أَجْرُهُ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَثِيرٌ غَيْرُ قَلِيلٍ،

قَالَ الشَّافِعِيُّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ : "وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيهِ." يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَةَ أَمر نسبي وعَلى الأول عول بن عَبَّاسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَه." اهـ

[3] في فتح الباري لابن حجر (5/ 366)

قَوْلُهُ : ((وَرَثَتَكَ))

قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : "إِنَّمَا عَبَّرَ لَهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِلَفْظِ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَقُلْ : (أَنْ تَدَعَ بِنْتَكَ) مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ لِكَوْنِ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّ سَعْدًا. إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَوْتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ وَبَقَائِهَا بَعْدَهُ حَتَّى تَرِثَهُ. وَكَانَ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ تَمُوتَ هِيَ قَبْلَهُ، فَأَجَابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ كلي مُطَابق لكل حَالَة، وَهُوَ قَوْلُهُ : (وَرَثَتَكَ) وَلَمْ يَخُصَّ بِنْتًا مِنْ غَيْرِهَا."

وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ شَارِحُ الْعُمْدَةِ :

"إِنَّمَا عَبَّرَ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِالْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ سَعْدًا سَيَعِيشُ، وَيَأْتِيهِ أَوْلَادٌ، غَيْرُ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ، فَكَانَ كَذَلِكَ وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ بَنِينَ وَلَا أَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ." اهـ

قال ابن حجر _رحمه الله_ في فتح الباري (5/ 366) :

"وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ شُيُوخِنَا تَعَقُّبٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةً مِنَ الذُّكُورِ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ عُمَرُ وَإِبْرَاهِيمُ وَيَحْيَى وَإِسْحَاقُ وَعَزَا ذِكْرَهُمْ لِابْنِ الْمَدِينِيّ وَغَيره،

وَفَاته أَن ابن سَعْدٍ ذَكَرَ لَهُ مِنَ الذُّكُورِ غَيْرَ السَّبْعَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ،

وَهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرٌو، وَعِمْرَانُ، وَصَالِحٌ، وَعُثْمَانُ، وَإِسْحَاقُ الْأَصْغَرُ، وَعُمَرُ الْأَصْغَرُ، وَعُمَيْرٌ _مُصَغَّرًا_، وَغَيْرُهُمْ.

وَذَكَرَ لَهُ من الْبَنَات : ثِنْتَيْ عشرَة بِنْتا وَكَأن بن الْمَدِينِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْهُم وَاللَّهُ أَعْلَم." اهـ كلام الحافظ _رحمه الله_

[4] وفي فتح الباري لابن حجر (5/ 366) : "قَوْلُهُ : ((عَالَةً))،  أَيْ : فُقَرَاءَ، وَهُوَ جَمْعُ "عَالٍ"، وَهُوَ الْفَقِيرُ.  وَالْفِعْلُ مِنْهُ عَالَ يَعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ

[5] وفي فتح الباري لابن حجر (5/ 366) : "قَوْلُهُ : ((يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ))، أَيْ : يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِأَكُفِّهِمْ." اهـ

[6] وفي فتح الباري لابن حجر (5/ 367) : "قوله : ((فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)) أَيْ :

يَنْتَفِعَ بِكَ الْمُسْلِمُونَ بِالْغَنَائِمِ مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ وَيُضَرَّ بِكَ الْمُشْركُونَ الَّذين يهْلكُونَ على يَديك، ...

وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ _يعني: مما ذكره ابن التين_ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ هَذَا،

فَقَالَ : "لَمَّا أُمِّرَ سَعْدٌ عَلَى الْعِرَاقِ أُتِيَ بِقَوْمٍ ارْتَدُّوا فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابَ بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ تَابَ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْآخَرِين." اهـ

[7] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 376) للإثيوبي :

"قال: وسعد ابن خولة: هو زوج سُبيعة الأسلمية، وهو رجل من بني عامر بن لؤيّ، من أنفسهم، وقيل: حليف لهم، وقيل: إنه مولى أبي رُهْم بن عبد العزى العامريّ. واختُلِف في أمره؛ فقال ابن مزين، وعيسى بن دينار: إنه لم يهاجر من مكة حتى مات فيها، والأكثر على أنَّه هاجر، ثم رجع إلى مكة مختارًا، وعلى هذين القولين يكون بؤسُه ذمًّا له؛ إما لعدم هجرته، وإما لسقوطها برجوعه عنها، وقال ابن هشام: إنَّه هاجر الهجرة إلى الحبشة، والهجرة الثانية، وشهد بدرًا، وغيرها، وتُوُفّي بمكة في حجة الوداع، وعلى هذا فلا يكون بؤسه ذمًّا له، بل توجُّعًا له ورحمةً؛ إذ كان منه: أنه هاجر الهجرتين، ثم إنَّه مات بعد ذلك بمكة، فيكون إشعارًا بما قدَّمناه من نقص ثواب من اتفق له ذلك، ومن ذلك تحرَّج سعد، والمهاجرون، والله أعلم." اهـ

[8] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 367) : "وقال الفاكهيّ شارح "العمدة" رحمه الله : إنما عبّر-صلى الله عليه وسلم- بالورثة؛ لأنه اطَّلَعَ على أن سعدًا سيعيش، ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة، فكان كذلك، ووُلد له بعد ذلك أربعة بنين، ولا أعرف أسماءهم، ولعل الله أن يفتح بذلك." اهـ

[9] المراد بها الفوائد التي اشتَمَل عليها حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- بجميع طرقه المشار إليها في الشرح، وغيرها، لا خصوص سياق المصنّف، فتنبّه (قاله الإثيوبي)

[10] نعم، وقفنا عليه في كتب الحديث بعد بحث شديد، والله أعلم.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين