شرح الحديث 165-166 (5 - الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أُزُرٍ، ومن دخول النساء بأُزرٍ وغيرها إلا نُفَساء أو مريضة، وما جاء في النهي عن ذلك) من صحيح الترغيب
165 - (2) [حسن صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالت:
سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الحمامُ حرامٌ على نساءِ أمتي". رواه
الحاكم وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد (1) ". __________ (1) ووافقه جمع من الحفاظ، منهم الذهبي، وانظر تحقيق صحته في
المجلد السابع من "الصحيحة" رقم (3439) تحقيقاً لا تراه في مكان آخر. |
ففي "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (4/
322):
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ، أَنَّهُ
سَمِعَ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ، تَقُولُ: دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ نِسْوَةٌ
مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "مِمَّنْ أَنْتُنَّ؟"
فَقُلْنَ: "مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ."
فَقَالَتْ: "صَوَاحِبُ الْحَمَّامَاتِ."
فَقُلْنَ: نَعَمْ.
قَالَتْ عَائِشَةُ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَمَّامُ
حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي»
تخريج الحديث:
أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"
(4/ 322) (رقم: 7784).
والحديث حسن: حسنه الألباني _رحمه الله_ في صحيح
الجامع الصغير وزيادته (1/ 608) (رقم: 3192)، و"صحيح الترغيب والترهيب"
(1/ 180) (رقم: 165)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"
(7/ 1292) (رقم: 3439)
من فوائد الحديث:
وقال معجم المفسرين «من صدر الإسلام وحتى العصر
الحاضر» (2/ 795)
محمد بن أحمد بن حمزة، شمس الدين الرملي (المتوفى:
1004 هـ) _رحمه الله_ في "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان" (ص: 60):
أمرهن مبْنى على الْمُبَالغَة فِي السّتْر لما فِي
خروجهن واجتماعهن من الْفِتْنَة وَالشَّر
وقال عبد الرؤوف بن
تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ"
(المتوفى: 1031 هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (3/ 422):
"دخولها لغير عذر شرعي كحيض ونفاس وبهذا
أخذ بعض العلماء وذهب الأكثر إلى أن دخولها لهن مكروه تنزيها.
نزلَّوا الحديث على ما إذا كان فيه كشف عورات أو
غيره من المنكرات." اهـ
وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه
الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (5/ 439):
"دخوله وتقدم إباحته لمريضة أو نفساء
وذهب جماعة إلى أنها كراهة تنزيهية ويأباها لفظ التحريم." اهـ
وقال محمد بن محمد الطوسي،
الشهير بـ"أبي حامد الغزالي" (المتوفى:
505هـ)[1] _رحمه الله_ في "إحياء علوم الدين"
(1/ 140):
"وحرام على المرأة دخول الحمام إلا
نفساء أو مريضة." اهـ
وقال أحمد بن محمد بن علي بن حجر السعدي الأنصاري، المعروف
بـ"الهيتمي" (المتوفى: 974
هـ)
_رحمه الله_ في "الزواجر عن اقتراف
الكبائر" (1/ 211):
"(الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ
وَالسَّبْعُونَ: كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَمِنْهُ دُخُولُ
الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ سَاتِرٍ لَهَا)." اهـ
قال القرطبي في "تفسيره" (ج 12 ص 224):
حرَّم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن
عباس:
أنه دخل
الحمام وهو محرم بالجحفة، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك
النساء للضرورة، والأوْلى بهن البيوت إن أمْكَنَ.
وذَكَرَ حديثًا لم يَصِحَّ: أن النبي ـ ﷺ ـ لَقِيَ
أم الدرداء عندما خرجت من الحمام فقال لها:
"والذي نفسي بيده ما من امرأة تَضَعُ ثيابها
في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كلَّ سِتْرٍ بينها وبين الرحمن عز وجل."
وذكر حديثًا هو أصحَّ إسنادًا عن طاووس عن ابن عباس
“تقدم تحت رقم 3”.
قال القرطبي في "الجامع لأحكام
القرآن" (12/ 224):
"قُلْتُ: أَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ
فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ فَحَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ، لِغَلَبَةِ
الْجَهْلِ عَلَى الناس واستسهالهم إذا توسطوا الحمام رموا مَآزِرِهِمْ، حَتَّى
يُرَى الرَّجُلُ الْبَهِيُّ ذُو الشَّيْبَةِ قَائِمًا مُنْتَصِبًا وَسَطَ
الْحَمَّامِ وَخَارِجَهُ بَادِيًا عَنْ عَوْرَتِهِ ضَامًّا بَيْنَ فَخِذَيْهِ
وَلَا أَحَدَ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ.
