Pondasi Segala Amal
قال الله _تعالى_: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 385) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ} أَخْلَصَ، {وَجْهَهُ} قَالَ: دِينَهُ، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أَيْ: مُتَّبِعٌ فِيهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّ لِلْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ شَرْطَيْنِ: * أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ وَحْدَهُ، * وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ صَوَابًا مُوَافِقًا لِلشَّرِيعَةِ. فَمَتَى كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُتَقَبَّلْ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، عَنْهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَعَمَلُ الرُّهْبَانِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ -وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُمْ مُخْلِصُونَ فِيهِ لِلَّهِ-فَإِنَّهُ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مُتَابِعًا لِلرَّسُولِ [مُحَمَّدٍ] (3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَفِيهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفُرْقَانِ: 23] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النُّورِ: 39] . وَرُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ أَنَّهُ تَأَوَّلَهَا فِي الرُّهْبَانِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْعَمَلُ مُوَافِقًا لِلشَّرِيعَةِ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يُخْلِصْ عَامِلُهُ الْقَصْدَ لِلَّهِ فَهُوَ أَيْضًا مَرْدُودٌ عَلَى فَاعِلِهِ وَهَذَا حَالُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرَائِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النِّسَاءِ: 142] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الْمَاعُونِ: 4 -7] ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاَءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 110] . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} وعن أمير المؤمِنين أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عبدِ العُزّى بن
رياحِ بنِ عبدِ اللهِ بن قُرْطِ بن رَزاحِ بنِ عدِي بنِ كعب بنِ لُؤَيِّ بنِ
غالبٍ القُرشِيِّ العَدويِّ _رضي الله عنه_ قالَ : سَمِعتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم – يقُولُ: «إنّمَا
الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت
هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكَحُهَا،
فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه» مُتَّفَقٌ
عَلَى صِحَّتِهِ. رَوَاهُ إمَامَا
الْمُحَدّثِينَ: أبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ
بْنُ إسْمَاعيلَ بْن إبراهِيمَ بْن المُغيرَةِ بنِ بَرْدِزْبهْ الجُعْفِيُّ
البُخَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُسْلمُ بْنُ
الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلمٍ الْقُشَيريُّ النَّيْسَابُورِيُّ _رضي اللهُ عنهما_ فِي
"صحيحيهما" اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الكُتبِ المصنفةِ. |
ترجمة عمر بن الخطاب القرشي العدوي _رضي الله عنه_:
وفي "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1 / 40_41) للقاري :
"(عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ): وَهُوَ النَّاطِقُ بِالصَّوَابِ، الْمُسَمَّى بِـ"الْفَارُوقِ" عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ،
وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِـ"أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ"
فِيمَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_، وَهُوَ عَدَوِيٌّ قُرَشِيٌّ
يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ،
كَنَّاهُ
النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِـ"أَبِي
حَفْصٍ"، وَهُوَ لُغَةً: الْأَسَدُ،
وَلَقَّبَهُ بِالْفَارُوقِ لِفُرْقَانِهِ بَيْنَ الْحَقِّ،
وَالْبَاطِلِ.
قَالَ
الْقَاضِي فِي "تَفْسِيرِهِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60]
عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنْ مُنَافِقًا خَاصَمَ يَهُودِيًّا،
فَدَعَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،
وَدَعَاهُ الْمُنَافِقُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ،
ثُمَّ
إِنَّهُمَا احْتَكَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،
فَحَكَمَ لِلْيَهُودِيِّ، فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِقُ،
وَقَالَ:
نَتَحَاكَمُ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ لِعُمَرَ: قَضَى لِي رَسُولُ
اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ،
وَخَاصَمَ إِلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
فَقَالَ: مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا، فَدَخَلَ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ،
ثُمَّ خَرَجَ فَضَرَبَ بِهِ عُنُقَ الْمُنَافِقِ حَتَّى بَرَدَ، وَقَالَ: هَكَذَا
أَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ
جِبْرِيلُ: إِنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ» فَسُمِّيَ:
الْفَارُوقَ.
وَقِيلَ
بِإِسْلَامِهِ، إِذْ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ
كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْخَفَاءِ، وَبَعْدَهُ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الظُّهُورِ،
وَالْجَلَاءِ، أَسْلَمَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا
وَعَشَرَةٍ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ النُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ:
أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةٌ
وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَسِتُّ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ، فَنَزَلَتْ:
{يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:
64] .
بُويِعَ
لَهُ
بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ الصِّدِّيقِ بِعَهْدِهِ إِلَيْهِ، وَنَصِّهِ
عَلَيْهِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ
الْهِجْرَةِ، فَفَتَحَ الْبِلَادَ الْكَثِيرَةَ، وَالْفُتُوحَ الشَّهِيرَةَ، وَاسْتُشْهِدَ عَلَى يَدِ نَصْرَانِيٍّ اسْمُهُ أَبُو
لُؤْلُؤَةٍ، غُلَامُ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ بِالْمَدِينَةِ فِي صَلَاةِ
الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
عَامَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ عَلَى الْأَصَحِّ،
وَكَانَتْ
خِلَافَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ
صُهَيْبٌ،
رَوَى عَنْهُ
أَبُو بَكْرٍ، وَبَاقِي الْعَشَرَةِ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ،
وَالتَّابِعِينَ، أَحَادِيثُهُ الْمَرْفُوعَةُ
خَمْسُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ،
لَهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا بِأَرْبَعَةٍ
وَثَلَاثِينَ، وَمُسْلِمٌ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ، نَقْشُ خَاتَمِهِ: كَفَى
بِالْمَوْتِ_____شَدِيدًا فِي أَمْرِ اللَّهِ،
عَاقِلًا مُجْتَهِدًا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، جُعِلَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِهِ،
وَأُعِزَّ الدِّينُ بِهِ، وَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَهُ
فَضَائِلُ لَا تُحَدُّ، وَشَمَائِلُ لَا تُعَدُّ." اهـ
وفي
"تاريخ الإسلام"، ت. بشار (2/ 138) للذهبي :
"عمر
بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْن عَبْدِ العُزَّى بْن رياح بْن قُرط بْن رزَاح
بْن عديّ بْن كعْب بْن لُؤيّ، أمير المؤمنين، أَبُو حفص، القُرَشي العدوي، الفاروق
رضي الله عنه. [المتوفى: 23 ه]، اسْتُشْهِدَ في أواخر ذي الحجة. وأمّه: حَنْتَمَة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النُّبُّوة، وله سبعٌ وعشرون سنة." اهـ
نص الحديث
وشرحه:
وعن أمير المؤمِنين
أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ
عبدِ العُزّى بن رياحِ بنِ عبدِ اللهِ بن قُرْطِ بن رَزاحِ بنِ عدِي بنِ كعب بنِ
لُؤَيِّ بنِ غالبٍ القُرشِيِّ العَدويِّ _رضي الله عنه_ قالَ :
سَمِعتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم – يقُولُ:
«إنّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ،
وفي عمدة
القاري شرح صحيح البخاري - (1 / 23) للعيني :
اخْتلفُوا فِي
تَفْسِير النِّيَّة:
* فَقيل: هُوَ
الْقَصْد إِلَى الْفِعْل. وَقَالَ الْخطابِيّ :
"هُوَ قصدك الشَّيْء بقلبك وتحرى الطّلب مِنْك لَهُ." وَقَالَ التَّيْمِيّ: "النِّيَّة هَهُنَا وجهة
الْقلب." وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ :
"النِّيَّة عبارَة عَن انبعاث الْقلب نَحْو مَا يرَاهُ مُوَافقا لغَرَض من
جلب نفع أَو دفع ضرّ حَالا أَو مَآلًا." وَقَالَ
النَّوَوِيّ : "النِّيَّة الْقَصْد وَهُوَ عَزِيمَة الْقلب". وَقَالَ الْكرْمَانِي : "لَيْسَ هُوَ عَزِيمَة
الْقلب لما قَالَ المتكلمون الْقَصْد إِلَى الْفِعْل هُوَ مَا نجده من أَنْفُسنَا
حَال الإيجاد والعزم قد يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَيقبل الشدَّة والضعف بِخِلَاف
الْقَصْد ففرقوا بَينهمَا من جِهَتَيْنِ فَلَا يَصح تَفْسِيره بِهِ."
* قلت: الْعَزْم هُوَ إِرَادَة الْفِعْل وَالْقطع عَلَيْهِ، وَالْمرَاد
من النِّيَّة هَهُنَا هَذَا الْمَعْنى، فَلذَلِك فسر النَّوَوِيّ الْقَصْد
الَّذِي هُوَ النِّيَّة بالعزم، فَافْهَم على أَن الْحَافِظ أَبَا الْحسن عَليّ بن
الْمفضل الْمَقْدِسِي قد جعل فِي أربعينه النِّيَّة والإرادة وَالْقَصْد والعزم
بِمَعْنى، ثمَّ قَالَ وَكَذَا (أزمعت على الشَّيْء وعمدت إِلَيْهِ)." اهـ
وقال شيخنا العباد _حفظه
الله_ "فتح القوي المتين في شرح الأربعين" (ص: 11):
"(النيات) بدلاً
من الضمير (ها) ، أي: الأعمال بنيَّاتها، ومتعلق الجار والمجرور محذوف تقديره
معتبرة، أي: أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها، والنيَّة في
اللغة: القصد، وتأتي للتمييز بين العبادات، كتمييز
فرض عن فرض، أو فرض عن نفل، وتمييز العبادات عن العادات، كالغسل من الجنابة والغسل
للتبرُّد والتنظُّف.
وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امرِئٍ مَا نَوَى،
وقال شيخنا العباد _حفظه
الله_ "فتح القوي المتين في شرح الأربعين" (ص: 11_12):
قوله: "وإنَّما
لكلِّ امرئ ما نوى"، قال ابن رجب (1/65):
"إخبارٌ أنَّه
لا يحصل له من عمله إلاَّ ما نواه، فإن نوى خيراً حصل له خير ٌ، وإن نوى شرًّا حصل
له شرٌّ، وليس هذا تكريراً مَحضاً للجملة الأولى، فإنَّ
الجملة الأولى دلَّت على أنَّ صلاحَ العمل وفسادَه
بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية دلَّت
على أنَّ ثوابَ العامل على عمله بحسب نيَّتِه الصالحة، وأنَّ عقابه عليه بحسب
نيَّته الفاسدة، وقد تكون نيَّتُه مباحةً فيكون العملُ مباحاً، فلا يحصل له به
ثوابٌ ولا___عقاب،
فالعملُ في نفسه:
صلاحه وفساده وإباحته بحسب النية الحاملة عليه المقتضية لوجوده، وثوابُ العامل وعقابُه
وسلامته بحسب نيته التي بها صار العملُ صالحاً أو فاسداً أو مباحاً".
فَمَنْ كَانَتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله،
قال شيخنا العباد _حفظه
الله_ "فتح القوي المتين في شرح الأربعين" (ص: 12):
"وقوله: (فمَن كانت هجرته
إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)،
اتَّحد فيه الشرط والجزاء،
والأصل اختلافهما، والمعنى: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نيَّة وقصداً، فهجرته
إلى الله ورسوله ثواباً وأجراً، فافترقا، قال ابن رجب (1/72) : "لَمَّا ذكر
صلى الله عليه وسلم أنَّ الأعمالَ بحسب النيَّات، وأنَّ حظَّ العامل من عمله نيته
من خير أو شرٍّ، وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليَّتان، لا يخرج عنهما شيء، ذكر
بعد ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي صورتُها واحدة، ويختلف صلاحُها وفسادُها
باختلاف النيَّات، وكأنَّه يقول: سائر الأعمال على حذو هذا المثال".
وقال أيضاً (1/73): "فأخبر
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هذه الهجرة تختلف باختلاف النيَّات والمقاصد
بها، فمَن هاجر إلى دار الإسلام حبًّا لله ورسوله، ورغبةً في تعلم دين الإسلام
وإظهار دينه حيث كان يعجز عنه___في دار الشرك، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله
حقًّا، وكفاه شرَفاً وفخراً أنَّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا
المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه؛ لأنَّ حصولَ ما نواه بهجرته
نهايةُ المطلوب في الدنيا والآخرة.
ومَن كانت هجرتُه من دار الشرك
إلى دار الإسلام لطلب دنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما
هاجر إليه من ذلك، فالأوَّل تاجرٌ، والثاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر."
اهـ
وقال ابن رجب _رحمه الله_ في "جامع
العلوم والحكم" – ت. الأرنؤوط (1/ 73):
"وَفِي قَوْلِهِ: «إِلَى
مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» تَحْقِيرٌ لِمَا طَلَبَهُ
مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَاسْتِهَانَةٌ بِهِ،
حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ بِلَفْظِهِ. وَأَيْضًا فَالْهِجْرَةُ إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاحِدَةٌ فَلَا تَعَدُّدَ فِيهَا، فَلِذَلِكَ أَعَادَ الْجَوَابَ
فِيهَا بِلَفْظِ الشَّرْطِ.
وَالْهِجْرَةُ لِأُمُورِ
الدُّنْيَا لَا تَنْحَصِرُ، فَقَدْ يُهَاجِرُ الْإِنْسَانُ لِطَلَبِ دُنْيَا
مُبَاحَةٍ تَارَةً، وَمُحَرَّمَةٍ تَارَةً، وَأَفْرَادُ مَا يُقْصَدُ
بِالْهِجْرَةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لَا تَنْحَصِرُ، فَلِذَلِكَ قَالَ:
«فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ،» يَعْنِي كَائِنًا مَا كَانَ." اهـ
وقال للسفيري _ رحمه الله_ في "المجالس
الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري"
(6 / 1):
"قال العلماء: الهجرة فعلة
من الهجر ضد الوصل، ثم غلب ذلك على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية،
وتقسيم الهجرة إلى ثمانية أقسام
كما أفاده العراقي:
الأولى: الهجرة الأولى إلى
الحبشة عندما آذى الكفار الصحابة خرج من الصحابة سراً أحد عشر نسوة منهم: عثمان بن
عفان وزوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الثانية: الهجرة من مكة إلى
المدينة.
الثالثة: هجرة القبائل إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتعلم الشرائع، ثم يرجعون إلى الأوطان، ويعلمون
قومهم.
الرابعة: هجرة من أسلم من مكة
ليأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع إلى مكة.
الخامسة: هجرة ما نهي الله
عنه.
السادسة: الهجرة الثانية إلى
أرض الحبشة مرتين، فإنهم هاجروا إلى أرض الحبشة مرتين كما هو معروف في السير،
وجميع من هاجر إلى أرض الحبشة إثنان وثمانون رجلاً سوى النساء والصبيان.
السابعة: هجرة من كان مقيماً
ببلاد الكفر ولا يقدر على إظهار الدين، فإنه يجب عليه أن يهاجر إلى بلاد الإسلام
كما صرح به العلماء.
الثامنة: الهجرة إلى الشام في
آخر الزمان عند ظهور الفتن.." اهـ
ومن كانت هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ
يَنْكَحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه» . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
رَوَاهُ إمَامَا
الْمُحَدّثِينَ، أبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعيلَ بْن إبراهِيمَ بْن
المُغيرَةِ بنِ بَرْدِزْبهْ الجُعْفِيُّ البُخَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُسْلمُ
بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلمٍ الْقُشَيريُّ النَّيْسَابُورِيُّ رضي اللهُ عنهما
فِي صحيحيهما اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الكُتبِ المصنفةِ.
وفي "البدر
المنير" (1 / 664) لابن الملقن:
هَاهُنَا
سُؤال مَشْهُور، وَهُوَ: كَيفَ ذكرت الْمَرْأَة مَعَ
الدُّنْيَا، مَعَ أَنَّهَا____دَاخِلَة
(فِيهَا)؟
وَالْجَوَاب
عَنهُ
من أوجه :
أَحدهَا :
أَنه لَا يلْزم دُخُولهَا فِي هَذِه الصِّيغَة ؛ لِأَن لَفْظَة دنيا نكرَة وَهِي
لَا تعم فِي الْإِثْبَات ، فَلَا يلْزم دُخُول الْمَرْأَة فِيهَا .
الثَّانِي :
أَن هَذَا الحَدِيث قد ورد عَلَى سَبَب كَمَا مر فَذكرت الْمَرْأَة لأجل تَبْيِين
السَّبَب .
الثَّالِث:
أَنه
للتّنْبِيه عَلَى زِيَادَة التحذير من الْمَرْأَة، وَقد جَاءَ ذكر الْخَاص بعد
الْعَام تَنْبِيها عَلَى مزيته فِي عدَّة آيَات من الْقُرْآن .
مِنْهَا
قَوْله _تَعَالَى_: (حَافظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى) .
وَمِنْهَا
قَوْله _تَعَالَى_: (وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح) الْآيَةَ.
وَمِنْهَا
قَوْله _تَعَالَى_: (من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله) ." اهـ
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 46)
مِنَ
الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ
الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ لِحُصُولِ الْفَائِدَةِ،
فَقِيلَ:
التَّقْدِيرُ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ، وَرَسُولِهِ قَصْدًا
وَنِيَّةً، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَمَرَةً، وَمَنْفَعَةً،
فَهُوَ تَمْيِيزٌ لِلنِّسْبَةِ، وَيَجُوزُ حَذْفُهُ لِلْقَرِينَةِ،
وَقِيلَ:
فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ، وَرَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا
فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْعُقْبَى، وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ
الْجَزَائِيَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ : فَهِجْرَتُهُ مَقْبُولَةٌ، أَوْ
صَحِيحَةٌ، فَأُقِيمَ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبُ،
وَقِيلَ:
خَبَرُهُ مُقَدَّرٌ مِنْ طَرَفِ الْجَزَاءِ أَيْ: فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ مَقْبُولَةٌ، أَيْ : فَهِيَ كَمَا نَوَاهَا، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ
عَلَى اللَّهِ سَوَاءٌ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ وَصَلَ إِلَى الْفَرِيقِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
[النساء: 100]
وَقِيلَ:
اتِّحَادُ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ." اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه
(1/ 6) (رقم: 1)، ومسلم في صحيحه (3/ 1515) (رقم : 1907)، وأبو داود في "سننه"
(2/ 262) (رقم: 2201)، الترمذي في "سننه" (4/ 179) (رقم: 1647)، والنسائي
في "سننه" (1/ 58) (رقم : 75، 3437، 3794)، وابن ماجه في "سننه"
(2/ 1413) (رقم : 4227)
منزلة
الحديث :
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (13
/ 53_54):
"أَجْمَع
الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِظَم مَوْقِع هَذَا الْحَدِيث ، وَكَثْرَة فَوَائِده
وَصِحَّته ،
قَالَ الشَّافِعِيّ
وَآخَرُونَ: هُوَ ثُلُث الْإِسْلَام[1]،
وَقَالَ الشَّافِعِيّ:
يَدْخُل فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْفِقْه ،
وَقَالَ آخَرُونَ:
هُوَ رُبْع الْإِسْلَام ،
وَقَالَ عَبْد
الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَغَيْره: (يَنْبَغِي لِمَنْ صَنَّفَ كِتَابًا أَنْ
يَبْدَأ فِيهِ بِهَذَا الْحَدِيث تَنْبِيهًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَصْحِيح النِّيَّة).
وَنَقَلَ
الْخَطَّابِيُّ هَذَا____عَنْ الْأَئِمَّة
مُطْلَقًا، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبُخَارِيّ وَغَيْره ، فَابْتَدَءُوا بِهِ
قَبْل كُلّ شَيْء ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي سَبْعَة مَوَاضِع مِنْ كِتَابه."
اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(1 / 22):
"أَرَادَ
بِهَذَا إخلاص الْقَصْد وَتَصْحِيح النِّيَّة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه قصد
بتأليفه الصَّحِيح وَجه الله تَعَالَى وَقد حصل لَهُ ذَلِك حَيْثُ أعْطى هَذَا
الْكتاب من الْحَظ مَا لم يُعْط غَيره من كتب الْإِسْلَام وَقَبله أهل الْمشرق
وَالْمغْرب ." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(1 / 22):
"وَقَالَ ابْن
مهْدي الْحَافِظ: (من أَرَادَ أَن يصنف كتابا، فليبدأ بِهَذَا الحَدِيث)،
وَقَالَ: (لَو صنّفتُ
كتابا، لبدأت فِي كل بَاب مِنْهُ بِهَذَا الحَدِيث)." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(1 / 22):
"وَقَالَ أَبُو
بكر بن داسة: سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول:
كتبت عَن النَّبِي _صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم_ خَمْسمِائَةَ ألفِ حَدِيثٍ، انتخبت مِنْهَا
أَرْبَعَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَثَمَانمِائَةِ حَدِيثٍ فِي الْأَحْكَام، فَأَما
أَحَادِيث الزّهْد والفضائل فَلم أخرجهَا وَيَكْفِي الْإِنْسَانَ لدينِهِ من ذَلِك
أَرْبَعَةُ أَحَادِيث: (الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ)، و(الحلال بَين وَالْحرَام بَيِّنٌ)،
وَ(من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه)، وَ(لَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا
حَتَّى يرضى لِأَخِيهِ مَا يرضى لنَفسِهِ)." اهـ
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (1 / 22) :
"وَقَالَ
القَاضِي عِيَاض: "ذكر الْأَئِمَّة أَن هَذَا الحَدِيث ثلث الْإِسْلَام وَقيل
ربعه وَقيل أصُول الدّين ثَلَاثَة أَحَادِيث وَقيل أَرْبَعَة.
قَالَ الشَّافِعِي
وَغَيره: يدْخل فِيهِ سَبْعُونَ بَابا من الْفِقْه وَقَالَ النَّوَوِيّ لم يرد
الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى انحصار أبوابه فِي هَذَا الْعدَد فَإِنَّهَا
أَكثر من ذَلِك وَقد نظم طَاهِر بن مفوز الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة." اهـ[2]
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (1 / 22) :
"وَلما بَدَأَ
البُخَارِيّ كِتَابه بِهِ لما ذكرنَا من الْمَعْنى خَتمه بِحَدِيث التَّسْبِيح
لِأَن بِهِ تتعطر الْمجَالِس وَهُوَ كَفَّارَة لما قد يَقع من الْجَالِس،
فَإِن قيل: لم
اخْتَار من هَذَا الحَدِيث مُخْتَصره وَلم يذكر مطوله هَهُنَا؟
قلت : لما كَانَ
قَصده التَّنْبِيه على أَنه قصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وَأَنه سيجزى بِحَسب
نِيَّته ابْتَدَأَ بالمختصر الَّذِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الشَّخْص يجزى بِقدر
نِيَّته فَإِن كَانَت نِيَّته وَجه الله تَعَالَى يجزى بالثواب وَالْخَيْر فِي
الدَّاريْنِ وَإِن كَانَت نِيَّته وَجها من وُجُوه الدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ حَظّ
من الثَّوَاب وَلَا من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة." اهـ
تنبيه حول
سبب ورود الحديث :
لقد ذكر بعض العلماء
أن قصة مهاجر أم قيس سبب لورود حديث " إنما الأعمال بالنيات " ، فما صحة
هذا القول ؟
الجواب : قد
أنكر ذلك جمع من العلماء، منهم :
1 - الحافظ
ابن رجب الحنبلي :
قال ابن رجب _رحمه
الله_ في "جامع العلوم والحكم" (1/74-75) :
"وقد اشتهرَ
أنَّ قصةَ مهاجر أم قيسٍ هي كانت سببَ قول النبي صلى الله عليه وسلم : من كانت
هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ،
ولم نر لذلك أصلا بإسناد يصح ، والله أعلم." اهـ
2 - الحافظ
ابن حجر العسقلاني :
قال الحافظ ابن حجر في
"الفتح" (1/16) : "لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ، ولم
أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك." اهـ
3 - الشيخ
أحمد محمد شاكر :
نقل الشيخ أحمد محمد
شاكر في تعليقه على ألفية السيوطي (ص183) كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي، وابن حجر -
رحمهما الله - .
4 - الشيخ
بكر بن عبد الله أبو زيد :
قال في كتابه "
التأصيل " (1/73) : "ومن الفوائد المضافة : أن ثمة روايات في غير الحديث
يتناقلها العلماء على التسليم بلا نكير ، هي عندهم كالجبال الرواسي في الثبوت ،
لكن عند التخريج لها ، تُصَيَّرُها هباءً .
منها : جعل قصة مهاجر
أم قيس التي رواها ابن مسعود - رضي الله عنه - كما في سنن سعيد بن منصور ، ومعجم
الطبراني سببا لورود حديث عمر - رضي الله عنه - : إنما الأعمال بالنيات ، وقد وقع
في هذا الغلطِ الكبارُ أمثالُ ابنِ دقيقِ العِيْدِ _رحمه الله_ كما في "
إحكام الأحكام " ، وأنكر ذلك الحفاظ، منهم : ابن رجب، وابن حجر - رجمهما الله
-." اهـ
فوائد
الحديث :
1/ فيه
بيان أن إحداث النية للوضوء والغسل واجب
وعليه بوب الحديث ابن
خزيمة في صحيحه - (1 / 73) قائلا: "باب إيجاب إحداث النية للوضوء
والغسل." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(1 / 30):
"وَفِيه: دَلِيل
على أَن الطَّهَارَة وَسَائِر الْعِبَادَات لَا تصح، إِلَّا بنية." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (13
/ 54):
"وفيه: دليل على
أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لا تصح إلا بالنية، وكذلك الصلوة والزكوة
والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات. وأما ازالة النجاسة
فالمشهور عندنا أنها
لاتفتقر إلى نية لأنها من باب التروك والترك لايحتاج إلى نية، وقد نقلوا الاجماع
فيها وشذ بعض أصحابنا فأوجبها، وهو باطل." اهـ
2/ فيه
جواز اختلاف النية بين الإمام والمؤتمين، فيجوز أن يصلي المأموم ظهرا بينما الإمام
ينوي ويصلي العصر:
عليه بوب الحديث أبو بكر
البيهقي في "السنن الكبرى"، ط. المعارف بالهند - (3 / 87) قائلاً :
"باب الظُّهْرِ
خَلْفَ مَنْ يُصَلِّى الْعَصْرَ {ت} قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-
إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.."
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (1
/ 27):
"مَا ذكره ابْن
السَّمْعَانِيّ فِي "أَمَالِيهِ":
"أَن فِيهِ
دلَالَة على أَن الْأَعْمَال الْخَارِجَة عَن الْعِبَادَة قد تفِيد الثَّوَاب،
إِذا نوى بهَا فاعلُها الْقرْبَة، كَالْأَكْلِ وَالشرب إِذا نوى بهما التقوية على
الطَّاعَة، وَالنَّوْمِ إِذا قصد بِهِ ترويح
الْبدن لِلْعِبَادَةِ، وَالْوَطْءِ إِذا أَرَادَ
بِهِ التعفف عَن الْفَاحِشَة كَمَا قَالَ _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_: (فِي بضع
أحدكُم صَدَقَةٌ)، الحَدِيثَ." اهـ
قال
علي بن سلطان القاري الحنفي _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح" (1 / 45):
"الْأُمُورُ
الْمُبَاحَاتُ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمَثُوبَاتِ، إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا
فَاعِلُهَا الْقُرُبَاتِ، كَالْمَآكِلِ،
وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَنَاكِحِ، وَسَائِرِ اللَّذَّاتِ، إِذَا نَوَى بِهَا
الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَاتِ لِاسْتِيفَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَكَالتَّطَيُّبِ إِذَا قَصَدَ إِقَامَةَ السُّنَّةِ،
وَدَفْعَ الرَّائِحَةِ الْمُؤْذِيَةِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِي الْجُمْلَةِ: كُلُّ عَمَلٍ صَدَرَ عَنْهُ لِدَاعِي
الْحَقِّ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَكَذَا الْمَتْرُوكَاتُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا
الْمَثُوبَاتُ، إِلَّا بِالنِّيَّاتِ." اهـ
وقال عبد
الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى:
911 هـ) _رحمه الله_ في "شرح سنن النسائي" (7 / 242):
"قال المازري: وإنما نبه أهل العلم على عظم هذا الحديث، لأن
الإنسان إنما يعبد بطهارة قلبه وجسمه. فأكثر المذامِّ المحظوراتِ إنما تنبعث من
القلب،
وأشار _صلى الله عليه
و سلم_ لاصلاحه، ونبه على أن اصلاحه هو إصلاح الجسم، وأنه الأصل.
وهذا صحيح يؤمن به
حتى من لا يؤمن بالشرع، وقد نص عليه الفلاسفة والاطباء." اهـ[3]
وقال أبو حفص
عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف بـ"سِرَاج
الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى: 804 هـ) _رحمه الله_ في "البدر
المنير" (1 / 664):
"قَالَ
الْخطابِيّ:
وَأفَاد قَوْلُه _صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسلم_: «وإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى» فَائِدَةً لم تحصل
بقوله: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَهِي): أَن تعْيين الْعِبَادَة
المنوية شرطٌ لصحتها." اهـ
وقال السندي في "الحاشية
على ابن ماجه" (8 / 80) لأبي الحسن السندي:
"إِنَّ الْعَمَل
يُحْسَب بِحَسَبِهَا خَيْرًا وَشَرًّا أَوْ يَجْزِي الْمَرْء بِحَسْبِهَا عَلَى
الْعَمَل ثَوَابًا وَعِقَابًا وَإِذَا تَقَرَّرَ الْمُقَدِّمَتَانِ تَرَتَّبَ
عَلَيْهِمَا."
قال
الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1 / 45)
وَتَحْرِيرُهُ
أَنَّ قَوْلَهُ: (إِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ
تُحْسَبُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ إِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ،
فَهِيَ لَهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلدُّنْيَا فَهِيَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ
لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَهِيَ لِذَلِكَ،
فَالتَّقْدِيرُ
إِذَا
تَقَرَّرَ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَنْوِيَّهُ مِنْ طَاعَةٍ، أَوْ مُبَاحٍ، أَوْ
غَيْرِهِمَا، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ مِنَ الْهَجْرِ، وَهُوَ التَّرْكُ الَّذِي
هُوَ ضِدُّ الْوَصْلِ، وَالْمُرَادُ هَنَا تَرْكُ الْوَطَنِ الَّذِي بِدَارِ
الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَهِجْرَةِ الصَّحَابَةِ لَمَّا اشْتَدَّ
بِهِمْ أَذَى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْهَا إِلَى الْحَبَشَةِ، وَإِلَى الْمَدِينَةِ
قَبْلَ هِجْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبَعْدَهَا، وَلَمَّا
احْتَاجُوا إِلَى تَعَلُّمِ الْعُلُومِ مِنْ أَوْطَانِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَقَدْ تُطْلَقُ كَمَا فِي أَحَادِيثَ عَلَى هِجْرَةِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ."
اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(1 / 28)
"مَا قَالَه
ابْن بطال عَن ابْن سراج أَنه إِنَّمَا خص الْمَرْأَة بِالذكر من بَين سَائِر
الْأَشْيَاء فِي هَذَا الحَدِيث، لِأَن الْعَرَب كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة لَا
تزوج الْمولى الْعَرَبيَّة وَلَا يزوجون بناتهم، إِلَّا من الْأَكفاء فِي النّسَب،
فَلَمَّا جَاءَ
الْإِسْلَام سوى بَين الْمُسلمين فِي مناكحهم وَصَارَ كل وَاحِد من الْمُسلمين كُفؤًا لصَاحبه، فَهَاجَرَ كثير من النَّاس إِلَى
الْمَدِينَة، ليتزوج بهَا حَتَّى سُمِّيَ بَعْضُهم مهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ."
اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(1 / 28):
"خص ذكر
الْمَرْأَة دون سَائِر مَا ينوى بِهِ الْهِجْرَة من أَفْرَاد الْأَغْرَاض
الدُّنْيَوِيَّة لأجل تبين السَّبَب، لِأَنَّهَا كَانَت أعظم أَسبَاب فتْنَة
الدُّنْيَا.
قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم_:
(مَا تركت بعدِي
فتْنَةً أضرَّ على الرِّجَال من النِّسَاء) [خ م]
وَذكر الدُّنْيَا
مَعهَا من بَاب زِيَادَة النَّص على السَّبَب كَمَا أَنه لما سُئِلَ عَن طهورية
مَاء الْبَحْر زَاد حل ميتَته." اهـ
وقال شمس الدين محمد بن عمر السفِيْرِي
الشافعي (المتوفى: 956 هـ) _رحمه الله_ في "المجالس الوعظية في شرح
أحاديث خير البرية" (5 / 19_20):
"وقد دل هذا
الحديث الجليل على فوائد كثيرة فإنه يدخل في سبعين باباً من الفقه كما قاله الإمام
الشافعي:
ففيه
دليل على أن الطهارة وهي الوضوء والغسل والتيمم لا يصح إلا بالنية، وهو مذهب
إمامنا الشافعي، وعند أبي حنيفة لا تجب النية في الوضوء والغسل، واحتج على ذلك بأن
كل واحد منهما ليس مقصود النفس، لأن المقصود به النظافة فأشبه إزالة النجاسة،
وعموم الحديث يرد عليه.
وفيه
دليل على اشتراط النية لسجود التلاوة، لأنه عبادة.
وفيه
دليل أن المتوضئ إذا نوى عند غسل الوجه يحصل له ثواب السنن السابقة وهو الأصح
عندنا.
وفيه
رد على زفر حيث ذهب إلى أن صيام رمضان لا تشترط فيه النية للصحيح المقيم، لتعين
الزمان.
وفيه:
دليل على أن المطلق إذا أطلق بصريح لفظ الطلاق ونوى عدداً وقع ما نواه، وهو مذهب
الشافعي ومالك وعند أبي حنيفة وأحمد لا يقع إلا واحدة_____
وفيه:
دليل وحجة لمالك في إسقاط الحيل كمن باع ماله قبل الحول فراراً من الزكاة، فإنها
لا تسقط عنه عند مالك لهذا الحديث." اهـ
وقال شمس الدين محمد بن عمر السفِيْرِي
الشافعي (المتوفى: 956 هـ) _رحمه الله_ في "المجالس الوعظية في شرح
أحاديث خير البرية (5 / 23_24) :
"وفيه: دليل على
أن ما ليس بعمل تشترط فيه النية كالتروك، مثل ترك الزنا والخمر وباقي المعاصي، نعم
إذا أراد تحصيل الثواب، ولا بد له من القصد،
فمن ترك الزنا مثلاً
بعد أن خطر على باله خوفاً من الله يثاب على هذا الترك، أما من لم يقصد ترك
المعصية لا يثاب على تركها،
فمن لم تخطر المعصية
بباله أصلاً ليس كمن خطر في نفسه عنها خوفاً من الله.[4]
وفيه: دليل على أن
النجاسة لا تجب إزالتها وهو الأصح لأنه من باب التروك (انتهى).
وفيه: دليل على ما
كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكارم الأخلاق حيث لم يصرح بالإنكار على
من هاجر لأجل المرأة، بل أورده مورد الإيهام كقوله في حديث آخر: «ما بال أقوام يفعلون
كذا»(1) وهذا من مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -.
وفيه: دليل
على استحباب التخلق بمكارم الأخلاق، وما أحسن قول الشيخ برهان الدين القيراطي حيث
قال :____
بمكارم الأخلاق كن
متخلقا ... ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي
وانفع صديقك إن صدقت
صدقه ... وادفع عدوك بالتي فإذا الذي
وفيه: دليل على أنه
يستحب الستر على من وقع منه منكر.
وفيه: دليل على أنه
لا بأس للخطيب أن يورد أحاديث في أثناء الخطبة.
وفيه: دليل على أن
الإمام الأعظم يستحب له أن يخطب عند الأمور المهمة وتعليم الحكم المهمة، لأنه أبلغ
في الإشاعة والإشتهار.
واستدل الحديث بعضهم
على وجوب النية على غاسل الميت، وهو وجه عندنا، والأصح في النية لا تجب على
الغاسل، بدليل أنه لو غسله كافر عندنا صح، وهو ليس من أهل النية.
وفيه: دليل
وحث على الإخلاص في النية، والإخلاص من أعمال القلب
والفرق
بينه وبين النية: أن النية تتعلق بفعل العبادة، والإخلاص
يتعلق بإضافة العبادة إلى الله تعالى_.
فالنية لابد منها في
صحة العمل، وأما الإخلاص فليس يتعين، فمن صلى ونوى ولم يضف الصلاة إلى الله تعالى
صحت صلاته، لأن العبادة لا تكون، إلا لله سواء أضافها إليه أم لا، نعم الإخلاص مع
النية أكمل من النية وحدها." اهـ[5]
وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031 هـ) _رحمه الله
في "فيض القدير" (1 / 30):
"ففيه: تلويح بأنه ينبغي للسالك كونه عاليَ الهمةِ والنيةِ فلا يلتفت إلى غير الْمُكَوِّنِ."
اهـ
وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى:
1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح" (1 / 42):
"قَالَ
الْمُحَقِّقُ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ:
قَالَ بَعْضُ
الْحُفَّاظِ :
"لَمْ يَثْبُتْ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ،
وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ عِنْدَ
الِافْتِتَاحِ: أُصَلِّي كَذَا، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،
وَالتَّابِعِينَ، بَلِ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ."
اهـ.[6]
مرقاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (1 / 43)
ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ
الْقِيَمِ ذَكَرَ فِي زَادِ الْمَعَادَ فِي هَدْيِ خَيْرِ الْعِبَادِ، وَهَذَا
لَفْظُهُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِذَا قَامَ إِلَى
الصَّلَاةِ قَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) » ،
وَلَمْ
يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا، وَلَا تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، وَلَا قَالَ: (أُصَلِّي
لِلَّهِ صَلَاةَ كَذَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِمَامًا،
أَوْ مَأْمُومًا) ، وَلَا قَالَ: أَدَاءً، وَلَا قَضَاءً، وَلَا فَرْضَ الْوَقْتِ،
وَهَذِهِ عَشْرُ بِدَعٍ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- أَحَدٌ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا ضَعِيفٍ، وَلَا مُسْنَدٍ، وَلَا
مُرْسَلٍ لَفْظَةً وَاحِدَةً مِنْهَا الْبَتَّةَ، بَلْ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ، وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا الْأَئِمَّةُ
الْأَرْبَعَةُ،
وَإِنَّمَا غَرَّ
بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ
كَالصِّيَامِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِذِكْرٍ فَظَنَّ أَنَّ الذِّكْرَ
تَلَفُّظُ الْمُصَلِّي بِالنِّيَّةِ، وَأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالذِّكْرِ
تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لَيْسَ إِلَّا.
وَكَيْفَ يَسْتَحِبُّ
الشَّافِعِيُّ أَمْرًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ،
وَأَصْحَابِهِ،
وَهَذَا هَدْيُهُمْ،
وَسِيرَتُهُمْ، فَإِنْ أَوْجَدَنَا أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ
قَبِلْنَاهُ، وَقَابَلْنَاهُ بِالْقَبُولِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَلَا هَدْيَ أَكْمَلُ
مِنْ هَدْيِهِمْ، وَلَا سُنَّةَ إِلَّا مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَصَرَّحَ السَّيِّدُ
جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ بِنَفْيِ رِوَايَةِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ عَنِ
الْمُحَدِّثِينَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَيْرُوزُأَبَادِي صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي
كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِـ"الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ". وَقَالَ
الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ:
وَبِالْجُمْلَةِ
فَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَلَفَّظَ
بِالنِّيَّةِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ التَّلَفُّظَ بِهَا[7]،
وَلَا أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ
قَالَ: ( «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ،
وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ) . اهـ كلام علي بن سلطان القاري _رحمه الله_[8]
وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى:
1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح" (1 / 47):
"وَفِيهِ: إِشَارَةٌ
إِلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ فِي ضِمْنِ الْهِجْرَةِ سُنَّةً عَظِيمَةً،
أَبْطَلَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ[9]،
أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَعْظَمِ فِتَنِ الدُّنْيَا،
لِقَوْلِهِ
تَعَالَى
: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] .
وَلِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ
مِنَ النِّسَاءِ»،
لَكِنَّ الْمَرْأَةَ
إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً تَكُونُ خَيْرَ مَتَاعِهَا، وَلِقَوْلِهِ _عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_: «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا
الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»." اهـ
&
مرقاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (1 / 47)
وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امْرِئٍ مَا نَوَى مِنْ مَطَالِبِ السُّعَدَاءِ، وَهِيَ الْخَلَاصُ عَنِ
الدَّرَكَاتِ السُّفْلَى مِنَ الْكُفْرِ، وَالشِّرْكِ، وَالْجَهْلِ،
وَالْمَعَاصِي، وَالسُّمْعَةِ، وَالرِّيَاءِ، وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ،
وَحَجْبِ الْأَوْصَافِ، وَالْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَهِيَ
الْمَعْرِفَةُ، وَالتَّوْحِيدُ، وَالْعِلْمُ، وَالطَّاعَاتُ، وَالْأَخْلَاقُ
الْمَحْمُودَةُ، وَجَذَبَاتُ الْحَقِّ، وَالْفَنَاءُ عَنْ
إِنَابَتِهِ، وَالْبَقَاءُ بِهُوِيَّتِهِ[10]،
أَوْ مِنْ مَقَاصِدِ
الْأَشْقِيَاءِ، وَهِيَ إِجْمَالًا مَا يُبْعِدُ____عَنِ الْحَقِّ، فَمَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ أَيْ: خُرُوجُهُ مِنْ مَقَامِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ
اسْتِعْدَادَهُ الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ
النَّفْسِ، أَوْ مَقَامًا مِنْ مَقَامَاتِ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ لِتَحْصِيلِ
مِرَاضِيهِ، وَتَحْسِينِ الْأَخْلَاقِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَى تَوْحِيدِ الذَّاتِ،
وَرَسُولِهِ بِاتِّبَاعِ أَعْمَالِهِ، وَاقْتِفَاءِ أَخْلَاقِهِ، وَالتَّوَجُّهِ
إِلَى طَلَبِ الِاسْتِقَامَةِ فِي تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ." اهـ
وقال شيخنا عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "فتح
القوي المتين في شرح الأربعين" (ص: 14)
"مِمَّا يُستفاد
من الحديث:
1_ أنَّه لا عمل
إلاَّ بنيَّة.
2_ أنَّ الأعمال
معتبرة بنيَّاتها.
3_ أنَّ ثواب العامل
على عمله على حسب نيَّته.
4_ ضرب العالم
الأمثال للتوضيح والبيان.
5_ فضل الهجرة لتمثيل
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بها، وقد جاء في "صحيح مسلم" (192) عن
عمرو بن العاص _رضي الله عنه_، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"أمَا علمتَ
أنَّ الإسلامَ يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ
يهدم ما كان قبله؟ ".
6_ أنَّ الإنسانَ
يُؤجرُ أو يؤزر أو يُحرم بحسب نيَّته.
7_ أنَّ الأعمال بحسب
ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعةً إذا نوى به الإنسان
خيراً، كالأكل والشرب إذا نوى به التقوِّي على العبادة.
8_ أنَّ العمل الواحد
يكون لإنسان أجراً، ويكون لإنسان حرماناً." اهـ
وقال إسماعيل بن محمد بن ماحي السعدي الأنصاري (المتوفى: 1417هـ) _رحمه الله_ في "التحفة الربانية في
شرح الأربعين حديثا النووية" (ص: 6)
يستفاد منه :
1 - الحث على
الإخلاص، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه. ولهذا استحب
العلماء استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
2 - أن الأفعال التي
يتقرب بها إلى الله _عز وجل_ إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب
على مجرد ذلك الفعل وإن كان صحيحا، حتى يقصد بها التقرب إلى الله.
3 - فضل الهجرة إلى
الله ورسوله. وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين: الأول _ الانتقال من دار
الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة،
الثاني _ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله
عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين. وكانت الهجرة إذ ذاك
تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص. وبقي عموم الانتقال
من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا." اهـ
فتح القوي المتين في
شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 13)
وفي قوله: "إلى
ما هاجر إليه" تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا واستهانة به، حيث لم يذكره
بلفظه، وأيضاً فالهجرةُ إلى الله ورسوله واحدةٌ، فلا تعدُّدَ فيها، فلذلك أعاد
الجوابَ فيها بلفظ الشرط، والهجرةُ لأمور الدنيا لا تَنحصر، فقد يهاجرُ الإنسانُ
لطلب دنيا مباحة تارة ومحرَّمة أخرى، وأفراد ما يُقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا
تنحصر، فلذلك قال: "فهجرته إلى ما هاجر إليه" يعني كائناً ما كان".
وقال العثيمين في "شرح
الأربعين النووية" (ص: 13):
"من فوائد هذا
الحديث :
1_ هذا الحديث أحد
الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، ولهذا قال العلماء: مدار الإسلام على حديثين:
هما هذا الحديث، وحديث عائشة: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلِيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ
رَدّ (1) فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب، فهو ميزان الأعمال الباطنة، وحديث عائشة:
عمدة أعمال الجوارح....
2_ من فوائد الحديث:
أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض، والعبادات عن المعاملات لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ولنضرب مثلاً بالصلاة، رجل أراد أن
يصلي الظهر، فيجب أن ينوي الظهر حتى تتميز عن غيرها. وإذا كان عليه ظُهْرَان، فيجب
أن يميز ظهر أمس عن ظهر اليوم، لأن كل صلاة لها نية...
3_ من فوائد الحديث:
الحثّ على الإخلاص لله عزّ وجل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم الناس إلى
قسمين:
قسم: أراد بعمله وجه
الله والدار الآخرة.
وقسم: بالعكس، وهذا
يعني الحث على الإخلاص لله عزّ وجل.
والإخلاص يجب العناية
به والحث عليه، لأنه هو الركيزة الأولى الهامة التي خلق الناس من أجلها، قال
تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:
56)
4_ ومن فوائد الحديث:
حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بتنويع الكلام وتقسيم الكلام، لأنه قال:
إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وهذا للعمل وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا
نَوَى وهذا للمعمول له.
ثانيهما: تقسيم
الهجرة إلى قسمين: شرعية وغير شرعية، وهذا من حسن التعليم، ولذلك ينبغي للمعلم أن
لايسرد المسائل على الطالب سرداً لأن هذا يُنْسِي، بل يجعل أصولاً، وقواعد
وتقييدات، لأن ذلك أقرب لثبوت العلم في قلبه، أما أن تسرد عليه المسائل فما أسرع
أن ينساها..
5_ من
فوائد الحديث: قرن الرسول صلى الله عليه وسلم مع
الله تعالى بالواو حيث قال: إلى الله ورسوله ولم يقل: ثم رسوله، مع أن رجلاً قال
للرسول صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، فَقَالَ: بَلْ مَاشَاءَ
اللهُ وَحْدَه (1) فما الفرق؟
والجواب:
أما ما يتعلّق بالشريعة فيعبر عنه بالواو، لأن
ماصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال:
(مَنْ يُطِعِ الرسول صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء:
الآية80)
وأما الأمور
الكونية: فلا يجوز أن يُقرن مع الله أحدٌ بالواو أبداً، لأن كل شيئ تحت إرادة الله
تعالى ومشيئته." اهـ
[1] قال علي بن سلطان القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح" (1 / 43):
"وَرُوِيَ
عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي فَضْلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ نِصْفُ
الْعِلْمِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ، وَالْعَمَلَ
عُبُودِيَّةُ الْقَالِبِ، أَوْ أَنَّ الدِّينَ إِمَّا ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْعَمَلُ،
أَوْ بَاطِنٌ، وَهُوَ النِّيَّةُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: ( «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» )
لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ." اهـ
ثم
قال –رحمه الله- في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1 / 44):
"وَوَجَّهَهُ
الْبَيْهَقِيُّ: بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ إِمَّا بِقَلْبِهِ (كَالنِّيَّةِ)، أَوْ
بِلِسَانِهِ، أَوْ بِبَقِيَّةِ جَوَارِحِهِ، وَالْأَوَّلُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ
بَلْ أَرْجَحُهَا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بِانْفِرَادِهَا." اهـ
[2] قال العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (1 / 22):
"فَإِن قيل مَا وَجه قَوْلهم إِن هَذَا الحَدِيث ثلث الْإِسْلَام قلت
لتَضَمّنه النِّيَّةَ، وَالْإِسْلَامُ قَولٌ وَفعلٌ وَنِيَّةٌ."
[3] المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية _صلى الله عليه وسلم_
من صحيح الإمام البخاري (5 / 6) لشمس الدين السفيري :
"قال البرماوي : إنما صدر
البخاري كتابة بحديث «إنما الأعمال» لأمور:
أحدها: أنه مناسب للآية
المذكورة في الترجمة لأنه أوحي لكل الأنبياء الأمر بالنية قال _تعالى_: (وَمَا
أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة: 5]
والإخلاص: النية.____
ثانيهما: أن أول واجبات
المكلف القصد إلى النظر الموصل إلى معرفة الله، فالقصد سابق دائماً.
ثالثهما: بيان أن كل أمر
ينبغي أن يكون بإخلاص ونية، حتى يكون مقبولاً منتفعاً به، فلذلك لما أخلص البخاري
النية، وصفى الطوية، نفع الله بكتابه البرية.
رابعها: أنه - صلى الله عليه
وسلم - لما قدم المدنية خطب بهذا الحديث، لأنه مبدأ لكمال ظهوره ونصره، فناسب
الابتداء بذكره في ابتداء الوحي إليه، وافتتاح إخلاص العمل لله تعالى، المستحق
الجامع للمحامد." اهـ
[4] قال القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1
/ 44):
وَالْحَاصِلُ:
أَنَّ عَزْمَ الْكُفْرِ كُفْرٌ، وَخَطْرَةَ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ
مَعْفُوٌّ عَنْهَا، وَعَزْمَ الذَّنْبِ إِذَا نَدِمَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ
مَعْفُوٌّ عَنْهُ بَلْ يُثَابُ، فَأَمَّا إِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ
عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مُنِعَ عَنْهُ بِمَانِعٍ لَا بِاخْتِيَارِهِ
فَإِنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةَ فِعْلِهِ أَيْ: بِالْعَزْمِ عَلَى
الزِّنَا لَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ الزِّنَا، وَهَلْ يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ عَزْمِ
الزِّنَا؟ قِيلَ: لَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «إِنَّ
اللَّهَ عَفَا عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مَا لَمْ تَعْمَلْ،
أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» ) . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي
الْخَطْرَةِ دُونَ الْعَزْمِ، وَأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْعَزْمِ ثَابِتَةٌ،
وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ
الْحُلْوَانِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] الْآيَةَ." اهـ
وقال
في موضع من "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1 / 44)
وَمِنْ
جُمْلَةِ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ
لِسَانُهُ بِمُكَفِّرٍ يَدِينُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِذْ لَا
نِيَّةَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُنَا خَبَرُ مُسْلِمٍ فِي «الَّذِي ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ،
ثُمَّ وَجَدَهَا، فَقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي،
وَأَنَا رَبُّكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (أَخْطَأَ مِنْ
شِدَّةِ الْفَرَحِ) » .
[5] المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من
صحيح الإمام البخاري - (5 / 24) :
وأما الرياء فقد قال العراقي في
«الفروق»: إنه حرام محصل للإثم ومبطل لثواب العبادة.
الرياء على قسمين: أحدهما: أن
يعمل الذي أمره الله ويقصد به وجه الله تعالى وأن تعظمه الناس أو بعضهم.
ثانيهما: أن يعمل الذي أمره
الله ولا يريد وجه الله تعالى بالنية بل الناس فقط، ويسمى القسم الأول: رياء الشرك
لأنه للخلق وللحق، والثاني: رياء الإخلاص لأنه لا شريك فيه بل هو خالص للخلق،
ومقصود المرائي يعمله ثلاثة أشياء: تعظيم الخلق له، وجلب المنافع الدنيوية له،
ودفع المضار الدنيوية عنه.
وإنما
كان حراماً لأنه شرك وتشريك مع الله في طاعته، وقد صح في صحيح مسلم وغيره: «إن
الله تعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته
له، أو تركته لشريكي»
[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 42)
وَقَدْ
عَلِمْتَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْمُكَمَّلَ عَدَمُ النُّطْقِ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّ
دَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا:
بِكَرَاهَتِهِ، وَالْحَنْبَلِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ غَيْرُ
مُسْتَحَبٍّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ،
وَالْحَنَفِيَّةِ فَلَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مَحَلُّهُ إِنِ احْتَاجَ
إِلَيْهِ بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ تَرْكُهُ عِنْدَ الْحُفَّاظِ
الْمُحَدِّثِينَ بِلَا رَيْبٍ."
والصحيح
: أن التلفظ بالنية بدعة تورث الوسوسة، فكيف يعالج بها الوسوسة
[7] وفي الاتباع لابن أبي العز (ص: 62) :
"لم
يقل أحد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة لَا الشَّافِعِي وَلَا غَيره بِاشْتِرَاط
التَّلَفُّظ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا النِّيَّة محلهَا الْقلب باتفاقهم إِلَّا أَن
بعض الْمُتَأَخر ين أوجب التَّلَفُّظ بهَا وَخرج وَجها فِي مَذْهَب الشَّافِعِي
قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله وَهُوَ غلط انْتهى وَهُوَ مَسْبُوق بِالْإِجْمَاع
قبله." اهـ
[8] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 138_139) لابن القيم :
"قال
شيخنا : "ومن هؤلاء من يأتى بعشر بدع لم يفعل رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم ولا أحد من أصحابه واحدة منها، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نويت
أصلى صلاة الظهر فريضة الوقت، أداء لله تعالى، إماما أو مأموما، أربع ركعات،
مستقبل القبلة، ثم يزعج أعضاءه ويحنى جبهته ويقيم عروق عنقه، ويصرح بالتكبير. كأنه
يكبر على العدو. ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش:
هل فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو أحد من أصحابه شيئاً من ذلك، لما
ظفر به، إلا أن يجاهر بالكذب البحت. فلو كان____فى هذا خير لسبقونا إليه،
ولدلونا عليه. فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذى كانوا عليه هو الهدى
والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال." اهـ
[9] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 47)
قِيلَ:
إِنَّمَا ذُمَّ لِأَنَّهُ طَلَبَ الدُّنْيَا فِي صُورَةِ الْهِجْرَةِ فَأَظْهَرَ
الْعِبَادَةَ لِلْعُقْبَى، وَمَقْصُودُهُ الْحَقِيقِيُّ مَا كَانَ إِلَّا
الدُّنْيَا فَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ لِمُشَابَهَتِهِ أَهْلَ النِّفَاقِ، وَلِذَا
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمَّا رَأَى بَهْلَوَانًا يَلْعَبُ عَلَى
الْحَبْلِ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ جَمَلَ الدُّنْيَا
بِالدُّنْيَا، وَأَصْحَابُنَا يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ
عَبْدِ السَّلَامِ: مَتَى اجْتَمَعَ بَاعِثُ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَلَا
ثَوَابَ مُطْلَقًا لِلْخَبَرِ، وَفِي الصَّحِيحِ: ( «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ
عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ
بَرِيءٌ هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» ) . قَالَ الْغَزَالِيُّ: يُعْتَبَرُ الْبَاعِثُ
فَإِنْ غَلَبَ بَاعِثُ الْآخِرَةِ أُثِيبَ، أَوْ بَاعِثُ الدُّنْيَا، أَوِ
اسْتَوَيَا لَمْ يُثَبْ.
&
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 47)
قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ مَنْ حَجَّ
بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَانَ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْمُتَخَلِّي عَنْهَا
أَنَّ الْقَصْدَ الْمُصَاحِبَ لِلْعِبَادَةِ إِنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرِّيَاءِ
أَسْقَطَهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَحْمِلُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُصَرِّحُ
بِهِ لَفْظُهُ، أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ أُثِيبَ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الْآخِرَةَ
أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ} [الزلزلة: 7] اهـ.
وَهُوَ
تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَتَعْلِيلٌ مُسْتَحْسَنٌ هَذَا بِلِسَانِ الْعُلَمَاءِ
أَرْبَابِ الْعِبَارَةِ،
[10] الملون بالحمرة أخشى أن يكون من مصطلحات الصوفية، فإن علي بن
سلطان القاري -غفر الله له ولنا- تأثر بالصوفية
Komentar
Posting Komentar