شرح الحديث 70 من بهجة قلوب الأبرار لأبي فائزة البوجيسي

 

الحديث السبعون: وصيّة نافعة.

عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفاري رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

"يَا أَبَا ذَرٍّ، لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَع كَالْكَفِّ، وَلَا حَسَبَ كحُسْن الْخُلُقِ" رواه البيهقي في شعب الإيمان

 

تخريج الحديث:

 

سنن ابن ماجه (2/ 1410) (رقم: 4218)، صحيح ابن حبان - مخرجا (2/ 76) (رقم: 361)، المعجم الكبير للطبراني (2/ 157) (رقم: 1651)، مكارم الأخلاق للخرائطي (ص: 37) (رقم: 48)، الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (ص: 85) (رقم: 262)، أمالي ابن بشران - الجزء الثاني (ص: 288) (رقم: 1528)، مسند الشهاب القضاعي (2/ 39) (رقم: 837)، شعب الإيمان (6/ 357 و 10/ 384) (رقم: 4325 و 7668)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 168)، ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (1/ 268) (رقم: 915)

 

قال شعيب الأرنؤوط في تعليق صحيح ابن حبان (2/ 81):

"إسناده ضعيف جداً، إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي،

قال أبو حاتم: "كذاب"، كما في «الجرح والتعديل» 2/ 142، 143،

وقال الذهبي: "متروك، وكذبه أبو زرعة"، كما في «ميزان الاعتدال» (1/ 73 و4/ 378)." اهـ

 

ضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (4/ 382) (رقم: 1910)، ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 186) (رقم: 1595)

 

شرح المفردات الغريبة

 

قال محمد فؤاد عبد الباقي في "تعليقه على سنن ابن ماجه" (2/ 1410)

"(لاعقل كالتدبير)، أي: لاعقل كعقل التدبير أي كعقل يدبر في عواقب الأمور.

(كالكف) إن الكف عن المنهيات هو كإتيان المأمورات. وذلك من الورع.

(ولا حسب) أي لاشرف للنفس مثل الشرف الحاصل بحسن الخلق." اهـ

 

قال الشيخ المؤلف _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" ط الوزارة (ص: 142_145):

"هذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل، كل واحدة منها تحتها علم عظيم:

أما الجملة الأولى: فهي في بيان العقل وآثاره وعلاماته، وأن العقل الممدوح في الكتاب والسنة: هو قوة ونعمة أنعم الله بها على العبد، يعقل بها الأشياء النافعة، والعلوم والمعارف، ويتعقل بها، ويمتنع من الأمور الضارة والقبيحة، فهو ضروري للإنسان، لا يستغني عنه في كل أحواله الدينية والدنيوية، إذ به يعرف النافع والطريق إليه، ويعرف الضار وكيفية السلامة منه. والعقل يعرف بآثاره.

فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث آثاره الطيبة، فقال: «لا عقل كالتدبير» أي: تدبير العبد لأمور دينه، ولأمور دنياه.___

فتدبيره لأمور دينه: أن يسعى في تعرف الصراط المستقيم، وما كان عليه النبي الكريم من الأخلاق والهدي والسمت، ثم يسعى في سلوكه بحالة منتظمة، كما قال _صلى الله عليه وسلم_:

«استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا»

 

تقدم هذا الحديث [برقم: 28]

صحيح البخاري (1/ 16) (رقم: 39): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ»

 

أي: استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة كأول النهار وبعد الزوال وآخر الليل

 

وقد تقدم شرحُ هذا الحديثِ، وبيانُ الطريقِ الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها طريق سهلة توصل إلى الله وإلى دار كرامته بسهولة وراحة،

وأنها لا تفوت على العبد من راحاته وأموره الدنيوية شيئا، بل يتمكن العبد معها من تحصيل المصلحتين والفوز بالسعادتين والحياة الطيبة.

 

فمتى دبر أحواله الدينية بهذا الميزان الشرعي، فقد كمل دينه وعقله، لأن المطلوب من العقل: أن يوصل صاحبه إلى العواقب الحميدة من أقرب طريق وأيسره.

 

* وأما تدبير المعاش، فإن العاقل يسعى في طلب الرزق بما يتضح له أنه أنفع له وأجدى عليه في حصول مقصوده. ولا يتخبط في الأسباب خبط عشواء، لا يَقَرُّ لَهُ قَرَارٌ، بل إذا رأى سببا فتح له باب رزق فليلزمه، وليثابر عليه، وليجمل في الطلب، ففي هذا بركة مجربة.

 

ثم يدبر تدبيرا آخر، وهو التدبير في التصريف والإنفاق، فلا ينفق في طرق محرمة، أو طرق غير نافعة، أو يسرف في النفقات المباحة أو يقتر.

 

وميزان ذلك قوله تعالى في مدح الأخيار: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]

 

فحسن التدبير في كسب الأرزاق، وحسن التدبير في الإنفاق، والتصريف،__والحفظ، وتوابع ذلك: دليل على كمال عقل الإنسان ورزانته ورشده.

وضد ذلك: دليل على نقصان عقله، وفساد لُبه.

 

"يَا أَبَا ذَرٍّ، لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَع كَالْكَفِّ، وَلَا حَسَبَ كحُسْن الْخُلُقِ"

 

الجملة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ورع كالكف» .

 

فهذا حد جامع للورع، بين به رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الورع الحقيقي هو الذي يكف نفسه، وقلبه ولسانه، وجميع جوارحه عن الأمور المحرمة الضارة.

 

فكل ما قاله أهل العلم في تفسير الورع، فإنه يرجع إلى هذا التفسير الواضح الجامع.

 

فمن حفظ قلبه عن الشكوك والشبهات، وعن الشهوات المحرمة والغل والحقد، وعن سائر مساوئ الأخلاق، وحفظ لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والشتم، وعن كل إثم وأذى، وكلام محرم، وحفظ فرجه وبصره عن الحرام، وحفظ بطنه عن أكل الحرام، وجوارحه عن كسب الآثام، فهذا هو الورع حقيقة.

 

ومن ضيع شيئا من ذلك نقص من ورعه بقدر ذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام: " الورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة ".

 

صحيح البخاري (8/ 100) (رقم: 6474):

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»

 

الجملة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا حسب كحسن الخلق» .

وذلك أن الحسب مرتبة عالية عند الخلق. وصاحب الحسب له اعتبار وشرف بحسب ذلك. وهو نوعان:

* النوع الأول: حسب يتعلق بنسب الإنسان وشرف بيته. وهذا النوع إنما هو مدح؛ لأنه مظنة أن يكون صاحبه عاملا بمقتضى حسبه، مترفعا عن الدنايا، متحليا بالمكارم. فهو مقصود لغيره.___

 

* وأما النوع الثاني، فهو الحسب الحقيقي الذي هو وصف للعبد، وجمال له وزينة، وخير في الدنيا والدين، وهو حسن الخلق المحتوي على الحلم الواسع، والصبر والعفو، وبذل المعروف والإحسان، واحتمال الإساءة والأذى، ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن.

 

وإن شئت فقل: حسن الخلق نوعان:

الأول: حسن الخلق مع الله، وهو أن تتلقى أحكامه الشرعية والقدرية بالرضى والتسليمِ لحكمه، والانقيادِ لشرعه، بطمأنينة ورضى، وشكرِ لله على ما أنعم به: من الأمر والتوفيق، والصبر على أقداره المؤلمة والرضى بها.

الثاني: حسن الخلق مع الخلق، وهو بذل الندى، واحتمال الأذى، وكف الأذى، كما قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]

{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35]

فمن قام بحسن الخلق مع الله ومع الخلق، فقد نال الخير والفلاح. والله أعلم." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 535)

قال يوسف بن أسباط: علامة حسن الخلق عشرة أشياء:

* قلة الخلاف،

* وحسن الإنصاف

* وترك تطلب العثرات

* وتحسين ما يبدو من السيئات

* والتماس المعذرة

* واحتمال الأذى

* والرجوع بالملامة على نفسه

* والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره

* وطلاقة الوجه

* ولين الكلام.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة