شرح الحديث 125 (باب بيان كثرة طرق الخير) رياض الصالحين
[125] التاسع: عَنْهُ، عن النَّبيّ - صلى
الله عليه وسلم -، قَالَ: «الإيمانُ
بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً، فَأفْضَلُهَا
قَولُ: (لا إلهَ إلا اللهُ). وَأَدْنَاهَا:
إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ. والحياءُ
شُعبَةٌ مِنَ الإيمان». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. «البِضْعُ»
من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. وَ«الشُّعْبَةُ»
: القطعة. |
ترجمة
أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:
اختلف فِي
اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا،
فقيل:
اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن
طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم
بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد
اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما
كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟
فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
وذكر أَبُو
القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :
"وَقَال
عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم
سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)
قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو
الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن
علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.
وفي "تاريخ
الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت:
روي لَهُ
نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث
مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين
(93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
التاسع:
عَنْهُ، عن النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_، قَالَ:
«الإيمانُ
بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً:
فَأفْضَلُهَا
قَولُ: (لا إلهَ، إلا اللهُ). وَأَدْنَاهَا:
إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعبَةٌ
مِنَ الإيمان». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
[تعليق]:
وفي "البحر
المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (2/ 27_28):
و"الأذى":
بالفتح: مصدر أَذِيَ به، كبَقِي بالكسر، وتأذّى، والاسم الأذِيّةُ، والأَذَاةُ،
وهي المكروه اليسير. قاله في "القاموس".___
والمراد
هنا:
تنحيةُ ما يؤذي المسلمين، كالشوك، والحجر، والشجر، والنجاسة، ونحوها عن طريقهم؛
رفقًا بهم، وعطفًا عليهم.
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (1/ 52):
"قَوْلُهُ:
(وَالْحَيَاءُ) هُوَ بِالْمَدِّ.
وَهُوَ
فِي اللُّغَةِ: تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي
الْإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُجَرَّدِ
تَرْكِ الشَّيْءِ بِسَبَبٍ. وَالتَّرْكُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ.
وَفِي الشَّرْعِ: خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى
اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ.
وَلِهَذَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ)،
* فَإِنْ
قِيلَ: الْحَيَاءُ مِنَ الْغَرَائِزِ، فَكَيْفَ جُعِلَ شُعْبَةً مِنَ الْإِيمَانِ؟
أُجِيبَ:
بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً، وَقَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا، وَلَكِنَّ
اسْتِعْمَالَهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَعِلْمٍ
وَنِيَّةٍ. فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ لِهَذَا،
وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ، وَحَاجِزًا عَنْ فِعْلِ
الْمَعْصِيَةِ.
وَلَا
يُقَالُ: "رُبَّ حَيَاءٍ يَمْنَعُ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ أَوْ فِعْلِ
الْخَيْرِ"، لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ شَرْعِيًّا.
* فَإِنْ
قِيلَ: لِمَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ هُنَا؟
أُجِيبَ:
بِأَنَّهُ كَالدَّاعِي إِلَى بَاقِي الشُّعَبِ، إِذِ الْحَيِيُّ يَخَافُ فَضِيحَةَ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَيَأْتَمِرُ وَيَنْزَجِرُ، وَاللَّهُ
الْمُوَفِّقُ." اهـ
وفي
"حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 29):
"وَقِيلَ:
الْحَيَاءُ نَوْعَانِ: نَفْسَانِيٌّ، وَإِيمَانِيٌّ. فَالنَّفْسَانِيُّ
الْجِبِلِّيُّ: الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي النُّفُوسِ كَالْحَيَاءِ مِنْ
كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى نُفُوسِ
الْكَفَرَةِ. وَالْإِيمَانِيُّ: مَا يَمْنَعُ
الشَّخْصَ مِنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ
الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي
الْحَدِيثِ." اهـ
«البِضْعُ» من
ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح.
وَ«الشُّعْبَةُ»
: القطعة.
[تعليق]:
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (1/ 51):
"قَوْلُهُ:
(بِضْعٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ. وَحُكِيَ الْفَتْحُ لُغَةً، وَهُوَ عَدَدٌ مُبْهَمٌ مُقَيَّدٌ بِمَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ
كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَزَّازُ. وَقَالَ ابن سِيدَهْ: إِلَى الْعَشْرِ، وَقِيلَ
مِنْ وَاحِدٍ إِلَى تِسْعَةٍ، وَقِيلَ: مِنِ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ، وَقِيلَ:
مِنْ أَرْبَعَةٍ إِلَى تِسْعَةٍ.
وَعَنِ
الْخَلِيلِ: الْبِضْعُ السَّبْعُ.
وَيُرَجِّحُ
مَا قَالَهُ الْقَزَّازُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ
الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ _تَعَالَى_: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ
سِنِينَ} [يوسف: 42]،
وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ:
أَنَّ
قُرَيْشًا قَالُوا ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ،
وَكَذَا
رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مَرْفُوعًا وَنَقَلَ الصَّغَانِيُّ فِي الْعُبَابِ: أَنَّهُ
خَاصٌّ بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَبِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ. فَإِذَا جَاوَزَ
الْعِشْرِينَ، امْتَنَعَ. قَالَ: وَأَجَازَهُ أَبُو زَيْدٍ، فَقَالَ: يُقَالُ
بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا وَبِضْعٌ وَعِشْرُونَ امْرَأَةً.
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْعَشَرَاتِ إِلَى التِّسْعِينَ، وَلَا يُقَالُ بِضْعٌ
وَمِائَةٌ وَلَا بِضْعٌ وَأَلْفٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضْعَةٌ
بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ." اهـ
وفي "المصنف"
(11/ 126) (رقم: 20105) لعبد الرَّزَّاقِ
الصنعاني:
أَخْبَرَنَا
عبد الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
«الْإِيمَانُ
بِضْعَةٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ قَالَ: بِضْعَةٌ وَسِتُّونَ - بَابًا،
أَفْضَلُهَا شَهَادَةُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَصْغَرُهَا
إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»
قَالَ أَبُو
حَاتِمٍ البستي _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (1/ 387_389):
"وَأَمَّا
الْبِضْعُ، فَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى أَحَدِ أَجْزَاءِ الْأَعْدَادِ، لِأَنَّ
الْحِسَابَ بِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الْأَعْدَادِ،
وَالْفُصُولِ، وَالتَّرْكِيبِ،
فَالْأَعْدَادُ:
مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى التِّسْعَةِ، وَالْفُصُولُ:
هِيَ الْعَشَرَاتُ وَالْمِئُونُ وَالْأُلُوفُ، وَالتَّرْكِيبُ:
مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا،
وَقَدْ
تَتَبَّعْتُ مَعْنَى الْخَبَرِ مُدَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ
النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ، إِلَّا
بِفَائِدَةٍ، وَلَا مِنْ سُنَنِهِ شَيْءٌ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ،
فَجَعَلْتُ أَعُدُّ
الطَّاعَاتِ مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ
شَيْئًا كَثِيرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى السُّنَنِ،
فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ مِنَ الْبِضْعِ
وَالسَّبْعِينَ،
فَرَجَعْتُ
إِلَى مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا،
وَتَلَوْتُهُ آيَةً آيَةً بِالتَّدَبُّرِ، وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا
اللَّهُ _جَلَّ وَعَلَا_ مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ
وَالسَّبْعِينَ،
فَضَمَمْتُ
الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ، وَأَسْقَطْتُ الْمُعَادَ
مِنْهَا، فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللَّهُ _جَلَّ وَعَلَا_ مِنَ الْإِيمَانِ
فِي كِتَابِهِ، وَكُلُّ طَاعَةٍ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنَ الْإِيمَانِ فِي سُنَنِهِ تِسْعٌ
وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا
شَيْءٌ،
فَعَلِمْتُ
أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ فِي
الْخَبَرِ: أَنَّ الْإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ
شُعْبَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ،
فَذَكَرْتُ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ___بِكَمَالِهَا بِذِكْرِ شُعْبَة فِي كِتَابِ «وَصْف
الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ» بِمَا أَرْجُو أَنَّ فِيهَا الْغَنِيَّةَ لِلْمُتَأَمِّلِ
إِذَا تَأَمَّلَهَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تِكْرَارهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ،
وَالدَّلِيلُ
عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ أَجْزَاءٌ بِشُعَبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ:
«الْإِيمَانُ
بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً: أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ»،
فَذَكَرَ
جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ شُعَبِهِ، هِيَ كُلُّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي
جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمْ
يَقُلْ: (وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ)،
وَالْإِيمَانُ
بِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَمَا يُشْبِهُ
هَذَا مِنْ أَجْزَاءِ هَذِهِ الشُّعْبَةِ،
وَاقْتَصَرَ
عَلَى ذِكْرِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، حَيْثُ قَالَ:
«أَعْلَاهَا
شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»،
فَدَلَّ هَذَا
عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْأَجْزَاءِ مِنْ هَذِهِ الشُّعْبَةِ كُلُّهَا مِنَ
الْإِيمَانِ،
ثُمَّ عَطَفَ
فَقَالَ: «وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ»،
فَذَكَرَ
جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ شُعَبِهِ، هِيَ نَفْلٌ كُلُّهَا لِلْمُخَاطَبِينَ فِي
كُلِّ الْأَوْقَاتِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَائِرَ
الْأَجْزَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذِهِ الشُّعْبَةِ وَكُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الشُّعَبِ الَّتِي هِيَ
مِنْ بَيْنِ الْجُزْأَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْخَبَرِ اللَّذَيْنِ
هُمَا مِنْ___أَعْلَى الْإِيمَانِ، وَأَدْنَاهُ كُلُّهُ مِنَ الْإِيمَانِ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ
_صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
«الْحَيَاءُ
شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»،
فَهُوَ
لَفْظَةٌ أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ بِكِنَايَةِ سَبَبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْحَيَاءَ جِبِلَّةٌ فِي الْإِنْسَانِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُكْثِرُ فِيهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِلُّ ذَلِكَ فِيهِ،
وَهَذَا
دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، لِأَنَّ النَّاسَ
لَيْسُوا كُلُّهُمْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحَيَاءِ،
فَلَمَّا
اسْتَحَالَ اسْتِوَاؤُهُمْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ، صَحَّ أَنَّ مَنْ
وُجِدَ فِيهِ أَكْثَرُ، كَانَ إِيمَانُهُ أَزِيدَ، وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ مِنْهُ
أَقَلُّ، كَانَ إِيمَانُهُ أَنْقَصَ،
وَالْحَيَاءُ
فِي نَفْسِهِ: هُوَ الشَّيْءُ الْحَائِلُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا
يُبَاعِدُهُ مِنْ رَبِّهِ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ تَرْكَ الْمَحْظُورَاتِ شُعْبَةً مِنَ الْإِيمَانِ
بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ." اهـ
وقال العيني في
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (1/ 128):
"وَقد
صنف فِي تعْيين هَذِه الشّعب جمَاعَة،
* مِنْهُم:
الإِمَام أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ صنف فِيهَا كتابا أسماه: (فَوَائِد
الْمِنْهَاج)،
* والحافظ
أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَسَماهُ: (شعب الْإِيمَان)،
* وَإِسْحَاق
ابْن الْقُرْطُبِيّ وَسَماهُ: (كتاب النصايح)،
* وَالْإِمَام
أَبُو حَاتِم وَسَماهُ: (وصف الْإِيمَان وشعبه)،
وَلم أر أحدا
مِنْهُم شفى العليل، وَلَا أروى الغليل." اهـ
تخريج
الحديث:
أخرجه صحيح البخاري
في "صحيحه" (رقم: 9)، في "الأدب
المفرد" (ص: 209) (رقم: 598)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 63/ 58) (رقم: 35)،
وابن ماجه في "سننه" (1/ 22) (رقم: 57)، وعبد الرَّزَّاقِ الصنعاني في
"المصنف" (11/ 126) (رقم: 20105)، وابن أبي شيبة في "المصنف"
(5/ 212 و5/ 305 و 6/ 169) (رقم: 25339 و 26343 و 30416)، وفي "الأدب"
(ص: 180) (رقم: 108)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (1/ 331 و1/ 332)
(رقم: 683 و686)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 425 و
1/ 429) (رقم: 423_425 و 428)، مسند البزار = البحر الزخار (15/ 377) (رقم: 8974)،
وابن الأعرابي في "المعجم" (3/ 878) (رقم: 1831)، وابن حبان في "صحيحه"
(1/ 384) (رقم: 166)، والآجري في "الشريعة" (2/ 576_679) (رقم: 209_211)،
والطبراني في "الدعاء" (ص: 437) (رقم: 1489)، وابن بطة العكبري في "الإبانة
الكبرى" (2/ 647) (رقم: 833_834)، وابن منده في "الإيمان" (1/ 297
و 1/ 333) (رقم: 147 و 170)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة
والجماعة" (5/ 976 و 5/ 977 و5/ 981) (رقم: 1625 و 1628 و 1637)، والبيهقي في
"شعب الإيمان" (1/ 87 و 1/ 190 و 13/ 543) (رقم: 2 و 88 و 10756)، وفي
"الأسماء والصفات" (1/ 249) (رقم: 183)، بإسنادهم: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_.
من
فوائد الحديث :
وقال الإثيوبي
_رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(2/ 27):
"(قَوْلُ
لَا إِلَهً إِلَّا اللهُ) فيه أن كلمة التوحيد أفضل أنواع الإيمان، كما أن الإيمان
أفضل أنواع العمل، كما في حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_، قال:
أن رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_ سُئِل: "أي العمل أفضل؟" فقال: "إيمان بالله
ورسوله ... " الحديث، متّفق عليه."
وقال الحريملي
في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 106):
"شعب
الإيمان: هي الأعمال الشرعية، وهي تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان، وأعمال
البدن." اهـ
وقال الحريملي
في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 438):
"الإيمان:
يطلق على جميع أمور الدين من اعتقاد القلب، وقول اللسان، وفعل الجوارح. اهـ
وقال المازريّ
_رحمه الله تعالى_ في "المعلم" (1/ 292):
"إنما
كان الحياء _وهو في الأكثر غريزة_ من الإيمان الذي هو اكتساب؛ لأن الحياء يمنع من
المعصية كما يَمنَع الإيمان منها، والحياء هنا ممدود من الاستحياء." اهـ
وقال الإثيوبي
_رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(2/ 29):
"قال _صلى
الله عليه وسلم_: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، و"الحياء خير
كلّه". وأول الحياء، وأولاه: الحياء من الله تعالى، وهو أن لا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون
إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة، ومراقبة له حاصلة،
وهي المعبّر
عنها بقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"أن تعبد
الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك".
وقد روى
الترمذيّ من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:
"استحيوا
من الله حقَّ الحياء"، فقالوا: إنا نستحيي، والحمد لله، فقال: "ليس ذلك،
ولكن الاستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرأس، وما حوى، والبطن وما وعى، وتذكر
الموت والبِلَى، فمن فعل ذلك، فقد استحيى من الله حقّ الحياء." اهـ
وقال الإثيوبي
في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (2/ 31_35):
"في
فوائده:
1 - (منها):
بيان أن الإيمان له شعب كثيرة.
2 - (ومنها):
أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهو الحقّ الذي___عليه أهل السنة والجماعة،
وخالف فيه بعضهم، ولا اعتداد به، كما تقدّم بيانه مفصّلًا أول كتاب الإيمان.
3 - (ومنها):
بيان عظم شأن الحياء، وأنه من أفضل الشعب إذ يدعو إلى بقية الشعب، فمن كان حييًّا
فإن حياءه يدعوه إلى أن يعمل بمقتضى إيمانه، ويتجنب ما يناقضه.
4 - (ومنها):
ما قاله الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: في قوله: "أعلاها قول لا إله إلا
الله": ما يَستدلّ به من يقول: إن هذه الكلمة أفضل الكلام مطلقًا، وإنها أفضل
من كلمة الحمد، وفي ذلك اختلاف، ذكره ابن عبد البرّ، وغيره. انتهى.
5 - (ومنها):
أن في قوله: "أعلاها لا إله الا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق":
إشارةً إلى أن مراتبها متفاوتة.
6 - (ومنها):
أن تعريف المسند إليه - أعني "الإيمان" - إنما يُقصد لإتمام الفائدة
للسامع؛ لأن فائدته من الخبر إمّا الحكم، أو لازمه، كما بُيّن في موضعه، وفيه
الفصل بين الجملتين بالواو؛ لأنه قُصد التشريك، وتعيين الواو؛ لدلالتها على الجمع،
وفيه تشبيه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشُعَب، كما شُبّه في حديث "بُني الإسلام
على خمس" بخباء ذات أعمدة وأَطْناب.
7 - (ومنها):
ما قيل في وجه الحكمة في تخصيص الستين في رواية البخاريّ، والسبعين في رواية المصنّف،
وأصحاب "السنن".
فأما الحكمة
في تعيين الستيّن وتخصيصها، فهي أنّ العدد إما زائد، وهو ما أجزاؤه أكثر منه،
كالاثني عشر، فإن لها نصفًا، وثلثًا، وربعًا، وسدسًا، ونصف سدس،[1]
ومجموع هذه
الأجزاء أكثر من اثني عشر، فإنه ستة عشر، وإما ناقص، وهو ما أجزاؤه أقلّ منه،
كالأربعة، فإن لها الربع، والنصف فقط، وإمّا تامّ، وهو ما أجزاؤه مثله، كالستّة،
فإن أجزاءها النصف، والثلث،____والسدس، وهي مساوية للستّة، والفضل من بين الأنواع
الثلاثة للتامّ، فلما أُريد المبالغة فيه جُعلت آحادها أعشارًا، وهي الستّون.
وأما الحكمة في
تعيين السبعين فهي أن السبعة تشتمل على جملة أقسام العدد، فإنه ينقسم إلى فرد
وزوج، وكلّ منهما إلى أول ومركّب، والفرد الأول ثلاثةٌ، والمركّب خمسة، والزوج
الأول اثنان، والمركّب أربعةٌ، وينقسم أيضًا إلى مُنطق، كالأربعة، وأصمّ، كالستّة،
والسبعة تشتمل على جميع هذه الأقسام، فلما أريد المبالغة فيه جُعلت آحادها
أعشارًا، وهي السبعون.
وأما زيادة
البِضْع على النوعين، فقد عُلم أنه يُطلق على الستّ، وعلى السبع؛ لأنه ما بين
اثنين إلى عشرة وما فوقها، كما نصّ عليه صاحب "الموعب"، ففي الأول الستة
أصل الستين، وفي الثاني السبعة أصل السبعين، كما ذكرناه، فهذا وجه تعيين أحد هذين
العددين ["عمدة القاري" 1/ 127].
8 - (ومنها):
أن المراد من هذين العددين، هل هو حقيقة أم ذُكرا على سبيل المبالغة؟ فقال بعضهم:
أريد به التكثير دون التعديد، كما في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] الآية،
قال الطيبيّ:
الأظهر معنى التكثير، ويكون ذكر البضع للترقّي، يعني أن شُعَب الإيمان أعداد
مبهمة، ولا نهاية لكثرتها؛ إذ لو أريد التحديد لم يُبهَم،
وقال بعضهم:
العرب تستعمل السبعين كثيرًا في باب المبالغة، وزيادةُ السبع عليها التي عبّر عنها
بالبضع لأجل أن السبعة أكمل الأعداد؛ لأن الستة أول عدد تامّ، وهي مع الواحد سبعة،
فكانت كاملة؛ إذ ليس بعد التمام سوى الكمال، وسُمّي الأسد سبعًا؛ لكمال قوّته،
والسبعون غاية الغاية؛ إذ الآحاد غايتها العشرات.
9 - (ومنها):
ما وقع من الاختلاف في الترجيح بين الروايتين، فقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
"الصواب
ما وقع في سائر الأحاديث، ولسائر الرواة: "بضع وسبعون"، ومنهم من رجّح
رواية: "بضع وستّين"؛ لأنها الْمُتيَقَّن.
وقال النوويّ
رحمه الله تعالى: الصواب ترجيح: "بضع وسبعين"؛ لأنها___زيادة من ثقات،
وزيادة الثقات مقبولة مقدّمة، وليس في رواية: "بضع وستين" ما يمنع
الزيادة [هكذا عزا الكرمانيّ هذا الترجيح للنوويّ، ولم أجده بهذا النصّ في شرح
مسلم، فالله أعلم].
قال الكرمانيّ
رحمه الله تعالى:
ويحتمل أن
تكون رواية الستين مقدّمة على رواية السبعين، وكان شُعَب الإيمان عند صدوره من
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذا القدر، ثم قال مرّة أخرى عند زيادة الشُّعَب
بلفظ: "سبعون"، فيكون كلاهما صوابًا.
قال الجامع
عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال سيأتي تعقّب الحافظ ابن رجب له، فتنبّه.
وقال الخطابيّ
رحمه الله تعالى:
الإيمان اسم
يتشعّب إلى أمور ذوات عدد، جِمَاعها الطاعة، ولذا صار من صار من العلماء إلى أن
الناس متفاضلون في درج الإيمان، وإن كانوا متساوين في اسمه، وكان بدء الإيمان كلمة
الشهادة، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيّة عمره يدعو الناس إليها،
وسَمَّى من أجابه إلى ذلك مؤمنًا إلى أن نزلت الفرائض، وبهذا الاسم خوطبوا عند
إيجابها عليهم، فقال تعالى:
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الآية،
وهذا الحكم
مستمرّ في كلّ اسم يقع على أمر ذي شُعَب؛ كالصلاة، فإن رجلًا لو مرّ على مسجد،
وفيه قومٌ، منهم من يستفتح الصلاة، ومنهم من هو راكع، أو ساجد، فقال: رأيتهم
يصلّون كان صادقًا، مع اختلاف أحوالهم في الصلاة، وتفاضل أفعالهم فيها.
[فإن قيل]:
إذا كان الإيمان بضعًا وسبعين شُعبةً، فهل يمكنكم أن تسمّوها بأسمائها، وإن عجزتم
عن تفصيلها، فهل يصحّ إيمانكم بما هو مجهول عندكم؟ .
[قلنا]:
إيماننا بما كُلّفناه صحيحٌ، والعلم به حاصل، وذلك من وجهين:
الأول: أنه قد
نَصَّ على أعلى الإيمان وأدناه باسم أعلى الطاعات وأدناها، فدخل فيه جميع ما يقع
بينهما، من جنس الطاعات كلّها، وجنس الطاعات معلوم.____
والثاني: أنه
لم يوجِبْ علينا معرفة هذه الأشياء بخواصّ أسمائها حتى يلزمنا تسميتها في عقد
الإيمان، وإنما كَلّفَنا التصديق بجملتها، كما كَلّفنا الإيمان بملائكته، وإن كنّا
لا نعرف أسماء أكثرهم، ولا أعيانهم.
وقال النوويّ
رحمه الله تعالى: بيّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعلى شُعَب الإيمان وأدناها،
كما ثبت في "الصحيح" من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أعلاها لا
إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، فبيّن أن أعلاها التوحيد
المتعيّن على كلّ مكلّف، والذي لا يصحّ غيره من الشعب إلا بعد صحّته، وأن أدناها
دفع ما يُتوقّع به ضرر المسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بينهما إتمام
العدد، فيجب علينا الإيمان به، وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده، كما نؤمن
بالملائكة، وإن لم نعرف أعيانهم وأسماءهم. ذكره الكرمانيّ ["شرح
الكرمانيّ" 1/ 82 - 83]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب."
اهـ
وقال ابن رجب
في "فتح الباري" (1/ 33):
"فأشار
إلى أن خصال الإيمان منها قول باللسان، ومنها ما
هو عمل بالجوارح ومنها ما هو قائم بالقلب، ولم يزد في شيء من هذه الروايات على هذه
الخصال.
وقد انتدب
لعدها طائفة من العلماء كالحَلِيْمِي والبيهقي وابن شاهين وغيرهم، فذكروا أن كل ما
ورد تسميته إيمانا في الكتاب والسنة من الأقوال والأعمال وبلغ بها بعضهم سبع
وسبعين، وبعضهم تسعا وسبعين.
وفي القطع على
أن ذلك هو مراد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الخصال عُسْرٌ، كذا
قاله ابن الصلاح وهو كما قال." اهـ
وقال ابن رجب
في "فتح الباري" (1/ 34_35):
"فإن
قيل: فأهل الحديث والسنة عندهم أن كل طاعة فهي داخلة في الإيمان، سواء كانت من
أعمال الجوارح أو القلوب أو من الأقوال، وسواء في ذلك الفرائض والنوافل،
هذا قول
الجمهور الأعظم منهم وحينئذ فهذا لا ينحصر في بضع وسبعين، بل يزيد على ذلك زيادة
كثيرة، بل هي غير منحصرة. قيل: يمكن أن يجاب عن هذا بأجوبة:
أحدها: أن
يقال: إن عد خصال الإيمان عند قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
منحصرا في هذا العدد ثم حدثت زيادة فيه بعد ذلك حتى كملت خصال الإيمان في آخر حياة
النبي صلي الله عليه وسلم.____
والثاني
:
أن تكون خصال الإيمان كلها تنحصر في بضع وسبعين نوعا، وإن كان أفراد كل نوع تتعد
كثيرا، وربما كان بعضها لا ينحصر. وهذا أشبه. وإن كان الموقوف على ذلك يعسر أو
يتعذر.
والثالث: أن
ذكر السبعين على وجه التكثير للعدد، لا على وجه الحصر كما في قوله تعالى {إِن
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]
والمراد تكثير
التعداد من غير حصوله هذا في العدد[2]،
ويكون ذكره
للبضع يشعر بذلك كأنه يقول: هو يزيد على السبعين المقتضية لتكثير العدد وتضعيفه.
وهذا ذكره أهل الحديث من المتقدمين، وفيه نظر.
والرابع:
أن
هذه البضع وسبعين هي أشرف خصال الإيمان وأعلاها وهو الذي تدعو إليه الحاجة منها.
قال ابن حامد
من أصحابنا. والبضع في اللغة: من الثلاث إلى التسع، هذا هو المشهور،
ومن قال: ما
بين اثنين إلى عشر فالظاهر إنما أراد ذلك ولم يدخل الاثنين والعشر في العدد.
وقيل من أربع
إلى تسع.
وقيل: مابين
الثلاث والعشر. والظاهر أنه هو الذي قبله باعتبار إخراج الثلاث والعشر منه.
وكذا قال
بعضهم: ما بين الثلاث إلى ما دون العشرة، وعلى هذا فلا يستعمل في الثلاث ولا في
العشر، والله أعلم." اهـ
وقال ابن حجر
في "فتح الباري" (1/ 52_53):
"فَائِدَةٌ:
قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ : تَكَلَّفَ جَمَاعَةٌ حَصْرَ هَذِهِ الشُّعَبِ بِطَرِيقِ
الِاجْتِهَادِ[3].
وَفِي الْحُكْمِ بِكَوْنِ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادَ
صُعُوبَةً، وَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ حَصْرِ ذَلِكَ عَلَى
التَّفْصِيلِ فِي الْإِيمَانِ."[4]
اهـ
وَلَمْ
يَتَّفِقْ مَنْ عَدَّ الشُّعَبَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ وَأَقْرَبُهَا إِلَى
الصَّوَابِ طَريقَة بن حِبَّانَ، لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى بَيَانِهَا مِنْ
كَلَامِهِ.[5]
وَقَدْ
لَخَّصْتُ مِمَّا أَوْرَدُوهُ مَا أَذْكُرُهُ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشُّعَبَ
تَتَفَرَّعُ عَنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَأَعْمَالِ اللِّسَانِ وَأَعْمَالِ
الْبَدَنِ.
فَأَعْمَالُ
الْقَلْبِ فِيهِ: الْمُعْتَقَدَاتُ وَالنِّيَّاتُ،
وَتَشْتَمِلُ
عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَصْلَةً :
* الْإِيمَانِ
بِاللَّهِ،
وَيَدْخُلُ
فِيهِ : الْإِيمَانُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَاعْتِقَادُ حُدُوثِ مَا دُونَهُ، وَالْإِيمَانِ
بِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ،
*
وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : الْمَسْأَلَةُ فِي
الْقَبْرِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ
وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ،
* وَمَحَبَّةِ
اللَّهِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ فِيهِ، وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْتِقَادِ تَعْظِيمِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : الصَّلَاةُ
عَلَيْهِ، وَاتِّبَاعُ سُنَّتِهِ.
*
وَالْإِخْلَاصُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : تَرْكُ الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ وَالتَّوْبَةُ
وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَالشُّكْرُ وَالْوَفَاءُ وَالصَّبْرُ وَالرِّضَا
بِالْقَضَاءِ وَالتَّوَكُّلُ وَالرَّحْمَةُ،
*
وَالتَّوَاضُعُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ وَرَحْمَةُ الصَّغِيرِ
وَتَرْكُ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَتَرْكُ الْحَسَدِ وَتَرْكُ الْحِقْدِ وَتَرْكُ
الْغَضَبِ.
وَأَعْمَالُ
اللِّسَانِ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى سَبْعِ خِصَالٍ :
*
التَّلَفُّظِ بِالتَّوْحِيدِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ
وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِغْفَارُ وَاجْتِنَابُ
اللَّغْوِ.
وَأَعْمَالُ
الْبَدَنِ :
وَتَشْتَمِلُ
عَلَى ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ خُصْلَةٍ :
مِنْهَا
: مَا يَخْتَصُّ بِالْأَعْيَانِ،
وَهِيَ خَمْسَ
عَشْرَةَ خَصْلَةٍ :
* التَّطْهِيرُ
حِسًّا وَحُكْمًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ : اجْتِنَابُ النَّجَاسَاتِ، وَسَتْرُ
الْعَوْرَةِ، وَالصَّلَاةُ فَرْضًا وَنَفْلًا، وَالزَّكَاةُ، كَذَلِكَ وَفَكُّ
الرِّقَابِ،
* وَالْجُودُ،
وَيَدْخُلُ فِيهِ : إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ،
* وَالصِّيَامُ
فَرْضًا وَنَفْلًا، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ كَذَلِكَ وَالطَّوَافُ
وَالِاعْتِكَافُ وَالْتِمَاسُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
*
وَالْفِرَارُ بِالدِّينِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ.
وَالْوَفَاءُ
بِالنَّذْرِ، وَالتَّحَرِّي فِي الْإِيمَانِ وَأَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ،
وَمِنْهَا
: مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاتِّبَاعِ،
وَهِيَ سِتُّ
خِصَالٍ : التَّعَفُّفُ بِالنِّكَاحِ، وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الْعِيَالِ،
* وَبِرُّ___الْوَالِدَيْنِ،
وَفِيهِ : اجْتِنَابُ الْعُقُوقِ،
وَتَرْبِيَةُ
الْأَوْلَادِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَطَاعَةُ السَّادَةِ أَوِ الرِّفْقُ
بِالْعَبِيدِ،
وَمِنْهَا :
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَامَّةِ.
وَهِيَ سَبْعَ
عَشْرَةَ خَصْلَةً :
* الْقِيَامُ
بِالْإِمْرَةِ مَعَ الْعَدْلِ، وَمُتَابَعَةُ الْجَمَاعَةِ، وَطَاعَةُ أُولِي
الْأَمْرِ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : قِتَالُ
الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ،
*
وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى الْبِرِّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ : الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ،
وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادُ وَمِنْهُ :
الْمُرَابَطَةُ
* وَأَدَاءُ
الْأَمَانَةِ، وَمِنْهُ : أَدَاءُ الْخُمُسِ،
وَالْقَرْضُ
مَعَ وَفَائِهِ، وَإِكْرَامُ الْجَارِ، وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ،
* وَفِيهِ
جَمْعُ الْمَالِ مِنْ حِلِّهِ، وَإِنْفَاقُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ وَمِنْهُ تَرْكُ
التَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ.
* وَرَدُّ
السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَكَفُّ الْأَذَى عَنِ النَّاسِ،
وَاجْتِنَابُ اللَّهْوِ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ.
فَهَذِهِ
تِسْعٌ وَسِتُّونَ خَصْلَةً وَيُمْكِنُ عَدُّهَا تِسْعًا وَسَبْعِينَ خَصْلَةً
بِاعْتِبَارِ إِفْرَادِ مَا ضُمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ مِمَّا ذُكِرَ وَاللَّهُ
أَعْلَم." اهـ كلام الحافظ
وقال العيني في
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (1/ 128_129):
"فَهَذِهِ
ثَلَاثَة أَقسَام. فَالْأول: يرجع إِلَى الاعتقاديات، وَهِي تتشعب إِلَى
ثَلَاثِينَ شُعْبَة.
الأولى:
الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى، وَيدخل فِيهِ الْإِيمَان بِذَاتِهِ وَصِفَاته
وتوحيده بِأَن لَيْسَ كمثله شَيْء. الثَّانِيَة:
اعْتِقَاد حُدُوث مَا سوى الله تَعَالَى. الثَّالِثَة:
الْإِيمَان بملائكته. الرَّابِعَة: الْإِيمَان
بكتبه. الْخَامِسَة: الْإِيمَان برسله. السَّادِسَة: الْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره. السَّابِعَة: الْإِيمَان بِالْيَوْمِ الآخر، وَيدخل
فِيهِ السُّؤَال بالقبر وعذابه، والبعث والنشور والحساب وَالْمِيزَان والصراط. الثَّامِنَة: الوثوق على وعد الْجنَّة وَالْخُلُود
فِيهَا. التَّاسِعَة: الْيَقِين بوعيد النَّار
وعذابها وَأَنَّهَا لَا تفنى. الْعَاشِرَة: محبَّة
الله تَعَالَى. الْحَادِيَة عشر: الْحبّ فِي الله
والبغض فِي الله، وَيدخل فِيهِ حب الصَّحَابَة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَحب
آل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الثَّانِيَة عشر: محبَّة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيدخل فِيهِ الصَّلَاة عَلَيْهِ وَاتِّبَاع
سنته. الثَّالِثَة عشر: الْإِخْلَاص، وَيدخل فِيهِ
ترك الرِّيَاء والنفاق. الرَّابِعَة عشر:
التَّوْبَة والندم. الْخَامِسَة عشر: الْخَوْف. السَّادِسَة عشر: الرَّجَاء. السَّابِعَة
عشر: ترك الْيَأْس والقنوط. الثَّامِنَة عشر:
الشُّكْر. التَّاسِعَة عشر: الْوَفَاء. الْعشْرُونَ: الصَّبْر. الْحَادِيَة
وَالْعشْرُونَ : التَّوَاضُع، وَيدخل فِيهِ توقير الأكابر. الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ: الرَّحْمَة والشفقة، وَيدخل
فِيهِ الشَّفَقَة على الأصاغر. الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: الرضاء
بِالْقضَاءِ. الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ:
التَّوَكُّل. الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ: ترك
الْعجب والزهو، وَيدخل فِيهِ ترك مدح نَفسه وتزكيتها. السَّادِسَة
وَالْعشْرُونَ: ترك الْحَسَد. السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ: ترك
الحقد____والضغن. الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ: ترك
الْغَضَب. التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ: ترك
الْغِشّ، وَيدخل فِيهِ الظَّن السوء وَالْمَكْر. الثَّلَاثُونَ:
ترك حب الدُّنْيَا، وَيدخل فِيهِ : ترك حب المَال وَحب الجاه، فَإِذا وجدت
شَيْئا من أَعمال الْقلب من الْفَضَائِل والرذائل خَارِجا عَمَّا ذكر بِحَسب
الظَّاهِر، فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَة دَاخل فِي فصل من الْفُصُول يظْهر ذَلِك
عِنْد التَّأَمُّل.
وَالْقسم
الثَّانِي : يرجع إِلَى أَعمال اللِّسَان، وَهِي
تتشعب إِلَى سبع شعب.
الأولى
:
التَّلَفُّظ بِالتَّوْحِيدِ. الثَّانِيَة:
تِلَاوَة الْقُرْآن. الثَّالِثَة: تعلم
الْعلم. الرَّابِعَة: تَعْلِيم الْعلم. الْخَامِسَة: الدُّعَاء. السَّادِسَة:
الذّكر وَيدخل فِيهِ الاسْتِغْفَار. السَّابِعَة:
اجْتِنَاب اللَّغْو.
وَالْقسم
الثَّالِث: يرجع إِلَى أَعمال الْبدن، وَهِي
تتشعب إِلَى أَرْبَعِينَ شُعْبَة، وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع :
الأول:
مَا يخْتَص بالأعيان وَهِي سِتَّة عشر شُعْبَة.
الأولى:
التطهر، وَيدخل فِيهِ طَهَارَة الْبدن وَالثَّوْب وَالْمَكَان،
وَيدخل فِي
طَهَارَة الْبدن : الْوضُوء من الْحَدث، والاغتسال من الْجَنَابَة وَالْحيض
وَالنّفاس.
الثَّانِيَة
: إِقَامَة
الصَّلَاة، وَيدخل فِيهَا الْفَرْض وَالنَّفْل وَالْقَضَاء.
الثَّالِثَة
: أَدَاء
الزَّكَاة، وَيدخل فِيهَا الصَّدَقَة، وَيدخل فِيهَا أَدَاء الزَّكَاة، وَيدخل
فِيهَا صَدَقَة الْفطر، وَيدخل فِي هَذَا الْبَاب : الْجُود وإطعام الطَّعَام
وإكرام الضَّيْف.
الرَّابِعَة
:
الصَّوْم فرضا ونفلاً.
الْخَامِسَة:
الْحَج،
وَيدخل فِيهِ الْعمرَة.
السَّادِسَة:
الِاعْتِكَاف،
وَيدخل فِيهِ التمَاس لَيْلَة الْقدر.
السَّابِعَة:
الْفِرَار
بِالدّينِ، وَيدخل فِيهِ الْهِجْرَة من دَار الشّرك. الثَّامِنَة:
الْوَفَاء بِالنذرِ. التَّاسِعَة: التَّحَرِّي فِي
الْإِيمَان. الْعَاشِرَة: أَدَاء الْكَفَّارَة. الْحَادِيَة عشر: ستر الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة وخارجها.
الثَّانِيَة عشرَة: ذبح الضَّحَايَا وَالْقِيَام
بهَا إِذا كَانَت منذورة. الثَّالِثَة عشر:
الْقيام بِأَمْر الْجَنَائِز. الرَّابِعَة عشر:
أَدَاء الدّين. الْخَامِسَة عشر: الصدْق فِي
الْمُعَامَلَات والاحتراز عَن الرِّيَاء. السَّادِسَة عشر:
أَدَاء الشَّهَادَة بِالْحَقِّ وَترك كتمانها.
النَّوْع الثَّانِي: مَا يخْتَص بالاتباع، وَهُوَ سِتّ شعب:
الأولى:
التعفف بِالنِّكَاحِ. الثَّانِيَة: الْقيام
بِحُقُوق الْعِيَال، وَيدخل فِيهِ الرِّفْق بالخدم. الثَّالِثَة:
بر الْوَالِدين، وَيدخل فِيهِ الاجتناب عَن العقوق، الرَّابِعَة:
تربية الْأَوْلَاد. الْخَامِسَة: صلَة الرَّحِم. السَّادِسَة: طَاعَة الموَالِي.
النَّوْع
الثَّالِث: مَا يتَعَلَّق بالعامة، وَهُوَ ثَمَانِي عشرَة شُعْبَة.
الأولى
: الْقيام
بالإمارة مَعَ الْعدْل. الثَّانِيَة: مُتَابعَة
الْجَمَاعَة. الثَّالِثَة: طَاعَة أولي الْأَمر. الرَّابِعَة: الْإِصْلَاح بَين النَّاس، وَيدخل فِيهِ
قتال الْخَوَارِج والبغاة. الْخَامِسَة: المعاونة
على الْبر. السَّادِسَة: الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. السَّابِعَة: إِقَامَة
الْحُدُود. الثَّامِنَة: الْجِهَاد، وَيدخل فِيهِ
المرابطة. التَّاسِعَة: أَدَاء الْأَمَانَة،
وَيدخل فِيهِ أَدَاء الْخمس. الْعَاشِرَة:
الْقَرْض مَعَ الْوَفَاء بِهِ. الْحَادِيَة عشرَة:
إكرام الْجَار. الثَّانِيَة عشرَة: حسن
الْمُعَامَلَة، وَيدخل فِيهِ جمع المَال من حلّه. الثَّالِثَة
عشر: إِنْفَاق المَال فِي حَقه، وَيدخل فِيهِ ترك التبذير والإسراف. الرَّابِعَة عشر: رد السَّلَام. الْخَامِسَة عشر: تشميت الْعَاطِس. السَّادِسَة
عشر: كف الضَّرَر عَن النَّاس. السَّابِعَة عشر:
اجْتِنَاب اللَّهْو، الثَّامِنَة عشر: إمَاطَة
الْأَذَى عَن الطَّرِيق،
فَهَذِهِ سبع
وَسَبْعُونَ شُعْبَة." اهـ كلام بدر الدين العيني _رحمه الله_
وقال الأمير الصنعاني
_رحمه الله_ في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (1/ 180):
"وقد
يقال: إنه _صلى الله عليه وسلم_ لم يبين عددها، ليحافظ المؤمن على كل خصلة خير ورد
فيها الوعد بالإثابة، كما قيل في إخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة،
ويمكن أنه لم
يرد العدد المتابعة بل المبالغة نحو: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ
مَرَّةً} [التوبة: 80]،
ولا ينافيها
ذكر البضع؛ لأنه في نفسه مجهول القدر، ويحتمل أن كل خصلة تحتها خلال من الخير، فإن
مثل بر الوالدين فيه إنفاق المال لأجلهما وصلة أرحامهما وغير ذلك." اهـ
وقال الأمير الصنعاني
_رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (4/ 511):
"وهذا
الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال." اهـ
فتح الباري
لابن حجر (1/ 53)
فَائِدَةٌ :
فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ مِنَ الزِّيَادَةِ :
"أَعْلَاهَا
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ
الطَّرِيقِ."
وَفِي هَذَا
إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَرَاتِبَهَا مُتَفَاوِتَةٌ." اهـ
وفي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 128)
"وَقَالَ
_يعني الخطابي_ أَيْضا: الْإِيمَان اسْم يتشعب إِلَى أُمُور ذَوَات عدد جِمَاعهَا
الطَّاعَة، وَلِهَذَا صَار من صَار من الْعلمَاء إِلَى أَن النَّاس مفاضلون فِي
درج الْإِيمَان، وَإِن كَانُوا متساوين فِي اسْمه." اهـ
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (1/ 128):
"وَقَالَ
النَّوَوِيّ:
وَقد بَين
النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_، أَعلَى هَذِه الشّعب وَأَدْنَاهَا، كَمَا
ثَبت فِي الصَّحِيح، من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَعْلَاهَا لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأَدْنَاهَا أماطة الأذي عَن الطَّرِيق)
فَبين:
* أَن
أَعْلَاهَا التَّوْحِيد الْمُتَعَيّن على كل مُكَلّف، وَالَّذِي لَا يَصح شَيْء
غَيره من الشّعب إلاَّ بعد صِحَّته،
* وَأَن
أدناها دفع مَا يتَوَقَّع بِهِ ضَرَر الْمُسلمين، وَبَقِي بَينهمَا تَمام الْعدَد،
فَيجب علينا الْإِيمَان بِهِ وَإِن لم نَعْرِف أَعْيَان جَمِيع أَفْرَاده، كَمَا
نؤمن بِالْمَلَائِكَةِ وَإِن لم نَعْرِف أعيانهم وأسماءهم. انْتهى.
وفي
"شرح رياض الصالحين" (4/ 28) للعثيمين :
"(أفضلها
أو أعلاها قول لا إله إلا الله)،
هذه
الكلمة العظيمة لو وزنت السماوات السبع والأرضين السبع وجميع المخلوقات لرجحت بهن،
لأنها أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد التي إذا قالها الإنسان صار مسلما. وإذا استكبر
عنها صار كافرا، فهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر.
ولذلك
كانت أعلى شعب الإيمان وأفضلها لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله عز وجل
فكل المعبودات من دون الله باطلة إلا الله وحده لا شريك له فهو الحق كما قال الله
تبارك وتعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ." اهـ
أشار
الشيخ العثيمين إلى ما ورد في "مسند أحمد" (11/ 150):
قَالَ رسول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إِنَّ
نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ
الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ
بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ
بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ،
وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ."
وصححه الألباني في الصحيحة (رقم : 134)
وقال العيني
_رحمه الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (1/ 129_130):
"لِمَ
أفرد الْحيَاء بِالذكر من بَين سَائِر الشّعب؟ وَأجِيب:
بِأَنَّهُ كالداعي إِلَى سَائِر الشّعب، فَإِن الْحَيّ يخَاف فضيحة___الدُّنْيَا
وفظاعة الْآخِرَة فينزجر عَن الْمعاصِي ويمتثل الطَّاعَات كلهَا، وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: معنى إِفْرَاد الْحيَاء بِالذكر بعد دُخُوله فِي الشّعب كَأَنَّهُ
يَقُول: هَذِه شُعْبَة وَاحِدَة من شعبه، فَهَل تحصى شعبه كلهَا؟ هَيْهَات ان
الْبَحْر لَا يغْرف." اهـ
وقال أبو
العباس القرطبي _رحمه الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"
(1/ 134_135):
"ومقصودُ
هذا الحديثِ: أنَّ الأعمالَ الشرعيَّةَ تسمَّى إيمانًا
على ما ذكرناه آنفًا ، وأنَّها منحصرةٌ في ذلك العدد، غيرَ أنَّ الشرع لم يُعيِّنْ
ذلك العدد لنا ولا فصَّله.
وقد تكلَّف
بعضُ المتأخِّرين تعديدَ ذلك؛ فتصفَّحَ خِصَالَ الشريعةِ وعدَّدها، حتَّى انتهَى
بها - في زعمه - إلى ذلك العَدَد، ولا يصحُّ له ذلك؛ لأنَّه يمكنُ الزيادةُ على ما
ذكَرَ، والنقصانُ ممَّا ذكَرَ؛ ببيانِ التداخل.___
والصحيحُ:
ما صار إليه أبو سُلَيْمان الخَطَّابيُّ وغيره: أنَّها منحصرةٌ
في علمِ الله _تعالى_، وعِلْمِ رسوله ِ _صلى الله عليه وسلم_، وموجودةٌ في الشريعة، مفصَّلَةٌ فيها، غير أنَّ الشرعَ
لم يُوقِفْنَا على أشخاص تلك الأبواب، ولا عيَّن لنا عدَدَهَا، ولا كيفيَّةَ
انقسامها،
وذلك لا
يَضُرُّنَا في عِلْمنا بتفاصيلِ ما كُلِّفْنا به مِنْ شريعتنا ولا في عملنا؛ إذْ
كلُّ ذلك مفصَّلٌ مُبيَّنٌ في جملةِ الشريعة، فما أُمِرْنَا بالعَمَلِ به،
عَمِلْنَا به، وما نُهِينَا عنه انتهَيْنَا، وإنْ لم نُحِطْ بِحَصْرِ أعداد ذلك،
والله تعالى أعلم." اهـ
وقال الراغب _رحمه
الله_ في "الذريعة الى مكارم الشريعة" (ص: 163):
وهذه لفظة من
تأملها وعرف حقيقتها علم بالواجب أن الإيمان الواجب هو اثنتان وسبعون درجة لا يصلح
أن يكون أكثر منها ولا أقل،
ولا يوجد من
الإيمان ما هو خارج عنها بوجه، وأنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يورده كما وصفه -
عز وجل - بقوله:
{وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ
الْقُوَى (5)} [النجم: 3 - 5]." اهـ
وقال ابن بطال
في "شرح صحيح البخاري" (6/ 600):
"وفيه:
دليل أن طرح الشوك فى الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق وكل ما يؤذى
الناس تخشى العقوبة عليه فى الدنيا والآخرة." اهـ
وقال ابن عبد
البر في "الاستذكار" (8/ 282):
"فَلَمَّا
كَانَ الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ سَبَبَيْنِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ جَعَلَ
الْحَيَاءَ شُعْبَةً مِنَ الْإِيمَانِ لأنه يمنع مِثْلُ الْإِيمَانِ مِنِ
ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ وَمَا يُعَدُّ مِنَ الْفُحْشِ وَالْفَوَاحِشِ وَإِنْ
كَانَ الْحَيَاءُ غَرِيزَةً وَالْإِيمَانُ فِعْلُ الْمُؤْمِنِ الْمُوَفَّقِ لَهُ
وَقَدْ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
(الْإِيمَانُ
بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ
الْإِيمَانِ)." اهـ
وقال ابن عبد
البر _رحمه الله_ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (9/
238):
"أَجْمَعَ
أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. وَلَا
عَمَلَ، إِلَّا بِنِيَّةٍ. وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ،
وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَالطَّاعَاتُ كُلُّهَا عِنْدَهُمْ إِيمَانٌ."
اهـ
وقال محمد
الخضر الشنقيطي في "كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري"
(1/ 432):
"وفي هذا
الحديث: دلالة على قبول الإِيمانِ الزيادةَ والنقصانَ، لأن معناه كما قال
الخَطَّابي: إن الإِيمان الشرعيَّ اسم لمعنى ذي أجزاء، له أعلى وأدنى، والاسم
يتعلق ببعض تلك الأجزاء، كما يتعلق بكلها." اهـ
الإفصاح عن
معاني الصحاح (6/ 353)
* في هذا
الحديث: أن الإيمان كما عد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بضع وسبعون شعبة في هذا
الحديث،
فهو وإن كان
عليه السلام ذكرها هاهنا مجملة، فقد أبان بذكره عددها ومقدارها، وأشار إلى كل سامع
بأن يتبعها، ويتصف بها، وهي بأسرها مبثوثة في حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_،
فرواية أبي
هريرة مجملة للتفصيل، وإن كانت أكثر الشعب من رواية أبي هريرة جاءت أيضًا، وما
فيها جاء من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره.
* وهذه الشعب
هي ثلاث وسبعون شعبة بمقتضى ما رويناها كلها بالإسناد المتصل إلى النبي _صلى الله
عليه وسلم_، إلا أحاديث يسيرة جاءت عن عمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وعبد
الله بن عباس، وأبي الدرداء _رضي الله عنهم_." اهـ
وقال ابن
هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 354):
"وذلك
كله دليل قاطع على أن الإيمان قول وعمل ونية." اهـ
وقال القاري
في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 71):
وَفِي
الْحَدِيثِ تَشْبِيهُ الْإِيمَانِ بِشَجَرَةٍ ذَاتِ أَغْصَانٍ وَشُعَبٍ، كَمَا
أَنَّ فِي الْقُرْآنِ تَشْبِيهَ الْكَلِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى حَقِيقَةِ
الْإِيمَانِ بِـ{شَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ، وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]، أَيْ: أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي الْقَلْبِ، وَفَرْعُهَا
أَيْ: شُعَبُهَا مَرْفُوعَةٌ فِي السَّمَاءِ." اهـ
وفي مرعاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 46) لعبيد الله الرحمني المباركفوري :
"شبه
الإيمان في هذا الحديث بشجرة ذات أغصان وشعب، ومن المعلوم أن الشعب وكذا الأوراق
والثمار أجزاء للشجرة، والأغصان والأوراق والثمار قد تكون وقد لا تكون مع بقاء
الشجرة، كذلك الأعمال قد تكون وقد لا تكون مع بقاء أصل الإيمان، فنسبة الأعمال إلى
الإيمان كنسبة الأغصان والأوراق والثمار إلى الشجرة."
وقال السعدي
في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" - ط الرشد (ص: 179):
* هذا الحديث
من جملة النصوص الدالة على أن الإيمان اسم يشمل عقائد
القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان،
فكل ما يقرب
إلى الله، وما يحبه ويرضاه، من واجب ومستحب فإنه داخل في الإيمان.
* وذكر هنا
أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو الحياء
* ولعل ذكر
الحياء؛ لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإن من استحيا من الله
لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجليه عليه بأسمائه الحسنى، والعبد -مع هذا كثير
التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير، يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحياء
التوقِّي من الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبات.
* فأعلى هذه
الشعب وأصلها وأساسها: قول: "لا إله إلا الله" صادقاً من قلبه بحيث يعلم
ويوقن أنه لا يستحق هذا الوصف العظيم، وهو الألوهية إلا الله وحده؛ فإنه هو ربه
الذي يربيه ويربي جميع العالمين بفضله وإحسانه. والكل فقير وهو الغني, والكل عاجز
وهو القوي، ثم يقوم في كل أحواله بعبوديته لربه، مخلصاً له الدين؛ فإن جميع شعب
الإيمان فروع وثمرات لهذا الأصل.
* ودلّ على أن
شعب الإيمان بعضها يرجع إلى الإخلاص للمعبود الحق، وبعضها يرجع إلى الإحسان إلى
الخلق.
* ونبه بإماطة
الأذى على جميع أنواع الإحسان القولي والفعلي. الإحسان الذي فيه وصول المنافع،
والإحسان الذي فيه دفع المضار عن الخلق.
* وإذا علمنا
أن شعب الإيمان كلها ترجع إلى هذه الأمور، علمنا أن كل خصلة من خصال____الخير فهي
من الشعب.
وقد تكلم
العلماء على تعيينها.
فمنهم: من وصل
إلى هذا المبلغ المقدر في الحديث.
ومنهم: من
قارب ذلك، ولكن إذا فهم المعنى تمكن الإنسان أن يعتد بكل خصلة وردت عن الشارع
-قولية أو فعلية، ظاهرة أو باطنة- من الشعب.
* ونصيب العبد
من الإيمان بقدر نصيبه نم هذه الخصال، قلة وكثرة، وقوة وضعفاً، وتكميلاً وضده. وهي
ترجع إلى تصديق خبر الله وخبر رسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما.
* وقد وصف
الله الإيمان بالشجرة الطيبة في أصلها وثمراتها، التي أصلها ثابت، وفروعها باسقة
في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم
يتفكّرون. والله أعلم." اهـ
شرح الأربعين
النووية للعثيمين (ص: 162)
ومحل الإيمان:
القلب واللسان والجوارح، فالإيمان يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، أي
أن قول اللسان يسمى إيماناً، وعمل الجوارح يسمى إيماناً، والدليل: قول الله عزّ
وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) (البقرة: الآية143) قال
المفسّرون: إيمانكم: أي صلاتكم إلى بيت المقدس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَعْلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ الله، وأدنْاهَا إِمَاطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيْقِ وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ
مِنَ الإِيْمَانِ"
وقال الشيخ
محمد بن علي بن آدم الإثيوبي _رحمه الله_ في "مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع
الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه" (2/ 211):
"في
فوائده:
1 - (منها):
ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان الإيمان.
2 - (ومنها):
أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهو الحقّ الذي عليه أهل السنة والجماعة، وخالف
فيه بعضهم، ولا اعتداد به، كما بينت ذلك مفصَّلا في شرح "صحيح مسلم".
3 - (ومنها):
بيان عظم شأن الحياء، وأنه من أفضل الشعب إذ يدعو إلى بقية الشعب، فمن كان حييّا
فإن حياءه يدعوه إلى أن يعمل بمقتضى إيمانه، ويتجنب ما يناقضه.
4 - (ومنها):
ما قاله الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: في قوله: "أعلاها قول إلى إلا
الله": ما يَستدلّ به من يقول: إن هذه الكلمة أفضل الكلام مطلقًا، وإنها أفضل
من كلمة الحمد، وفي ذلك اختلاف، ذكره ابن عبد البرّ، وغيره. انتهى.
5 - (ومنها):
أن في قوله: "أعلاها لا إله الا الله، وأدناها إماطة الأذي عن___الطريق":
إشارةً إلى أن مراتبها متفاوتة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
الفتاوى
الكبرى لابن تيمية (5/ 240)
وَهَذَا
كَلَفْظِ " الْإِيمَانِ " فَإِنَّهُ إذَا أُفْرِدَ دَخَلَتْ فِيهِ
الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ وَالظَّاهِرَةُ، وَقِيلَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ،
أَيْ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَمِنْهُ
قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا
قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ،
وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» .
وَمِنْهُ
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] وَقَوْلُهُ:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ} [الأنفال: 3] {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4]
مجموعة
الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (3/ 10)
فعلم أن
الإيمان يقبل التبعيض والتجزئة، وإن قليله يخرج به صاحبه من النار إن دخلها، وليس
كما يقوله الخارجون عن مقالة أهل السنة أنه لا يقبل التبعيض والتجزئة بل هو شيء
واحد إما أن يحصل كله وإما أن لا يحصل منه شيء.
كشف غياهب
الظلام عن أوهام جلاء الأوهام (ص: 314_315) لسليمان بن سحمان النجدي :
فإذا تبين لك
هذا فاعلم أن الإيمان أصل له شعب متعددة كل شعبة منها تسمى إيماناً فأعلاها شهادة
أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فمنها ما يزل الإيمان بزواله
إجماعاً كشعبة الشهادتين ويكون إليها أقرب، ومنها__ما يلحق شعبة إماطة الأذى عن
الطريق، ويكون إليها أقرب، والتسوية بين هذه الشعب في اجتماعها مخالف للنصوص وما
كان عليه سلف الأمة وأئمتها،
[1] قال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج في
شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (2/ 32) تعليقا عليه:
"الظاهر
أنه لا حاجة إليه؛ لأن أجزاءه الحقيقيّة هي السابقة، وإلا فيلزمنا أن نذكر أيضًا نصف
النصف، ونصف الربع، وهكذا، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم." اهـ
[2] " مشارق الأنوار " (2/205)
[3] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 128) :
"وَقد
صنف فِي تعْيين هَذِه الشّعب جمَاعَة، مِنْهُم: الإِمَام أَبُو عبد الله
الْحَلِيمِيّ صنف فِيهَا كتابا أسماه: (فَوَائِد الْمِنْهَاج) ، والحافظ أَبُو بكر
الْبَيْهَقِيّ وَسَماهُ: (شعب الْإِيمَان) ، وَإِسْحَاق ابْن الْقُرْطُبِيّ
وَسَماهُ: (كتاب النصايح) ، وَالْإِمَام أَبُو حَاتِم وَسَماهُ: (وصف الْإِيمَان
وشعبه) . وَلم أر أحدا مِنْهُم شفى العليل، وَلَا أروى الغليل." اهـ
[4] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 128) :
"قَالَ
القَاضِي عِيَاض : "وَلَا يقْدَح عدم معرفَة ذَلِك على التَّفْصِيل فِي
الْإِيمَان، إِذْ أصُول الْإِيمَان وفروعه مَعْلُومَة مُحَققَة، وَالْإِيمَان
بِأَن هَذَا الْعدَد وَاجِب على الْجُمْلَة، وتفصيل تِلْكَ الْأُصُول وتعيينها على
هَذَا الْعدَد يحْتَاج إِلَى تَوْقِيف. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه منحصرة فِي علم
الله وَعلم رَسُوله، مَوْجُودَة فِي الشَّرِيعَة، غير أَن الشَّرْع لم يوقفنا
عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لَا يضرنا فِي علمنَا بتفاصيل مَا كلفنا بِهِ، فَمَا أمرنَا
بِالْعلمِ بِهِ عَملنَا، وَمَا نَهَانَا عَنهُ انتهينا، وَإِن لم نحط بحصر
أعداده." اهـ
[5] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 127_128) للعيني :
"قَالَ
الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد الْمُوَحدَة، البستي،
فِي كتاب (وصف الْإِيمَان وشعبه) :
"تتبعت
معنى هَذَا الحَدِيث مُدَّة، وعددت الطَّاعَات فَإِذا هِيَ تزيد على هَذَا الْعدَد
شَيْئا كثيرا، فَرَجَعت إِلَى السّنَن، فعددت كل طَاعَة عَددهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْإِيمَان، فَإِذا هِيَ تنقص على الْبضْع وَالسبْعين،
فَرَجَعت إِلَى كتاب الله تَعَالَى، فعددت كل طَاعَة عدهَا الله من الْإِيمَان
فَإِذا هِيَ تنقص عَن الْبضْع وَالسبْعين، فضممت إِلَى الْكتاب السّنَن، واسقطت
الْعَاد، فَإِذا كل شَيْء عده الله وَرَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام، من الْإِيمَان
بضع وَسَبْعُونَ، لَا يزِيد عَلَيْهَا وَلَا ينقص.___
فَعلمت
أَن مُرَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ أَن هَذَا الْعدَد فِي الْكتاب
وَالسّنة." انْتهى." اهـ كلام العيني
Komentar
Posting Komentar