شرح الحديث 153-155 (الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجُحْر) من صحيح الترغيب
153
- (2) [صحيح] وعن بكر بن ماعز قال: سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ يزيدَ يحدِّث: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا
يُنْقَعْ (1) بولٌ في طَسْتٍ في البيت، فإنّ الملائكةَ لا تَدخلُ بيتاً فيه بولٌ
مُنْتَقَعٌ، ولا تَبُولَنَّ في مُغتسلِكَ". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح
الإسناد" (2). __________ (1)
أي: لا يُجْمَع. (2)
لم يروه الحاكم، فقد بحثت عنه في مظانه، فلم أجده، ولا ذكره الدكتور المرعشلي في
"فهرس المستدرك"، ولا عزاه إليه الأخ أبو هاجر في "موسوعته"
(7/ 477)، فلعلة خطأ من الناسخ، فإن محله في تخريج حديث (عبد الله بن مغفّل) المذكور في الأصل بعد هذا
بحديث، فإنه قد رواه الحاكم، ولم يعزه إليه! وهو من حصة "ضعيف
الترغيب". وإن من الغرائب أن هذا الخطأ انطلى على المعلقين الثلاثة، بل وزادوا -ضِغثاً
على إيّالة- فقالوا (1/ 179) عطفاً على الطبراني: "والحاكم (1/ 167 و185)
بنحوه! وإذا رجع القارئ إلى الصفحتين المشار إليهما، لم يجد، إلا حديث عبد الله بن
مغفل!! ومن الجهل المركّب قولهم: "بنحوه" وهو مختلف عنه، لأنه ليس فيه
شيء من معناه، فإنه بلفظ: "نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: إنّ عامة الوسواس
منه"! فأين هذا من ذاك؟! |
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 197)
40
- عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ بنِ زَيْدِ بنِ حُصَيْنٍ الخَطْمِيُّ * (ع (1))
الأَمِيْرُ، العَالِمُ، الأَكْمَلُ، أَبُو مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ،
الأَوْسِيُّ، الخَطْمِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ.
أَحَدُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ
سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
لَهُ أَحَادِيْثُ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعَنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سِبْطُهُ؛ عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَارِبُ
بنُ دِثَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مِسْعَرٌ: عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ (2) ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ
وَطَيْلَسَاناً مُدَبَّجاً.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا جَحَّافُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمِ بنِ
عُمَرَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ:
أَنَّ الفِيْلَ لَمَّا بَرَكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ يَوْم
الجِسْرَ___
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 198)
فَقَتَلَهُ، هَرَبَ النَّاسُ، فَسَبَقَهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ
الخَطْمِيُّ، فَقَطَعَ الجِسْرَ، وَقَالَ: قَاتِلُوا عَنْ أَمِيْرِكُم.
ثُمَّ سَاقَ مُسْرِعاً، فَأَخْبَرَ عُمَرَ الخَبَرَ.
وَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ يَزِيْدُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تُوُفُّوا فِي
حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ شَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَعَ الإِمَامِ عَلِيٍّ صِفِّيْنَ
وَالنَّهْرَوَانَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ
الشَّعْبِيَّ كَاتِبَ سِرِّهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ
بِعَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعٍ.
مَاتَ: قَبْلَ السَّبْعِيْنَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ -.
تخريج الحديث:
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/ 312) (رقم: 2077)
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 160) (رقم: 1844)، وقال:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ يَحْسِبَهُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «لَا
تَبُولُ فِي طَسْتٍ فِي بَيْتٍ تُصَلِّي فِيهِ، وَلَا تَبُولُ فِي مُغْتَسِلِكَ»
درجة الحديث:
والحديث صحيح: صححه
الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 53) (رقم: 2516).
وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 54):
والتوفيق بينه وبين حديث أميمة بنت رقيقة قالت: " كان للنبي - صلى الله
عليه وسلم - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل " , وهو مخرَّج في
" صحيح أبي داود " (19)،
التوفيق بأن يُحْمَل حديثُ الترجمة على أن المرادَ بانتقاعِه طولُ مُكْثِه،
فلا يُعارِض حديث أميمة، لأن ما يُجعل في الإناء لَا يطولُ مُكْثُه غالبا , والله
أعلم.
وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال:
" لَا تبول في طست في بيت تصلي فيه، ولا تبول في مغتسلك " وإسناده صحيح.
أ. هـ
من فوائد الحديث:
1/ فيه: النهي عن نقع البول في طستٍ داخل البيت:
السبب المحتمل لهذا النهي: تغير رائحة المكان، وانتشار الأذى، وقد يكون من
الأسباب الصحية التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت.
الإشارة إلى عدم دخول الملائكة بيتًا فيه بول منتقع قد يكون للتنفير من هذا
الفعل، كما ثبت أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
ففي "صحيح مسلم" (1/ 395/ 74) (رقم: 564):
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، الثُّومِ - وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ
وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى
مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ).
2/
النهي عن التبول في موضع الاغتسال:
ورد نهي صريح في حديث آخر: "لا يبولَنَّ أحدكم في مُغْتَسله، ثم يتوضأ
فيه..." (رواه أبو داود وصححه الألباني).
السبب: تجمع البول في موضع الطهارة قد يؤدي إلى انتقال النجاسة أو الإصابة
بوسواس الطهارة.
وفي "سنن ابن ماجه" – ت. الأرنؤوط (1/ 203):
وقال الخطابي في "معالم السُّنن": المستحَم: المغتسَل، ويسمى
مستحمًا باسم الحميم وهو الماء الحار الذي يُغتسل به، وإنما نهي عن ذلك إذا لم يكن المكان جَدَدًا صُلْبا، أو لم يكن
مسلك ينفذ فيه البول، ويسيل فيه الماء، فيوهم المغتسِل أنه أصابه من قطره ورشاشه،
فيورثه الوسواس.
3/ العناية بالطهارة والنظافة:
الإسلام يحث على نقاء المكان من النجاسات، خصوصًا في البيوت، لأن النظافة جزء
من الإيمان. وجود بول منتقع قد يسبب روائح كريهة وانتشار الجراثيم، مما يتنافى مع
الطهارة.
4/
تحري الأماكن المناسبة لقضاء الحاجة:
النهي عن التبول في موضع الاغتسال يشير إلى أهمية التفريق بين أماكن الطهارة
وأماكن قضاء الحاجة.
قد يؤدي البول في المغتسل إلى تجمع النجاسة أو انتشارها على الجسم أثناء
الاستحمام.
5/
الحرص على عدم إيذاء الملائكة:
الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان، ولهذا ورد في بعض الأحاديث أنها لا
تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة محرمة.
وجود النجاسة قد يكون سببًا لنقصان البركة في البيت، لذا يُستحب تنظيف المنزل
من أي نجاسات أو روائح كريهة.
6/
مراعاة الصحة العامة:
البول يحتوي على مخلفات الجسم الضارة، وقد يؤدي تركه في مكان مغلق إلى انتشار
الأمراض.
النهي عن ترك البول منتقعًا فيه إشارة وقائية ضد التلوث وانتقال العدوى.
7/
اتباع السنن الوقائية في الإسلام:
الإسلام دين النظافة والطهارة، وقد جاءت أحكام الطهارة في السنة لحماية
الإنسان من الضرر.
هذا التوجيه النبوي ينسجم مع الإرشادات الطبية الحديثة حول ضرورة المحافظة على
نظافة الأماكن المغلقة.
ومضمون الحديث يتماشى مع تعاليم الإسلام في الطهارة والنظافة، وهو إرشاد وقائي
وأدبي يحث على جعل البيوت طاهرة خالية من النجاسات، مع تجنب ما قد يؤدي إلى
الوسوسة أو انتشار الأمراض.
154 - (3) [صحيح] وعن حميد بنِ عبدِ الرحمنِ قال: لقيتُ رجلاً صَحِبَ
النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما صَحبَه أبو هريرة قال: نَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يَمْتَشِطَ أحدُنا
كُلَّ يومٍ، أو يبول في مُغْتَسَلِه. رواه أبو داود والنسائي في أول حديث (3). |
تخريج الحديث:
سنن أبي داود (1/ 8) (رقم: 28)، سنن أبي داود (1/ 8 و 8/ 131) (رقم: 28 و 5054)،
وصححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد ط الرسالة (28/ 224) (رقم: 17012)
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (4/ 393)
في فوائده:
يستفاد من هذا الحديث ما ترجم له المصنف وهو النهي عن الاغتسال بفضل الجنب،
لكن الحديث عام في الجنب وغيره، فالأولى تعميم الحكم. وسيأتي حكم النهي وأقوال
العلماء في الباب التالي إن شاء الله تعالى.
وفيه كراهية امتشاط الرجل___كل يوم لما فيه من المبالغة في الترفه والزينة،
وكل منهما مناف لشهامة الرجال بخلاف النساء، فإنه لا يكره ذلك في حقهن لأنهن محل
الزينة والترفه، وفيه أنه يطلب من الشخص المحافظة على وقته من الضياع، فلا يصرفه
في غير مطلوب، وأنه يطلب الابتعاد عن تنجيس محل الطهارة، وقد تقدم علة المنع أنه
يتولد منه الوسواس، حيث قال: "فإن عامة الوسواس منه" وتقدم البحث فيه
مُستوفى في 32/ 36 فارجع إليه تزدد علمًا. والله تعالى أعلم.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (4/ 391)
وقال ابن حجر في شرح الشمائل: إنما نهي عن الترجل إلا غبًا, لأن
إدمانه يشعر بمزيد الإمعان في الزينة والترفه، وذلك إنما يليق بالنساء، وهو
ينافي شهامة الرجال اهـ. وقال ابن العربي: موالاته تصنّع، وتركه تدليس،
وإغْبَابُهُ سنة. اهـ
وإغبابه أن يفعله يوما ويتركه يوما، ويؤيده ما روى عبد الله بن مغفل، قال:
"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبًا" رواه أحمد
والنسائي، والترمذي، وصححه، وابن حبان. والترجل تسريح الشعر، وفي ترك الترجل أياما
نوع من البذاذة التي هي من الإيمان، كما جاء عند أبي داود، وابن ماجه من حديث أبي
أمامة رضي الله عنه قال: ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما عنده
الدنيا، فقال: "ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان" (2)، والبذاذة رثاثة
الحال.
ولا يعارض حديث الباب ما رواه النسائي بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي قتادة
رضي الله عنه "أنه كانت له جُمَّة ضخمة، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
فأمره أن يحسن إليها، وأن يترجل كل يوم". لإمكان الجمع بينهما بأن النهي
مخصوص بمن لا يحتاج شعره إلى الترجل كل يوم، أما من يحتاج إلى ذلك كل يوم كأبي
قتادة فلا يشمله النهي، وكذا لا يعارضه حديث أنس رضي الله عنه الذي أورده الترمذي
في الشمائل: "كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر تسريح لحيته"؛ لأن إكثار
التسريح لا يستلزم الفعل كل يوم. بل لو فعله يوما وتركه يوما يعد مكثرًا."
اهـ
3 - (الترهيب من الكلام على الخلاء) 155
- (1) [صحيح لغيره] عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "لا
يتناجي (1) اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله
يمقتُ على ذلك". رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه كلفظ أبي داود قال: سمعت رسول الله _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يقول: "لا
يخرج الرجلان يضربان الغائطَ كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ
على ذلك". رووه كلهم من رواية هلال بن عياض، أو عياض بن هلال عن أبي سعيد. وعياض هذا روى له أصحاب السنن، ولا أعرفه بجرح ولا عدالة، وهو في عداد
المجهولين. (2) قوله: (يضربان الغائط): قال أبو عمر (3) صاحب ثعلب: "يقال:
ضربت الأرض، إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض، إذا سافرت". __________ (1)
(التناجي): تكلُّم كل منهما مع صاحبه سرّاً، وهذا نفي بمعنى النهي. وقوله: (يمقت) أي: يبغض، وبابه: نصر. (2)
قلت: وهو كما قال، لكن له شاهد من غير طريقه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
خرجته من أجله في "الصحيحة" (3120)، ولذلك أوردته في هذا "الصحيح"، وهو من مزايا هذه الطبعة على
الطبعات السابقة، كما أشرت إلى ذلك في المقدمة. (3)
وقع في طبعة مصطفى والمعلقين الثلاثة: "أبو عمرو"، وهو خطأ، واسمه
محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهد المعروف بـ(غلام ثعلب)، لقب به لصحبته إياه مدة طويلة، وهو من شيوخ الحاكم، مات
سنة (345)، له ترجمة في "تذكرة الحفاظ" و"لسان الميزان"،
وغيرهما. |
تخريج الحديث:
1/ اللفظ الأول: أخرجه
ابن ماجه في "صحيحه" (1/ 123) (رقم: 342)، وابن المنذر في "الأوسط
في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 323) (رقم: 257)، وابن حبان في
"صحيحه" (4/ 270) (رقم: 1422)، وأبو شجاع الديلميّ الهمذاني في الفردوس
بمأثور الخطاب (5/ 118) (رقم: 7667):
عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"لا يتناجي اثنان على غائطهما، ينظر كل
واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقتُ على ذلك". رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-،
2/ اللفظ الثاني:
قال المصنف: رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-،
وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه كلفظ أبي داود قال: سمعت رسول الله _صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يقول:
"لا يخرج الرجلان يضربان الغائطَ
كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ على ذلك".
أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 4) (رقم: 15)، وابن المنذر في "الأوسط
في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 340) (رقم: 290)، والنسائي في "السنن
الكبرى" (1/ 86) (رقم: 37)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (3/ 36)
(رقم: 11310)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 39) (رقم: 71)، وابن المقرئ في
"الأربعين" (ص: 60) (رقم: 10)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين"
(1/ 260) (رقم: 560)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (9/
46)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 162) (رقم: 483)، وفي "السنن
الصغير" (1/ 38) (رقم: 67)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 381) (رقم:
190):
عن أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_، يَقُولُ:
«لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ
عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى
ذَلِكَ»
والحديث صحيح لغيره: صرح
بذلك الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (17/ 412) (رقم: 11310)
فقد ورد الحديث بلفظ آخر أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" – ت. بشار (13/ 614) (رقم:
4066):
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِذَا تَغَوَّطَ الرَّجُلانِ فَلْيَتَوَارَ أَحَدُهُمَا، عَنْ
صَاحِبِهِ، وَلا يَتَحَدَّثَانِ عَلَى طَوْفِهِمَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ
عَلَيْهِ "
وقال أبو الحسن ابن القطان (المتوفى : 628 هـ) _رحمه الله_ في "بيان
الوهم والإيهام في كتاب الأحكام" (5/ 260) أثناء بيان ضعف حديث أبي سعيد
واعتضاده بحديث جابر:
"والآن
فقد بلغنَا إِلَى الْغَرَض الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن للْحَدِيث طَرِيقا جيدا غير
هَذَا.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، حَدثنَا الْحسن ابْن
أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، حَدثنَا مِسْكين بن بكير، عَن
الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم_:
(إِذا تغوط الرّجلَانِ، فليتوار كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَن صَاحبه، وَلَا
يتحدثان على طوقهما، فَإِن الله يمقت على ذَلِك). " اهـ
وللحديث شاهد آخر عن السائب الجهني _رضي الله عنه_: أخرجه الدولابي في "الكنى والأسماء"
(1/ 75) (رقم: 168):
خَلَّادٌ بن السائب الجهني أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ:
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«... وَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلَانِ جَمِيعًا فَلْيَتَفَرَّقَا، وَلَا يَجْلِسْ
أَحَدُهُمَا قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ
يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 933):
"وهو
بهذه الزيادة صحيح؛ فإن لها شاهداً قويّاً من حديث جابر- رضي الله عنه-، مضى
الكلام عليه برقم (3120)، وإسناده هنا ضعيف؛ من أجل يزيد بن سنان الرهاوي وابنه."
اهـ
من فوائد الحديث:
وقال العثيمين في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط.
المكتبة الإسلامية (1/ 294_295):
"في
هذا الحديث فوائد:
منها: أن الدين
الإسلامي دين الأدب والخلق الرفيع؛ لأن هذه الحالة التي ذكرت في الحديث لا شك أنها
مخالفة للأدب؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا أراد الرجلان أن يتغوطا فإن السنة أن يبتعد كل
واحد منهما عن الآخر حتى لا يراه فضلا عن كونه يرى عورته.___
ومن فوائد هذا الحديث: النهي
عن التحدث على قضاء الحاجة حتى وإن كان أحدهما لا يرى الآخر كما لو كانا في
مرحاضين متجاورين بينهما جدار قصير، فصار كل واحد منهما يحدث الآخر.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات
المقت لله؛ أي: إثبات وقوع المقت من الله، وهو أشد البغض وقد ثبتت هذه الصفة -
أعني: البغض- بوصف المقت وبوصف البغض أيضا، فجاءت في السنة بلفظ البغض، وجاءت في
القرآن بلفظ المقت، قال الله تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
[الصف: 2].
وأخبر الرسول - عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يبغض من الرجال
البذيء". وهذا يدل على ثبوت هذه الصفة لله عز وجل شديدة وخفيفة: خفيفة في
البغض، وشديدة في المقت.
-
فما معنى البغض المضاف إلى الله عز وجل، أو المقت؟
نقول: أما أهل السنة والجماعة فيقولون: إنه حقيقة أن الله يبغض ويحب حقيقة؛
لأن هذا ما جاءت به النصوص وهذا أمر غيبي، والأمر الغيبي يجب على الإنسان أن يصدق
به على ظاهره،
وأما عند أهل التأويل والتعطيل فيقولون: لا، إن الله لا يبغض ولا يمقت، وإنما المراد
بالبغض والمقت: العذاب والانتقام، ولا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه؛ لأن
الانتقام والعقوبة غير البغض ولكنها من لازم البغض، فإذا أبغض الله الإنسان عاقبه
وليست هي البغض، وما المانع من أن تقول: إن الله يبغض الشيء، أو يمقت على الشيء
على وجه الحقيقة؟ لا مانع، فإذا كان لا مانع وجب علينا أن نصدق به، وألا نحرف
الكلم عن مواضعه، وهذا يقال في وصف العجب، والرضا والمحبة، والكراهة، السخط، يقال
فيها كما نقول في البغض، يجب إثبات هذه الصفة لله عز وجل على وجه الحقيقة.
ولكن هل يكون بغضه كبغض المخلوقين؟ لا، لماذا؟ لأن لدينا قاعدة عامة محكمة وهي
قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. فجميع صفاته - تبارك
وتعالى- ونعوته لا يمكن أن تماثل صفات المخلوقين ونعوتهم.
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم هذه الهيئة، وهي أن يجتمع اثنان يقضيان حاجتيهما
ويتحدثان، بل لو شاء لقلنا: إنه من كبائر الذنوب؛ لأنه رتب عليه الوعيد، وإذا رتب
عليه الوعيد فقد ذكر العلماء - رحمهم الله- أن كل ذنب ختم بوعيد فهو من كبائر
الذنوب." اهـ
وقال عبد الله البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام"
(1/ 339_340):
"ما
يؤخذ من الحديث:
1 -
ذكر الرجلين -تغليبًا-، وإِلاَّ فالحكم يشمل الرِّجال والنِّساء، وهو في حقِّهنَّ
أشدُّ وأعظم.
2 -
وجوبُ التواري عند إرادة قضاء الحاجة، ولا يَحِلُّ أمامَ النَّاس بحيث يَرَوْنَ
عورته.
3 -
يحرم التحدُّثُ أثناء قضاء الحاجة مع الغير؛ لما فيه من الدناءة، وقلَّة الحياء،
وضياع المروءة؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر أنَّ رجلاً مرَّ على النَّبي -صلى الله
عليه وسلم- فسلَّم عليه، فلم يَرُدَّ عليه.
4 -
تحريمُ هذه الأمور مأخوذٌ من أنَّ الله يمقُتُ على ذلك، فالمقتُ أشدُّ من البغض،
والله تعالى لا يبغض إلاَّ على الأعمال السيئة، والتحريمُ هو الظَّاهر من الحديث،
ولكن مذهب الجمهور أنَّه محمولٌ على الكراهة فقط.
5 -
إثباتُ صفة البغض لله تعالى إثباتًا حقيقيًّا يليق بجلاله بدون تشبيهٍ بصفة
المخلوقين، ولا تحريفٍ بتفسير البغض بالعقاب.
6 -
هكذا صفاتُ الله تعالى يُسْلَكُ فيها مسلك أهل السنَّة والجماعة؛ فهو أسلم___من
التعدِّي على كلام الله تعالى وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم - بالتشبيه، أو
بالتحريف والتَّأويل، الذي لا يستندُ إلى دليل.
ومسلكهم أسلَمُ؛ لأنَّ علم كيفيَّة صفات الله تعالى مبنيةٌ على النَّقْل، لا
على العقل المتناقض، ومسلكُهُمْ أحكَمُ؛ لأنَّ الأمور السمعية الغيبية الحكمةُ
فيها أنْ يتلقَّاها الإنسان على ما وردَتْ بدون تغيير؛ فهذا منتهى علم الإنسان
فيها، فطريقة السلف أعلم وأحكم بشرطين:
الأوَّل: أنْ يتجنَّب التمثيل والتشبيه؛ فالله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى].
الثاني: اجتنابُ التكييف؛ فلا يعتقد أنَّ كيفيَّة صفةِ الله كذا.
فمن آمن بصفاتِ الله تعالى على ما وصَفَ به نفسه أو وصفه به رسوله -صلى الله
عليه وسلم-، وجَانَبَ التشبيه والتكييف، فقد حصلت له السَّلامةُ والعلمُ والحكمة،
ذلِكَ أنَّه لن يصلَ إلى نتيجة، ومآله إمَّا إلى تعطيل الصفة وهو إنكارُها، أو إلى
نتيجةِ التشبيه، وكلاهما ضلال.
وقال الصنعاني في سبل السلام (1/ 111):
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّهْيِ عَنْ
التَّحَدُّثِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ،
وَتَعْلِيلُهُ بِمَقْتِ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَيْ شِدَّةِ بُغْضِهِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ
زِيَادَةً فِي بَيَانِ التَّحْرِيمِ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ
لَا يَحْرُمُ إجْمَاعًا، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، فَإِنْ صَحَّ
الْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ تَرَكَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ
عِنْدَ ذَلِكَ؛ فَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
": «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» .
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 100):
"وَالْحَدِيث
يَدُلّ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ فَإِنَّ
التَّعْلِيلَ بِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ
الْمُعَلَّلِ وَوُجُوبِ اجْتِنَابه؛ لِأَنَّ الْمَقْتَ هُوَ الْبُغْضُ كَمَا فِي
الْقَامُوس، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَشَدَّ الْبُغْضِ،
وَقِيلَ: إنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ،
وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ
الْكَلَامَ غَيْرُ مُحَرَّمً فِي هَذِهِ الْحَالَة،
ذَكَره الْإِمَام الْمَهْدِيُّ فِي الْغَيْث، فَإِنْ صَلَحَ الْإِجْمَاعُ
صَلَحَ لِلصَّرْفِ عِنْد الْقَائِل بِحُجِّيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ يُبْعِد حَمْل
النَّهْي عَلَى الْكَرَاهَةِ رَبَطَهُ بِتِلْكَ الْعِلَّة." اهـ
وقال الساعاتي في "الفتح الرباني" (1/ 264):
"وهذه
الاحاديث انما تدل علي تكلم اثنين حال التغوط ينظر كل واحد منهما الي عورة صاحبه
ويتحدثان كأنهما في مجلس مسامرة،
فهذا من الفعل الشنيع الموجب لمقت الله عز وجل، إما أن تغوط رجل واحد وتكلم
لضرورة كانقاذ أعمى عن التردي في حفرة أو إرشاد ضال أو طلب حاجة للاستنجاء مثلا،
فلا مانع من ذلك؛
وقد صح أن النبي صلي الله عليه وسلم كلم ابن مسعود عند ما أتاه بالروثة
والاحجار وسيأتي ذلك والله اعلم." اهـ
وقال العثيمين في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (1/ 118):
"وأما
إذا لم ينظر أحدهما إلى عورة الآخر؛ فأقلُّ أحواله أن يكون مكروهاً." اهـ
وقال ابن النحاس _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين
وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 324)
ومنها: أن يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كل منهما إلى عورة الآخر: وذلك حرام.
Komentar
Posting Komentar