هَذَا أَمْرٌ بَيْنَ الرِّجَالِ فَكَيْفَ مِنَ
النِّسَاءِ! لَا سِيَّمَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِذْ حَمَّامَاتُهُمْ خالية
عن المظاهر التي هي عن أَعْيُنِ النَّاسِ سَوَاتِرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!" اهـ
شروط دخول الحمامات العامّة
وفي "تفسير القرطبي" (12/ 225):
قَالَ الْعُلَمَاءُ: فَإِنِ اسْتَتَرَ فَلْيَدْخُلْ
بِعَشَرَةِ شُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ- أَلَّا يَدْخُلَ إِلَّا بِنِيَّةِ
التَّدَاوِي أَوْ بِنِيَّةِ التَّطْهِيرِ عَنِ الرُّحَضَاءِ.
الثَّانِي- أَنْ يَعْتَمِدَ أَوْقَاتَ الْخَلْوَةِ
أَوْ قِلَّةَ النَّاسِ.
الثَّالِثُ -
أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ بِإِزَارٍ صَفِيقٍ.
الرَّابِعُ
- أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْحَائِطَ لِئَلَّا يَقَعَ
بَصَرُهُ عَلَى مَحْظُورٍ.
الْخَامِسُ
- أَنْ يُغَيِّرَ مَا يَرَى مِنْ مُنْكَرٍ بِرِفْقٍ، يَقُولُ: اسْتَتِرْ سَتَرَكَ
اللَّهُ!
السَّادِسُ -
إِنْ دَلَكَهُ أَحَدٌ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ عَوْرَتِهِ، مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى
رُكْبَتِهِ إِلَّا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
الْفَخِذَيْنِ هَلْ هُمَا عَوْرَةٌ أَمْ لَا.
السَّابِعُ
- أَنْ يَدْخُلَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطٍ أَوْ بِعَادَةِ النَّاسِ.
الثَّامِنُ -
أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.
التَّاسِعُ -
إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دُخُولِهِ وَحْدَهُ، اتَّفَقَ مَعَ قَوْمٍ يَحْفَظُونَ
أَدْيَانَهُمْ عَلَى كِرَائِهِ.
الْعَاشِرُ -
أَنْ يَتَذَكَّرَ بِهِ جَهَنَّمَ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ،
فَلْيَسْتَتِرْ، وَلْيَجْتَهِدْ فِي غَضِّ الْبَصَرِ." اهـ
تفسير القرطبي (12/ 233)
وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ: وَكَتَبَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ:
(أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ
الذِّمَّةِ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَامْنَعْ
مِنْ ذَلِكَ، وَحُلْ دُونَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَرَى الذِّمِّيَّةُ
عُرْيَةَ الْمُسْلِمَةِ).
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ قَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ،
وَابْتَهَلَ، وَقَالَ:
(أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ لَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تُبَيِّضَ وَجْهَهَا فَسَوَّدَ اللَّهُ
وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (لَا
يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَرَاهَا يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ، لِئَلَّا
تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا).
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لِلْفُقَهَاءِ:
فَإِنْ كَانَتِ الْكَافِرَةُ أَمَةً لِمُسْلِمَةٍ جَازَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى
سَيِّدَتِهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا، لِانْقِطَاعِ
الْوِلَايَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ، وَلِمَا
ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
السنن الكبرى للبيهقي (7/ 152)
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُبْدِي لِسَيِّدِهَا
بَعْدَمَا زَوَّجَهَا، وَلَا الْحُرَّةُ لِذَوِي مَحَارِمِهَا إِلَّا مَا يَظْهَرُ
مِنْهَا فِي حَالِ الْمِهْنَةِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، فَأَمَّا الزَّوْجُ فَلَهُ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا وَلَهَا أَنْ تَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهِ، سِوَى
الْفَرْجِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَهُ أَمَتُهُ إِنْ كَانَتْ
تَحِلُّ لَهُ
ومما يَدلّ على أنه لا يجوز للمرأة أن تُبدي شيئاً
مِن جسدها أمام النساء إلا ما تقدّم ذِكره من مواضع الزينة ومواضع الوضوء إنكار
نساء الصحابة على من كُنّ يدخلن الحمامات العامة للاغتسال، وكان ذلك في أوساط
النساء.
فإذا كانت المرأة تُمنع من دخول الحمّام، ولو كان
خاصاً بالنساء، وتُمنع من نزع ثيابها ولو بحضرة النساء، كان من المتعيّن أن عورة
المرأة مع المرأة كعورة المرأة مع محارمها، لا كعورة الرجل مع الرجل فلا تُبدي
لمحارمها ونساءها إلا مواضع الوضوء والزينة، وهي: الوجه والرأس والعنق واليدين إلى
المرفقين والقدمين.
166
- (3) [صحيح] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كَانَ يؤْمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فَلْيُكرِمْ
جاره، ومَنْ
كانَ يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فلا يدخُلِ الحمَّامَ! إلا بمئزرٍ، ومَن
كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخر؛ فليقل خيراً أو ليصمُتْ، ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم؛ فلا تدخُلِ الحمّام". قال:
فَنَمَيْتُ بذلك (1) إلى عُمرَ بنِ عبد العزيز رضي الله عنه في خلافته، فكيف
إلى أبي بكر بن محمد بن عَمروِ بن حَزْمٍ (2) أنْ: سَلْ محمد بن ثابت عن حديثه
فإنَّه رضاً، فسأله، ثم كتب إلى عُمر، فمنعَ النساءَ عن الحمام. رواه ابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم، وقال:
"صحيح الإسناد". ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من
رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، وليس عنده ذكر عمر بن عبد العزيز. __________ (1) أي: رفعتُه، وكان الأصل وغيره: "فنهيت"، والتصحيح
من "ابن حبان - موارد". وبمعناه رواية الحاكم بلفظ: "فرفع
الحديث"، وهو عنده من طريق كاتب الليث، لكنه قد توبع عند ابن حبان.[2] (2)
في الأصل والمخطوطة والمطبوعة: (حزام)، والتصحيح من كتب الرجال
و"الموارد". |
تخريج الحديث:
صحيح ابن حبان (12/ 409) (رقم: 5597)، المعجم
الكبير للطبراني (4/ 124) (رقم: 3873)، المعجم الأوسط (8/ 287) (رقم: 8658)، المستدرك
على الصحيحين للحاكم (4/ 321) (رقم: 7783)، السنن الكبرى للبيهقي (7/ 504) (رقم: 14807)،
شعب الإيمان (10/ 202) (رقم: 7379)
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (8/ 154)
(رقم: 5568)، و"صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (1/ 170) (رقم: 201)
من فوائد الحديث:
قال أبو حاتم البستي _رحمه الله_ في "صحيح ابن
حبان" (12/ 409):
"ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنْ دُخُولِ النِّسَاءِ
الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ مَيَازِرَ."
وقال الألباني _رحمه الله_ في "الثَّمَرِ
المستطابِ في فقه السنة والكتاب" (1/ 30):
"ورخص _صلى الله عليه وسلم_ للرجال
بدخول الحمام بشرط الاستتار ومنع النساء منه مطلقا، فقال _عليه السلام_:
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام
إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام) (ن ت وحسنه
ومس: صح)
وفي لفظ:
(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا
يدخلن الحمام) (مس حب: صح) وانظر (الترغيب) (1/ 88 - 90)
ولم يصحَّ استثناء المريضة والنفساء، فلا بأس من
دخولهما للضرورة مستورة العورة كما في (الاختيارات) (3/ 61)." اهـ
التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص:
35)
1 - التحذير من آفات اللسان، وأن على المرء
أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به، فإذا ظهر له أنه لا ضرر عليه في التكلم به تكلم
به، وإن ظهر له فيه ضرر أو شك فيه أمسك، وقد ندب الشارع إلى الإمساك عن كثير من
المباحات، لئلا تجر صاحبها إلى المحرمات والمكروهات.
2 - تعريف حق الجار، والحث على حفظ جواره
وإكرامه وجاء في تفسير هذا الإكرام عنه _صلى الله عليه وسلم_، أنه قال:
«إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ
اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ احْتَاجَ أَعْطَيْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ،
وَإِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جِنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ سَرَّكَ
وَهَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ سَاءَتْكَ وَعَزَّيْتَهُ، لَا
تُؤْذِهِ بِقَتَارِ قِدْرٍ لَكَ، إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُمْ مِنْهَا، وَلَا
تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ لِتُشْرِفَ عَلَيْهِ، وَتَسُدَّ عَلَيْهِ
الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ مِنْهَا،
وَإِلَّا فَأَدْخِلْهُ سِرًّا، لَا يَخْرُجُ وَلَدُكَ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَغِيظُونَ
بِهِ وَلَدَهُ»
وفي بغض رواياته (وإن أعوز سترته)،
وأسانيد هذا الحديث واهية، لكن اختلاف مخارجها يشعر
بأن له أصلا في فتح الباري." اهـ
[تعليق]:
حديث حق الجار ضعيف جدا: أخرجه
أبو الشيخ الأصبهاني في "التوبيخ والتنبيه" (ص: 26).
قال الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث
الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (6/ 97) (رقم: 2587):
وحديث معاذ عند أبي الشيخ في " التوبيخ "
(59/25) من طريق عثمان بن مطر عن يزيد بن بزيغ به.
قلت: وابن بزيغ هذا متفق على تضعيفه، بل قال
الذهبي: " هو من الدجاجلة ".
وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح الأربعين
النووية" (ص: 178):
"من فوائد هذا الحديث:
1_ وجوب السكوت إلا في الخير، لقوله:
"مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليَقُلْ خَيرَاً أو
لِيَصمُتْ" هذا ظاهر الحديث، ولكن ظاهر أحوال الناس أن ذلك ليس بواجب، وأن
المقال ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولغو.
فالخير: هو المطلوب. والشر: محرم، أي أن يقول
الإنسان قولاً شراً سواء كان القول شراً في نفسه أو شراً فيما يترتب عليه. واللغو:
ما ليس فيه خير ولاشرّ فلا يحرم أن يقول الإنسان اللغو، ولكن الأفضل أن يسكت عنه.
ويقال: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وكم
كلمة ألقت في قلب صاحبها البلاء، والكلمة بيدك ما لم تخرج من لسانك، فإن خرجت من
لسانك لم تملكها.
وإذا دار الأمر بين أن أسكت أو أتكلم فالمختار
السكوت، لأن ذلك أسلم..
2_ الحث على حفظ اللسان لقوله: "مَنْ
كَانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرَاً أَوْ لِيَصْمُتْ"،
ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي
الله عنه قال له: أَلا___أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قَالَ: بَلَى
يَارَسُولَ اللهِ، فَأَخذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا،
قَالَ: يَارَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ -
الجملة استفهامية - قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ
النَّاسَ فِي النَّار عَلَى وُجُوهِهِم، أَو قَالَ: "عَلَى مَنَاخِرِهِمْ
إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ" (1) فاحرص على أن لاتتكلم إلا حيث كان
الكلام خيراً، فإن ذلك أقوى لإيمانك وأحفظ للسانك وأهيب عند إخوانك.
3_ وجوب إكرام الجار لقوله: "مَنْ كَانَ
يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُكرِمْ جَارَهُ" وهذا الإكرام مطلق
يرجع فيه إلى العرف، فتارة يكون إكرام الجار بأن تذهب إليه وتسلم عليه وتجلس عنده.
وتارة تكون بأن تدعوه إلى البيت وتكرمه. وتارةبأن تهدي إليه الهدايا، فالمسألة
راجعة إلى العرف.
4_ أن دين الإسلام دين الألفة والتقارب
والتعارف بخلاف غيره، فإنك ترى أهل الملة الواحدة لايكاد يعرف بعضهم بعضاً،
متفرقون، حتى الجار لايدري ماذا يحدث لجاره..
[1] كان الغزالي _رحمه الله_ يمر بأربع مراحل: مرحلة
الاعتزال، ومرحلة الأشاعرة، ومرحلة التصوف، وفي المرحلة الأخيرة: مال إلى مذهب
السلف أهل السنة الحقيقية، والله أعلم." اهـ
[2] وفي "مسند عمر بن عبد
العزيز" (ص: 183) لأبي بكر الباغندي:
"قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَكَتَبَ أَبِي إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بِذَلِكَ؛ فَمَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النِّسَاءَ مِنَ
الْحَمَّامِ." اهـ
Komentar
Posting Komentar