شرح الحديث 126 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين
[126] العاشر: عَنْهُ: أنَّ رَسُول
الله _صلى الله عليه وسلم_، قَالَ: «بَينَما
رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ
بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ
الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ
الرَّجُلُ: "لَقَدْ
بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي."
فَنَزَلَ
البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى
الكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» قالوا: يَا رَسُول اللهِ، إنَّ
لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً؟ فقَالَ: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وفي
رواية للبخاري: «فَشَكَرَ
اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ» وفي
رواية لهما: «بَيْنَما
كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي
إسْرَائِيل، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ
لَهَا بِهِ» . «المُوقُ» :
الخف. وَ «يُطِيفُ» : يدور حول «رَكِيَّةٍ» : وَهِي البئر. |
ترجمة
أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:
اختلف فِي
اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا،
فقيل:
اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن
هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله
بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن
الأزد.
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما
كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟
فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
وذكر أَبُو
القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :
"وَقَال
عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم
سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)
قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو
الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن
علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.
وفي "تاريخ
الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت:
روي لَهُ
نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين (5370)
حديثًا. في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد
الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)."
اهـ
نص
الحديث وشرحه:
العاشر:
عَنْهُ:
أنَّ رَسُول
الله _صلى الله عليه وسلم_، قَالَ:
«بَينَما
رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ
بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ،
فَقَالَ
الرَّجُلُ:
"لَقَدْ
بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي."
فَنَزَلَ
البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى
الكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ»
قالوا: "يَا
رَسُول اللهِ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً؟" فقَالَ: «في كُلِّ كَبِدٍ
رَطْبَةٍ أجْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
[تعليق]:
أخرجه صحيح
البخاري (3/ 111 و 3/ 132 و 8/ 9) (رقم: 2363 و 2466
و 6009)، وفي الأدب المفرد (ص: 137) (رقم: 378)، ومسلم (4/ 1761/ 153) (رقم: 2244)،
سنن أبي داود (3/ 24) (رقم: 2550)، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 375 و 2/ 517) (رقم:
8874 و 10699)، موطأ مالك –ت. الأعظمي (5/ 1361) (رقم: 3435)، مستخرج أبي عوانة –
ط. دار المعرفة (3/ 367) (رقم: 5341_5342)، صحيح ابن حبان (2/ 301) (رقم: 544)، معجم
ابن المقرئ (ص: 150) (رقم: 424)، أمالي ابن بشران - الجزء الأول (ص: 307) (رقم: 706)،
السنن الكبرى للبيهقي (4/ 311 و 8/ 24) (رقم: 7806 و 15818)، السنن الصغير للبيهقي
(3/ 199) (رقم: 2919)، شعب الإيمان (5/ 62) (رقم: 3100)، الآداب للبيهقي (ص: 17)
(رقم: 34).
والحديث
صحيح:
صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها
وفوائدها" (1/ 66) (رقم: 29)، و"صحيح الأدب المفرد" (ص: 150) (رقم:
291)، و"صحيح أبي داود" - الأم (7/ 303) (رقم: 2298)، و"صحيح
الجامع الصغير وزيادته" (1/ 555) (رقم: 2873)، و"التعليقات الحسان على
صحيح ابن حبان" (2/ 37) (رقم: 545)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/
565) (رقم: 958)
* وقال النووي
_رحمه الله_ في "شرح صحيح مسلم" (14/ 241): "أَمَّا الثَّرَى
فَالتُّرَابُ النَّدِيُّ."
* قال ابن حجر
_رحمه الله_ في "فتح الباري" (1/ 278):
"قَوْلُهُ:
(فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ)، أَيْ: أَثْنَى عَلَيْهِ،
فَجَزَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَبِلَ عَمَلَهُ، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ."
اهـ
وفي
رواية للبخاري:
«فَشَكَرَ
اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ»
[تعليق]:
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (1/ 45) (رقم: 173):
حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ:
عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنَّ
رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ
خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ
اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ»
وأخرجه أحمد
في "المسند" - عالم الكتب (2/ 521) (رقم: 10752)، وابن حبان في
"صحيحه" (2/ 301) (رقم: 543). حسن صحيح: صرح بذلك الألباني _رحمه الله_
في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (2/ 37) (رقم: 544)، و"صحيح
الترغيب والترهيب" (2/ 558) (رقم: 2276)
وفي
رواية لهما:
«بَيْنَما
كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل، فَنَزَعَتْ
مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» .
