شرح الحديث 129 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين
[129] الثالث عشر: عَنْهُ: "أنَّ
رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ : «إِذَا
تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ
وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ
آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذا
غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ
مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا
غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ
مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ» . رواه مسلم. |
ترجمة
أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:
اختلف فِي
اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا،
فقيل:
اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن
هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله
بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن
الأزد.
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما
كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟
فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
وذكر أَبُو
القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :
"وَقَال
عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم
سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)
قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو
الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن
علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.
وفي "تاريخ
الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت:
روي لَهُ
نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين (5370)
حديثًا. في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد
الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)."
اهـ
نص
الحديث وشرحه:
الثالث عشر:
عَنْهُ:
"أنَّ
رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ :
«إِذَا
تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ
وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ
آخِرِ قَطْرِ المَاءِ،
فَإِذا غَسَلَ
يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ
المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ،
فَإِذَا
غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ
آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ» . رواه مسلم.
تخريج
الحديث:
أخرجه مسلم في
"صحيحه" (1/ 215/ 32) (رقم: 244)، والترمذي في "سننه" – ت.
شاكر (1/ 6) (رقم: 2)، ومالك في "الموطأ" – ت. الأعظمي (2/ 42) (رقم: 85)،
وعبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (1/ 53) (رقم: 155)، وأحمد في "مسنده"
– ط. عالم الكتب (2/ 303) (رقم: 8020)، والدارمي في "سننه" (1/ 560)
(رقم: 745)، صحيح ابن خزيمة (1/ 5) (رقم: 4)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"
(1/ 37) (رقم: 180)، وابن حبان في "صحيحه" (3/ 315) (رقم: 1040)، وأبو
عوانة في "مستخرجه" (1/ 207) (رقم: 669)، المسند المستخرج على صحيح مسلم
لأبي نعيم (1/ 307) (رقم: 575)، والجوهري في "مسند الموطأ" (ص: 377)
(رقم: 426)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 130) (رقم: 381)، و"شعب
الإيمان" (4/ 252) (رقم: 2476) و"معرفة السنن والآثار" (1/ 307)
(رقم: 735)، و"السنن الصغير" (1/ 47) (رقم: 99).
والحديث
صحيح:
صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 189) (رقم: 181)،
و"تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 94) (رقم: 285)، و"صحيح الجامع الصغير
وزيادته" (1/ 140) (رقم: 450)،
من
فوائد الحديث:
وقال النووي في
شرح صحيح مسلم - (3 / 133):
"وفي هذا
الحديث: دليل على الرافضة وابطالٌ لقولهم: (الواجب مسح الرجلين)." اهـ
وقال
المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1 / 27):
"سبب
التخصيص هو أن كلا من الفم والأنف والأذن له طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه،
فكانت متكفلة بإخراج خطاياه بخلاف العين فإنه ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه فخصت
خطيئتها بالخروج عند غسله دون غيرها مما ذكر))
ذكره القارىء في المرقاة ص 64 ج 2 انتهى
وقال
المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1 / 27):
"قال بن
العربي في العارضة:
الخطايا
المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي صلى الله عليه و سلم الصلوات
الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما أجتنبت الكبائر فإذا كانت الصلاة
مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى قال وهذا
التكفير إنما هو للذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه وأما المتعلقة بحقوق الآدميين
فإنما يقع النظر فيها بالمقاصة مع الحسنات والسيئات
وقال الزرقاني
في "شرح موطأ الإمام مالك" (1 / 104)
وخص العلماء
هذا ونحوه من الأحاديث التي فيها غفران الذنوب بالصغائر أما الكبائر فلا يكفرها
إلا التوبة لحديث الصحيحين الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان
كفارت لما بينها ما اجتنبت الكبائر
وقال أبو
العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1 / 440):
"ثم لا
بُعدَ في أن يكون بعض الأشخاص تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص،
ويراعيه من الإحسان والآداب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء." اهـ
وقال الزرقاني
في "شرح موطأ الإمام مالك" (1 / 104):
"وقال
النووي:
(ما وردت به
الأحاديث أنه يكفر إن وجد ما يكفره من الصغائر كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة
كتب له به حسنات ورفع به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن
يخفف من الكبائر)." اهـ
وقال الكشميري
في "العرف الشذي" (1 / 16):
"قال
المتأخرون: الحسنات مكفرات السيئات الصغائر، وقال المتقدمون : يفوض الأمر إلى الله
بلا تقييد بالصغائر والكبائر، وتمسك المتأخرون بما سيأتي: (ما لم يغش الكبائر).
وأقول:
التحقيق أن لا يقيد بالصغائر ، ويتمشى على ألفاظ الأحاديث لغة ، وفي اللغة: الذنوب
العيوب، والخطايا ما ليس بصواب." اهـ
وقال أبو
العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1 / 441):
"وقد
استدل أبو حنيفة رحمه الله بهذا الحديث على نجاسة الماء المستعمل، ولا حجة له فيه
لما ذكرناه، وعند مالك: أن الماء المستعمل طاهرٌ مطهرٌ؛ غير أنه يكره استعماله مع
وجود غيره؛ للخلاف فيه." اهـ
قال الباجي في
"المنتقى شرح الموطأ" (1 / 63):
"قَوْلُهُ:
(إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ) تَخْصِيصٌ لَهُ بِهَذَا
الْحُكْمِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُكَفِّرُ مَعَ الْكُفْرِ ذَنْبًا." اهـ
وقال السيوطي
في "تنوير الحوالك" (1 / 42):
"قال
الباجي: هذا يدل على أن الوضوء يكفر عن كل عضو ما اختص به من الخطايا مع الماء أو
مع آخر قطر الماء." اهـ
وقال الحريملي
في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 108):
"في هذا
الحديث: فضل الوضوء، وأنه يمحو خطايا الجوارح ويكفر الذنوب." اهـ
وقال العثيمين
في "شرح رياض الصالحين" (1 / 147):
هذا الوضوء
تطهر فيه هذه الأعضاء الأربعة: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان. وهذا التطهير
يكون تطهيرا حسيا، ويكون تطهيرا معنويا،
أما كونه تطهيرا حسيا فظاهر، لأن الإنسان يغسل وجهه ويديه ورجليه
ويمسح الرأس وكان الرأس بصدد أن يغسل كما تغسل بقية الأعضاء ولكن الله خفف في
الرأس لأن الرأس يكون فيه الشعر.
والرأس هو
أعلى البدن فلو غسل الرأس ولا سيما إذا كان فيه الشعر لكان في هذا مشقة على الناس،
ولا سيما في أيام الشتاء، ولكن من رحمة الله عز وجل أن جعل فرض الرأس المسح فقط،
فإذا توضأ
الإنسان لا شك أنه يطهر أعضاء الوضوء تطهيرا حسيا وهو يدل على كمال الإسلام حيث
فرض على معتنقيه أن يطهروا هذه الأعضاء التي هي غالبا ظاهرة بارزة .
أما
الطهارة المعنوية، وهي التي ينبغي أن يقصدها المسلم،
فهي تطهيره من الذنوب. فإذا غسل وجهه خرجت كل خطايا نظر إليها بعينه وذكر العين
والله أعلم إنما هو على سبيل التمثيل،
وإلا فالأنف قد
يخطئ والفم قد يخطئ فقد يتكلم الإنسان بكلام حرام وقد يشم أشياء ليس له حق أن
يشمها ولكن ذكر العين لأن أكثر ما يكون الخطأ في النظر .
فلذلك إذا غسل
الإنسان وجهه بالوضوء خرجت خطايا عينيه فإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه فإذا غسل
رجليه خرجت خطايا رجليه حتى يكون نقيا من الذنوب ولهذا قال تعالى حين ذكر الوضوء
والغسل والتيمم { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } يعني ظاهرا وباطنا حسا ومعنى { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فينبغي للإنسان إذا توضأ أن يستشعر بهذا
المعنى أي أن وضوءه يكون تكفيرا لخطيئاته حتى يكون بهذا الوضوء محتسبا الأجر على
الله عز وجل ." اهـ
وقال ابن عبد
البر في "الاستذكار" (1/ 203):
"وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ: تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ
تُكَفَّرُ الذُّنُوبُ بِهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى_: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ." اهـ
قال الإثيوبي
_رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(6/ 299_301):
"في
فوائده:
1 - (منها):
بيان خروج الخطايا مع ماء الوضوء، وقد أسلفت أن خروجها على ظاهره، ولا داعي لدعوى
المجاز، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
2 - (ومنها):
بيان احتياط الرواة في أداء الحديث بلفظه، بحيث إنهم إذا شكّوا في لفظة ذكروها
بعبارتين مما تردّد في أذهانهم حتى تؤدّى على وجهها بأحد المحتملين، وهذا من شدّة
ورعهم، وحرصهم في المحافظة على أداء ما سمعوه كما سمعوه، حتى ينالهم دعاء النبيّ -
صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله: "نضّر الله امرءًا سمع منا شيئًا، فبلَّغه
كما سمع، فرب مبلَّغ أوعى من سامع"، وفي لفظ: "نضر الله امرءًا سمع
مقالتي، فوعاها، وحفظها، وبلّغها ... "، وفي رواية: "فأداها كما سمعها
... " الحديث، أخرجه الترمذيّ، وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ.
3 - (ومنها):
بيان أن الواجب في الوضوء غسل الرجلين، لا المسح.
4 - (ومنها):
الرّدُّ على الرافضة، وإبطالُ قولهم: الواجب مسح الرجلين.
5 - (ومنها):
بيان أن كلّ عضو يطهّر بانفراده؛ لأن خروج الخطايا منه فرع طهارته بنفسه.
6 - (ومنها):
أن ظاهر قوله: "خرج من وجهه"، "وخرج من يديه"، "وخرجت
كلّ خطيئة مشتها رجلاه" يدلّ على أن التكفير يختصّ بأعضاء الوضوء فقط، وبهذا
قال بعضهم، لكن قوله في آخر الحديث: "حتى يخرج نقيًّا من الذنوب"، ظاهر
في تكفير عموم ذنوب بقيّة الأعضاء، ويؤيّد الأول حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه
- الطويل الآتي للمصنّف في "كتاب الصلاة"، وفيه: فقلت: يا نبي الله،
فالوضوء حدثني عنه، قال: "ما منكم رجلٌ يُقَرِّب وَضُوءه، فيتمضمض، ويستنشق
فينتثر، إلا خَرجَت خطايا وجهه، وفيه، وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله،
إلا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا
خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرّت خطايا رأسه من أطراف
شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع
الماء، فإن هو قام، فصلى، فحَمِد الله، وأثنى عليه، ومَجَّدَه بالذي هو له أهل،
وفَرَّغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته، كهيئته يوم ولدته أمه".___
فظاهر هذا
الحديث يدلّ على أن تكفير جميع الذنوب بالصلاة.
ويؤيّد الثاني
ما تقدّم للمصنّف برقم (229) من حديث عثمان - رضي الله عنه -، قال - بعد أن توضّأ
-: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: "من
توضأ هكذا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".
فإن هذا ظاهر
في تكفير الوضوء جميع ذنوبه.
قال الجامع
عفا الله تعالى عنه: يُمكن أن يُجمع بين هذه الأحاديث باختلاف الأحوال والأشخاص،
فربّ شخص يكون إخلاصه ومراقبته لله عز وجل أتمّ، فتكفّر ذنوبه بوضوئه، وتكون صلاته
ومشيه إلى المسجد في زيادة الدرجات، وربّ شخص لا يكون كذلك، فيكون تمام تكفير
ذنوبه بالوضوء والصلاة، والله تعالى أعلم بالصواب.
7 - (ومنها):
ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: قد استدلّ به أبو حنيفة رحمه الله على نجاسة
الماء المستعمل، ولا حجة له فيه، وعند مالك أن الماء المستعمل طاهرٌ مطهّرٌ، غير
أنه يُكره استعماله مع وجود غيره؛ للخلاف فيه، وعند أصبغ بن الفرج أنه طاهرٌ غير
مطهّر، وقيل: مشكوك فيه، فيُجمع بينه وبين التيمّم، وقد سمّاه بعضهم ماء
الذُّنُوب.
قال الجامع
عفا الله عنه: الصحيح أن الماء المستعمل طاهرٌ مطهِّرٌ؛ لأن الله تعالى قال:
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}، ولا يزال عنه اسم الطهوريّة إلا
بنجاسة، جاء النصّ، أو الإجماع بها، وقد حقّقت المسألة في "شرح
النسائيّ"، وسأحقّقها أيضًا هنا في الموضع المناسب لها - إن شاء الله تعالى
-.
[تنبيهٌ]:
أخرج الإمام مالك - رحمه الله - هذا الحديث في "الموطّأ" (55) مرسلًا،
فقال (1): وحدّثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله
الصُّنابحيّ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد
المؤمن، فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا____غسل
وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت
الخطايا من يديه، حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من
رأسه، حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه، حتى تخرج من تحت
أظفار رجليه - قال: - ثم كان مشيه إلى المسجد، وصلاته نافلة له".
وهذا مرسل
صحيح الإسناد، وقوله: "عن عبد الله الصُّنَابحيّ" الصواب - كما قال ابن
عبد البرّ - عن أبي عبد الله الصنابحيّ، واسمه عبد الرحمن بن عُسيلة، وهو تابعيّ،
وروايته هذه مرسلة، إلا أن حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - الذي سيأتي للمصنّف
يشهد له، فيصحّ به.
قال القرطبيّ
- رحمه الله -: استدلّ بحديث الصنابحيّ بعض أصحابنا على صحّة قول مالك: الأذنان من
الرأس، ولم يُرد مالك بذلك أن الأذنين من الرأس، بدليل أنه لم يُختلف عنه أنهما
يُمسحان بماء جديد، وأن من تركهما حتى صلّى لم تلزمه إعادة، وإنما أراد أن الأذنين
يُمسحان كما يُمسح الرأس، لا أنهما يُغسلان كما يُغسل الوجه؛ تحرّزًا مما يُحكى عن
ابن شهاب أنه قال: إن ما أقبل منهما على الوجه هو من الوجه، فيُغسل معه، وما يلي
الرأس هو من الرأس، فيُمسح معه. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله – ["المفهم"
1/ 493 - 494].
قال الجامع
عفا الله عنه: كون الأذنين من الرأس هو المذهب الصحيح؛ لحديث الصُّنَابحيّ
المذكور، وأما حديث: "الأذنان من الرأس"، فضعيف، لا يصلح للاحتجاج به،
وإن صححه بعضهم لتعدد طرقه، وقد حقّقت المسألة في "شرح النسائيّ" ["ذخيرة
العقبى" 2/ 378 - 381]، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه
المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ
Komentar
Posting Komentar