شرح الحديث 128 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين

 

[128] الثاني عشر: عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_:

«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ، فَاسْتَمَعَ، وَأنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ. وَمَنْ مَسَّ الحَصَا، فَقَدْ لَغَا». رواه مسلم.

 

ترجمة أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:

 

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا،

فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :

"وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:

"قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت:

روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين (5370) حديثًا. في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

الثاني عشر: عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_:

«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ، فَاسْتَمَعَ، وَأنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ. وَمَنْ مَسَّ الحَصَا، فَقَدْ لَغَا» . رواه مسلم.

 

النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 147):

"(وَفَضْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) (وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) هُوَ بِنَصْبِ فَضْلَ وَزِيَادَةَ عَلَى الظَّرْفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَصَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْجَمِيلَةَ فِي مَعْنَى الْحَسَنَةِ الَّتِي تُجْعَلُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا إِلَى مِثْلِ الْوَقْتِ مِنَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى تَكُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيُضَمُّ إِلَيْهَا ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ عَشَرَةً ." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (17/ 204):

"وقوله: (وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تقدّم أنه يجوز فيه أوجه الأعراب الثلاثة: الرفع عطفًا على "ما"، والنصب على المفعوليّة معه، والجرّ عطفًا على "الجمعة".

(وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى) أي: لتسويتها، سواءٌ مسّها في الصلاة، أو قبلها في حال الخطبة بطريق اللعب (فَقَدْ لَغَا")

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"أي: فقد أتى لغوًا من الفعل، أو القول."

قال الهرويّ: "لغا: تكلّم بما لا يجوز له، وقيل: لغا عن الصواب؛ أي: مال عنه،

وقال النضر بن شُميل: خاب، ألغيته خيّبته،

وقال ابن عرفة: اللغو الشيء الْمُسْقَطُ؛ أي: الملغَى، يقال: لغا يلغو، ولَغِيَ يَلْغَى. انتهى ["المفهم" 2/ 487 - 488]." اهـ

 

وقال القاري _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3/ 1030)

"(وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى) ، أَيْ: سَوَّاهُ لِلسُّجُودِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بِطَرِيقِ اللَّعِبِ، وَفِي حَالِ الْخُطْبَةِ (" فَقَدْ لَغَا ") : يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ، أَيْ: أَتَى بِصَوْتِ لَغْوٍ مَانِعٍ عَنِ الِاسْتِمَاعِ، فَيَكُونُ شَبِيهًا بِمَنْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]،

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ (مَنْ لَغَا)، أَيْ: تَكَلَّمَ بِمَا لَا يُشْرَعُ لَهُ، أَوْ عَبَثَ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ صَوْتٌ، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ، أَيْ: كَامِلَةً اهـ.

وَقِيلَ: لَغَا عَنِ الصَّوَابِ، أَيْ مَالَ.

فِي النِّهَايَةِ: لَغَى يَلْغِي وَلَغَى يَلْغَى وَلَغَا يَلْغُو إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِي، وَهُوَ اللَّغْوُ، وَالْمُرَادُ بِمَسِّ الْحَصَى تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِلسُّجُودِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: تَقْلِيبُ السُّبْحَةِ وَعَدُّهَا، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ." اهـ

 

وقال الأُرَمي _رحمه الله_ في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى" (7/ 64):

"(ومن مس الحصى) وغيره بيده في حال الخطبة لتسويته في موضع سجوده، أو في موضع جلوسه، أو للعبث كأخذه من الأرض وتناقله من يد إلى أخرى." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 108):

"معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام: أنَّ الحسنةَ بعشر أمثالها.

 

وقال أبو عبد الله المازري _رحمه الله_ في "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 473):

"يَنْقدحُ في نفسى في هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما حدد الزيادة على الجمعة بثلاثة أيام لأنه يقدر أن يوم الجمعة لما فعل فيه هذا الخير وكانت الحسنة بعشر أمثالها بلغ هذا التضعيف إلى ما قال "أيام الجمعة سبعة" وتكمل السبعة بثلاثة.

وهذا كما يتأول كون صوم رمضان وستة من شوال مكفرا للدهر لما كان هذا المقدار يبلغ تضعيفه بعشرٍ جميع أيام السنة كما ننبه عليه في كتاب الصوم إن شاء الله." اهـ

 

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتي _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (7/ 18_19):

«قَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَمْ يَسْبُرْ صِنَاعَةَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْجُمُعَةَ إِلَى الْجُمُعَةِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَقُلْ غُفِرَ لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ.

فَوَقْتُ الْجُمُعَةِ: زَوَالُ الشَّمْسِ، فَمِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى سَبْعَةُ أَيَّامٍ،

وَقَوْلُهُ: (زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَمَامُ الْعَشْرِ)،

قَالَ اللَّهُ _جَلَّ وَعَلَا_: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]،

وَهَذَا مِمَّا نَقُولُ فِي كُتُبِنَا: إِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَعْمَلُ___طَاعَةَ اللَّهِ _جَلَّ وَعَلَا_، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ بِهَا ذَنُوبًا لَمْ يَكْتَسِبْهَا بَعْدُ»." اهـ

 

قال فيصل بن عبد العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 654)

"وقوله: «من مس الحصى، فقد لغا» أي: ومن لغا فلا جمعة له." اهـ

 

وقال القاضي عياض _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 253):

"وقوله: (ومن مس الحصا، فقد لغا)، لأنه بتحريكه له وشغله به صار لاغياً مشغلاً غيره عن سماع الخطبة بصوت حركته." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم في "صحيحه" (2/ 588/ 27) (رقم: 857)، وأبو داود في "سننه" (1/ 276) (رقم: 1050)، سنن الترمذي ت شاكر (2/ 371) (رقم: 498)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 346) (رقم: 1090)، أحمد في "المسند" - عالم الكتب (2/ 424) (رقم: 9484)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 436) (رقم: 5027) وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 128 و 3/ 159) (رقم: 1756 و 1818)، وابن حبان في "صحيحه" (4/ 32 و 7/ 18) (رقم: 1231 و 2779)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 316) (رقم: 5849)، شعب الإيمان (4/ 405) (رقم: 2726)، و"السنن الصغير" (1/ 239) (رقم: 625).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 436) (رقم: 1383)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1063) (رقم: 6179)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 430) (رقم: 683)

 

من فوائد الحديث:

 

1/ فيه: النهى عن مس الحصا وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ

 

وقال النووي _رحمه الله_ في "شرح صحيح مسلم" (6/ 147):

"قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم_: (ومن مس الحصا، لغا)،

فيه: النهى عن مس الحصا وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ،

 

2/ وَفِيهِ: إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ

 

وقال النووي _رحمه الله_ في "شرح صحيح مسلم" (6/ 147):

وَفِيهِ: إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ، وَالْمُرَادُ بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ الْمَرْدُودُ." اهـ

 

3/ في هذا الحديث: دليل على أن الحضور إلى الجمعة بعد أن يحسن الإنسان وضوءه، ثم يستمع إلى الخطيب وهو يخطب، وينصت، فإنه يغفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة، وفضلُ ثلاثة أيام،

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 178):

"في هذا الحديث: دليل على أن الحضور إلى الجمعة بعد أن يحسن الإنسان وضوءه، ثم يستمع إلى الخطيب وهو يخطب، وينصت، فإنه يغفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة، وفضلُ ثلاثة أيام،

وهذا عمل يسير ليس فيه مشقة على الإنسان؛ أن يتوضأ ويحضر إلى الجمعة ن وينصت لخطبة الإمام حتى يفرغ." اهـ

 

4/ الجمعة عيد الأسبوع للمسلمين

 

وقال ابن رجب _رحمه الله_ في كتابه "فتح الباري" (1/ 175):

"وأما عيد الأسبوع: فهو يوم الجمعة، وهو متعلق بإكمال فريضة الصلاة؛ فإن الله فرض على عباده المسلمين الصلاة كل يوم وليلة خمس مرات.

فإذا كملت أيام الأسبوع التي تدور الدنيا عليها، وأكملوا صلاتهم فيها، شرع لهم يوم إكمالها - وهو اليوم الذي انتهى فيه الخلق، وفيه خلق آدم، وأدخل الجنة - عيدا يجتمعون فيه على صلاة الجمعة، وشرع لهم الخطبة تذكيرا بنعم الله عليهم وحثا لهم على شكرها، وجعل شهود الجمعة بأدائها كفارة لذنوب الجمعة كلها وزيادة ثلاثة أيام." اهـ

 

5/ وفيه: حُجَّة على وجوب الإنصات للخطبة على من كان مستمعًا

 

قال أبو العباس القرطبي _رحمه الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/ 488):

"وفي هذا الحديث: ما يدلّ على وجوب الإقبال على استماع الخطبة، والتجرُّد لذلك، والإعراض عن كل ما يُشغل عنها؛

ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الآخر: (من قال لصاحبه: "أنصت" يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فقد لغا)،

وهو حُجَّة على وجوب الإنصات للخطبة على من كان مستمعًا، وهو مذهب الجمهور.

وذُكر عن الشعبي والنخعي وبعض السلف أنه ليس بواجب إلا عند تلاوة القرآن، وهذه الأحاديث حجَّة عليهم." اهـ

 

6/ فيه: إشارة إلى عدم وجوب الغسل يوم الجمعة

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (17/ 38):

"فإن دلالة الحديث على عدم الوجوب ظاهرة واضحة، وقد أُعلّ بما وقع من الخلاف في سماع الحسن من سمرة، ولكنه قد حسنه الترمذيّ.

ويُقوّي هذا الحديث أنه قد رُوي من حديث أبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، كما حكى ذلك الدارقطني.

قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وأنس.

وأخرجه البيهقيّ من حديث ابن عباس، وأنس، وأبي سعيد، وجابر.

ويقوّيه أيضًا ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت، غُفِرَ له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام".

فإن اقتصاره -صلى اللَّه عليه وسلم- على الوضوء في هذا الحديث يدلّ على عدم وجوب الغسل، فوجب تأويل حديث: "غسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم" بحمله على أن المراد بالوجوب تأكيد المشروعيّة، جَمْعًا بين الأحاديث، وإن كان لفظ الوجوب لا يُصرَف عن معناه، إلا إذا ورد ما يدلّ على صرفه كما نحن بصدده، لكن الجمع مقدّم على الترجيح، ولو كان بوجه بعيد. انتهى كلام الشوكانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي حققه الشوكانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو التحقيق الحقيق بالقبول، فإنه حسنٌ جدًّا؛ لأن الجمع بين الأحاديث المختلفة مهما أمكن هو المتعيّن، ولا سيما إذا كان طريق الجمع واضحًا، كما نحن فيه.

والحاصل أن غسل يوم الجمعة مستحب استحبابًا أكيدًا بحيث يستحقّ تاركه التعنيف، والإنكار الشديد عليه، كما تقدم من قصّة عمر، وعمار بن ياسر، وغيرهما، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (17/ 203):

"قد استدلّ به الجمهور على أن غسل الجمعة سنّة، غير واجب وجوب الفرض الذي يأثم تاركه،

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذَكَرَ فيه الوضوء واقتصر عليه دون الغسل، ورتَّب عليه الصحّة والثواب عليه، فدلّ على أن الوضوء كافٍ، من غير غسل، وأن الغسل ليس بواجب. انتهى. ["المفهم" (2/ 479)]

وقد تقدّم بيان الخلاف في هذه المسألة مع ترجيح ما ذهب إليه الجمهور من سنّيّة الغسل للجمعة بأدلّته في شرح قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق." اهـ

 

وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/ 16):

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا غُسْلَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَسْكُنُونَ الْعَالِيَةَ فَيَحْضُرُونَ الْجُمُعَةَ وَبِهِمْ وَسَخٌ فَإِذَا أَصَابَهُمُ الرَّوْحُ سَطَعَتْ أَرْوَاحُهُمْ فَتَأَذَّى بِهِمُ النَّاسُ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أو لا تَغْتَسِلُونَ

وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ غُسْلًا وَاجِبًا إِلَّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ

وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ الطِّيبُ يُجْزِئُ مِنَ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

 

7/ فيه: استعمال أدب الجمعة

 

وقال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (8/ 63):

"هذا الحديث يتضمن استعمال أدب الجمعة، ويدل على أن الغسل لها ليس بواجب، ويأمر بالاستماع للخطبة، ويحث على القرب من الخطيب، ويحرص على الإنصات."

 

8/ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَدْحُ مَنْ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي الْخُطْبَةِ.

 

وقال ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (4/ 50)

"فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَدْحُ مَنْ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي الْخُطْبَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا يَعْنِي مَنْ أَنْصَتَ عَلَى تَكْلِيمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ." اهـ

 

9/ وَفِيهِ أَنَّ السُّبْحَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

 

وقال علي القاري _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3/ 1030):

"وَفِيهِ أَنَّ السُّبْحَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -." اهـ

 

10/ فيه: أن الله _تعالى_ جعل أَدَاء الْفَرَائِض تَطْهِيرا لَهُ من دنسه

 

وقال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 106):

"العَبْد وَإِن احْتَرز، لابد من تدنيسه بِالذنُوبِ، وَهُوَ _تَعَالَى_ قُدُّوْسٌ، لَا يَقْرَبُهُ، إِلَّا مُقَدَّسٌ، فَجعل أَدَاء الْفَرَائِض تَطْهِيرا لَهُ من دنسه." اهـ

 

وقال المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (4/ 244):

"العبد وإن توقى لا بد له من تدنيسه بالذنوب وهو تعالى قدوس لا يقربه إلا قديس طاهر فجعل أداء الفرائض تطهيرا له من أدناسه {إن الحسنات يذهبن السيئات} فإذا تطهر العبد بهذه الطهارة صلح لدار الطهارة وقرب القدوس." اهـ

 

فيض القدير (4/ 244)

<تنبيه> قال ابن بزيزة: هنا إشكال صعب وهو أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر فما الذي يكفره الصلوات؟ وأجاب البلقيني بأن معنى {إن تجتنبوا} الموافاة على هذه الحال من الإيمان أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فالسؤال غير وارد وبفرض وروده فالتخلص منه أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الخمس فمن لم يفعلها لم يجتنب لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها وأحوال المكلف بالنسبة لما يصدر منه من صغيرة وكبيرة خمسة: * أحدها: أن لا يصدر منه شيء، فهذا ترفع درجاته.

* الثانية: يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا يكفر عنه جزما.

* الثالثة: مثله لكن مع الإصرار فلا يكفر لأن الإصرار كبيرة.

* الرابعة: يأتي بكبيرة واحدة وصغائر.

* الخامسة: يأتي بكبائر وصغائر، وفيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب أن تكفر الصغائر فقط والأرجح لا تكفر أصلا إذ مفهوم المخالفة إذا لم يتعين جهته، لا يعمل به." اهـ

 

وقال البسام في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (2/ 603)"

"4 - استحباب شَغْلَ وقت انتظار الخطيب بالصلاة، وتقدم أن هذه الصلاة ليست سنة راتبة للجمعة، وإنما هي نفل مطلق،

5 - وجوب الإنصات للخطيب، والدليل على وجوبه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال لصاحبه: أنصت، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له".

6 - أنَّ الإنصات الواجب هو وقت الخطبة فقط، لا قبلها ولا بعدها؛ فإنَّ لفظ "حتى" للغاية، ولا يدخل ما بعدها فيما قبلها.

7 - فضل هذا العمل الذي يسبب غفران الذنوب، وتكفير السيئات.

8 - المراد هنا بالسيئات التي تُكَفَّر في هذا العمل: صغائر الذنوب، أما كبائر الذنوب فلا يكفرها إلاَّ التوبة النصوح، وهذا عام في جميع الأعمال الصالحة التي وردت أنَّها تكفر الذنوب؛ كصوم يوم عرفة، ويوم عاشوراء، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والحج المبرور، وغير ذلك مما أتت به النصوص، وهذا قول جمهور العلماء." اهـ

 

وقال شيخنا العباد _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود" (133/ 13) بترقيم الشاملة:

وهذا يدلنا على عظم شأن الخطبة، والاهتمام بها، والإقبال عليها، والإصغاء لسماعها، والإنصات لها، فينبغي للحاضر أن يتأمل الخطبة ويعرف ما اشتملت عليه، ويعتبر ويتعظ ويستفيد.

وتغيير الجلسة ليس من هذا؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى تغيير الجلسة، أما أن يتشاغل عن الخطبة بثيابه وبملابسه فهو شبيه بالذي يعبث بالحصى؛ لأن التشاغل موجود.

والإنسان إذا هجم عليه النوم فهو معذور، لكن كونه لا يبالي بالنوم، وما عنده مانع من أن يأتي له النوم، والأمر عنده سيان، فهذا لا شك أنه مقصر ومفرط، لكن الإنسان الحريص على أن يسمع خطبة الجمعة، ولكن إن أصابه نعاس، أو خفقان وهو جالس، فنرجو أن ذلك لا يؤثر.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة