أنواع الرزق وأسبابه
أنواع الرزق وأسبابه
تعريف الرزق:
قال ابن فارس _رحمه الله_ في "مقاييس اللغة"
(2/ 388):
"(رَزَقَ) الرَّاءُ وَالزَّاءُ
وَالْقَافُ: أُصَيْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى عَطَاءٍ لِوَقْتٍ، ثُمَّ يُحْمَلُ
عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَوْقُوتِ. فَالرِّزْقُ: عَطَاءُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَيُقَالُ رَزَقَهُ اللَّهُ رِزْقًا، وَالِاسْمُ الرِّزْقُ.
وقال الراغب الأصفهاني _رحمه الله_ في "المفردات
في غريب القرآن" (ص: 351):
الرِّزْقُ يقال للعطاء
الجاري تارة، دنيويّا كان أم أخرويّا، وللنّصيب
تارة، ولما يصل إلى الجوف ويتغذّى به تارة،
يقال: أعطى السّلطان رِزْقَ الجند، ورُزِقْتُ علما،
قال:
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) [المنافقون/ 10]،
أي: من المال والجاه والعلم.
وكذلك قوله:
(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة/ 3] ،
(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة/
172]
وقال الجرجاني في "التعريفات" (ص: 110):
"الرزق: اسم لما يسوقه الله إلى الحيوان
فيأكله، فيكون متناولًا للحلال والحرام." اهـ
وقال المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف"
(ص: 177):
"الرزق: ما يسوقه الله إلى الحيوان
للتغذي أي ما به قوامُ الجسم ونماؤُه." اهـ
فالخلاصة:
الرزق: هوَ العطاء والهبة وما ينتفع به الإنسان،
وقد تكفّل اللهُ به لعباده سواءً بذلك من آمن منهم أو من كفر به،
إلّا أنّ رزق الله لعباده المؤمنين يختلف عن ذلك
الرزق الذي يأتي لأيّ إنسان، فقد وعد الله عباده المتّقين
بالطيّب من الرزق، أمّا الكافر والعاصي فإن رزقه يأتي نَكِداً منزوع الخير
والبركة،
قالَ تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]
فالكافر يبقى
في حياته يسعى في تحصيل رزقه جاهداً، ثمّ لا يأتيه من ذلك إلا ما قدّره الله له، أمّا المؤمن فإنه يؤمن إيماناً جازماً بأنَّ الله
سُبحانهُ وتعالى قد أوجدهُ على هذهِ الأرض بعد أن تكفّلَ لهُ برزقه، فتَقرُّ نفسه
وتهدأ ولا ينشغل بتحصيل رزقه عن عبادة الله مع سعيه للعمل؛
لكونه مأموراً بذلك من الله،
قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا
تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا
أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)} [الذاريات: 22، 23]
زاد المسير في علم التفسير (4/ 169)
قوله تعالى: (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ):
وفيه قولان: أحدهما: أنه
المطر، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وليث عن مجاهد، وهو قول الجمهور. والثاني: الجنّة، رواه ابن نجيح عن مجاهد.
وفي قوله: (وَما تُوعَدُونَ)
قولان: أحدهما: أنه
الخير والشر كلاهما يأتي من السماء، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وابن أبي نجيح عن
مجاهد. والثاني: الجنة، رواه ليث عن مجاهد.
أنواع الرزق
يتصوّر كثير من الناس أنَّ الرزقَ محصورٌ فقط في
المال، وهذا نوعٌ واحدٌ ضيِّقٌ من أنواع الرزق، بينما أنّ أنواع الرزق أكثر من أن
يُحصر في المال، وهي كثيرة يمكن تعدادها حتى تشمل جميع جوانب حياة الإنسان وما
يُنتفع به فيها، وما قد يسَّره الله له لتسهيل العيش في الدنيا،
ومن أنواع الرزق ما يلي:
1/ رزقُ الإيمان:
فالمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض
وعطاءٍ عظيم، ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان
ومن مميزاته أنّهُ يأتي دوماً بالخير، فالإيمان
رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة.
قال الله _تعالى_:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ
إِيمَانًا } [الأنفال: 2]
2/ رزقُ العِلم والفقه والحِكمة:
فالعِلم هو ميراث الأنبياء، وكذلك الحِكمة هيَ عطاء
عظيم؛ لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيراً كثيراً، وكذلك الفقه
والفهم هوَ رزق واسِع؛ لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفقّههُ في الدين.
ففي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (4/ 562)
(رقم: 2325):
قَالَ رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:
"إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:
* عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا
وَعِلْمًا: فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ،
وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ
المَنَازِلِ،
* وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا،
وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا:
فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّ
لِي مَالًا، لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ)،
فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ،
* وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا،
وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا:
فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا
يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ
فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ،
* وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ
مَالًا وَلَا عِلْمًا:
فَهُوَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّ لِي مَالًا، لَعَمِلْتُ
فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ)،
فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ."
صحيح لغيره: صحيح الترغيب والترهيب (1/ 520) (رقم: 869)
3/ رِزق الصحّة والعافية:
الصحة هيَ نعمةٌ ورزقٌ لا يملكها كثيرٌ من الناس،
ومن كانَ مُعافىً في بدنه فكأنّهُ قد ملكَ الدُنيا بأسرها، فليست نعمةٌ في الدنيا
-بعدَ الإيمان بالله- تعدلُ نعمة الصحة والعافية.
ففي "صحيح البخاري" (8/ 88) (رقم: 6412):
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_،
قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ."
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 22)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، فَشَكَى إِلَيْهِ ضِيقًا مِنْ حَالِهِ وَمَعَاشِهِ،
وَاغْتِمَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ،
* فَقَالَ لَهُ يُونُسُ:
أَيَسُرُّكَ بِبَصَرِكَ هَذَا الَّذِي تُبْصِرُ
بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
* قَالَ: فَسَمْعُكَ
الَّذِي تَسْمَعُ بِهِ يَسُرُّكَ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
* قَالَ: فَلِسَانُكَ
الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
* قَالَ: فَفُؤَادُكَ
الَّذِي تَعْقِلُ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
* قَالَ: فَيَدَاكَ
يَسُرُّكَ بِهِمَا مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا؟
* قَالَ: فَرِجْلَاكَ؟
قَالَ: فَذَكَّرَهُ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُونُسُ، قَالَ:
أَرَى لَكَ مِئِينَ أُلُوفًا، وَأَنْتَ تَشْكُو الْحَاجَةَ "
4/ رِزق المال:
وهوَ رزقٌ يعتاش منهُ الإنسان، ويقضي بهِ حوائجه،
وينتفع بهِ هو وأهله.
5/ رزق الزوجة الصالحة:
فإن الزوجة الصالحة من الرزق الذي يهبه الله
لعباده، وبذلك جاءت الإشارة النبويّة؛ حيث صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
أنّه قال: (الدُّنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ) [م س ق].
6/ رِزق الذُريّة الصالحة:
رزقُ الذريّة الصالحة من خير ما يتحصّل عليه
الإنسان في الدنيا؛ لأنَّ الذريّة الشقيّة تُشقي صاحبها وتُشقي المُجتمعات،
بينما الذريّة الطيّبة تَسعد
بها أنت ومن حولك، وهي قُرّةُ عين ومصدر للسعادة. رزق محبّة الناس لك: فالإنسان
القريب من الناس والمألوف عندهم هوَ شخصٌ محظوظ قد ألقى الله لهُ القَبول في الأرض
وبين عباده،
فكم من شخصٍ ذائع الصيت بكرمِ أخلاقه وحُسن سُمعته!
وكم من شخصٍ منبوذ بين الناس مُحتقَر عندهم بغيض إلى قُلوبهم!
كيفية جلب الرّزق سبق أن أُشير في مطلع المقالة أن
العبد المسلم لا ينبغي عليه أن يركن للراحة إنْ عَلِم أنّ رزقه متحقّقٌ بوعد الله
سبحانه وتعالى، بل يجب عليه أن يكون متوكلاً لا متواكلاً،
ومن المعلوم أنّ الناس يتفاوتون في الرزق المادي
الذي يسعى لتحصيله الناس بالعمل ويُعبَّر عنه بالقوت حيث إن الله يوسِّع على بعض
عباده في الرزق ويُضيّق على آخرين لحكمةٍ عنده جلَّ وعلا، فإن كان المسلم ميسور
الحال ثم ضاق الرزق عليه فقد شرّع الإسلام بعضاً من الأمور التي ينبغي أن يقوم بها
المسلم كي يُوسِّع الله عليه،
فربما مُنع الرزق بذنبٍ ارتكبه أو فعلٍ قام به، ومن
تلك الأعمال ما يلي:
الإيمان بأن الرزق مقدّر:
أن يؤمن المسلم ويعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الرزق
من عند الله؛ يُعطيه من يشاء ويمنعه عمّن يشاء، كما ينبغي على المؤمن أن يدرك أنّه
يوجد سبب أدّى إلى إبطاء الرزق عنه بعد إنْ كان مُنعّماً، أو على الأقل مكتفياً
بما يأتيه من رزق،
فيسعى إلى إيجاد ذلك السبب وإزالته ليعود إليه
رزقه، وقد أُشير إلى أنّ لكل إنسانٍ رزقه، وهذا مما ينبغي الإيمان به والتصديق
الجازم بحقيقته، ويشير إلى ذلك ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح
قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ،
نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا،
قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرِّزقُ؟ فما
الأجلُ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ)،[٩]
الابتعاد عن الذنوب والمعاصي:
تُعتبر المعاصي والذُّنوبِ والآثام من أهم الأسباب
التي تؤدّي إلى منع الرزق وتأخيره عن عباد الله، فإنْ كان ذلك هو السبب الحقيقي
وراء منع الرزق عن المسلم وإبطاءه عنه فإنّه يجب عليه إزالة مسببات منع الرزق
بالاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن تاب من تلك الذنوب عاد رزقه كما
كان يأتيه، وبارك الله له فيه، ويُدلّل على ذلك ما يرويه ثوبانَ مولى رسولِ الله
عن الرَّسولِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنَّه قال: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ
الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه) [ق: ضعيف]
سنن ابن ماجه (2/ 1332) (4019):
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ
أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:
* لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ
قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا
فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي
أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا،
* وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا
بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ،
* وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ
أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا
الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا،
* وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ
رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ،
* وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ
بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا
جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ "
أمّا إن استمرّ العبد على معصيته بزعم أن الله
يرزقه، بل إن رزقه زاد مع عصيانه، فذلك دليلٌ على بُعده عن الله، وأنّ الله يُملي
له ليُعذّبه، ثمّ إنّ رزقه سيأتيه منزوع البركة لا خير فيه؛ فلا نفع لعصيانه
لخالقه،
ومن أهمّ الذنوب والمعاصي التي تُسبّب منع الرزق
وإبطاءه على المسلم هي الزنا وما يُقرِّب إليه والفحش في القول أو العمل،
وقد أشار الحديث تخصيصاً إلى أن الزنا يدعو إلى
الفقر في حين إنّه يدلُّ ضمناً على أن أي عملٍ يؤدي إلى تلك الكبيرة يكون سبباً في
منع الرزق، فيجب الامتناع عن الوسائل المفضية للزنا كما ينبغي الامتناع عن فعل
الزنا ذاته.[١٣]
صلة الرَّحم تجلب الرزق:
يُعتبر قطع الأرحام من الأعمال التي تؤدّي إلى منع
الرزق، فينبغي على الإنسان إذا انقطع رزقه أو نَقُص أن يصل رحمه ويبرّها، وإن كان
باراً بها فعليه أن يستمرّ على ذلك حتى يُبارك الله له في رزقه، فقد روى ابن حبان
أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن أحَبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقِه
ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه)،
فإن قطيعة الرحم تؤدي إلى منع الرزق عن المسلم أو
أنها تؤخره عنه، أو تنزع البركة منه.
الصدقة تجلب الرزق الصدقة من أهم الأبواب التي تؤدي
إلى جلب الرزق وتكثيره وتنميته؛ حيث إنّ الذي يتصدق بماله على المستحقين للصدقة
موعودٌ بأن يكثَّر ماله ويُبارك له فيه، وقد يزرقه الله بديل ما تصدَّق به في
الدنيا ثم يأجره عليه في الآخرة، أو ربما يؤخّر الله الأجر له ويدخّره إلى يوم
القيامة، وقد روي عن علي بن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- ما يدلُّ على ذلك حيث
روي أنه قال: (اجتمع عليُّ بنُ أبي طالبٍ وأبو بكرٍ وعمرُ وأبو عبيدةَ بنُ
الجرَّاحِ فتمارَوْا في أشياءَ، فقال لهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ: انطلِقوا بنا إلى
رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نسألُه، فلمَّا وقفوا على النَّبيِّ عليه
السَّلامُ قالوا: يا رسولَ اللهِ جِئنا نسألُك، قال: إن شئتم سألتموني وإن شئتم
أخبرتُكم بما جئتم له، قالوا أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، قال: جئتم تسألوني عن
الصَّنيعةِ لمن تكونُ؟ ولا ينبغي أن تكونَ الصَّنيعةُ إلَّا لذي حسَبٍ أو دِينٍ،
وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ يجلِبُه اللهُ على العبدِ، اللهُ يجلبُه عليه
فاستنزِلوه بالصَّدقةِ، وجئتم تسألوني عن جهادِ الضَّعيفِ، وجهادُ الضَّعيفِ
الحجُّ والعمرةُ، وجئتم تسألوني عن جهادِ المرأةِ، وجهادُ المرأةِ حُسنُ التَّبعُّلِ
لزوجِها، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ من أين يأتي وكيف يأتي، أبَى اللهُ أن يرزُقَ
عبدَه المؤمنَ إلَّا من حيث لا يحتسِبُ).
طرق الرزق الحلال:
1/ عمل اليد:
جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ
اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ)،[خ]
وعمل اليد ينقسم إلى قسمين:
* الصناعة: ويقصد
به ما يصنع بشكل يدوي مثل النجارة والحدادة وغيرها، وكان سيدنا داوود عليه السلام
يعمل في الحدادة كما امتن الله عليه في سورة الأنبياء، إذا قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ
صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ
شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80]
* الزراعة:
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الزراعة هي أفضل وجوه الكسب؛ لأنه الأفضل للقلب حتى
يتوكلٌ على الله، وهي كذلك داخلة في عمل اليد.
وجاء في الحديث الشريف: (ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ
غَرْسًا، إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً، وما سُرِقَ منه له صَدَقَةٌ، وما
أكَلَ السَّبُعُ منه فَهو له صَدَقَةٌ، وما أكَلَتِ الطَّيْرُ فَهو له صَدَقَةٌ،
ولا يَرْزَؤُهُ أحَدٌ إلَّا كانَ له صَدَقَةٌ).[خ م]
* التجارة:
التجارة شأنها عظيم، وقد ندب إليها الإسلام، وعظم
من شأنها، وأثنى على أهلها المتقين الذين استقاموا وحافظوا على ما أوجب الله،
وابتعدوا عما حرم الله، والتجارة من أهم أعمال المسلمين ومن أهم طرق الكسب، وهي
عمل المهاجرين، لما هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة في عهد النبي عليه الصلاة
والسلام اشتغلوا بالتجارة.
ويدخل في التجارة أنواع كثيرة:
منها: الشركات بمختلف أنواعها مثل شركات المضاربة
والأبدان وغيره. تداول الأسهم. تجارة المواشي (رعي الغنم).
* الإجارة:
والإجارة هي بيع المنافع، وبالتالي فهي تنقسم قسمين:
إجارة الأعمال: وهي التي تعقد على عمل معلوم
كبناءٍ وخياطةِ قميص، وهي تشبه ما يعرف في زماننا بالوظيفة، مع فروق بينهما تجدها
عند الفقهاء. إجارة المنافع: وهي كتأجير المنازل
والشقق والسيارات وغير ذلك،
وهي باب واسع لمن رزقه الله منافع يستطيع تأجيرها.
* الجعالة: هي
ما يجعل للإنسان على فعل شيء أو ما يُعْطاه الإنسان على أمر يفعله، وتسمى عند
القانونيين: الوعد بالجائزة (مكافأة).
ومن الأمثلة على الجعالة: ما يأخذه بعض أئمة
المساجد أو بعض طلاب المنح ويسمى مكافأة. ما يأخذه
بعض الرقاة أو الأطباء على العلاج. المكافآت التي ترصد للبحث عن الأغراض المفقودة.
الوساطة أو ما يعرف بـ"السمسرة".
أسباب زيادة الرزق:
وبيَّن القرآن والسنة الأسباب: التي تزيد من رزق
الإنسان من علم الله تعالى الأزلي لهذا الرزق، من ذلك: هناك من الأسباب المشروعة
لزيادة الرزق ما يحسن أن نشير إليه وننبه عليه؛ أخذًا بالأسباب الشرعية، وحذرًا من
الابتداع في الدين والمزايدة بغير دليل، فمن ذلك:
أولًا: الاستغفار:
قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10- 12].
ثانيًا: صلة
الرحم: لما روى البخاري (2067) ومسلم (2557) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ
وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» )).
قال النووي رحمه الله: بَسْطُ الرِّزْق: تَوْسِيعه
وَكَثْرَته، وَقِيلَ: الْبَرَكَة فِيهِ؛ انتهى.
ثالثًا: كثرة
الصدقة: فقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]. وروى مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( «مَا
نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» )).
قال النووي رحمه الله: ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدهما مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَك فِيهِ، وَيَدْفَع عَنْهُ الْمَضَرَّات،
فَيَنْجَبِر نَقْص الصُّورَة بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة، وَهَذَا مُدْرَك
بِالْحِسِّ وَالْعَادَة، وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَته كَانَ فِي
الثَّوَاب الْمُرَتَّب عَلَيْهِ جَبْرًا لِنَقْصِهِ وَزِيَادَة إِلَى أَضْعَاف
كَثِيرَة؛ انتهى.
رابعًا: تقوى
الله عز وجل: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].
خامسًا: الإكثارُ
من الحج والعمرة والمتابعة بينهما: لما روى الترمذي (810) عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((
«تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ
وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»
))؛ صححه الألباني.
سادسًا: الدعاء:
لما روى ابن ماجه (925) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: ((
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا
مُتَقَبَّلًا» ))؛ (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه) .
سابعًا: التفرغ لعبادة الله: بمعنى وقت الصلاة
صلاة، ووقت الحج حج، ووقت الصيام صيام؛ أي: كل عبادة تُؤدَّى في وقتها، وإذا نادى
المنادي (الله أكبر) تتجه إلى الصلاة وتترك كل شيء يشغلك عنها،
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( «إن الله تعالى
يقول: يا بن آدم، تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنًى وأسدُّ فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك
شغلًا ولم أسد فقرك» ))؛ (أخرجه الترمذي (2466)، وابن ماجه (4107)، وأحمد (8681)
مختصرًا، والحاكم (3657) وصححه الألباني) .
ثامنًا: التوكل
على الله: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3]،
وعن عمر بن الخطاب رضي الله قال: قال صلى الله عليه
وسلم:
(( «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ
حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا
وَتَرُوْحُ بِطَانًا» ))؛ (أخرجه الترمذي (2344)، وابن ماجه (4164)، وأحمد (205)
واللفظ له) .
البكور حقيقة التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله
عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكِلَة
الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع
سواه.
وتحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر
الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي
الأسباب مع أمره بالتوكُّل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكُّل بالقلب
عليه إيمان به.
تاسعًا: الخروج أول النهار: عَنْ صَخْرٍ
الْغَامِدِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ
لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ؛ أخرجه أحمد (3/ 431 رقم 15595)، والدارمي (2/ 283،
رقم 2435)، وأبو داود (3/ 35، رقم 2606)، والترمذي (3/ 517، رقم 1212) وصححه
الألباني (صحيح سنن ابن ماجه، رقم 2236).
(بكورها)؛ أَيْ: أَوَّل نَهَارِها.
في هذا الحديث فائدة عظيمة قلَّما يَعِيها الناس؛
ألا وهي أنَّ هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في الرزق لمن يُبَكِّر
إلى طلبه،
وكما هو معلوم أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
مستجاب ولا يرد؛ لذلك ينبغي على الإنسان المسلم أن يسعى ليس إلى رزقه فحسب، بل إلى
طلب العلم أو أية حاجة كانت له بعد صلاة الفجر، كما كان عليه سلفنا الصالح رضي
الله عنهم أجمعين.
البكور: هو الصباح؛ لأن الأرزاق تُقسَّم وقت الفجر
بعد الصلاة وليس وقت النوم.
عاشرًا: الصلاة:
يقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]،
أين نحن من هذا الخير العظيم يا من أثقلت عليه
الديون والهموم وقلة المال أوصيك أن تتوضَّأ ثم صلِّ وأطل في سجودك واطلب من ربك
خيري الدنيا والآخرة، إن الصلاة مفتاح لكل خير، ويبارك الله لك في الرزق
الحلال.
الحادي عشر:
الهجرة
بعض الناس له سنين في نفس المدينة وحاله كما هو،
أنصحك أن تُغيِّر المدينة التي أنت فيها، لعل الله يفتح عليك في الرزق في مكان
آخر،
وكم من إنسان حاله كان ضيق المعيشة في بلده وانتقل
إلى بلد آخر ففتح الله عليه الرزق، يقول الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء:
100].
وبالجملة فالطاعات كلها سبب لزيادة الأرزاق والبركة
فيها.
خلاصة المقال:
مفاتيح الرزق: أولًا: تقوى
الله تبارك وتعالى. ثانيًا: التوبة والاستغفار. ثالثًا: بر الوالدين وصِلة الرحم. رابعًا: الإنفاق في سبيل الله. خامسًا:
الإحسان إلى الضعفاء. سادسًا: استحضار القلب في العبادات. سابعًا: شكر الله على النعم الموجودة. ثامنًا: الزواج. تاسعًا: التوكُّل
على الله. عاشرًا: الاستغفار.
هذه مفاتيح والله هو الغني الفتَّاح العليم مالك
الملك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ
تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:
26].
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ
يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}
[الذاريات: 56 - 58].
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ
وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21].
Komentar
Posting Komentar