شرح الحديث 85-86 من بلوغ المرام

 

85 - وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ:

أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَتَى الْغَائِطَ، فَلْيَسْتَتِرْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

 

نص الحديث وشرحه:

 

سنن أبي داود (1/ 9):

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقْدَ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ»

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 383)

(فَلْيَسْتَتِرْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَمْرٌ بِالتَّسَتُّرِ مَا أَمْكَنَ حَيْثُ لَا يَكُونُ قُعُودُهُ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهِ إِبْصَارُ النَّاظِرِينَ، فَيَتَهَتَّكُ السَّتْرُ أَوْ يَهُبُّ عَلَيْهِ الرِّيحُ فَيُصِيبُهُ الْبَلَلُ فَتَتَلَوَّثُ ثِيَابُهُ وَبَدَنُهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ لَعِبِ الشَّيْطَانِ بِهِ وَقَصْدِهِ إِيَّاهُ بِالْفَسَادِ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أبو داود (1/ 9) (رقم: 35)، وابن ماجه (1/ 121) (رقم: 337)، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 371) (رقم: 8838)، سنن الدارمي (1/ 524) (رقم: 689)، شرح معاني الآثار (1/ 121) (رقم: 742)، صحيح ابن حبان (4/ 257) (رقم: 1410)، مسند الشاميين للطبراني (1/ 275) (رقم: 481)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 153) (رقم: 448)، شرح السنة للبغوي (12/ 118) (رقم: 3204)، تاريخ دمشق لابن عساكر (43/ 290). وفيه حصين الحِمْيَرِيّ الحُبْرَانِيّ

 

قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/ 555) (رقم: 2105):

"حصين الحميري الحبراني [د، ق]: لا يعرف في زمن التابعين. خرج له أبو داود وابن ماجة." اهـ

 

قال الصنعاني _رحمه الله_ في "سبل السلام" (1/ 116):

"فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ لَهُ هُنَا عَنْ عَائِشَةَ رِوَايَةٌ، ثُمَّ هُوَ مُضَعَّفٌ بِمَنْ سَمِعْت، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْزُوَهُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ." اهـ

 

قال سمير بن أمين الزهيري _حفظه الله_ في "تخريج بلوغ المرام من أدلة الأحكام" (ص: 31):

"ضعيف. ووهم الحافظ في نسبته لعائشة رضي الله عنها، وإنما الحديث لأبي هريرة عند أبي داود (35)." اهـ

 

قال الدكتور ماهر ياسين الفحل في تعليقه على "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" (ص: 79):

"إسناده ضعيف، وقد وهم الحافظ في جعله من مسند عائشة، إنما هو من مسند أبي هريرة، وهو ضعيف؛ لجهالة أبي سعد الخير، والاختلاف في صحبته كذلك، ولجهالة الحصين الحبراني الحميري أيضاً." اهـ

 

فالحديث ضعيف: ضعفه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (3/ 98) (رقم: 1028)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 114) (رقم: 352)، و"ضعيف أبي داود" - الأم (1/ 21) (رقم: 8)، و"ضعيف الجامع الصغير وزيادته" (ص: 788) (رقم: 5468)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (3/ 84) (رقم: 1407)، و"ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (ص: 18)

 

من فوائد الحديث:

 

قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 115):

"وَالْحَدِيثُ كَاَلَّذِي سَلَف دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِتَارِ." اهـ

 

وقال البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 350)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - الأمر بالاستتار حال قضاء الحاجة، سواءٌ للغائط أو البول.

2 - وجوب الاستتار وتحريم كشف العورة في هذه الحال وفي غيرها، إلاَّ ما استثني للحاجة.

3 - أمَّا ستر بقيَّة الجسم أثناء قضاء الحاجة عن أنظار النَّاس، فإنَّه من الآداب الكريمة، والأخلاق الفاضلة، فلا ينبغي أنْ يقضي حاجته أمام النَّاس، ولو لم يَرَوْا عورته؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يبتعد عن النَّاس؛ كما في حديث المغيرة المتقدِّم برقم (79)." اهـ

 

وقال العثيمين في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 306):

ففي هذا الحديث من الفوائد: الإشارة إلى أن الناس فيما سبق كانوا يقضون حوائجهم في الأماكن البرية أو الداخلية في البلد، لكن بشرط أن تكون منخفضة مطمئنة.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الاستتار على من أتى الغائط؛ لأن هذا ظاهر الأمر، لكن القواعد تقتضي أنه يختلف، فالاستتار بحيث لا ترى العورة واجب، والاستتار فيما زاد على ذلك سنة." اهـ

 

وقال الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 48):

"وَأَدَبُ السَّتْرِ فِي حَقِّ قَاضِي الْحَاجَةِ فِي الْبُنْيَانِ أَنْ يَسْتَتِرَ بِجُمْلَتِهِ فِي بِنَاءٍ مُسَقَّفٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي الظُّهُورِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ سِوَاهُ؛ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ؛ اكْتِفَاءً بِإِطْلَاقِهِمْ وُجُوبَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَنَقْلَهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهَا،

وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ حُصُولَ الْفَرْضِ مِنْ السَّتْرِ بِإِرْخَاءِ الذَّيْلِ لَا يُنَافِي وُجُوبَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ أَدَبًا بَلْ هُوَ مِمَّا يَتَأَدَّى بِهِ وَاجِبُ السَّتْرِ فَلَا يُؤَيِّدُ زَعْمَ مَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَزَعْمُهُ الِاحْتِيَاجَ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الزَّرْكَشِيّ صَرَّحَ بِأَنَّ مَا تُلْقِيه الْفِئْرَانُ فِي حِيَاضِ الْبُيُوتِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ مِنْ الْغَائِطِ يُعْفَى عَنْهُ، أَيْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ إنْ تَحَقَّقَ إلْقَاءُ الْفِئْرَانِ لَهُ." اهـ

 

86 - وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَكَ" أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 34)

وَقَالَ الرَّضِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ مَا حَاصِلُهُ:

أَنَّ الْمَصَادِرَ الَّتِي بُيِّنَ فَاعِلُهَا بِإِضَافَتِهَا إِلَيْهِ، نَحْوَ: (كِتَابُ اللَّهِ وَوَعْدُ اللَّهِ) أَوْ بُيِّنَ مَفْعُولُهَا بِالْإِضَافَةِ، نَحْوَ: (ضَرْبَ الرِّقَابِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ)، أَوْ بُيِّنَ فَاعِلُهَا بِحَرْفِ جَرٍّ، نَحْوَ: (بُؤْسًا لَكَ، وَسُحْقًا لَكَ)، أَوْ بُيِّنَ مَفْعُولُهَا بِحَرْفِ جَرٍّ نَحْوَ: (غُفْرًا لَكَ، وَجَدْعًا لَكَ)، فَيَجِبُ حَذْفُ فِعْلِهَا فِي جَمِيعِ هَذَا قِيَاسًا.

وَغُفْرَانَكَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الضَّابِطِ، فَعَلَى هَذَا، يَكُونُ فِعْلُهُ الْمُقَدَّرُ: (اغْفِرْ)، أَيِ: (اغْفِرْ غُفْرَانًا)." اهـ

 

تخريج الحديث

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 8) (رقم: 30)، وقال:

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ»

 

وأخرجه سنن الترمذي ت شاكر (1/ 12) (رقم: 7)، السنن الكبرى للنسائي (9/ 35) (رقم: 9824)، سنن ابن ماجه (1/ 110) (رقم: 300)

 

صححه الهلالي في عجالة الراغب المتمني في تخريج كتاب «عمل اليوم والليلة» لابن السني (1/ 62) (رقم: 24)،

 

وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص: 257) (رقم: 537)، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 91) (رقم: 52)، صحيح أبي داود - الأم (1/ 59) (رقم: 23)

 

من فوائد الحديث:

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 351_352):

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - استحباب قول: "غفرانك" بعد قضاء حاجته وخروجه من المكان الذي قضى فيه حاجته، ودلالته على الاستحباب؛ لأنَّه لم يأت من الأدلة إلاَّ مجرَّد___قوله بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن بيانًا لمجمل يأخذ حكمه.

2 - معنى "غفرانك" أي: أسألك غفرانك من الذنوب والأوزار؛ فهو منصوب بفعلٍ محذوفٍ.

3 - مناسبة هذا الدُّعاء: أن الإنسان لما خفَّ جسمه بعد قضاء الحاجة، وارتاح من الأذى الماديِّ الذي كان يثقله، ذَكَرَ ذنوبَهُ التي تثقل قلبه وتغم نفسه ويخشى عواقبها، سأل الله تعالى أنَّه -كما مَنَّ عليه بالعافية من خروج هذا الأذى- أنْ يَمُنَّ عليه، فيخفِّفَ عنه أوزاره وذنوبه؛ ليخف ماديًّا ومعنويًّا.

4 - نظير هذا: ما جاء من الذِّكْرِ بعد الوضوء بقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله ... إلخ؛ فإنَّ المتوضىء لما طهر ظاهره، سأل الله أنْ يطهِّر باطنه بهذه الشهادة.

5 - وردتْ أدعيةٌ أُخرى مرفوعة، ولكن كل أسانيدها ضعيفة.

قال أبو حاتم: أصح ما في الباب حديث عائشة.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة