شرح الحديث 163-164 ((الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه)) من صحيح الترغيب
163 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: كنّا
نمشي مع رسول الله، فمرَرْنا على قَبرَين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونُه
يَتَغَيَّرُ، حتى رُعِدَ كُمُّ قميصِه، فقلنا: ما لَك يا رسولَ اللهِ؟ فقال: "أما تَسمعونَ ما أسمَعُ؟
". فقلنا:
وما ذاك يا نبيَّ اللهِ؟ قال: "هذان رَجُلان يُعذَّبان في قبورهما عذاباً شديداً في ذنب
هَيِّن! ". قلنا:
فيمَ ذلك؟ قال: "كان
أحدُهما لا يستنزِهُ من البَول، وكان الآخرُ يؤذي النّاس بلسانِهِ، ويمشي بينهم
بالنميمةِ". فدعا
بجريدتَين من جرائدِ النخل، فجعل في كل قبرٍ واحدةً. قلنا:
وهل ينفَعُهم ذلك؟ قال: "نعم، يُخَفَّفُ عنهما ما دامتا رَطْبَتَيْن". رواه ابن حبان في "صحيحه". قوله:
(في ذنْب هَيِّن) يعني: هيّن عندهما، وفي ظنهما، أو هيّن عليهما اجتنابه، لا أنه
هيّن في نفس الأمر؛ لأن النميمة محرَّمة اتّفاقاً (1). __________ (1) قلت: ويؤيد ذلك قوله في حديث ابن عباس المنصرم (في الباب
السابق/ الحديث الأول): ". . . بلى إنه لكبير". |
تخريج الحديث:
أخرجه مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 441) (رقم: 9686)،
مصنف ابن أبي شيبة (3/ 52) (رقم: 12042)، مسند إسحاق بن راهويه (1/ 246) (رقم: 207)
تهذيب الآثار مسند عمر (2/ 602) (رقم: 903)، ابن حبان (3/ 106) (رقم: 824)، إثبات
عذاب القبر للبيهقي (ص: 88) (رقم: 123).
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (1/
142 و 1/ 344) (رقم: 120 و 652)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"
(2/ 207) (رقم: 821)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 178 و 3/ 73) (رقم: 163
و 2823).
من فوائد الحديث:
قال جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ) _رحمه
الله_ في "التوشيح شرح الجامع الصحيح" (1/ 351)
وقال الطيبي: الحكمة في ذلك غير معقولة.
وقد اختلف في المقبورين: هل هما كافران أو مسلمان؟
والصواب الأول وبه جزم أبو موسى المديني بدليل قصر تخفيف العذاب على مدة رطوبة
الكسر شيء، ولو كانا مسلمين لقبلت الشفاعة منه - صلى الله عليه وسلم - في حقهما
أبدًا، والشفاعة في التخفيف عن الكافر غير مستنكرة بدليل قصة أبي طالب، فإنه - صلى
الله عليه وسلم - لفرط رحمته لما سمع صوتهما لم يستجز أن يجاوزهما لما عنده من
الرأفة حتى يفعل الممكن من طلب التخفيف فيشفع لهما إلى المدة المذكورة.___
وما وقع في "تذكرة القرطبي" من أن أحدهما
فلان، وسمي رجلًا جليلًا فهو باطل لا يحل ذكره إلا لبيان بطلانه." اهـ
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 367)
فعليه يكون الحديث، بيان أن التعذيب لا يخص أكبر
الكبائر بل يكون في الكبائر،
وقال السفاريني في "غذاء الألباب في شرح
منظومة الآداب" (1/ 110)
وَتَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (نَمِيمَةٌ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّمِيمَةُ نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ
عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ وَالشَّرِّ، وَقَدْ نَمَّ الْحَدِيثَ يَنُمُّهُ نَمًّا
فَهُوَ نَمَّامٌ، وَالِاسْمُ النَّمِيمَةُ. وَنَمَّ الْحَدِيثُ إذَا ظَهَرَ فَهُوَ
مُتَعَدٍّ وَلَازِمٌ. انْتَهَى.
وفي "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب"
(1/ 112):
"قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ:
قَوْلُهُ «فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ» أَيْ هَيِّنٍ
عِنْدَهُمَا وَفِي ظَنِّهِمَا لَا أَنَّهُ هَيِّنٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ»
قَالَ: وَقَدْ
أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ
الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى. [انظر: الترغيب والترهيب للمنذري –
ت. عمارة (3/ 498)]
أَوْ يُقَالُ: أَرَادَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ هَيِّنٌ تَرْكُهُ وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي
كِتَابِهِ الرُّوحِ:
«قَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي
قُبُورِهِمَا، يَمْشِي أَحَدُهُمَا بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَتْرُكُ
الْآخَرُ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ الْبَوْلِ»، فَهَذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ
الْوَاجِبَةَ. وَذَلِكَ ارْتَكَبَ السَّبَبَ الْمُوقِعَ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ
النَّاسِ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا.
قَالَ: وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ
الْمُوقِعَ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ
أَعْظَمُ عَذَابًا. كَمَا أَنَّ فِي تَرْكِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْبَوْلِ
تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ
الْبَوْلِ بَعْضُ وَاجِبَاتِهَا وَشُرُوطِهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا. انْتَهَى. [انظر:
"الروح" (ص: 77) – ط. دار الكتب العلمية]
وَقَدْ أَبْدَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نُكْتَةَ
ذَلِكَ، وَهِيَ مِمَّا يُكْتَبُ بِالذَّهَبِ عَلَى صَفَحَاتِ الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ
أَنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْإِنْسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقْضِي
فِيهِ الْحَقُّ _جَلَّ جَلَالُهُ_: الصَّلَاةُ، وَالدِّمَاءُ.
وَالطَّهَارَةُ أَقْوَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ
وَمُقَدِّمَتُهَا، فَإِذَا لَمْ يَتَنَزَّهْ مِنْ الْبَوْلِ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ
مِنْهُ، فَقَدْ فَرَّطَ فِي شَرْطِ الصَّلَاةِ.
وَسَبَبُ وُقُوعِ النَّاسِ فِي سَفْكِ
الدِّمَاءِ وَإِرَاقَتِهَا بِغَيْرِ حَقِّ:
الْعَدَاوَةُ،
وَمُقَدِّمَتُهَا:
النَّمِيمَةُ، فَإِنَّهَا سَبَبُ الْعَدَاوَةِ،
وَعَذَابُ الْقَبْرِ مُقَدِّمَةُ عَذَابِ النَّارِ،
فَنَاسَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُقَدِّمَاتِ أَوَّلًا. فَانْظُرْ هَذِهِ
الْمُنَاسَبَةَ وَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا فِي غَايَةِ الْمُطَابَقَةِ جَزَاءً
وِفَاقًا." اهـ
وقال عبد الرحمن بن عبد السلام الصَفُّوْرِي (المتوفى:
894هـ) في "نزهة المجالس ومنتخب النفائس" (1/ 154):
"مسائل:
الأولى: يجب الإستنجاء بماء أو حجر...الثانية: قال
ابن العماد يجب إزالة النجاسة على الفور في صور منها المسجد ومنا إذا بخس ثوب غيره
أو خرجت من ميت بعد الغسل أو تعدى بتنجيس بمنه أو لم يتعد لكن ضاق وقت الصلاة وكذا
الوشام إذا تعدى به في بدنه.
5 - (الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أُزُرٍ، ومن دخول النساء
بأُزرٍ وغيرها إلا نُفَساء أو مريضة، وما جاء في النهي عن ذلك) 164 - (1) [صحيح لغيره] عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كان يُؤمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يَدخلِ الحمامَ
إلا بمئزَرٍ، ومن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَه
الحمّامَ". رواه النَّسائي، والترمذي، وحسنه، والحاكم، وقال:
"صحيح على شرط مسلم". |
الحمامات أماكن خاصة للاستحمام، وكانت للبيوت
الموسِرة حمامات خاصة بها، ثم أقيمت حمامات عامة للناس ، وهي قديمة موجودة قبل
الإسلام، يقول المقريزي في خططه “ج 3 ص 129”: قال محمد بن إسحاق في كتاب “المبتدئ”
: إن أول من اتخذ الحمّامات والطلاء بالنورة سليمان وإنه لمّا دَخَله ووَجَد
حَمِيمَه قال: أواه من عذاب الله أواه!! وذكر المسبحي في تاريخه أن أول من بَنَى
الحمّامات في القاهرة “العزيز بالله نزار بن المعز” وكان بها ثمانون حمّامًا في
سنة 685هـ. وأقل حمامات كانت ببغداد زمن الناصر أحمد بن المستنصر ألفا حمّام. أهـ.
ولهذه الحمّامات آثار باقية إلى الآن بالشام. وهي
آخذة في الانقراض. وقد ألَّف الحافظ ابن كثير كتابًا في الحَمّام. ووردت فيه
أحاديث كثيرة لم يُتَّفَق على صحة شيء منها، قال المنذري: وأحاديث الحَمَّام كلها
معلولة، وإنَّ ما يَصِحُّ منها فهو عن الصحابة “نيل الأوطار ج 1 ص 277”.
ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
1 ـ روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمرو أن
النبي ـ ﷺ ـ قال “إنها سَتُفتَح لكم أرض العَجَم، وستَجِدُون فيها بيوتًا يقال لها
الحمّامات. فلا يَدْخُلْها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء ، إلا مريضة أو
نُفَسَاء” نيل الأوطار ج 1 ص 178 والترغيب والترهيب ج 1 ص 65. وقد تُكُلِّم في هذا
الحديث بما يُضعِف حُجِيَّتَه.
2 ـ وأخرج المنذري في كتابه “الترغيب
والترهيب” ج 1 ص 66 أن نساء من أهل حمص، أو من أهل الشام دَخَلْنَ على عائشة
فقالت: أنتن اللاتي تُدْخِلْنَ نساءكن الحمّامات؟ سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “ما
امرأة تَضَعُ ثيابها في غير بيت زوجها إلا هَتَكَتِ السِّتْرَ بينها وبين ربها”
رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وأبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
ورُوِيَ معنى هذا الحديث عن أم سلمة حين دَخَلَ عليها نساء حمص. رواه أحمد وأبو
يعلى والطبراني والحاكم.
3 ـ وعن طاووس عن ابن عباس أن النبي ـ ﷺ ـ
قال: “احذروا بيتًا يقال له الحمّام . قالوا: يا رسول الله يُنَقِّي الوَسَخَ.
قال: “فاسْتَتِرُوا” رواه البزار وقال: رواه الناس عن طاووس مرسلاً.
قال الحافظ المنذري: رواتُه كلهم محتجٌّ بهم في
الصحيح. ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم . ورواه الطبراني في الكبير بنحو ما
رواه الحاكم “الترغيب ج 1 ص 65” وصحَّحه الألباني.
4 ـ عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ
يقول: “الحمّام حرام على نساء أمتي” رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد “الترغيب ج 1
ص 65.
5 ـ وعن جابر قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَدخُل الحمام إلا بمئزر . ومن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمام”. رواه النسائي والحاكم وصحّحه،
وحسَّنه الترمذي “المرجع السابق” وفي ص 66 رُوِيَ مثله عن طريق أبي سعيد الخدري.
قال القرطبي في تفسير ” ج 12 ص 224″
حرَّم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم
بالجحفة، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك النساء للضرورة، والأوْلى بهن البيوت
إن أمْكَنَ. وذَكَرَ حديثًا لم يَصِحَّ: أن النبي ـ ﷺ ـ لَقِيَ أم الدرداء عندما
خرجت من الحمام فقال لها: “والذي نفسي بيده ما من امرأة تَضَعُ ثيابها في غير بيت
أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كلَّ سِتْرٍ بينها وبين الرحمن عز وجل” وذكر حديثًا
هو أصحَّ إسنادًا عن طاووس عن ابن عباس “تقدم تحت رقم 3”.
ثم يقول القرطبي: دخول الحمام في زماننا حرام على
أهل الفضْل والدِّين، لعدم مراعاة الأدب في سَتْرِ العَوْرة، لا سيما بالديار
المصرية، ثم ذكر أن العلماء اشترطوا لدخوله عشرة شروط:
1 ـ أن يدخل بنية التداوي أو التطهر من العرق
إثر الحُمَّى.
2 ـ أن يَتَعَمَّد أوقات الخَلْوة أو قلة
الناس.
3 ـ أن يَسْتُر عورته بإزار صَفِيق.
4 ـ أن يكون نظره إلى الأرض أو الحائط، لئلا
يَقَعَ على محظور.
5 ـ أن يُغَيِّر ما يَرَى من منكر برفق، نحو،
اسْتَتِرْ سَتَرَكَ الله.
6 ـ إنْ دَلَّكَهُ أحد فلا يُمَكِّنُه من
عورته، من سُرَّتِه إلى رُكْبته.
7 ـ أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو بعادة
الناس.
8 ـ عدم الإسراف في الماء.
9 ـ إن لم يَقْدِرْ على دخوله وحدَه اتَّفَقَ
مع أمناء على الدين على كِرائه.
10 ـ أن يتذكر به جهنم.
وذكر حديثًا فيه مدح دخوله الحمام، لأنه يُذَكِّرُ
الإنسان بالنار، فيَستعِيذ منها ويَسأل الجنة، وفيه ذَمُّ دخول بيت العروس، لأنه
يرغبه في الدنيا وينسيه الآخرة، ولكن الحديث ليس صحيحًا.
وجاء في القرطبي أيضًا أن عمر بن الخطاب كتب إلى
أبي عبيدة: إنه بلغني أن نساء أهل الذمة يَدْخُلْنَ الحمّامات مع نساء المسلمين،
فامْنَعْ من ذلك، وحُلْ دونه، فإنه لا يجوز أن تَرَى الذمِّيَّة عَرْيَةَ المسلمة،
فقام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن
تبيض وجهها فسوَّد الله وجهها يوم تَبْيَضُّ الوجوه. أهـ. “ج 12 ص 224”.
وفي الشوكاني “ج 1 ص 145” أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان
يدخل الحمام ويتنور، أي يستعمل النَّورة لإزالة الشعر، ولم يبين درجة هذا الحديث،
مع أن الحمام لم يكن معروفًا ببلاد العرب، أو لم يكن شائعًا على الأقل، ويبدو ـ إن
صَحَّ هذا الحديث ـ أن المراد به مكان منعزل يَسْتَحِمُّ فيه الشخص، وليس حمّامًا
عامًا بالمعنى المعروف.
وإذا كانت الحمامات المبنية لا يُرَغَّب في دخولها،
فما بالنا بالحمامات المكشوفة في النوادي والساحات، على الشواطئ التي لا يلتزم
فيها حجاب يَسْتُرُ العورة ولا يَعْزِل الجنسين بعضهما عن بعض! إنها أشد نُكْرًا.
تخريج الحديث:
أخرجه الترمذي – ت. شاكر (5/ 113) (رقم: 2801)، مسند
أحمد – ط. عالم الكتب (3/ 339) (رقم: 14651)، مسند أبي يعلى الموصلي (3/ 435)
(رقم: 1925)، المعجم الأوسط (1/ 212 و 2/ 194 و 3/ 69 و 8/ 141) (رقم: 688 و 1694
و 2510 و 8214)، شعب الإيمان (7/ 412) (رقم: 5207)، المستدرك على الصحيحين للحاكم
(4/ 320) (رقم: 7779)، أمالي ابن بشران - الجزء الأول (ص: 96) (رقم: 189)
وأخرجه بالشطر الأول: النسائي
(1/ 198) (رقم: 401)، ومسند أبي يعلى الموصلي (3/ 343) (رقم: 1807)، صحيح ابن
خزيمة (1/ 124) (رقم: 249)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 119) (رقم: 648)،
الضعفاء الكبير للعقيلي (1/ 311)، معجم ابن الأعرابي (1/ 220) (رقم: 391)، المعجم
الأوسط (1/ 186) (رقم: 588)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 267) (رقم: 581)،
والحديث حسن صحيح: صححه
الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1270)
(رقم: 4477)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1109) (رقم: 6506)، غاية
المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص: 134) (رقم: 190)، صحيح الترغيب
والترهيب (1/ 180) (رقم: 164)
وحسنه الأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج مسند
أحمد" – ط. الرسالة (23/ 19) (رقم: 14651)،
من فوائد الحديث:
آداب الزفاف في السنة المطهرة (ص: 139)
ويجب عليهما أن يتخذا حماما في دارهما ولا يسمح لها
أن تدخل حمام السوق فإن ذلك حرام
الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب (1/ 30)
ورخص صلى الله عليه وسلم للرجال بدخول الحمام بشرط
الاستتار ومنع النساء منه مطلقا
تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 130)
لا يجوز إشراك النساء في هذا الحكم بل الحمام -
والمقصود به ما كان خارج الدار طبعا - حرام عليهن مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته
مجموع الفتاوى (21/ 342)
وَالْحَمَّامُ مَنْ دَخَلَهَا مَسْتُورَ
الْعَوْرَةِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى عَوْرَةِ أَحَدٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا
يَمَسُّ عَوْرَتَهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهَا مُحَرَّمًا، وَأَنْصَفَ الحمامي،
فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَدْخُلُهَا لِلضَّرُورَةِ مَسْتُورَةَ الْعَوْرَةِ.
وَهَلْ تَدْخُلُهَا إذَا تَعَوَّدَتْهَا وَشَقَّ
عَلَيْهَا تَرْكُ الْعَادَةِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.
أَحَدُهُمَا: لَهَا
أَنْ تَدْخُلَهَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَالثَّانِي: لَا
تَدْخُلُهَا وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد
وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
تحفة الأحوذي (8/ 70)
قَالَ الْمُظْهِرُ:
وَإِنَّمَا لَمْ يُرَخِّصْ لِلنِّسَاءِ فِي دُخُولِ
الْحَمَّامِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِنَّ عَوْرَةٌ وَكَشْفُهَا غَيْرُ جَائِزٍ،
إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِثْلُ أَنْ تكون مريضة تدخل للدواء أَوْ تَكُونَ قَدِ
انْقَطَعَ نِفَاسُهَا تَدْخُلُ لِلتَّنْظِيفِ أَوْ تَكُونُ جُنُبًا وَالْبَرْدُ
شَدِيدٌ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَتَخَافُ مِنَ اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ الْبَارِدِ ضَرَرًا أَوْ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الدُّخُولُ بِغَيْرِ
إِزَارٍ سَاتِرٍ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ." انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "النَّيْلِ"
تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ
وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إِنَاثِ أُمَّتِي
فَلَا تَدْخُلِ الْحَمَّامَ)، رَوَاهُ أَحْمَدُ مَا لَفْظُهُ:
"هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ
الدُّخُولِ لِلذُّكُورِ بِشَرْطِ لُبْسِ
الْمَآزِرِ، وَتَحْرِيمِ الدُّخُولِ بِدُونِ مِئْزَرٍ، وَعَلَى
تَحْرِيمِهِ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا.
وَاسْتِثْنَاءُ الدُّخُولِ مِنْ عُذْرٍ لَهُنَّ
لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا.
فَالظَّاهِرُ:
الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَلَفَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
الَّذِي رَوَتْهُ لِنِسَاءِ الْكُورَةِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ إِلَّا
لِمَرِيضَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ كَمَا سَيَأْتِي
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (5/ 497)
في فوائده:
يستفاد من هذا الحديث جواز دخول الحمام بإزار، أما
بغيره، فلا يجوز, لأن كشف العورة حرام، فدخول الحمام لا يكون عذرا، فمن دخله وجب
عليه المحافظة على عورته بلبس ساتر كالإزار.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح حديث أبي
هريرة عند أحمد "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكرر أمتي فلا يدخل
الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا يدخل
الحمام" وفي إسناده أبو خيرة، قال الذهبي: لا يعرف وأحاديث الحمام لم
يُتَّفَق على صحة شيء منها، قال: قال المنذري: وأحاديث الحمام كلها معلولة، وإنما
يصح منها عن الصحابة، ويشهد لحديث الباب حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يقعد على مائدة يُدَار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر،
فلا يدخل الحمام إلا بالإزار، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل
الحمام" رواه أحمد أيضا، وإسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص. لكن صححه
الشيخ الألباني لشواهده. الإرواء جـ 7 ص 6.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (5/ 499)
قال الجامع عفا الله عنه: هذه الأحاديث وإن كان في
بعضها مقال، إلا أن مجموعها يصح، فتدل على جواز دخول الرجال في الحمام متسترين،
وعلى تحريمه للنساء مطلقًا، إلا للضرورة كالمرض والنفاس،
وحديث ابن عمر وإن كان غير صحيح، إلا أن النصوص
الأخرى تؤيده كقوله عز وجل: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا
مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: آية 119] والله أعلم.
Komentar
Posting Komentar