شرح الحديث الخامس والثلاثين من كتاب أربعين حديثا في التربية والمنهج
الحديث الخامس والثلاثون عن ثوبان _رضي الله تعالى عنه_، قال: قال رسول الله ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ - زاد في رواية: من كل أفق - كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ
إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: "وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ
يَوْمَئِذٍ؟" قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ
السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ
صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ
اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» أخرجه الإمام أحمد (٥/ ۲۷۸)، وأبو
داود (١١١/٤) رقم (٤٢٩٧) |
تخريج
الحديث:
أخرجه أحمد في
"مسنده" – ط. عالم الكتب (5/ 278) (رقم: 22397)، أبو داود في
"سننه" (4/ 111) (رقم: 4297)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (2/
333) (رقم: 1085)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 463) (رقم: 37247)، وابن
أبي الدنيا في "العقوبات" (ص: 21) (رقم: 5)، وابن أبي عاصم في "الزهد"
(ص: 134) (رقم: 268)، والروياني في "مسنده" (1/ 427) (رقم: 654)، والطبراني
في "مسند الشاميين" (1/ 344) (رقم: 600)، وابن الأعرابي في "معجم"
(3/ 1036) (رقم: 2228)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"
(1/ 182)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (13/ 16) (رقم: 9887)، و"دلائل
النبوة" – ط. دار الكتب العلمية، ودار الريان للتراث (6/ 534)، والبغوي في
"شرح السنة" (15/ 16) (رقم: 4224) _رحمهم الله جميعا_.
والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة
وشيء من فقهها وفوائدها" (2/ 647) (رقم: 958)، مشكاة المصابيح (3/ 1474)
(رقم: 5369)
شرح
الحديث:
قال علي القاري _رحمه الله_
في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 3365_3366):
(وَعَنْ
ثَوْبَانَ): وَهُوَ مَوْلَى لِلنَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
" يُوشِكُ الْأُمَمُ) أَيْ: يَقْرُبُ فِرَقُ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ (أَنْ
تَدَاعَى): حَذَفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، أَيْ: تَتَدَاعَى (عَلَيْكُمْ):___بِأَنْ
يَدْعُوَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِمُقَاتَلَتِكُمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِكُمْ وَسَلْبِ
مَا مَلَكْتُمُوهُ مِنَ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ (كَمَا تَدَاعَى) أَيْ:
تَتَدَاعَى (الْأَكَلَةُ) بِالْمَدِّ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ عَلَى نَعْتِ الْفِئَةِ
وَالْجَمَاعَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَذَا رَوَى لَنَا عَنْ كِتَابِ أَبِي
دَاوُدَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِهِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
وَلَوْ رُوِيَ الْأَكَلَةُ
بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ آكِلٍ اسْمِ فَاعِلٍ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ
وَجِيهٌ،
وَالْمَعْنَى: كَمَا يَدْعُو
أَكَلَةُ الطَّعَامِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (إِلَى قَصْعَتِهَا) أَيِ: الَّتِي
يَتَنَاوَلُونَ مِنْهَا بِلَا مَانِعٍ وَلَا مُنَازِعٍ، فَيَأْكُلُونَهَا عَفْوًا
صَفْوًا، كَذَلِكَ يَأْخُذُونَ مَا فِي أَيْدِيكُمْ بِلَا تَعَبٍ يَنَالُهُمْ،
أَوْ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُمْ، أَوْ بَأْسٍ يَمْنَعُهُمْ.
(فَقَالَ
قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ): خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَقَوْلُهُ: (نَحْنُ
يَوْمَئِذٍ) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ صِفَةٌ لَهَا،
أَيْ: أَذَلِكَ التَّدَاعِي لِأَجْلِ قِلَّةٍ نَحْنُ عَلَيْهَا
يَوْمَئِذٍ (قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثْرَةٌ") أَيْ: عَدَدًا
وَقَلِيلٌ مَدَدًا،
وَهَذَا مَعْنَى
الِاسْتِدْرَاكِ بِقَوْلِهِ: (" وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ ") بِالضَّمِّ
مَمْدُودًا.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: (كَغُثَاءِ السَّيْلِ) :
قَالَ الطِّيبِيُّ
بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ مِنْ زَبَدٍ وَوَسَخٍ، شَبَّهَهُمْ بِهِ لِقِلَّةِ شَجَاعَتِهِمْ، وَدَنَاءَةِ
قَدْرِهِمْ، وَخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ،
وَخُلَاصَتُهُ: وَلَكِنَّكُمْ تَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ، ضَعِيفِي
الْحَالِ، خَفِيفِي الْبَالِ، مُشَتَّتِي الْآمَالِ، ثُمَّ
ذَكَرَ سَبَبَهُ بِعَطْفِ الْبَيَانِ فَقَالَ: (وَلَيَنْزِعَنَّ) أَيْ:
لَيُخْرِجَنَّ (اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ) أَيِ: الْخَوْفَ
وَالرُّعْبَ (مِنْكُمْ) أَيْ: مِنْ جِهَتِكُمْ
(وَلَيَقْذِفَنَّ) بِضَمِّ
الْيَاءِ أَيْ: وَلَيَرْمِيَنَّ أَيِ: اللَّهُ (فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)، أَيِ:
الضَّعْفَ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَهْنِ مَا يُوجِبُهُ.
وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِحُبِّ
الدُّنْيَا وَكَرَاهَةِ الْمَوْتِ حَيْثُ قَالَ: (قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا الْوَهْنُ؟)،
أَيْ: مَا سَبَبُهُ وَمَا مُوجِبُهُ؟
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: سُؤَالٌ عَنْ نَوْعِ الْوَهْنِ، أَوْ كَأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ
يَكُونُ ذَلِكَ الْوَهْنُ (قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهَةُ الْمَوْتِ)
وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ
فَكَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، يَدْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي
الدِّينِ مِنَ الْعَدُوِّ الْمُبِينِ،
وَنَسْأَلُ اللَّهَ
الْعَافِيَةَ فَقَدِ ابْتُلِينَا بِذَلِكَ، فَكَأَنَّمَا نَحْنُ الْمَيِّتُونَ
بِمَا ذُكِرَ هُنَالِكَ." اهـ
وقال عبد الحق الدهلوي في
"لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (8/ 565):
"(قال: حب
الدنيا وكراهية الموت) فإنه إذا أحب حياة الدنيا وكره الموت لم يتشجع على الجهاد
والمقاتلة مع الكفار."
وقال الشيخ عبد العزيز بن
محمد السلمان في "مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار" (1/ 359):
"وما ذلكم
يا عباد الله إلا شؤم المعاصي وثمرات الذنوب التي أفقدتنا أعظم عدة وأنكى سلاح وهو
غزو القلوب: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ، فهم ذلكم عقلاء الإسلام فحذروه كل الحذر. روى الإمام
أحمد رحمه الله عن عبد الرحمن بن جبير بن نغير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص وفرق
بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالساً يبكي فقلت: يا أبا الدرداء
ما يُبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله فقال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق
على الله إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله
فصاروا إلى ما ترى.
وفي "مجموع فتاوى ابن
باز" (5/ 106_107):
وهذا الوهن الذي ورد في
الحديث إنما نشأ عن الجهل الذي صاروا به غثاء كغثاء السيل، ما عندهم بصيرة بما يجب
عليهم بسبب هذا الجهل الذي صاروا به بهذه المثابة.
فقد سيطر الوهن عليهم واستقر
في قلوبهم ولا يستطيعون الحراك إلى المقامات العالية والجهاد في سبيل الله وإعلاء
كلمته؛ لأن حبهم للدنيا وشهواتها من مآكل ومشارب وملابس ومساكن وغير ذلك أقعدهم عن
طلب المعالي وعن الجهاد في سبيل الله فيخشون أن تفوتهم هذه الأشياء.___
وكذلك أوجب لهم البخل حتى لا
تصرف الأموال إلا في هذه الشهوات، وأفقدهم هذا الجهل القيادة الصالحة المؤثرة
العظيمة التي لا يهمها إلا إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيل الله وسيادة المسلمين
وحفظ كيانهم من عدوهم وإعداد العدة بكل طريق وبكل وسيلة لحفظ دين المسلمين وصيانته
وإعلائه وحفظ بلاد المسلمين ونفوسهم وذرياتهم عن عدوهم.
قال المصنف الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_
في كتابه "أربعين حديثا في التربية والمنهج" (ص: ٧٥): "قوله: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم) * فيه: كمال شفقة النبي _صلى الله عليه
وسلم_ وحرصه على أمته، فكان حقيقاً بوصف الله _تعالى_ له: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
[التوبة: 128] * وفيه: دليل على صدق نبوة محمد فيها أخبر عنه من المعيبات * وفيه: أن أعداء الإسلام وإن اختلفوا بينهم، فهم متفقون على
عداء المسلمين." ___________ (۲) هو من
أفعال المقاربة، ومعناه الدنو والقرب من الشيء والإسراع إليه ["لسان العرب"
(٥١٣/١٠)، "المصباح المنير" (ص ٢٥٣). |
وقوله: (مِنْ كُلِّ أُفُقٍ) * فيه: أن غاية أعداء المسلمين واحدة، وإن
تباعدت أقطارهم و تبايت جهاتهم. وقوله: (كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى
قَصْعَتِهَا) * فيه: بلاغة النبي _صلى الله عليه وسلم_. * وفيه: أن ضرب الأمثال يزيد إيضاح البيان وقوله: (الْأَكَلَةُ) * فيه: عظيم حرص أعداء المسلمين على الظفر
بالمسلمين والنكاية بهم، فالتعبير بلفظ الأكلة يدل على المبالغة في الجوع
والتشوف للأكل بشراهة |
وقوله: (فقال قائل: "ومن قلةٍ نحن يومئذ؟) فيه: حرص الصحابة _رضي الله عنهم_ على معرفة ما ينفعهم ليسلكوه ويلزموه، ومعرفة
ما يضرهم ليحذروه ويجانبوه وفيه: فصل زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهم أبعد الناس عن حب الدنيا وكراهية
الموت. وقوله: (بل أنتم يومئذ كثير) * فيه: أن الكثرة لا تغني عن أصحابها شيئًا
إذا عَوَّلُوْا عليها دون غيرها، ولذا ذم الله _تعالى_ الكثرة في غير آية: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ
يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:
44] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}
[يوسف: 103]، {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]، وفي المقابل مدح الله _تعالى_ الْقِلَّةَ العددية إذا
أصلحت شأنها، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249]، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
[سبأ: 13]، والجامع لذلك: * أن المحمود حُسْنُ الأوصاف، ولو قَلَّ الأشخاصُ، فإن
كثروا، فَنُوْرٌ على نور، * وأن المدموم: سُوْءُ الأوصاف، ولو كثر الأشخاصُ، فإنْ
قلُّوا، فدركات بعضها تحت بعض. وقوله: (وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ
السَّيْلِ) فيه: البلاغة النبويةُ، وضَرْبُ الأمثالِ، كما قيل قبلُ
في (كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا) وقوله: (وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ
عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ) فيه: كمال عدْلُ الله _تعالى_، وأن الناس أنفسَهم يظلمون،
فما نزعت هيبتهم من صدور عدوهم إلا بما كست قلوبهم. وقوله: (وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ) فيه: تأكيد السنة بالسنة، ومما له تعلق بهذا قوله _صلى
الله عليه وسلم_: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحتْ، صلح سائر الجسد، وإذا
فسدت، فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب) [خ م] وقوله: (فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَمَا الْوَهْنُ؟) فيه: كما قيل قبل في قوله فقال قائل: ("ومن قلةٍ نحن يومئذ؟") وقوله: (قال: حب الدنيا وكراهية الموت) فيه: أن محبة الدنيا ليست مذمومة، إلا إذا ترتب عليها ضَياعُ أمْرِ الآخرة، فهي حينئذ
محبة مدعومة تزيد صاحبها من الشر قربا، وعنِ الخير بُعْدًا وفيه: تأكيد السنة للمسنة، فهذا الحديث كقوله _صلى الله عليه وسلم_ (فَوَاللَّهِ، مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ
أَخْشَى عليكم الدُّنْيَا أن تَنَافَسُوهَا
كَمَا تَنَافَسُوهَا، فتُلْهِيَكُمْ - أو
فتُهْلِكَكُمْ - كَمَا أَلْهَتْهُمْ - كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ -) [خ م] وفيه: تفسير السنة (الوهن) بالسنة: (حب الدنيا وكراهية الموت). وفيه: أن كراهية الموت ليست مذمومة إلا إذا ترتب عليها الحسرة على قوات ملذات
الدنيا مع إهمال الأمر الآخرة، فأما من راعى أمر آخرته وكره الموت الكراهة الجلبية، فلا
تثريب عليه كما جاء في الحديث القدسي: (يكره الموت، وأكره مساءته) [خ] * وفيه: أن على دعاة الخير أن يعنوا بإصلاح عقائد المسلمين، فذلك
- بعد عون الله تعالى - من أعظم أسباب هيبتهم في صدور عدوهم. * وفيه: أن على دعاة الخير الحذرَ من الاغترار بالكثرة العددية
للمسلمين وجعلها عنوان خيرية للمسلمين دون النظر إلى الصفات الشرعية في تلك
الكثرة. * وفيه: أن على دعاة الخير الحذر من التكالب على الدنيا، فذلك من
أسباب ضياع أمر الآخرة، وضرر فعله ذاك يتعدى إلى غيره - لكونه قدوة عند الناس - وهنا
يزداد الفتْق ويصعب الرَّتْقُ * وفيه: أن من أحسن ما ينفع الناس تذكيرَهم بما غفلوا عنه أو
قصروا فيه، كتذكيرهم بالموت عند تنافسهم على الدنيا * وفيه: أن بقاء الهيبة في صدور المخالفين تزيد صاحبها قوة
ومخالفه ضعفا، ويؤخذ من هذا أن على دعاة الخير حفظَ هيبتهم لتبقى لهم
منزلتهم في مجتمعاتهم، وعليهم الحذر مما يسبب سقوط هيبتهم، فذلك يفتح عليهم
أبوابا من جرأة الناس عليهم واستخفافهم بهم. |
Komentar
Posting Komentar