«المُوقُ» :
الخف. وَ «يُطِيفُ» : يدور حول «رَكِيَّةٍ» : وَهِي البئر.
[تعليق]:
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (4/ 130 و 4/ 173) (رقم: 3321 و 3467)، ومسلم (4/ 1761/ 154_155)
(رقم: 2245)، وأحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (2/ 507 و 2/ 510) (رقم:
10583 و 10621)، والبزار في "مسنده" = البحر الزخار (15/ 257 و 17/ 309)
(رقم: 8725 و 10065)، وأبو يعلى الموصلي في "المسند" (10/ 423 و 10/ 432)
(رقم: 6035 و 6044)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 166)، وأبو عوانة
في "المستخرج" – ط. الجامعة الإسلامية (17/ 598) (رقم: 9919)، وابن حبان
في "صحيحه" (2/ 110) (رقم: 386)، والطبراني في "المعجم الأوسط"
(1/ 169) (رقم: 531)، وابن شاهين في الترغيب في "فضائل الأعمال" (ص:
148) (رقم: 516)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 24) (رقم: 15819).
والحديث
صحيح:
صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها
وفوائدها" (1/ 67) (رقم: 30)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 556) (رقم: 2876)،
تخريج مشكاة المصابيح (1/ 595) (رقم: 1902)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 556 و
2/ 764) (رقم: 2876 و 4163)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 403) (رقم: 387)
قال القسطلاني
_رحم الله_ في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (5/ 430):
"(بركية)
بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو
أو طويت أي يدور حولها (كاد يقتله العطش إذ رأته بغيّ)
بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد التحتية: امرأة
زانية." اهـ
من
فوائد الحديث :
قال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 107):
"في هذا
الحديث: فضْل الإِحسان إلى الحيوان، وأنه سبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة."
اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 173):
"إذن
نأخذ من هذه قاعدةً، وهي أن الرسول _عليه الصلاة والسلام_ إذا قص علينا قصة من بني
إسرائيل، فذلك من أجل أن نعتبر بها، وأن نأخذ منها عبرة، وهذا كما قال الله _عز
وجل_:
(لَقَدْ كَانَ
فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف: 111) ." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 173):
"فدل هذا
على أن البهائم فيها أجر. كل بهيمة أحسنت لها بسقي، أو إطعام، أو وقاية من حر، أو
وقاية من برد، سواء كانت لك أو لغيرك من بني آدم، أو كانت من السوائب،
فإن لك في ذلك
أجراً عند الله _عز وجل_، هذا وهُنَّ بهائم؛ فكيف بالآدميين؟ إذا أحسنت إلى
الآدميين، كان أشد وأكثر أجراً.
ولهذا قال
النبي _عليه الصلاة والسلام_:
(من سقى
مسلماً على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم) [ضعيف:
د ت][1]،
يعني لو كان
ولدك الصغير وقف عند البرادة، يقول لك: "أريد ماء"، وأسقيته وهو ظمآن،
فقد سقيت مسلماً على ظمأ، فإن الله يسقيك من الرحيق المختوم. أجر كثير، ولله
الحمد،
غنائم____ولكن
أين القابل لهذه الغنائم؟ أين الذي يخلص النية، ويحتسب الأجر على الله _عز وجل_؟
فأوصيك يا أخي
ونفسي لأن تحرص دائماً على اغتنام الأعمال بالنية الصالحة حتى تكون لك عند الله ذُخْراً
يوم القيامة،
فكم من عمل
صغيراً أصبح بالنية كبيراً! وكم من عمل كبير أصبح بالغفلة صغيراً!." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (5/
42):
* "وَفِي
الْحَدِيثِ: جَوَازُ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا وَبِغَيْرِ زَادٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ
فِي شَرْعِنَا مَا إِذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ
* وَفِيهِ:
الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَتِ
الْمَغْفِرَةُ بِسَبَبِ سَقْيِ الْكَلْبِ فَسَقْيُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ أَجْرًا،
*
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلْمُشْرِكِينَ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ
فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ وَكَذَا إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ
وَالْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَاسْتَوَيَا فِي الْحَاجَةِ فَالْآدَمِيُّ أَحَقُّ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (3/ 43) :
"بَيَان
استنباط الْأَحْكَام:
* الأول:
فِيهِ الْإِحْسَان إِلَى كل حَيَوَان بسقيه أَو نَحوه، وَهَذَا فِي الْحَيَوَان
الْمُحْتَرَم، وَهُوَ مَا لَا يُؤمر بقتْله وَلَا يُنَاقض، هَذَا مَا أمرنَا
بقتْله أَو أُبِيح قَتله، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا شرع لمصْلحَة راجحة، وَمَعَ ذَلِك
فقد أمرنَا بِإِحْسَان القتلة.
* الثَّانِي:
فِيهِ حُرْمَة الْإِسَاءَة إِلَيْهِ، وإثم فَاعله، فَإِنَّهُ ضد الْإِحْسَان
الْمُؤَجّر عَلَيْهِ، وَقد دخلت تِلْكَ الْمَرْأَة النَّار فِي هرة حبستها حَتَّى
مَاتَت.
* الثَّالِث:
قَالَ بعض الْمَالِكِيَّة: أَرَادَ البُخَارِيّ بإيراد هَذَا الحَدِيث طَهَارَة
سُؤْر الْكَلْب، لِأَن الرجل مَلأ خفه وسقاه بِهِ، وَلَا شكّ أَن سؤره بَقِي
فِيهِ. وَأجِيب: بانه لَيْسَ فِيهِ أَن الْكَلْب شرب المَاء من الْخُف، إِذْ قد
يجوز أَن يكون غرفه بِهِ ثمَّ صب فِي مَكَان غَيره، أَو يُمكن أَن يكون غسل خفه
إِن كَانَ سقَاهُ فِيهِ، وعَلى تَقْدِير: أَن يكون سقَاهُ فِيهِ لَا يلْزمنَا
هَذَا، لِأَن هَذَا كَانَ فِي شَرِيعَة غَيرنَا على مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن
أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول فِيهِ دغدغة، إِذْ لَا يعلم مِنْهُ
أَنه كَانَ فِي زمن بعثة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَانَ قبلهَا
أَو كَانَ بعْدهَا قبل ثُبُوت حكم سُؤْر الْكلاب، أَو أَنه لم يلبس بعد ذَلِك، أَو
غسله. قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الترديد، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن ابي هُرَيْرَة
أَنه: كَانَ فِي شَرِيعَة غَيرنَا، على مَا ذكرنَا. الرَّابِع: يفهم مِنْهُ وجوب
نَفَقَة الْبَهَائِم الْمَمْلُوكَة على مَالِكهَا بِالْإِجْمَاع." اهـ
وقال عِيَاضُ
بْنُ مُوْسَى الْسَّبْتِيُّ، المعروف بـ"القاضي عياض
اليَحْصَبِيّ" (المتوفى: 544 هـ) _رَحِمَهُ اللهُ_ في "إِكْمَالِ
الْمُعْلِمِ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ" (7/ 181):
"وقوله:
"فى كل ذى كبد رطبة أجر ": إشارة إلى
الحياة؛ لأن من مات جف جسمه وكبده أو فنى،
* وهذا عام فى سائر الحيوان، وأن الإحسان إلى جميعها (كن
مملوكات أو غير مملوكات) طاعةٌ لله مأجور صاحبها، مكفر لسيئاته. وبحسب ذلك العقاب
على الإساءة لها والوزر.
* وفى هذا: وجوب نفقة الإنسان على ما يملكه مـما يستحيا من
الحيوان، والنهى عن إهلاكه وتضييعه.
قال بعضهم :
وإذا كان هذا، فهذا معارض للأمر بقتلها؛ لأن قتلها ضد الإحسان إليها، وقد تقدم الكلام
على حديث قتلها فى البيوع واختلاف الناس فيه،
ومن قال: إنه
منسوخ بجواز أكل صيدها واتخاذها للزرع والضرع والصيد، وقال غيره: ليس الأمر بقتلها
مما يضاد الإحسان إليها، وإن فى ذلك أجراً ما لم يقتل، فإذا قتلت أحسنت قتلتها.
ففيه إحسان إليها بخلاف تعذيبها وتجويعها وإساءة قتلتها بالعبث فيها." اهـ
[تعليق]:
وفي
"نيل الأوطار" (7/ 8) للشوكاني:
"فَأَوْلَى مَا
يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إنْفَاقِ الْحَيَوَانِ الْمَمْلُوكِ حَدِيثُ
الْهِرَّةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي دُخُولِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ النَّارِ لَيْسَ
مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْإِنْفَاقِ، بَلْ مَجْمُوعُ التَّرْكِ وَالْحَبْسِ، فَإِذَا
كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي مِثْلِ الْهِرَّةِ، فَثُبُوتُهُ فِي مِثْلِ
الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُمْلَكُ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَحْبُوسَةٌ
مَشْغُولَةٌ بِمَصَالِحِ الْمَالِكِ.." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (14/ 241):
"ففى هذا
الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ،
وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ،
فَأَمَّا
الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ فَيُمْتَثَلُ أَمْرُ الشَّرْعِ فِي قَتْلِهِ
وَالْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ
الْعَقُورِ وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي
مَعْنَاهُنَّ،
وَأَمَّا
الْمُحْتَرَمُ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَيْضًا
بِإِطْعَامِهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا وَسَوَاءٌ كَانَ
مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
وقال أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188 هـ) _رحمه الله_ في "غذاء
الألباب في شرح منظومة الآداب" (2/ 74):
"وَاعْلَمْ
أَنَّ الْكَلْبَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ بَهِيمًا، أَوْ لَا:
الْأَوَّلُ:
يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ.
وَالثَّانِي:
إمَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا، أَوْ لَا:
* الْأَوَّلُ: يَجِبُ
قَتْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ، وَالْعَقُورُ مُعَلَّمَيْنِ،
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا قَرِيبًا.
* وَالثَّانِي:
إمَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا، أَوْ لَا:
الْأَوَّلُ:
لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ،
وَكَذَا
الثَّانِي: عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي
الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ فِي
الْإِنْصَافِ: "وَقِيلَ يُكْرَهُ فَقَطْ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ
ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ." انْتَهَى.
وَلَا فَرْقَ
بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالسَّلُوقِيِّ نِسْبَةً إلَى سَلُوقَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ
تُنْسَبُ إلَيْهَا الْكِلَابُ السَّلُوقِيَّةُ وَكِلَا النَّوْعَيْنِ فِي
الطَّبْعِ سَوَاءٌ." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في
"البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (19/ 481):
إذا علمت ما
سبق من التحقيق، فقد تبيّن لك أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو أيضًا منصوص
للإمام الشافعيّ، من أنّ شرع من قبلنا؛ إذا قصّه
الله تعالى في كتابه، أو قصّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيما صحّ عنه، ولم
يَرِد في شرعنا ما يخالفه، فإنه يكون شرعًا لنا."
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في
"البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (36/ 550):
"في
فوائده :
1 - (منها):
بيان أن الإساءة إلى البهائم والحيوان لا تجوز، وأن فاعلها يأثم فيها؛ لأن النصّ
إذا ورد بأن في الإحسان إليهنّ أجرًا وحسنات، قام الدليل بأن في الإساءة إليهنّ
وِزْرًا وذنوبًا، والله يعصم من يشاء، وهذا ما لا شك فيه، ولا مَدْفَع له، قاله
ابن عبد البرّ رحمه الله ["التمهيد" لابن عبد البرّ 8/ 22].
2 - (ومنها):
بيان جواز السفر منفردًا، وبغير زاد، ومحلّ ذلك في شرعنا ما إذا لم يَخَفْ على
نفسه الهلاك.
3 - (ومنها):
الحثّ على الإحسان إلى الناس؛ لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب، فسَقْيُ
المسلم أعظم أجرًا.
4 - (ومنها):
أنه استُدِلّ به على جواز صدقة التطوع للمشركين، وينبغي أن يكون محله ما إذا لم
يوجد هناك مسلم، فالمسلم أحقّ، وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدميّ المحترَم،
واستويا في الحاجة فالآدميّ أحقّ، والله أعلم.
5 - (ومنها):
الإحسان إلى كل حيوان بِسَقْيه، أو نحوه، وهذا في الحيوان المحترَم، وهو ما لا
يؤمَر بقتله، ولا يناقض هذا ما أُمرنا بقتله، أو أبيح قتله، فإن ذلك إنما شُرع
لمصلحة راجحة، ومع ذلك فقد أُمرنا بإحسان القِتْلة.
وقال أبو عبد
الملك: هذا الحديث كان في بني إسرائيل، وأما الإسلام فقد أَمر بقتل الكلاب، وأما
قوله: "في كل كبد" فمخصوص ببعض البهائم، مما لا ضرر فيه؛ لأن المأمور
بقتله كالخنزير لا يجوز أن يُقَوَّى ليزداد ضرره،___
وكذا قال
النوويّ أن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم، وهو ما لم يؤمر بقتله، فيحصل الثواب
بسقيه، ويلتحق به إطعامه، وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه، وقال ابن التين: لا يمتنع إجراؤه على عمومه؛ يعني: فيُسْقَى، ثم
يُقْتَل؛ لأنّا أُمرنا بأن نُحسن القِتْلة، ونُهينا عن المثلة. انتهى.
قال الجامع
عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن التين من إجراء الحديث على عمومه هو الحقّ؛ لوضوح
حجته، والله تعالى أعلم.
6 - (ومنها):
أنه استُدِلّ به على طهارة سؤر الكلب، وتُعُقّب بأنه فِعل بعض الناس، ولا يُدْرَى
هل هو كان ممن يُقتدَى به أم لا؟ .
وأجيب بأنّا
لم نحتجّ بمجرد الفعل المذكور، بل على القول الراجح من أن شرع من قبلنا شرعٌ لنا،
فإنا لا نأخذ بكل ما ورد عنهم، بل إذا ساقه إمام شرعنا مساق المدح، ولم يقيّده
بقيد، أفاده في "الفتح" ["الفتح" 6/ 174، كتاب
"المساقاة" رقم (2363)]،
وسيأتي تحقيق
القول في شرع من قبلنا في المسألة التالية- إن شاء الله تعالى-." اهـ[2]
وقال يحيى بن هُبَيْرَة الذهلي الشيبانيّ،
أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني
الصحاح" (6/ 411_412):
"في هذا
الحديث من الفقه: اعتراض الشدائد للإنسان في أوقاته، وهي وإن كانت شدة في وقتها؛
فإنها سيقبلها الله نعمةً في وقت آخر،
فإن ذلك
الإنسان لما اشتد به العطش، ذكر به غيره، فعرفه مبلغ الظمأ من الظمآن، فأوى إلى
ذلك الكلب حين رآه في مثل حاله، فكان ذلك سببًا لرحمته الكلب، ورحمه الله به، من
حيث إنه أبلاه أولًا حتى راضه وأدبه، فجعل____رياضته تلك سببًا لرحمته خلقه، فرحمه
سبحانه وتعالى.
*
وفيه أيضًا من الفقه: أن الرحمة في القلوب- حتى البهائم-
سبب خيرة وأجر، واستعطاف لرب السماء والأرض؛ فإنه يرحم من عباده الرحماء.
*
وفيه:
أن رحمة الدواب- حتى الكلاب التي لا أجر في اقتنائها بل وزر- أجرًا، فدل على أن
رحمة ما هو أكرم منها من الدواب كالشاة، والبقر وغيرها، فيها أجر، فذكر ذلك على
عادته في الإتيان بجميع الكلم فقال: (في كل كبد رطبة أجر).
*
وفيه أيضًا من الفقه: أن لُطْفَ الله _عز وجل_ ورحمتَه عبادَه
تبلُغ إلى أنَّ بغيًا من البغايا الْمُسْرِفَاتِ على نفوسهن بفجورهن مُدَّةَ عُمْرِهَا،
رَحِمَتْ في وقت واحد كَبِدًا رَطْبَةً، جرى مكان ذلك لها وسيلة إلى الله _عز وجل_،
فأسقط عنها ما كان منها في عمرها لإنابة لحظةٍ في رحمةِ دابّةٍ غيْرِ كريمةٍ،
فكيف رحمة
الآدميين المسلمين؟! فجعل الله _عز وجل_ هذا حيث قدره وقضاه منيهةً لعباده إلى يوم
القيامة." اهـ
وقال أبو عمر
يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ
القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ"
(المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "الاستذكار" (8/ 370):
"النَّصُّ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَهَائِمِ الْمَمْلُوكَاتِ
وَغَيْرِ الْمَمْلُوكَاتِ أَجْرًا عَظِيمًا، يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ السَّيِّئَاتِ.
وَالدَّلِيلُ
أَنَّ فِي الْإِسَاءَةِ إِلَيْهَا وِزْرًا بِقَدْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِحْسَانَ
إِلَيْهَا إِذَا كَانَ فِيهِ الْأَجْرُ، فَفِي الْإِسَاءَةِ إِلَيْهَا - لَا
مَحَالَةَ – الْوِزْرُ." اهـ
وقال أبو عمر
يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ
القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ"
(المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني
والأسانيد" (22/ 8)
هَذَا
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسَاءَةَ إِلَى الْبَهَائِمِ وَالْحَيَوَانِ
لَا يَجُوزُ وَلَا يَحِلُّ وَأَنَّ فَاعِلَهَا يَأْثَمُ فِيهَا لِأَنَّ النَّصَّ
إِذَا وَرَدَ بِأَنَّ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ أَجْرًا وَحَسَنَاتٍ قَامَ
الدَّلِيلُ بِأَنَّ فِي الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِنَّ وِزْرًا وَذُنُوبًا وَاللَّهُ
يَعْصِمُ مَنْ يَشَاءُ وَهَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مَدْفَعَ له." اهـ
وقال نصر بن
محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى:
373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين"
(ص: 384_385) :
"الْحِكْمَةُ
فِي رَعْيِ الْأَنْبِيَاءِ _صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ_ أَنَّ
اللَّهَ _تَعَالَى_ ابْتَلَاهُمْ عَلَى الْبَهَائِمِ أَوَّلًا حَتَّى تَظْهَرَ
شَفَقَتُهُمْ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ___أَعْلَمُ بِهِمْ.
وَإِذَا
وَجَدَهُمْ مُشْفِقِينَ عَلَى الْبَهَائِمِ، جَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ، وَجَعَلَهُمْ
مُسَلَّطِينَ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ." اهـ
وقال محمد علي
بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى: 1057 هـ) _رحمه الله_ في
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2/ 366):
"وفيه:
دليل على التحضيض على فعل البرّ وإن قل، إذ لا يدري فيم تكون السعادةُ،
وفيه:
دليل على أن الإخلاص هو الموجب لكثرة الأجر، إذ حال الرجل كان كذلك إذ هو في
البرية ولم يره أحد حال سقيه، وكان مخلصاً في ذلك العمل.
وفيه:
دليل على أن إكمال الأجر يكون بإكمال العمل،
يؤخذ من قوله
في رواية: «فسقى الكلب حتى أرواه» [خ]
فبإكمال رَيِّهِ،
أكمل الله نعمتَه عليه،
ويؤخذ
من الخبر: إفساد بعض الأمتعة إذا ترتب عليه الثواب الأخروي.
ألا ترى إلى غَرْفِهِ
الماءَ بالخف الْمُفْسِدِ لَهُ عادةً، لكن لما كان في ذلك صلاح آخرته، فهو في
صلاح.
ويؤخذ
منه:
تعب الفاضل للمفضول إذا احتاج المفضول إليه، إذ تَعِبَ الرجلُ للكلب.
ونوع____الإنسان أفضل من باقي الحيوان؛ كذا يؤخذ ملخصاً من «بهجة النفوس» للعارف
ابن أبي جمرة." اهـ
وقال محمد علي
بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى: 1057 هـ) _رحمه الله_ في
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2/ 367):
ففي الحديث
الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله، فيحصل بسقيه والإحسان إليه
الأجر سواء كان حرّاً أو مملوكاً له أو لغيره، أما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع
في قتله." اهـ
وقال محمد بن
عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي
عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في
"شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4/ 483):
"وَفِيهِ:
الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ وَأَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ
الْقُرُبَاتِ.." اهـ
[1] أخرجه أبو داود في "سننه" (2/ 130) (رقم: 1682)، و سنن
الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 633) (رقم: 2449).
ضعفه
الألباني في "ضعيف أبي داود" - الأم (2/ 135) (رقم: 300)، و"تخريج
مشكاة المصابيح" (1/ 597) (رقم: 1913)، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (10/ 58) (رقم: 4554)، و"ضعيف الجامع
الصغير وزيادته" (ص: 331) (رقم: 2249)
[2] وقال العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (3/ 43)
ردا على القائلين بطهارة سؤر الكلب:
"وَأجِيب:
بانه لَيْسَ فِيهِ أَن الْكَلْب شرب المَاء من الْخُف، إِذْ قد يجوز أَن يكون غرفه
بِهِ ثمَّ صب فِي مَكَانٍ غَيْرِهِ، أَو يُمكن أَن يكون غسل خفه إِن كَانَ سقَاهُ
فِيهِ." اهـ
Komentar
Posting Komentar