شرح الحديث 124 - رياض الصالحين

 

[124] الثامن: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لا تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ»، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

قَالَ الجوهري: الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ.

 

ترجمة أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:

 

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) :

"وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:

"قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت:

روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

الثامن: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لا تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ»، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

قَالَ الجوهري: الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ.

 

وفي "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 412):

"قَالَ ابْن دُرَيْد: الفرسن: ظَاهر الْخُف، وَالْجمع فراسن." اهـ

 

سبل السلام (2/ 135)

فِي الْحَدِيثِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: (لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا هَدِيَّةً، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ)،

وَالْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَثِّ عَلَى هَدِيَّةِ الْجَارَةِ لِجَارَتِهَا___لَا حَقِيقَةُ الْفِرْسِنِ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِهْدَائِهِ." اهـ

 

وفي "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 394):

"وخص النهي بالنساء لأنهن مواد المودة والبغضاء ولأنهن أسرع انتقالا في كل منهما." اهـ

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام - (6 / 446)

ولعل تخصيص النساء بذلك لما كان النساء بحسب الأغلب إنما يتصرفن فيما يملكه الزوج، فنبهن بالمهاداة بالشيء اليسير الذي تطيب نفوس الأزواج بإهدائه من أموالهم من متاع البيت.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (3/ 153 و 8/ 10) (رقم: 2566 و 6017)، و"الأدب المفرد" (ص: 56) (رقم: 123)، ومسلم في "صحيحه" (2/ 714/ 90) (رقم: 1030)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 441) (رقم: 2130)، وأبو داود الطيالسي في "المسند" (4/ 79 و 4/ 95) (رقم: 2435 و 2453)، وابن الجعد في "المسند" (ص: 417) (رقم: 2848)، وأحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (2/ 264 و 2/ 307 و 2/ 493 و 2/ 506) (رقم: 7591 و 8066 و 10402 و 10575)، الأموال لابن زنجويه (3/ 1141) (رقم: 2117)، والحارث بن أبي أسامة في "المسند" كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (1/ 394) (رقم: 299)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (ص: 109) (رقم: 359)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 116 و 121) (رقم: 223 و 235)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص: 96) (رقم: 250)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 295 و 6/ 99 و 6/ 279) (رقم: 7747 و 11328 و 11939)، و"شعب الإيمان" (5/ 109 و 12/ 89) (رقم: 3160 و 9091)، و"معرفة السنن والآثار" (6/ 215) (رقم: 8521)، و"الآداب" (ص: 29 و 33) (رقم: 69 و 80)، و"السنن الصغير" (2/ 337) (رقم: 2229).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 70) (رقم: 91)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 593) (رقم: 1892)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1323) (رقم: 7989).

 

 

من فوائد الحديث:

 

وقال محمود بن أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف  بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (13 / 126):

"وَفِي الحَدِيث: الحض على التهادي وَلَو باليسير لما فِيهِ من استجلاب الْمَوَدَّة وإذهاب الشحناء وَلما فِيهِ من التعاون على أَمر الْمَعيشَة والهدية إِذا كَانَت يسيرَة فَهِيَ أدل على الْمَوَدَّة وَأسْقط للمؤنة وأسهل على الْمهْدي لإطراح التَّكْلِيف، وَالْكثير قد لَا يَتَيَسَّر كل وَقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 295)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الصِّلَةِ وَالْهَدِيَّةِ بِقَلِيلِ الشَّيْءِ وَكَثِيرِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى بِرِّ الْجَارِ وَحِفْظِهِ لِأَنَّ مَنْ نُدِبْتَ (إِلَى) أَنْ تُهْدِيَ إِلَيْهِ وَتَصِلَهُ فَقَدْ مُنِعْتَ مِنْ أَذَاهُ وَأُمِرْتَ بِبِرِّهِ وَالْآثَارُ فِي الْهَدَايَا وَحُسْنِ الْجِوَارِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُنَبِّهُ عَلَى فَضْلِ الْكَثِيرِ مِنْهُ لِمَنْ فَهِمَ مَعْنَى الْخِطَابِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ___:

افْعَلِ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِنْ كَانَ ... قَلِيلًا فَلَنْ تُطِيقَ بِكُلِّهِ

وَمَتَى تَفْعَلُ الْكَثِيرَ مِنَ الخير ... إِذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهِ

وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا: قَوْلُ مَحْمُودٍ الْوَرَّاقِ:

لَقَدْ رَأَيْتُ الصَّغِيرَ مِنْ عمل الخيرِ ... ثَوَابًا عَجِبْتُ مِنْ كِبَرِهِ

أَوْ قَدْ رَأَيْتُ الحقير من عمل الشر ... جزءا أَشْفَقْتُ مِنْ حَذَرِهِ." اهـ

 

الاستذكار (8/ 374)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى فِعْلِ قَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ، قَالَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]." اهـ

 

الاستذكار - (8 / 601)

وفي هذا الحديث الحض على الصلة والهدية إلى الجار بقليل الشيء وكثيره

 وفي ذلك دليل على أن التأكيد في بره وحفظه فكل من أمرت بإلطافه وصلته فقد نهيت عن أذاه والإضرار به ولا ينبغي لأحد أن يحقر من المعروف وسائر عمل الخير قليلا ولا تافها لأن الله يقبل اليسير ويضاعفه ويربيه كما يربى الإنسان فلوه." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 106)

في هذا الحديث: الحث عى صلة الجارة ولو بِظِلْفِ شاةٍ، وفي معناه الحديث الآخر: «إذا طبختَ مرقةً فأكْثِر ماءَها، وتعاهد جيرانك» .

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 218)

فيه: الحثُ على فعل المعروف بين الجيران وإنْ قل.

 

وقال أبو الحسن علي بن خلف البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري" (7 / 85)

قال المهلب:

فيه الحض على التهادى والمتاحفة ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، واصطفاء الجيرة، ولما فيه من التعاون على أمر العيشة المقيمة للإرماق،

وأيضًا فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهى أدل على المودة، وأسقط للمؤونة، وأسهل على المهدي لإطراح التكليف .

 

وقال أبو الحسن علي بن خلف البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري" (9 / 222):

"فى هذا الحديث الحض على مهاداة الجار وصلته، وإنما اشار النبى عليه السلام بفرسن الشاة إلى القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الفرسن، لأنه لافائدة فيه.

وقد قال عليه السلام لأبى تميمة الهجيمي:

(لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تضع من دلوك فى إناء المستقى)."

 

وقال أحمد بن محمد القتيبي المصري، المعروف بـ"القَسْطَلاَّنِيِّ"[1] (المتوفى: 923 هـ) _رحمه الله_ في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (4 / 334):

"وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلاً ،فهو خير من العدم.

وإذا تواصل القليل صار كثيرًا

وفي حديث عائشة المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة فإنه يثبت المودة ويذهب الضغائن." اهـ

 

وقال الحسين بن محمد اللاعيّ، المعروف بـ"المَغرِبي" (المتوفى: 1119 هـ) _رحمه الله_ في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (6 / 446):

وفي الحديث الحث على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر، وإذا تواصل اليسير عاد كثيرًا مع الاجتماع. وفيه استجلاب المودة وإسقاط التكلف.

 

وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4 / 1336):

"وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الْهَدِيَّةِ وَاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ بِالْعَطِيَّةِ." اهـ

 

وقال الحسين بن محمود الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِري" (المتوفى: 727 هـ) _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2 / 532):

"ولا ينبغي لها أن تستحي من الصدقة بشيء قليلٍ، فإن الله تعالى يقبَل القليلَ." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (19/ 546):

"في فوائده:

1 - (منها): الحضّ على التهادي، ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودّة، وإذهاب الشحناء، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة، والهديةُ إذا كانت يسيرة فهي أدلّ على المودة، وأَسْقَطُ للمؤنة، وأسهل على المهدي؛ لاطِّرَاح التكلّف، والكثيرُ قد لا يتيسر كلَّ وقت، والمواصلة باليسير تكون كالكثير.

2 - (ومنها): استحباب جلب المودّة، وإسقاط التكلّف.

3 - (ومنها): شدّة اهتمام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في توجيه أمته رجالًا ونساءً، فليست توجيهاته قاصرةً على الرجال فقط.

4 - (ومنها): بيان شدّة عناية الشارع على ما يجلب المودّة والمحبّة بين المجتمعات بحيث لا يوجد عندهم شحناء ولا بغضاء، بل يكونون يدًا واحدةً على من سواهم، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضهم بعضًا، ثم شبّك بين أصابعه"، متّفقٌ عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى"، متفق عليه، واللفظ لمسلم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

 

وقال يحيى بن هُبَيْرَة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 271)

* في هذا الحديث من الفقه: ألا يحقر قليل المعروف؛ فإنه لا يحقره إلا قليل العلم، فإنه إذا نظر إلى ما يتقبل الله تعالى منه لم يَسُغْ له احتقارُ شيْءٍ يتقبله الله _تعالى_." اهـ

 

وقال الحسين بن عبد الله، المشهور بـ"شَرَفِ الدينِ الطِّيْبِيِّ" (743 هـ) _رحمه الله_ في "شرح المشكاة" المسمى بـ"الكاشف عن حقائق السنن" (5/ 1544):

ويمكن أن يقال: إنه من النهي عن الشيء، والأمر بضده، وهو كناية عن التحاب والتواد، كأنه قيل: لتحاب جارة جارتها بإرسال هدية ولو كانت حقيرة، ويتساوى فيه الفقير والغنى

 

وقال عبد الله بن عبد الرحمن البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (5/ 129_129):

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - في الحديث الترغيب في فعل الخير، والحث عليه، وأنَّ هذا من خلُق المسلمين، والمسلمات، فهم الذين ينبغي أن يتَّصفوا بهذه الصفة الكريمة.

2 - وفي الحديث فضل الهدية لما تُحْدِثه في نفوس المتهادين من سل السخائم والعداوات، وجلب المودة والمحبة.

3 - وفيه أنَّ المهدي لا يستحقر تقديم الهدية، وإن كانت قليلة حقيرة، فالمدار على معناها، والمقصود منها أثرها المعنوي لا ذاتها ونفعها المادي فقط، لأنَّها مهما قلَّت وضؤُلت فإنَّها تشعر بالمودة والإخاء.

4 - وفيه دليل على أنَّ المعروف والعمل الصالح إذا قصد به وجه الله تعالى، وقصد منه معانيه الكريمة، فإن أثره عند الله عظيم.

قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزلة].___

5 - وإذا كانت صدقةً على فقير، فإنَّها تنفع الفقير، وإن قلَّت، وتزيد حسنات المحسِن بحسب ما يصحبها من نية صالحة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79].

وجاء في الحديث أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة".

6 - وفيه بيان حق الجار وما ينبغي له من البر والإحسان, فإنَّ له حق الجوار، فإن كان مسلمًا فله -أيضًا- حق الإِسلام، وإنْ كان قريبًا فله -أيضًا- فله أيضًا حق القرابة، فللأول حقٌّ واحدٌ، وللثاني حقان، وللثالث ثلاثة حقوق.

قال تعالى: {ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36].

وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثِر ماءَها وتعاهد جيرانك".

7 - وفي الحديث جواز المبالغة في الكلام إذا ناسب مقتضى الحال، فإن القصد هنا هو التهييج على البر والإحسان إلى الجار، وأنَّ المهدي لا يحتقر شيئًا يقدمه، ولو قليلاً.

8 - جواز تصرف المرأة في بيت زوجها بالأشياء اليسيرة التي جرت العادة بإعطائها، كالرغيف، وقليل الطعام والشراب، ونحو ذلك، إلاَّ أن يمنعها من ذلك، أو تعلم منه الشح فلا يجوز إلاَّ بإذنه." اهـ

 

وقال العثيمين في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (4/ 321_322):

"فنستفيد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يهدي لجيرانه ولو شينَا قليلاً وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إذا اشتريت لحمًا فأكثر مرقها وتعاهد جيرانك»، حتى في هذا الأمر، وذلك لما يترتب عليه من الفائدة وهي الألفة بين الجيران،

ولا شك أن الألفة بين الجيران فيها مصالح كثيرة منها: التعاون على البر والتقوى فيما إذا كان أحدهما مقصراً، ومنها: الحماية والرعاية، لأن جارك يحميك.___ومنها: التغاضي عن الحقوق إذا كان بينك وبينه حق.

ومعلوم أن الجار بينه وبين جاره حق فإذا كنت تهدي إليه ويهدي إليك تغاضى عن حقوقك وتغاضيت أنت عن حقوقه.

ومنها: أن الإنسان ينال بها كمال الإيمان لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». ولهذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالهدية إلى الجيران حتى في الشيء القليل.

ومنها: جواز هدية المرأة من بيت زوجها للشيء اليسير لقوله: وجارة لجارتها، والعلماء (رحمهم الله) قيدوا ذلك بشرط ألا يكون الزوج بخيلاً لا يرضى فإن كان بخيلاً لا يرضى فإنه لا يجوز لها أن تُهدي شيئا من بيت زوجها حتى ولو قليلاً وقد كان بعض النساء المجتهدات المحبات للخير تُهدي الشيء القليل ولو كان الزوج قد نهاها وتقول: إنه يفسد؛ لأن بعض الأزواج يقول لزوجته: لا تهدي شيئا أبداً ولو فسد الطعام، فمن النساء من تقول: إذا كان يفسد فأنا سأهدي، وجوابنا على ذلك أن نقول لها: لا يحل لكي أن تهدي إذا نهاك عن الهدية، لأن المال ماله، والبيت بيته، والإثم الحاصل بفساد هذا المال عليه هو، أما أنت فليس لك الحق، لكن في هذه الحال ينبغي لها أن تعظه وتخوفه من الله فإذا بقي شيء من الطعام الذي يفسد لو بقي تحثه على أن يتصدق به، وهذا يقع كثيرا فيما إذا كان عند الزوج وليمة، أما إذا كانت المسألة عادية، فإنه يمكنها أن تجعل الطعام بقدر الحاجة فقط، وحينئذ لا يبقى شيء في الغالب، لكن إذا كان هناك دعوة فربما يبقى شيء كثير.

ومن فوائد الحديث: جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، وجهه أنه إذا جاز أن تتصدق من مال زوجها اليسير فمن باب أولى أن تتصدق بشيء من مالها." اهـ

 



[1] وقال أحمد بن أحمد العَجَمِيُّ الشافعيّ الوفائي المصري الأزهري (المتوفى: 1086هـ) في "ذيل لب اللباب في تحرير الأنساب" (ص: 199_200) :

"القسطلاني : إلى قسطيلية من إقليم إفريقية غرب قَفْصَة. ذكره ابن فَرْحُون في «طبقات المالكية».

وعبارة «القاموس» : "والقَسْطَلَانية قَوسُ____قُزَح، وحُمْرَة الشَّفَق، وثوب منسوب إلى عامل أو إلى قَسْطَلَة بلد بالأندلس، وقَسْطِيلية بلد بها، انتهى.

وعن القطب الحلبي في «تاريخ مصر» : "كأنه منسوب إلى قُسْطِيْلَة بضم القاف من أعمال إفريقية بالمغرب." انتهى.

ورأيت بخط القسطلاني في ترجمته من «مختصر الضوء اللامع» عن خط السخاوي : "فُرِّيانه إحدى مدائن إفريقية فيما بين قَفْصَة وسَبْتَة بالقرب من بلاد قسطيلينية ببلاد اليمن التي نسب إليها القسطلاني" انتهى.

هذا ما رأيته بخطه، ثم رأيت في نسخة قديمة من شرح أبي شامة للشقراطيسية، ضبط بالقلم لفظ القَسْطَلَّاني : "فتحة على القاف، وشدة على اللام"،

وكتب بالهامش : "قال لي بعض من عَرَفَ هذه البلاد : "نَفْطَة وقَسْطِيْلية، وتَوزر، وقَفْصَة بلاد بإفريقية بالناحية التي تُسَمَّى بلاد الجريد، وشِقْرَاطِس بلدة فيما هنالك .. الخ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة