شرح الحديث 131 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين

 

[131] الخامس عشر:

عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»

قَالُوا: بَلَى، يَا رسولَ اللهِ،

قَالَ: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ» . رواه مسلم.

 

ترجمة أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:

 

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا،

فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :

"وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:

"قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت:

روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين (5370) حديثًا. في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

الخامس عشر: عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»

قَالُوا: بَلَى، يَا رسولَ اللهِ،

قَالَ: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ،

 

وفي "تحفة الأحوذي" (1 / 141):

"(قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ)، "أي : إتمامه وإكماله باستيعاب المحل بالغسل وتطويل الغرة وتكرار الغسل ثلاثا." اهـ

 

وفي "حاشية السندي على النسائي" (1 / 90):

"(على المكاره): جمع مَكْرَهٍ _بفتح الميم من الكره_ بمعنى : المشقة، كبرد الماء وألم الجسم والاشتغال بالوضوء مع ترك أمور الدنيا. وقيل: ومنها الجد في طلب الماء وشرائه بالثمن الغالي." اهـ

 

وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ،

 

 

وقال أبو الوليد الباجي _رحمه الله_ في "المنتقى" - شرح الموطأ - (1 / 397):

"(وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ)، وَهُوَ يَكُونُ: بِبُعْدِ الدَّارِ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَيَكُونُ بِكَثْرَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ." اهـ

 

وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ،

 

وفي "حاشية السندي على النسائي" (1 / 90):

"(وانتظار الصلاة): بالجلوس لها في المسجد أو تعلق القلب بها والتأهب لها."

 

فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ» . رواه مسلم.

 

وفي "حاشية السندي على النسائي" (1 / 90):

"وحقيقته: ربط النفس والجسم مع الطاعات،

وقيل: المراد هو الأفضل، والرباط ملازمة ثغر العدو لمنعه، وهذه الأعمال تسد طرق الشيطان عنه، وتمنع النفس عن الشهوات. وعداوة النفس والشيطان لا تخفى، فهذا هو الجهاد الأكبر الذي فيه قهر أعدى عدوه، فلذلك قال: (الرباط) بالتعريف والتكرار تعظيما لشأنه." اهـ

 

وقال شمس الدين السَّفيري في "المجالس الوعظية" (38 / 23):

"فائدة: ذكر أهل العلم في معنى قوله: «فذلكم الرباط» وجهين:

أحدهما: أنه شبه الذي يتوضأ في شدة البرد، ويكثر الذهاب إلى المسجد، وينتظر الصلاة بعد الصلاة في الأجر بالمرابط في سبيل الله قُبالة أعدائه.

والثاني: أنه رباط صاحبه عن إثم الخطيئة، فكأنه عقله عنها بفعله.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم (1/ 219/ 41) (رقم: 251)، والترمذي – ت. شاكر (1/ 72) (رقم: 51)، والنسائي (1/ 89) (رقم: 143)، وفي "السنن الكبرى" (1/ 128) (رقم: 138)، وابن ماجه (1/ 148) (رقم: 428)، ومالك – ت. الأعظمي (2/ 224) (رقم: 557)، وعبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (1/ 520) (رقم: 1993)، وأحمد – ط. عالم الكتب (2/ 303) (رقم: 8021).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 195) (رقم: 192)

 

من فوائد الحديث:

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 604):

"إسباغ الوضوء في المكاره: إتمامه في نحو برد وقلَّة ماء، وأصل الرباط، الحبس على الشيء، فكأنه حبس نفسه على هذه الطاعة.

وفي الحديث: استحباب إسباغ الوضوء، والتردد إلى المسجد، واستحباب الجلوس فيه للعبادة." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (1 / 112):

"وسُمِّيت هذه الثلاث رباطًا؛ لأنَّ أعدى عدو للإنسان نفسه ، وهذه الأعمال تسدُّ طرق الشيطان والهوى عن النفس، فإن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (6/ 367_368):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل إسباغ الوضوء على المكاره، وأخرج ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ في "التمهيد" بسند صحيح، عن سعيد بن المسيّب، عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة تَغسل الخطايا غَسْلًا" ["التمهيد" 20/ 224]___

ورَوَى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عُبيد بن عُمير، قال: مِن صدق الإيمان وبِرّه إسباغُ الوضوء في المكاره، ومن صدق الإيمان وبِرّه أن يخلو الرجل بالمرأة الجميلة، ويَدَعَها، ولا يَدَعُها إلا لله عزَّ وجلَّ ["الاستذكار" 6/ 218 - 219]

ثم إن المكاره قد تكون ببرودة الماء في الشتاء، أو حرارته في الصيف، أو ألم الجسم، أو نحو ذلك، كما أسلفناه قريبًا.

2 - (ومنها): ما قاله الحافظ ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: هذا الحديث من أفضل الأحاديث التي تُروى في فضائل الأعمال ["الاستذكار" 6/ 218]

3 - (ومنها): مشروعيّة طرح العالم المسألة على المتعلّم، وابتداؤه بالفائدة، وعرضُها على من يرجو حفظها، وحملها، قاله ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ أيضًا.

4 - (ومنها): الترغيب في كثرة الخطا إلى المساجد، وذلك يكون ببعد المسجد، أو تكرار الذهاب إليه، أو بهما معًا.

5 - (ومنها): فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد، فإن المنتظر يعدّ كأنه في الصلاة ما دامت الصلاة تحبسه، فقد أخرج الشيخان من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أخَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم خرج علينا، فلما صلى أقبل علينا بوجهه، فقال: "إن الناس قد صَلَّوا، ورَقَدُوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

وقال زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ) _رحمه الله_ في كتابه "فتح الباري" (4 / 55):

"منتظر الصلاة لا يزال فِي صلاة مَا دامت الصلاة تحبسه. وقد فسر ذَلِكَ بأنه (لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)،

وهذا يشمل من دَخَلَ المسجد للصلاة فِيهِ جماعة قَبْلَ إقامة الصلاة فجلس ينتظر الصلاة ، ومن صلى مَعَ الإمام ثُمَّ جلس ينتظر الصلاة الثانية .

وهذا من نوع الرباط فِي سبيل الله ، كما قَالَ النَّبِيّ." اهـ

 

ففي "صحيح البخاري" (1/ 132) (رقم: 659)، و"صحيح مسلم" (1/ 460/ 275) (رقم: 649):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلاَةُ "

 

وقال الشيخ عبد المحسن العباد في "شرح سنن أبي داود" (1 / 2):

"فالتكاليف شاقة، والصبر ثلاثة أنوع:

* صبر على طاعة الله، ولو شقت على النفوس.

* وصبر عن المعاصي، ولو مالت إليها النفوس.

* وصبر على أقدار الله المؤلمة." اهـ

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031 هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (3 / 109):

المرابطة: ملازمة العدو مأخوذة من (الربط)، وهو الشد.

والمعنى: هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء

 

وقال ابن رجب في "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 53_54):

"فإسباغ الوضوء في البرد لا سيما في الليل يطلع الله عليه، ويرضى به، ويباهي به الملائكة، فاستحضار ذلك يهون ألم برد الماء،

وفي "المسند" و"صحيح ابن حبان" عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقد فيتوضأ، فإذا وضّأ يديه___انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه، انحلّت عقدة، وإذا مسح برأسه، انحلّت عقدة، وإذا وضّأ رجليه، انحلّت عُقدةً.

فيقول الرب _عز وجل_ للذِّيْ وراءَ الْحِجَابِ: (انظروا إلى عبدي هذا، يعالج نفسه، يسألني. ما سألني عبدي هذا، فهو له ...)." وذكر بقية الحديث." اهـ

 

[تعليق]: حديث حسن لغيره: حسنه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 403) (رقم :631)، و"صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (1/ 151) (رقم: 146)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (2/ 347) (رقم: 1049)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة