شرح الحديث 81 (باب آداب قضاء الحاجة) م بلوغ المرام
81 - وَعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا تَغَوَّطَ
الرَّجُلَانِ، فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا
يَتَحَدَّثَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ،
وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَهُوَ مَعْلُوْلٌ. |
ترجمة جابر بن عبد الله _رضي
الله عنهما_:
وفي "الأعلام"
للزركلي (2/ 104):
"جابِر بن
عبد الله (16 ق هـ - 78 هـ = 607 - 697 م)
جابر بن عبد الله بن عمرو بن
حرام الخزرجي الأنصاري السملي: صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلّى الله
عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة. له ولأبيه صحبة.
غزا تسع عشرة غزوة. وكانت له
في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم.
روى له البخاري ومسلم وغيرهما
1540 حديثا. وله (مسند - خ) مما رواه أبو عَبْد الرَّحْمن. عبد الله بن الإمام
أحمد بن محمد بن حنبل. والنسخة قديمة نفسية، في خزانة الرباط، الرقم 221 كتاني
تخريج
الحديث:
قال ابن الجوزي في "جامع
الأحاديث" (2/ 484) (رقم: 1647)، بترقيم الشاملة:
إذا تغوط الرجلانِ فليتوارَ
كلٌّ منهما عن صاحبِهِ (ابن السكن عن جابر وصححه هو وابن القطان)
عزاه ابن القطان فى "الوهم والإيهام" (5/260) لابن السكن وصححه.
وقال ابن الملقن فى "تحفة
المحتاج" (1/164) : رواه ابن السكن فى كتابه المسمى بـ"السنن الصحاح المأثورة"
وقال فى غيره: أرجو أن يكون
صحيحًا، وصححه ابن القطان. قال الشوكانى فى نيل الأوطار (1/91) : أخرجه ابن السكن
وصححه، وابن القطان من حديث جابر مرفوعًا، وقال الحافظ ابن حجر: وهو معلول.
ومن غريب الحديث:
"فليتوارَ": فليستخفِ عن صاحبه ولا يراه." اهـ
والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة
وشيء من فقهها وفوائدها" (7/ 321) (رقم: 3120)
من
فوائد الحديث:
وقال البسام في "توضيح
الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 339_340):
"ما يؤخذ
من الحديث:
1 - ذكر الرجلين
-تغليبًا- وإِلاَّ فالحكم يشمل الرِّجال والنِّساء، وهو في حقِّهنَّ أشدُّ وأعظم.
2 - وجوبُ
التواري عند إرادة قضاء الحاجة، ولا يَحِلُّ أمامَ النَّاس بحيث يَرَوْنَ عورته.
3 - يحرم
التحدُّثُ أثناء قضاء الحاجة مع الغير؛ لما فيه من الدناءة، وقلَّة الحياء، وضياع
المروءة؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر أنَّ رجلاً مرَّ على النَّبي -صلى الله عليه
وسلم- فسلَّم عليه، فلم يَرُدَّ عليه.
4 - تحريمُ هذه
الأمور مأخوذٌ من أنَّ الله يمقُتُ على ذلك، فالمقتُ أشدُّ من البغض، والله تعالى
لا يبغض إلاَّ على الأعمال السيئة، والتحريمُ هو الظَّاهر من الحديث، ولكن مذهب
الجمهور أنَّه محمولٌ على الكراهة فقط.
5 - إثباتُ صفة
البغض لله تعالى إثباتًا حقيقيًّا يليق بجلاله بدون تشبيهٍ بصفة المخلوقين، ولا
تحريفٍ بتفسير البغض بالعقاب.
6 - هكذا صفاتُ
الله تعالى يُسْلَكُ فيها مسلك أهل السنَّة والجماعة؛ فهو أسلم___من التعدِّي على
كلام الله تعالى وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم - بالتشبيه، أو بالتحريف
والتَّأويل، الذي لا يستندُ إلى دليل.
ومسلكهم أسلَمُ؛ لأنَّ علم
كيفيَّة صفات الله تعالى مبنيةٌ على النَّقْل، لا على العقل المتناقض، ومسلكُهُمْ
أحكَمُ؛ لأنَّ الأمور السمعية الغيبية الحكمةُ فيها أنْ يتلقَّاها الإنسان على ما
وردَتْ بدون تغيير؛ فهذا منتهى علم الإنسان فيها، فطريقة السلف أعلم وأحكم بشرطين:
الأوَّل: أنْ يتجنَّب التمثيل
والتشبيه؛ فالله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
(11)} [الشورى].
الثاني: اجتنابُ التكييف؛ فلا
يعتقد أنَّ كيفيَّة صفةِ الله كذا.
فمن آمن بصفاتِ الله تعالى
على ما وصَفَ به نفسه أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وجَانَبَ التشبيه والتكييف،
فقد حصلت له السَّلامةُ والعلمُ والحكمة، ذلِكَ أنَّه لن يصلَ إلى نتيجة، ومآله
إمَّا إلى تعطيل الصفة وهو إنكارُها، أو إلى نتيجةِ التشبيه، وكلاهما ضلال.
وقال العثيمين في "فتح
ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 294_295):
"في هذا
الحديث فوائد:
منها: أن الدين الإسلامي دين الأدب والخلق الرفيع؛ لأن هذه الحالة
التي ذكرت في الحديث لا شك أنها مخالفة للأدب؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عنها.
ومن فوائد هذا
الحديث: أنه إذا
أراد الرجلان أن يتغوطا فإن السنة أن يبتعد كل واحد منهما عن الآخر حتى لا يراه
فضلا عن كونه يرى عورته.___
ومن فوائد هذا
الحديث: النهي عن
التحدث على قضاء الحاجة حتى، وإن كان أحدهما لا يرى الآخر كما لو كانا في مرحاضين
متجاورين بينهما جدار قصير، فصار كل واحد منهما يحدث الآخر.
ومن فوائد هذا
الحديث: إثبات المقت
لله؛ أي: إثبات وقوع المقت من الله، وهو أشد البغض وقد ثبتت هذه الصفة - أعني:
البغض- بوصف المقت وبوصف البغض أيضا، فجاءت في السنة بلفظ البغض، وجاءت في القرآن
بلفظ المقت، قال الله تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف:
2].
وأخبر الرسول - عليه الصلاة
والسلام-: "إن الله يبغض من الرجال البذيء". وهذا يدل على ثبوت هذه
الصفة لله عز وجل شديدة وخفيفة: خفيفة في البغض، وشديدة في المقت.
- فما معنى
البغض المضاف إلى الله عز وجل، أو المقت؟
نقول: أما أهل السنة والجماعة
فيقولون: إنه حقيقة أن الله يبغض ويحب حقيقة؛ لأن هذا ما جاءت به النصوص وهذا أمر
غيبي، والأمر الغيبي يجب على الإنسان أن يصدق به على ظاهره،
وأما عند أهل التأويل
والتعطيل فيقولون: لا، إن الله لا يبغض ولا يمقت، وإنما المراد بالبغض والمقت:
العذاب والانتقام،
ولا شك أن هذا تحريف للكلم عن
مواضعه؛ لأن الانتقام والعقوبة غير البغض ولكنها من لازم البغض، فإذا أبغض الله
الإنسان عاقبه وليست هي البغض،
وما المانع من أن تقول: إن
الله يبغض الشيء، أو يمقت على الشيء على وجه الحقيقة؟ لا مانع،
فإذا كان لا مانع وجب علينا
أن نصدق به، وألا نحرف الكلم عن مواضعه، وهذا يقال في وصف العجب، والرضا والمحبة،
والكراهة، السخط، يقال فيها كما نقول في البغض، يجب إثبات هذه الصفة لله عز وجل
على وجه الحقيقة.
ولكن هل يكون بغضه كبغض
المخلوقين؟ لا، لماذا؟ لأن لدينا قاعدة عامة محكمة وهي قوله تعالى: {ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. فجميع صفاته - تبارك وتعالى- ونعوته لا يمكن أن
تماثل صفات المخلوقين ونعوتهم.
ومن فوائد هذا
الحديث: تحريم هذه
الهيئة، وهي أن يجتمع اثنان يقضيان حاجتيهما ويتحدثان، بل لو شاء لقلنا: إنه من
كبائر الذنوب؛ لأنه رتب عليه الوعيد، وإذا رتب عليه الوعيد فقد ذكر العلماء -
رحمهم الله- أن كل ذنب ختم بوعيد فهو من كبائر الذنوب." اهـ
وقال العثيمين في "الشرح
الممتع على زاد المستقنع" (1/ 119):
"فالحاصل:
أنه لا ينبغي أن يتكلَّم حال قضاء الحاجة، إلا لحاجة كما قال الفقهاء رحمهم الله،
كأن يُرشِدَ أحداً، أو كلَّمه أحد لا بدَّ أن يردَّ عليه، أو كان له حاجة في شخص
وخاف أن ينصرف، أو طلب ماء ليستنجي، فلا بأس." اهـ
الإحكام شرح أصول الأحكام
لابن قاسم (1/ 32):
والحديث دال على أن تكلم
الاثنين حال التغوط ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه ويتحدثان كأنهما في مجلس مسامرة
من الفعل الشنيع الموجب لمقت الله -عز وجل-،
والتعليل بمقت الله يدل على
تأكد حرمة الفعل المعلل ووجوب اجتنابه. وأما تكلم الواحد للضرورة كإنقاذ أعمى أو
إرشاد ضال. أو طلب حاجة. للاستنجاء مثلاً فلا بأس بذلك.
ويأتي أنه - - صلى الله عليه
وسلم - كلم ابن مسعود عندما أتاه بالروثة والحجرين وبال قائمًا فتنحي عنه فقال
أدنه فدنا حتى قام عند عقبه.
شرح بلوغ المرام لعطية سالم
(27/ 22) بترقيم الشاملة:
(فإن الله يمقت)
والمقت: شدة الغضب، فهذا النهي مصحوب بالتوعد بالعقوبة، وبعض العلماء يقول: إن من
علامات الكبائر أن يأتي المنهي عنه مصحوباً بعقوبة شديدة عليه، ولذا أكد كثير من
العلماء بأن هذا من الكبائر، وبعض الناس يقول: إنه من المكروهات ومن الآداب في
قضية التخلي، ولكن إذا كان هناك نهي فلا يتحدث، وهناك ترتيب عقوبة: (فإن الله يمقت
على ذلك) ، وهذا يدل على شيء أكبر من مجرد الكراهية، إلا إذا قلنا على بعض اصطلاح
الفقهاء: كراهة تنزيه، وكراهة تحريم، فيكون هذا من المكروه كراهة التحريم.
سبل السلام (1/ 111)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى
وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّهْيِ عَنْ التَّحَدُّثِ حَالَ قَضَاءِ
الْحَاجَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَتَعْلِيلُهُ بِمَقْتِ اللَّهِ
عَلَيْهِ، أَيْ شِدَّةِ بُغْضِهِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي بَيَانِ
التَّحْرِيمِ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إجْمَاعًا،
وَأَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، فَإِنْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَإِنَّ
الْأَصْلَ هُوَ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ تَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- رَدَّ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ ذَلِكَ؛ فَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ
إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ": «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» .
نيل الأوطار (1/ 100)
وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى
وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِمَقْتِ
اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ وَوُجُوبِ
اجْتِنَابه؛ لِأَنَّ الْمَقْتَ هُوَ الْبُغْضُ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَرُوِيَ
أَنَّهُ أَشَدَّ الْبُغْضِ، وَقِيلَ: إنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْحَالِ
مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ
الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُحَرَّمً فِي هَذِهِ الْحَالَة،
ذَكَره الْإِمَام الْمَهْدِيُّ فِي الْغَيْث، فَإِنْ صَلَحَ الْإِجْمَاعُ صَلَحَ
لِلصَّرْفِ عِنْد الْقَائِل بِحُجِّيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ يُبْعِد حَمْل النَّهْي
عَلَى الْكَرَاهَةِ رَبَطَهُ بِتِلْكَ الْعِلَّة.
Komentar
Posting Komentar