شرح الحديث 23 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين

 

[123] السابع: عَنْهُ، عن النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_، قَالَ:

«مَنْ غَدَا إِلَى المسْجِد أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 «النُّزُلُ»: القوتُ والرزقُ وما يُهيأُ للضيف.

 

ترجمة أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:

 

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :

"وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:

"قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت:

روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْهُ، عن النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_، قَالَ:

«مَنْ غَدَا إِلَى المسْجِد أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً، كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

قال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 402):

"النزل: مَا يهيأ للنزيل، والنزيل: الضَّيْف." اهـ

 

وقال أبو العباس القرطبي _رحمه الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (6/ 80):

"وقوله: (من غدا إلى المسجد، أو راح، أعد الله له نزلاً في الجنة)،

أصل (غدا): خرج بغُدُوٍّ؛ أي: مبكِّرًا. و(راح): رجع بعَشِيٍّ. ثم قد يستعملان في الخروج والرجوع مطلقًا توسعًا.

وهذا الحديث يصلح أن يُحْمَلَ على الأصل، وعلى التوسع به، والله أعلم." اهـ

 

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 148):

"هَكَذَا لِلْأَكْثَرِ مُوَافِقًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ فِي الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ: (خَرَجَ) بَدَلَ (غَدَا)، وَلَهُ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ بِلَفْظِ: (مَنْ يَخْرُجُ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ.

وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِـ(الْغُدُوِّ): الذَّهَابُ، وَبِـ(الرَّوَاحِ): الرُّجُوعُ.

وَالْأَصْلُ فِي (الْغُدُوِّ): الْمُضِيُّ مِنْ بُكْرَةِ النَّهَارِ، وَ(الرَّوَاح) بَعْدَ الزَّوَالِ، ثُمَّ قَدْ يُسْتَعْمَلَانِ فِي كُلِّ ذَهَابٍ وَرُجُوعٍ تَوَسُّعًا." اهـ

 

أحمد بن إسماعيل الكوراني الحنفي (المتوفى 893 هـ) _رحمه الله_ في "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري" (2/ 310):

"والظاهر: أن المراد الأوقات كلها، لأن الذهاب بالليل أشق.

ونظيره في إرادة الدوام قوله _تعالى_: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62]." اهـ

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (1/ 391):

"فَأَمَّا لَفْظَةُ (الرَّوَاحِ)، فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيِّ بَعْدَ الزَّوَالِ،

وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَكْثَرِ إِذَا قُرِنَتْ بِالْغُدُوِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12]،

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلًا فِي الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». وَقَوْلُ الشَّاعِرِ.

نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا ... وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي.

وَقَدْ يُطْلَقُ الرَّوَاحُ بِمَعْنَى الذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيءُ إِذَا كَانَتْ مُجَرَّدَةً عَنِ الِاقْتِرَانِ بِالْغُدُوِّ.

وَقَالَ الأزهري فِي " التَّهْذِيبِ ": سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَسْتَعْمِلُ الرَّوَاحَ فِي السَّيْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، يُقَالُ: رَاحَ الْقَوْمُ إِذَا سَارُوا، وَغَدَوْا كَذَلِكَ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ: تَرَوَّحْ، وَيُخَاطِبُ أَصْحَابَهُ فَيَقُولُ: رُوحُوا أَيْ سِيرُوا،

وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَلَا تَرُوحُونَ؟ وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالْخِفَّةِ إِلَيْهَا لَا بِمَعْنَى الرَّوَاحِ بِالْعَشِيِّ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 133) (رقم: 662)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 463/ 285) (رقم: 669)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 115) (رقم: 34611)، وأحمد في "المسند" - عالم الكتب (2/ 509) (رقم: 10608)، وأحمد بن حنبل في "الزهد" (ص: 7) (رقم: 2)، وابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 376) (رقم: 1496)، وأبو عوانة في "المستخرج" (1/ 316) (رقم: 1121)، والسَّرَّاجُ في "مسنده" (ص: 380) (رقم: 1235)، وابن حبان في "صحيحه" (5/ 385) (رقم: 2037)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (3/ 229)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 88) (رقم: 4970)، وفي "السنن الصغير" (1/ 185) (رقم: 473)، و"شعب الإيمان" (4/ 349) (رقم: 2621)، والخطيب في "تلخيص المتشابه في الرسم" (1/ 100).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1093) (رقم: 6399)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (3/ 442) (رقم: 2035)، و"الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب" (1/ 501)، و"تمام المنة في التعليق على فقه السنة" (ص: 291)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 246) (رقم: 314).

 

من فوائد الحديث:

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 106):

"في هذا الحديث: فضل المشي إلى صلاة الجماعة في المسجد." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 615):

"وفي الحديث: فضل إتيان المساجد للصلاة، والعبادة، والعلم، والذكر.

قال بعض العلماء: عادة الناس تقديم طعام لمن دخل بيتهم، والمسجد بيت الله تعالى فمن دخله أيّ وقتٍ كان من ليلٍ أو نهارٍ أعطاه الله تعالى أجره من الجنة، لأنه أكرم الأكرمين، ولا يضيع أجر المحسنين." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 167_168):

"وظاهر الحديث: أن من غدا إلى المسجد أو راح، سواء غداء للصلاة،___أو لطلب علم، أو لغير ذلك من مقاصد الخير، أن الله يكتب له الجنة نزلاً.

والنزل: ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام، أي: أن الله تعالى يعد لهذا الرجل الذي ذهب إلى المسجد صباحاً أو مساءً، يعد له في الجنة نزلاً إكراماً له." اهـ

 

وفي "فتح الباري" لابن رجب (6/ 54):

"وذكر مَالِك فِي ((الموطأ)) عَن سمي مَوْلَى أَبِي بَكْر، أن أبا بَكْر بْن عَبْد الرحمن كَانَ يَقُول:

(من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره؛ ليعلّم خيراً أو يتعلمه، ثُمَّ رجع إلى بيته؛ كَانَ كالمجاهد فِي سبيل الله)." اهـ

 

وفي "مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه" (4/ 353) للإثيوبي:

"قال الجامع -عفا الله عنه-: يؤيّد الإطلاقَ حديثُ أبي أمامة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

(من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلّم خيرًا، أو يُعلّمه، كان له أجر معتمر تامّ العمرة. فمن راح إلى المسجد لا يريد، إلا ليتعلّم خيرًا، أو يعلّمه، فله أجْرُ حاجٍّ تامِّ الْحَجَّةِ). رواه الحاكم، وصححه، ووافقه الذهبيّ. والله تعالى أعلم." اهـ

 

ففي "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (1/ 169) (رقم: 311):

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامِّ الْعُمْرَةِ، فَمَنْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ فَلَهُ أَجْرُ حَاجٍّ تَامِّ الْحِجَّةِ»

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 94) (رقم: 7473)، وفي "مسند الشاميين" (1/ 238) (رقم: 423)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/ 439) (رقم: 785)، وتَمَّام الرازي في "الفوائد" (2/ 257) (رقم: 1680)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (6/ 97)، والبيهقي في "الآداب" (ص: 347) (رقم: 860)، وفي "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 263) (رقم: 370).

والحديث حسن صحيح: صرح بذلك الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 145) (رقم: 86)

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 168):

"ففي هذا الحديث: إثبات هذا الجزاء العظيم لمن ذهب إلى المسجد أو النهار أو آخره.

وفيه: بيان فضل الله _عز وجل_ على العبد، حيث يعطيه على مثل هذه الأعمال اليسيرة هذا الثواب الجزيل." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 61):

"هذه من فضائل المشي إلى المساجد، ومن فضائلها أيضا أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة." اهـ

 

وقال زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ) _رحمه الله_ في كتابه "فتح الباري" (6/ 53):

"من خرج إلى المسجد للصلاة، فإنه زائر الله _تعالى_، والله يعد لَهُ نزلاً من المسجد، كُلَّمَا انطلق إلى المسجد، سواء كَانَ فِي أول النهار أو فِي آخره.

والنزل: هُوَ مَا يعد للضيف عِنْدَ نزوله من الكرامة والتحفة." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (14/ 403_404):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل التردّد إلى المسجد كلَّ غدوّ ورواح.

2 - (ومنها): بيان سعة فضل اللَّه تعالى وكرمِهِ لأهل طاعته، حيث يُكرمهم ويُعدّ لهم {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 32]،

والنزل: هُوَ مَا يُعَدُّ للضيف عِنْدَ نزوله من الكرامة والتُّحْفَة.

3 - (ومنها): أنه يدلّ على أن من خرج إلى المسجد للصلاة، فإنه زائر اللَّه تعالى، واللَّه يُعِدّ لَهُ نُزُلًا من المسجد، كُلَّمَا انطلق إلى المسجد، سواء كَانَ فِي أول النهار أو فِي آخره.

قَالَ الحافظ أبو موسى المديني: وزيد فِيهِ فِي غيره هذه الرواية: "كما لَوْ أن أحدكم زاره مَن يُحِبّ زيارته، لاجتهد فِي إكرامه".

وأخرج من طريق الطبراني بإسناده، عَن سَعِيد بْن زَرْبِي، عَن ثابت، عَن أَبِي عُثْمَان، عَن سلمان، عَن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ:

"من توضأ، فأحسن الوضوء، ثُمَّ أتى المسجد، فهو زائر اللَّه، وحَقّ عَلَى المزور أن يكرم الزائر." [رواه الطبرانيّ في "المعجم الكبير" (6/ 253 – 254)، وصححه الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. راجع: "السلسلة الصحيحة" (3/ 157)]

قَالَ أبو موسى: ورواه سُلَيْمَان التيميّ وداود بْن أَبِي هند وعوف، عَن أَبِي عُثْمَان، عَن سلمان، موقوفًا، لا مرفوعًا.

وسعيد بن زَرْبِي، فِيهِ ضعف، بل في "التقريب": منكر الحديث.[1]___

وأخرج -أيضًا- من طريق الطبراني بإسناده، عَن يَحْيَى بْن الحارث، عَن الْقَاسِم، عَن أَبِي أمامة، قَالَ:

قَالَ رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الغدوُّ والرواح إلى المساجد من الجهاد فِي سبيل اللَّه" ["المعجم الكبير" (6/ 255). قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللَّهُ-: موضوع. "الضعيفة" (5/ 20)].

وذكر مَالِك فِي "الموطأ" عَن سمي مَوْلَى أَبِي بَكْر، أن أبا بَكْر بْن عَبْد الرحمن كَانَ يَقُول: من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره؛ ليعلم خيرًا أو يتعلمه، ثُمَّ رجع إلى بيته؛ كَانَ كالمجاهد فِي سبيل اللَّه ["الموطأ" (ص 118)].

قال ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكره ما سبق ما نصّه:

ومما يُسْتَدلّ بِهِ عَلَى أن قصد المساجد للصلاة فيها زيارة للَّه عزَّ وجلَّ: مَا أخرجه ابن ماجه بإسنادٍ فِيهِ ضعف، من حَدِيْث أَبِي الدرداء:

عَن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ:

(إن أحسن مَا زرتم بِهِ اللَّه فِي قبوركم ومساجدكم البياض) ["سنن ابن ماجه" (3568). قال الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: موضوع]. انتهى.[2]

قال الجامع _عفا اللَّه عنه_: لكن الحديث في سنده مروان بن سالم، متروك، بل رماه الساجيّ وغيره بالوضع، وحكم بعضهم على هذا الحديث بأنه موضوع.

فما كان ينبغي لابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن يورد مثله على وجه الاستدلال، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}." اهـ

 

وقال يحيى بن هُبَيْرَة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 250):

"في هذا الحديث: أن المساجد بيوت الله _عز وجل_، وأن الوافدين إلى بيوته يقومون مقام الضيوف فيعد لهم النزل لغدوهم ورواحهم، إلا أنه من نزل تقوى به الأرواح لا الأبدان فينتقل إلى نزل الآخرة." اهـ

 

وقال المناوي في "فيض القدير" (6/ 183):

"المسجد بيت الله، فمن دخله لعبادة أي وقت، كان أعد الله له أجره لأنه أكرم الأكرمين، لا يضيع أجر المحسنين وفي قوله كلما إيماء إلى أن الكلام فيمن تعود ذلك." اهـ

 

وقال أبو الحسن علي بن خلف البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري" (2/ 285):

"فيه: الحض على شهود الجماعات، ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعد الله له نزله فى الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يُعِدُّ له ويتفضل عليه بالصلاة فى الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله _تعالى_." اهـ

 

وفي "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (6/ 457) لابن الملقن:

"وفيه: الحض على شهود الجماعات ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعد الله له نزله في الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يُعد له ويتفضل عليه بالصلاة في الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله _تعالى_." اهـ

 

وقال الحسين بن محمود الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِري" (المتوفى: 727 هـ) _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 64):

"عادة الناس أن يقدموا طعامًا إلى من دخل بيوتهم، والمسجدُ بيتُ الله، فمن دخله في أي وقت كان من ليل أو نهار، يعطيه الله أجرَه من الجنة؛ لأن الله _تعالى_ أكرمُ الأكرمين، فلا يُضِيْعُ أجرَ المحسنين.

 

وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182 هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/ 320):

"وفيه: عظم أجر من اعتاد إتيان بيوت الله للطاعة، وكَوْنُ النزل ما يعد للقادم من الضيافة أوفق لجزاء من يأتي بيت الله؛ لأن من أتى بيت رجل أضافه وأكرمه." اهـ

 

وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 592):

"فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْحَرَكَةُ سَبَبَ الْبَرَكَةِ، وَالذَّهَابُ مُوجِبُ الثَّوَابِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَابُ إِلَى الطَّاعَةِ عَلَامَةَ إِعْدَادِ اللَّهِ الْمَثُوبَةَ، فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ أَمَارَاتٌ لَا مُوجِبَاتٌ." اهـ

 

أحمد بن إسماعيل الكوراني الحنفي (المتوفى 893 هـ) _رحمه الله_ في "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري" (8/ 399):

"وظاهر الحديث: حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقًا، لكن المقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادةِ. والصلاةُ رأسها." اهـ

 

وقال حمزة بن محمد بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (2/ 131_132):

"ويستفاد منه ما يأتي:

أولاً: فضل صلاة الجماعة وما يترتب على الذهاب___إليها صباحاً أو مساءً حيث ينال الذاهب إليها في كل مرة قصراً في الجنة.

ثانياً: فضل التردد على المساجد لأي غرض ديني ولو غير الصلاة كدراسة العلم، وقراءة القرآن." اهـ

 

وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ) _رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (27/ 62_63):

"وَإِنَّمَا الْبِقَاعُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيُحِبُّ الصَّلَاةَ وَالْعِبَادَةَ فِيهَا هِيَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36]،

وَقَالَ تَعَالَى:

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]

وَسُئِلَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "أَيُّ الْبِقَاعِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟" قَالَ: (الْمَسَاجِدُ). قِيلَ: "فَأَيُّ الْبِقَاعِ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ؟" قَالَ: (الْأَسْوَاقُ)."

 

ففي "صحيح مسلم" (1/ 464/ 288) (رقم: 671):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا»

 

وقال أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الشافعي، الشهير بـ"الزَّرْكَشِيّ" (المتوفى: 794 هـ) _رحمه الله_ في "إعلام الساجد بأحكام المساجد" (ص: 304_305):

يستحب لزوم المساجد والجلوس فيها لما في ذلك من إحياءِ البقعة،___وانتظارِ الصلاةِ وفِعْلِها في أوقاتها على أكمل الأحوال." اهـ

 

المشروع والممنوع في المسجد - فالح الصغير (ص: 11):

"من أهم وظائف المسجد: أداء الصلاة فيه بالنسبة للرجال جماعةً الذي جعلها بعض أهل العلم فرضَ عينٍ على كل مسلم- أعني صلاة الجماعة-،

ومكان تأدية صلاة الجماعة هو المسجد، بل قد جعل بعضهم تأديتها في المسجد شرطًا لا تصح الصلاة، إلا به.

وهذه المسألة لا تحتاج إلى استفاضة في الأدلة، ويكفي أن نشير إلى أن الساعي إلى المسجد لأداء الصلاة ينال أجرًا عظيمًا، فكيف بالصلاة فيه." اهـ



[1] قال في "التقريب": سعيد بن زَرْبي بفتح الزاي، وسكون الراء، بعدها موحّدة مكسورة، الخزاعيّ البصريّ العبادانيّ، أبو عبيدة، أو أبو معاوية منكر الحديث من السابعة. انتهى.

[2] "فتح الباري" لابن رجب (6/ 53 – 54).

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة