شرح الحديث التاسع والثلاثين (أنواع الصلح وشروطه) من كتاب بهجة قلوب الأبرار
الحديث التاسع والثلاثون:
أنواع الصلح وشروطه عَنْ عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ _رضي الله عنه_: عَنِ النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_،
قَالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ،
إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حراماً" رواه أهل السنن إلا النسائي |
ترجمة عمرو بن عوف المزني _رضي الله عنه_:
قال المزي في تهذيب الكمال :
( خت د ت ق ): عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة بن عمرو
بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة،
أبو عبد الله المزني. ومزينة: أم ولد عثمان بن
عمرو .
الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1196):
وكل من كَانَ من ولد عَمْرو بْن أد بْن طابخة، فهم
ينسبون إِلَى أمهم مزينة بِنْت كلب بْن وبرة." اهـ
وله صحبة، و
هو جد كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف .
قال محمد بن سعد: و
هو قديم الإسلام . اهـ
الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1196)
كان عَمْرو بْن عوف الْمُزْنِيّ قديم الإسلام،
يقال: إنه قدم مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، ويقال: إن
أول مشاهده الخندق،
وكان أحد البكاءين الذين قَالَ الله تعالى فيهم:
{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ...} [التوبة: 92] الآية.
له منزل بالمدينة، ولا يعرف حي من العرب لهم مجالس
بالمدينة غير مزينة." اهـ
و ذكر أبو حاتم بن حبان فى " الصحابة "
أنه مات فى ولاية معاوية .
وفي "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (3/
1196):
"سكن المدينة ومات بها فِي آخر خلافة
مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا."
و قال الواقدى: استعمله
النبى صلى الله عليه وآله وسلم على حرم المدينة .
و قال البخارى فى " التاريخ " : قال لنا
ابن أبى أويس : حدثنا كثير بن عبد الله عن أبيه ، عن جده قال : " كنا مع
النبى صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا
"
و روى ابن سعد عنه أن أول غزوة غزاها الأبواء .
وفي "إكمال تهذيب الكمال" (10/ 240):
قال محمد بن عمر:
شهد عمرو بن عوف الخندق وهو
أحد الثلاثة الذين حملوا ألوية مزينة الثلاث التي عقد لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم فتح مكة،
وهو أحد البكائين في تبوك، واستعمله النبي صلى الله
عليه وسلم على حرم المدينة.
قال محمد بن عمر: وكان له منزل بالمدينة بالبقان،
وكان يبدو كثيرًا، ولا نعلم حيًّا من العرب لهم محلتان بالمدينة غير مزينة، وقد
أدرك عمرو بن عوف معاوية بن أبي سفيان وتوفي في خلافته." اهـ
وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (4/ 2009)
عَمْرُو بْنُ عَوْفِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مِلْحَةَ
الْمُزَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ، سَكَنَ
الْمَدِينَةَ، أَدْرَكَ مُعَاوِيَةَ، وَتُوُفِّيَ فِي وِلَايَتِهِ
تخريج الحديث:
أخرجه
الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (3/ 626) (رقم: 1352)، وابن ماجه في "سننه"
(2/ 788) (رقم: 2353). صححه الألباني _رحمه الله_
في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (5/ 142) (رقم: 1303)
وله شاهد من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_: أخرجه أبو داود في "سننه"
(3/ 304) (رقم: 3594)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 366) (رقم: 8784).
حسنه الأرنؤوط.
قال
الله _تعالى_:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
[المائدة: 1]
قال
الله _تعالى_:
{وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ
خَيْرٌ} [النساء: 128]
قال
شرف الحق العظيم آبادي _رحمه الله_ في "عون المعبود" (9/ 372):
"قَدْ
قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الصُّلْحَ أَقْسَامًا:
* صُلْحُ
الْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ،
* وَالصُّلْحُ
بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ،
* وَالصُّلْحُ
بَيْنَ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَالْعَادِلَةِ،
* وَالصُّلْحُ
بَيْنَ الْمُتَغَاصِبَيْنِ،
* وَالصُّلْحُ
فِي الْخَرَاجِ كَالْعَقْدِ عَلَى مَالٍ،
* وَالصُّلْحُ
لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ إِذَا وَقَعَتْ فِي الْأَمْلَاكِ وَالْحُقُوقِ.
وَهَذَا
الْقِسْمُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي
بَابِ الصُّلْحِ، كَذَا فِي السُّبُلِ." اهـ
وقال
المباركفوري _رحمه الله_ في "تحفة الأحوذي" (4/ 487)
(إِلَّا
صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا) كَمُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ لَا
يُطَلِّقَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يبيت عند ضرتها
وقال
المباركفوري _رحمه الله_ في "تحفة الأحوذي" (4/ 487)
(وَالْمُسْلِمُونَ
عَلَى شُرُوطِهِمْ) أَيْ ثَابِتُونَ عَلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ عَنْهَا (إِلَّا
شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا)، فَهُوَ بَاطِلٌ كَأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَطَأَ
أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) كَأَنْ
يَشْتَرِطَ نُصْرَةَ الظَّالِمِ أَوْ الْبَاغِي أَوْ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ."
اهـ
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار
ط الوزارة (ص: 92_95) : "جمع في هذا الحديث الشريف بين أنواع
الصلح والشروط - صحيحها وفاسدها - بكلام يشمل من
أنواع العلم وأفراده ما لا يحصى بحد واضح بين. فأخبر أن الأصل في الصلح:
أنه جائز لا بأس به، إلا إذا حرم الحلال، أو أحل الحرام. وهذا كلام محيط، يدخل فيه جميع أقسام
الصلح. والصلح خير، لما فيه من حسم النزاع، وسلامة القلوب، وبراءة الذمم. * فيدخل فيه: الصلح في الأموال في الإقرار، بأن يقر له بدين، أو عين، أو حق،
فيصالحه عنه ببعضه أو بغيره. وصلح الإنكار، بأن يدعى عليه حقا من دين، أو عين،
فينكر. ثم يتفقان____على المصالحة عن هذا بعين أو دين، أو منفعة أو إبراء، أو
غيره: فكل ذلك جائز. * وكذلك الصلح عن الحقوق المجهولة، كأن
يكون بين اثنين معاملة طويلة، اشتبه فيها ثبوت الحق على أحدهما أو عليهما، أو
اشتبه مقداره، فيتصالحان على ما يتفقان عليه، ويتحريان العدل. وتمام ذلك: أن يحلل كل منهما الآخر، * أو يكون بين اثنين مشاركة في ميراث
أو وقف، أو وصية أو مال آخر: من ديون، أو أعيان، ثم يتصالحان عن ذلك بما يريانه
أقرب إلى العدل والصواب. * وكذلك يدخل في ذلك: المصالحة بين الزوجين في حق من حقوق الزوجية: من نفقة
أو كسوة أو مسكن أو غيرها، ماضية أو حاضرة، وإن اقتضت الحال أن يغض أحدهما عن بعض
حقه، لاستيفاء بقيته، أو لبقاء الزوجية، أو لزوال الفضل، أو لغير ذلك من
المقاصد، فكل ذلك حسن. كما قال تعالى في حقهما:
{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ
خَيْرٌ} [النساء: 128] * وكذلك الصلح
عن القصاص في النفوس، أو الأطراف بمال يتفقان عليه، أو المعاوضة عن ديات
النفوس والأطراف والجروح، أو يصلح الحاكم بين الخصوم بما تقتضيه الحال، متحريا
في ذلك مصلحتهما جميعا. فكل هذا داخل في قوله صلى الله عليه
وسلم: «الصلح جائز بين المسلمين» . فإن تضمن الصلح تحريم
الحلال، أو تحليل الحرام، فهو فاسد بنص هذا الحديث، كالصلحِ على رق الأحرار، أو إباحة
الفروج المحرمة، أو الصلحِ____الذي فيه ظلم. ولهذا قيده الله بقوله _تعالى_: {فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
[الحجرات: 9] * أو صلحُ اضطرارٍ كالمكره، وكالمرأة إذا
عضلها زوجها ظلما لتفتدي منه، وكالصلح على حق الغير بغير إذنه وما أشبه ذلك، فهذا النوع صلح محرم غير صحيح. .................................................. وأما الشروط: فأخبر في هذا
الحديث أن المسلمين على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، وهذا أصل كبير، فإن الشروط هي التي
يشترطها أحد المتعاقدين على الآخر مما له فيه حظ ومصلحة، فذلك جائز، وهو لازم
إذا وافقه الآخر عليه، واعترف به. * وذلك مثل إذا اشترط المشتري في
المبيع وصفا مقصودا، كشرط العبد كاتبا، أو يحسن العمل الفلاني، أو الدابة هملاجة
أو لبونا، أو الجارح صيودا، أو الجارية بكرا أو جميلة أو فيها الوصف الفلاني
المقصود. |
الدابة هملاجة: حسن السير. اللبون: التي
نزل اللبنُ في ضرعها، وبنت اللبون: التي استكملت
السنة الثانية، ودخلت في الثالثة. الجارح: كلب صيد
* ومثل أن يشترط المشتري: أن الثمن أو
بعضه مؤجل بأجل مسمى، أو يبيع الشيء ويشترط البائع: أن ينتفع به مدة معلومة، كما
باع جابر بن عبد الله الأنصاري للنبي جمله، واشترط ظهره إلى المدينة. * ومثل أن يشترط سكنى البيت، أو الدكان مدة
معلومة، أو يستعمل الإناء مدة معلومة، وما أشبه ذلك. * وكذلك شروط الرهن والضمان والكفالة هي من
الشروط الصحيحة اللازمة. * ومثل الشروط التي يشترطها
المتشاركان في مضاربة، أو شركة عنان، أو____وجوه، أو أبدان، أو مساقاة، أو
مزارعة: فكلها صحيحة، إلا شروطا تحلل الحرام،
وعكسه كالتي تعود إلى الجهالة والغرر. * ومثل شروط الواقفين والموصين في
أوقافهم ووصاياهم من الشروط المقصودة: فكلها صحيحة، ما لم تدخل في محرم. * وكذلك الشروط بين الزوجين، كأن
تشترط دارها أو بلدها، أو نفقة معينة أو نحوها، فإن أحق الشروط أن يوفى به هذا
النوع." اهـ |
Komentar
Posting Komentar