شرح الْحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ (صِفَةُ الْأَوْلِيَاءِ) من كتاب بهجة قلوب الأبرار
الْحَدِيثُ السَّادِسُ
وَالثَّلَاثُونَ: صِفَةُ الْأَوْلِيَاءِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه
وسلم_: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ
آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي
بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ
إليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ. فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأعطينَّه، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ. وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا
فَاعِلُهُ تَرَدُّدِيْ عَنْ قَبْضِ نَفْسِ الْمُؤمِنِ: يَكْرَهُ الْمَوْتَ،
وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ. وَلَا بُدَّ لَهُ منه)." رواه البخاري |
تخريج الحديث :
أخرجه:
البخاري في "صحيحه" صحيح البخاري (8/ 105) (رقم: 6502)، وابن حبان في
"صحيحه" (2/ 58) (رقم: 347)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات
الأصفياء" (1/ 4)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 482 و10/ 370)
(رقم: 6395 و 20980)، وفي "الأسماء والصفات" (2/ 447) (رقم: 1029)،
و"الأربعون الصغرى" (ص: 75) (رقم: 34)، الزهد الكبير للبيهقي (ص: 269)
(رقم: 696)، بتمامه دون الحرف الأخير منه، وهو:
"ولا بدّ له منه"
وانظر:
"فتح الباري" (11/354)، فقد وردتْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُخَلَّدٍ، عن
كرامة، وفي حديث وهب بن منبه.
والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه
الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 699) (رقم: 2266).
وأما
الزيادة: (وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهَ) جاءتْ من طريقِ أنسٍ _رضي الله عنه_:
أخرجها:
ابن أبي الدنيا في "الأولياء" (ص: 9) (رقم: 1)، القُضاعي في "مسند
الشهاب" (2/ 327) (رقم: 1456)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات
الأصفياء" (8/ 318)، وقوام السنة في "الترغيب والترهيب" (1/ 164)
(رقم: 205)، وابن عساكر في "المعجم" (2/ 1108) (رقم: 1438)، و"تاريخ
دمشق" (7/ 95 و74/ 21)، والبغوي في "شرح السنة" (5/ 21) (رقم: 1249).
وقال الشيخ السعدي _رحمه الله_ في
"بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" – ط. الوزارة (ص: 87_89): "هذا
حديث جليل، أشرف حديث في أوصاف الأولياء، وفضْلِهم ومقاماتِهم. فأخبر أن معاداةَ أوليائه معاداةٌ لهُ
ومحاربةُ له. ومن كان متصديا لعداوة الرب ومحاربةِ
مالك الملك، فهو مخذول. ومن تكفل الله بالذب عنه فهو منصور،
وذلك لكمال موافقة أولياء الله لله في محابه، فأحبهم وقام بكفايتهم، وكفاهم ما
أهمهم. ثم ذكر صفة الأولياء الصفة الكاملة،
وأن أولياء الله هم الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض والنوافل أولا: من صلاة
وصيام وزكاة وحج، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجهاد، وقيام بحقوقه وحقوق
عباده الواجبة. ثم انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب
إليه بالنوافل، فإن كل جنس من العبادات الواجبة مشروع من جنسه نوافلُ، فيها
فضائل عظيمةٌ تُكَمّلُ الفرائض، وتكمل ثوابها. فأولياء الله قاموا بالفرائض
والنوافل، فتولاهم وأحبهم، وسهّل لهم كلَّ طريق يوصلهم إلى رضاه، ووفّقهم وسدّدهم
في جميع حركاتهم، فإن سمعوا سمعوا بالله، وإن
أبصروا فلله، وإن بطشوا أو مشوا، ففي طاعة الله. ومع تسديده لهم في حركاتهم، جعلهم
مجابي الدعوة: إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم، وإن استعاذوه من الشرور
أعاذهم. ومع ذلك لطُف بهم في كل أحوالهم،
ولولا أنه قضى على عباده بالموت لسلم منه أولياؤه، لأنهم يكرهونه لمشقته وعظمته،
والله يكره مساءتهم، ولكن لما كان القضاء نافذا، كان لا بد لهم منه. فبين في هذا الحديث صفةَ الأولياء،
وفضائلَهم المتنوعة، وحصولَ محبةِ اللهِ لهم التي هي أعظمُ ما تنافس فيه
المتنافسون، وأنه معهم وناصرهم، ومؤيدهم ومسددهم، ومجيب دعواتهم. ويدل هذا الحديث على: إثبات محبة
الله، وتفاوتها لأوليائه بحسب مقاماتهم. ووَصْفُ النبيِّ _صلى الله عليه وسلم_
لأولياء الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل، مطابِقٌ لوصْفِ الله لهم
بالإيمان والتقوى في قوله: {أَلَا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ -
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63] فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا؛
لأن الإيمان يشمل العقائد، وأعمال القلوب والجوارح، والتقوى ترك جميع المحرمات. ويدل على أصل عظيم: وهو أن الفرائض
مقدمةٌ على النوافل، وأحبُّ إلى___الله وأكثرُ أجرا وثوابا، لقوله: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي
بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مما افترضت عليه»، وأنه عند التزاحم يتعين تقديم الفروض
على النوافل. |
فوائد الحديث :
تطريز
رياض الصالحين - (ص / 261)
وفي
الحديث: وعيد شديد لمن عادى وليًّا من أولياء الله.
وفيه:
أنّ أحب الأعمال إلى الله أداء فرائضه، وأنَّ كثرة النوافل توجب محبة الله للعبد، وقربه،
فيرتقي إلى درجة الإحسان، فيمتلأ قلبه بمعرفة الله تعالى، وعظمته، وخوفه، ورجائه، فإن
نطق: نطق بالله، وإنْ سمع: سمع به، وإنْ نظر نظر به، وإنْ بطش: بطش به. قال الله تعالى:
{إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}
فيض
الباري شرح البخاري - (7 / 227) للكشميري
والذي
تبيَّن لي أن القربَ في الفرائض أَزْيَدُ وأكملُ، فإنه يَجْلِبُ المحبوبيةَ له تعالى
من أوَّل الأمر. بخلاف القُرْب في النوافل، فإنها تَجْلِبُ المحبوبيةَ تدريجاً، وإن
كانت ثمرتُها في الانتهاء أيضاً هي المحبوبيةُ. ولكن ما يَحْصُلُ من النوافل آخراً
يَحْصُلُ من الفرائضِ أوَّلاً، فأنَّى يستويان وإليه تُرْشِدُ ألفاظُ الحديث، فإنَّه
قال في الفرائض: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه»، فجعل
مفروضَه أحبَّ إليه من أوَّل الأمر، وجعل ثمرتَه القربَ. بخلاف النوافل، فإنَّ القُرْبَ
منها تدريجيٌّ، يتدرَّجُ العبدُ إليه شيئاً فشيئاً. وبالجملةِ أنَّهما في النتيجة سواء،
وهي المحبوبيةُ، غير أنَّها تْحْصُلُ بالفرائض أوَّلاً، وبالنوافل ثانياً.
شرح
صحيح البخارى ـ لابن بطال - (10 / 212)
وفى
حديث أبى هريرة من معنى الباب أن التقرب إلى الله بالنوافل حتى تستحق المحبة منه تعالى
لا يكون ذلك إلا بغاية التواضع والتذلل له .
شرح
صحيح البخارى ـ لابن بطال - (10 / 212)
وفيه
أن النوافل إنما يزكو ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وأداها .
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (4 / 1544)
وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى مَا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ، إِذْ مُحَارَبَةُ
اللَّهِ لِلْعَبْدِ تَدُلُّ عَلَى سُوءِ خَاتِمَتِهِ، لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ
لَا يُفْلِحُ أَبَدًا.
فتح
القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 114)
قوله:
(( وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِمَّا افترضت عليه ))
*
في هذه الجملة وما بعدها بيان أنَّ ولاية الله إنَّما تحصل بالتقرُّب إليه بأداء الفرائض،
والإتيان مع ذلك بالنوافل،
*
وهو يدلُّ على أنَّ التقرُّبَ بأداء الفرائض أحبُّ إلى الله من النوافل؛ لأنَّ في ذلك
فعل ما أوجب الله وترك ما حرَّم الله، والآتي بالواجبات التارك للمحرَّمات هو المقتصد،
ومَن أتى بها وأتى بالنوافل معها فهو السابق بالخيرات.
فتح
القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 115)
قوله:
(( ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه )) إلخ،
النوافل
هي الإتيان بالأعمال الصالحة زيادة على الفرائض، وفعلها مع الاستمرار عليها يجلب محبَّة
الله عزَّ وجلَّ، وإذا حصلت له المحبَّة ظفر بتسديد الله في تصرفاته، فلا يسمع إلاَّ
ما هو حق، ولا يرى إلاَّ ما هو حق، ولا ينال إلاَّ ما هو حق، ولا يَمشي إلاَّ إلى ما
هو حق، وأكرمه الله بإجابة دعوته إذا دعاه، وإعاذته مِمَّا استعاذه منه.
فتح
القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 115)
مِمَّا
يُستفاد من الحديث:
1
ـ بيان فضل أولياء الله، وشدَّة خطر معاداتهم.
2
ـ أنَّ ولايةَ الله عزَّ وجلَّ تحصل بأداء الفرائض وفعل النوافل.
3
ـ أنَّ أحبَّ ما يُتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ به أداء الفرائض.
4
ـ إثبات صفة المحبَّة لله عزَّ وجلَّ.
5
ـ تفاوت الأعمال في محبَّة الله إيَّاها.
6
ـ أنَّ فعل النوافل بعد أداء الفرائض يجلب محبَّة الله عزَّ وجلَّ.
7
ـ أنَّ من ظفر بمحبَّة الله عزَّ وجلَّ سدَّده في سمعه وبصره وبطشه ومشيه.
8
ـ أنَّ محبَّة الله عزَّ وجلَّ تجلب للعبد إجابة دعائه وإعاذته مِمَّا يخاف.
9
ـ أنَّ ثوابَ الله عزَّ وجلَّ للعبد يكون بإجابة مطلوبه والسلامة من مرهوبه.
التحفة
الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية-إسماعيل بن محمد الأنصاري - (39 / 1)
يستفاد
منه :
1_
أن الله سبحانه وتعالى قدم الإعذار إلى كل من عادى وليا أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس
المعاداة . ولا يدخل في ذلك ما تقتضيه الأحوال في بعض المرات من النزاع بين وليين لله
تعلى في محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق غامض ، فإن هذا قد وقع بين كثير من أولياء
الله _عز وجل_.
2_
أن أداء الفرائض هو أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وذلك لما فيها من إظهار عظمة الربوبية
، وذل العبودية .
3_
أن النافلة إنما تقبل إذا أديت الفريضة ، لأنها لا تسمى نافلة إلا إذا قضيت الفريضة
.____
4_
أن أولياء الله تعالى هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه ، فظهر بذلك بطلان دعوى
أن هناك طريقا إلى الولاية غير التقرب إلى الله تعالى بطاعاته التي شرعها .
5_
أن من أتى بما وجب عليه ، وتقرب بالنوافل وفقه الله بحيث لا يسمع ما لم يأذن به الشرع
، ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له الشرع في مدها
إليه ، ولا يسعى إلا فيما أذن له في السعي إليه . وهذا هو المراد بقوله : (( كنت سمعه
إلخ )) لا ما يذكره الاتحادية و الحلولية . تعالى الله عن قولهم .
6_
أن من كان بالمنزلة المذكورة صار مجاب الدعوة .
7_
أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات لا ينقطع عن الطلب من ربه لما في ذلك من الخضوع له ،
وإظهار العبودية .
الفوائد
المستنبطة من الأربعين النووية - البراك - (1 / 62)
الحديث
أصل في فضل الولي والولاية، وفيه من الفوائد
1-
أن من العباد من يكون ولياً لله ومن يكون عدواً، والولي كل مؤمن تقي،
2-
وجوب موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه.
3-
أن موالاة أولياء الله تتضمن التواضع لهم.
4-
تحريم معاداة أولياء الله.
5-
غيرة الله لأوليائه وكرامتهم عنده.
6-
أن عداوة ولي من أولياء الله سبب لعداوة الله وحربه، والمعاداة : البغض وإرادة إلحاق
الأذى والضرر والسعي في ذلك، فإن كان لدين ولي الله فهو كفر، وإن كان لغير ذلك وكان
بغير حق فهو كبيرة، وإن كان بحق فمكروه، كالعداوة الناشئة عن خصومة.
7-
الوعد بنصر الله لوليه.
8-
إعلان الله الحرب على من يعادي ولياً من أوليائه ومن حاربه الله أدركه وأهلكه.
9-
التحذير من معاداة أولياء الله.
10-
أن الولاية تحصل بتحقيق العبادة، وذلك بالتقرب إلى الله بمحابه.
11-
أن الأعمال الصالحة سبب لمحبة الله لعبده.
12-
تفاضل أولياء الله في حظهم من هذه المحبة.
13-
إثبات المحبة لله.______
14-
أن الفرائض أفضل من النوافل في الجملة.
15-
أن الأعمال الصالحة كلها محبوبة لله، وبعضها أحب إليه من بعض، وأحبها الفرائض.
16-
أن العبادات منها الفرض ومنها النفل.
17-
أن أولياء الله صنفان :
الأول:
مقتصرون على فعل الفرائض وترك المحارم وهم المقتصدون وأصحاب اليمين، ويدل عليه قوله
: " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ".
الثاني
: المتقربون بالنوافل بعد الفرائض، وهم المقرَّبون والمسارعون في الخيرات، ويدل عليه
قوله : " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ".
18-
أن إكثار العبد من النوافل ومداومته عليها سبب لمحبة الله تعالى له محبة خاصة، ففيه:
19-
الحث على كثرة النوافل.
20-
أن العبد فقير إلى الله لا يستغني عن عطاء ربه، مهما بلغ في الولاية، ولهذا مدح الله
أنبياءه بدعائهم إياه، فقال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا
لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء: 90]
21-
أن أثر هذه المحبة تسديد الله للعبد وحفظ جوارحه عن المحارم والفضول، فلا يتصرف العبد
بجوارحه إلا على وفق الشرع، وهذا معنى قوله : "كنت سمعه وبصره ويده ورجله
". ومعنى ذلك أنه سبحانه المصرف لها بموجَب أمره الشرعي وأمره الكوني، كما قال
في الحديث " انا الدهر، أقلب ليله ونهاره " (م) .
22-
أن من آثار هذه المحبة الخاصة إجابة دعائه وإعطاءه سؤله وإعاذته مما استعاذ منه.
23-
أن الدعاء سبب لحصول المطالب، ففيه:
24-
الرد على الصوفية القائلين بأن الدعاء ونحوه من الأسباب ينافي التوكل.
25-
تواضع المؤمن لربه بافتقاره إليه وإنزال حوائجه به.
26-
أن الولي مستجاب الدعوة.
27-
أن الدعاء سبب لجلب المطلوب ودفع المكروه.
هذا
وتمام الحديث عند البخاري في صحيحه :
" وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره
مساءته " (خ) . فيه فوائد :
28-
جواز إضافة التردد إلى الله مقروناً بتفسيره، ومعنى التردد في حق الله تعارض إرادتين
مع كمال العلم بمقتضى الحكمة، وبما سيكون، بخلاف تردد المخلوق الذي هو نقص، فمنشؤه
الجهل بالمصلحة وبعواقب الأمور.
وتعارض
الإرادتين في هذا الحديث : كراهته تعالى لمساءة المؤمن ومشيئته لقبض نفسه.
29-
أن كراهة المسلم للموت لا يُذم به، لأنها جِبلِّيَّة، وليس ذلك من قبيل كراهة لقاء
الله، كما جاء في الحديث : " من كره لقاء الله كره الله لقاءه" (2) فذاك
حين المعاينة.
30-
أن الله يكره ما يسوء وليَّه، ولكنه تعالى يفعل ما تقتضيه حكمته البالغة.
31-
أن الموت حتم على كل نفس لا مفر منه، كما قال تعالى :
{كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]
{أَيْنَمَا
تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]
32-
إثبات الأفعال الاختيارية في حقه تعالى.
33-
ترجيح أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما." اهـ
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 139)
هذا
حديث جليل ، أشرف حديث في أوصاف الأولياء ، وفضلهم ومقاماتهم .
فأخبر
أن معاداة أوليائه معاداة له ومحاربة له . ومن كان متصديا لعداوة الرب ومحاربة مالك
الملك فهو مخذول ، ومن تكفل الله بالذب عنه فهو منصور ، وذلك لكمال موافقة أولياء الله
لله في محابه ، فأحبهم وقام بكفايتهم ، وكفاهم ما أهمهم .
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 139)
ذكر
صفة الأولياء الصفة الكاملة ، وأن أولياء الله هم الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض
والنوافل أولا : من صلاة وصيام وزكاة وحج ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وجهاد ،
وقيام بحقوقه وحقوق عباده الواجبة ____ثم انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب إليه بالنوافل
، فإن كل جنس من العبادات الواجبة مشروع من جنسه نوافل فيها فضائل عظيمة تكمل الفرائض
، وتكمل ثوابها .
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 140)
فأولياء
الله قاموا بالفرائض والنوافل ، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه ،
ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم ، فإن سمعوا سمعوا بالله ، وإن أبصروا فلله ، وإن بطشوا
أو مشوا ففي طاعة الله .
ومع
تسديده لهم في حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة : إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم ،
وإن استعاذوه من الشرور أعاذهم .
ومع
ذلك لطف بهم في كل أحوالهم ، ولولا أنه قضى على عباده بالموت لسلم منه أولياؤه ، لأنهم
يكرهونه لمشقته وعظمته ، والله يكره مساءتهم ، ولكن لما كان القضاء نافذا كان لا بد
لهم منه .
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 140)
فبين
في هذا الحديث صفة الأولياء ، وفضائلهم المتنوعة ، وحصول محبة الله لهم التي هي أعظم
ما تنافس فيه المتنافسون ، وأنه معهم وناصرهم ، ومؤيدهم ومسددهم ، ومجيب دعواتهم .
ويدل
هذا الحديث على : إثبات محبة الله ، وتفاوتها لأوليائه بحسب مقاماتهم .
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 141)
ووصف
النبي صلى الله عليه وسلم لأولياء الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل ، مطابق
لوصف الله لهم بالإيمان والتقوى في قوله :
{
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }{
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } . [ يونس : 62 ، 63 ]
فكل
من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا ؛ لأن الإيمان يشمل العقائد ، وأعمال القلوب والجوارح
، والتقوى ترك جميع المحرمات .
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 141)
ويدل
على أصل عظيم : وهو أن الفرائض مقدمة على النوافل . وأحب إلى الله وأكثر أجرا وثوابا
، لقوله : « وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه » ، وأنه عند التزاحم
يتعين تقديم الفروض على النوافل .
جامع
العلوم والحكم محقق - (40 / 7)
فأولياءُ
الله تجبُ موالاتُهم ، وتَحرُمُ معاداتُهم ، كما أنَّ أعداءهُ تجبُ معاداتُهم ، وتحرم
موالاتُهم ، قال تعالى : { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ }
(2) ، وقال : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ
} (3) ، ووصف أحبَّاءهُ الذين يُحبهم ويُحبونه بأنَّهم أذلَّةٌ على المؤمنين ، أعزَّةٌ
على الكافرين
مرعاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (7 / 388)
قال
الفاكهاني: هذا تهديد شديد لأن من حاربه الله أهلكه وهو من المجاز البليغ لأن من كره
من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه، وإذا ثبت هذا في جانب
المعاداة ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله
مرعاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (7 / 389)
قال
الطوفي: الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين، وإن اشترك
مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد
تقريباً وأيضاً الفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الإتيان بالفرائض على
الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الأمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية
وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل
Komentar
Posting Komentar