شرح الْوَجْه الثَّامِن والاربعين من كتاب مفتاح دار السعادة

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 68_69):

"وَالْوَجْه الثَّامِن والاربعون:

مَا روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، حَدثنَا روح بن جَنَاح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس _رضى الله عَنْهُمَا_، قَالَ:

قَالَ رَسُول الله: (فَقِيه أشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِدٍ)

قَالَ التِّرْمِذِيّ: "غَرِيب لانعرفه، إلا من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم."

 

قلتُ:

قد رَوَاهُ أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ اليقطيني، حَدثنَا عمر بن سعيد بن سِنَان، حَدثنَا هِشَام بن عمار، حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، حَدثنَا روح بن جنَاح، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة: عَن النَّبِي.

 

قَالَ الْخَطِيب:

والأول: هُوَ الْمَحْفُوظ عَن روح مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، وَمَا أرى الْوَهم وَقع فِي هَذَا الحَدِيث، إِلَّا من أبي جَعْفَر، لَأن عمر بن سِنَان عِنْده، عَن هِشَام بن عمار، عَن الْوَلِيد، عَن روح، عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد حَدِيث: (فِي السَّمَاء بَيت، يُقَال لَهُ الْبَيْت الْمَعْمُور حِيَال الْكَعْبَة)

وَحَدِيث ابْن عَبَّاس كَانَا فِي كتاب ابْن سِنَان عَن هِشَام يَتْلُو أحدُهما الآخرَ، فَكتب أبو جَعْفَر إسناد حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ، ثمَّ عَارضه لسهو اوزاغ نظره فَنزل الى متن حَدِيث ابْن عَبَّاس فَركب متن هَذَا على اسناد هَذَا وكل وَاحِد مِنْهُمَا ثِقَة مَأْمُون برِئ من تعمد الْغَلَط وَقد رَوَاهُ ابو احْمَد بن عدي عَن مُحَمَّد بن سعيد بن مهْرَان حَدثنَا شَيبَان ابو الرّبيع السمان عَن ابي الزِّنَاد عَن الاعرج عَن ابي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله لكل شَيْء دعامة ودعامة الاسلام الْفِقْه فِي الدّين والفقيه اشد على الشَّيْطَان من ألف___عَابِد

 

وَلِهَذَا الحَدِيث عِلّة وَهُوَ انه روى من كَلَام ابي هُرَيْرَة وَهُوَ اشبه رَوَاهُ همام بن يحيى حَدثنَا يزِيد بن عِيَاض حَدثنَا صَفْوَان بن سليم عَن سُلَيْمَان عَن يسَار عَن ابي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله:

"مَا عُبد الله بِشَيْء أفضل من فقه فِي الدّين"

قَالَ وَقَالَ ابو هُرَيْرَة: لَان أفقه سَاعَة احب الي من ان احيي لَيْلَة اصليها حَتَّى اصبح والفقيه أشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد، وَلكُل شَيْء دعامة ودعامة الدّين الْفِقْه

 

وَقد روي باسناد فِيهِ من لَا يحْتَج بِهِ من حَدِيث عَاصِم بن ابي النجود عن زر بن حُبَيْش عَن عمر بن الْخطاب يرفعهُ:

"إن الْفَقِيه أشد على الشَّيْطَان من الف ورع وَألف مُجْتَهد والف متعبد."

وَقَالَ الْمُزنِيّ:

روى عَن ابْن عَبَّاس: أنه قَالَ

"إن الشَّيَاطِين قَالُوا لابليس: (يَا سيدنَا، ما لنا نرَاك تفرح بِمَوْت الْعَالم مَا لاَ تَفرح بِمَوْت العابد، والعالم لَا نُصِيْبُ مِنْهُ وَالْعَابِدُ نُصِيْبُ مِنْهُ)،

قَالَ: (انْطَلِقُوْا)، فَانْطَلقُوا إلى عَابِد، فأتوه فِي عِبَادَته، فَقَالُوا: إِنَّا نُرِيد أن نَسْأَلك فَانْصَرف، فَقَالَ إبليس: (هَل يقدر رَبك أن يَجْعَل الدُّنْيَا فِي جَوف بَيْضَة)، فَقَالَ: "لَا أَدْرِي" فَقَالَ: (أترونه كفر فِي سَاعَة)،

ثمَّ جاؤوْا إلى عَالم فِي حلقته، يضْحك أصحابه ويحدثهم، فَقَالُوا: "إِنَّا نُرِيد أنْ نَسْأَلك." فَقَالَ: "سلْ." فَقَالَ: (هَل يقدر رَبك أن يَجْعَل الدُّنْيَا فِي جَوف بَيْضَة) قَالَ: "نعم." قَالُوا: "كَيفَ؟" قَالَ: "يَقُول: (كن)، فَيكون."

فَقَالَ: (أَتَرَوْنَ ذَلِك لَا يعدُوْ نَفسَهُ، وَهَذَا يُفْسد عليَّ عَالَمًا كثيرا).

 

وَقد رويت هَذِه الْحِكَايَة على وَجه آخر، وَإِنَّهُم سَأَلُوا العابد، فَقَالُوا: (هَل يقدر رَبك أَن يخلق مثل نَفسِهِ)، فَقَالَ: "لا أدري."

فَقَالَ: (أترونه، لم تَنْفَعهُ عِبَادَتُه مَعَ جَهله)،

وسألوا العالم عَن ذَلِك، فَقَالَ: "هَذِه الْمَسْأَلَة محَال، لِأَنَّهُ لَو كَانَ مثْلَه، لم يكنْ مخلوْقًا. فكونه مَخْلُوقا، وَهُوَ مثل نَفسه مُسْتَحِيل. فَإِذا كَانَ مخلوقا لم يكن مثلَه، بل كَانَ عبدا من عبيده، وخلقا من خلقه."

فَقَالَ: (أَتَرَوْنَ ذَلِك، أترون هَذَا يهدم فِي سَاعَةٍ مَا أبنيه فِي سِنِين)، أو كما قَالَ.

 

وروي عَن عبد الله بن عَمْرو:

(فُضِّلَ الْعَالِمُ على العابد سبعين دَرَجَةً، بَين كل دَرَجَتَيْنِ حُضْرُ الْفرس سبعين عَاما، وَذَلِكَ أن الشَّيْطَان يضع الْبِدْعَة، فيبصرها الْعَالم، وَينْهى عَنْهَا. وَالْعَابِد مقبل على عبَادَة ربه لَا يتَوَجَّه لَهَا وَلَا يعرفهَا)

 

وَهَذَا مَعْنَاهُ صَحِيح، فَإِن الْعَالم يفْسد على الشَّيْطَان مَا يسْعَى فِيهِ، ويهدم مَا يبنيه. فَكل مَا أَرَادَ إحْيَاء بِدعَة وإماتة سنة، حَال الْعَالم بَينه وَبَين ذَلِك.

 

فَلَا شَيْء أشد عَلَيْهِ من بَقَاء الْعَالم بَين ظهراني الأمة، وَلَا شَيْء أحب إليه من زَوَاله من بَين أظهرهم، ليتَمَكَّن من إِفْسَاد الدّين وإغواء الامة.

 

وَأما العابد، فغايته: أن يجاهده ليسلم مِنْهُ فِي خَاصَّة نَفسه، وهيهات لَهُ ذَلِك." اهـ

 

موضوع: ضعيف الجامع (3987)

ثم قال ابن القيم _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 69_70):

الْوَجْه التَّاسِع والاربعون:

مَا روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة _رضى الله عَنهُ_، قَالَ:

سَمِعت رَسُول الله، يَقُول:

(الدُّنْيَا ملعونة، مَلْعُون مَا فِيهَا، إِلَّا ذكر الله، وَمَا وَالَاهُ، وعالم ومتعلم)،

قَالَ التِّرْمِذِيّ: "هَذَا حَدِيث حسن."

 

وَلما كَانَت الدُّنْيَا حقيرةً عِنْد الله، لا تساوي لَدَيْهِ جنَاح بعوضة، كَانَت وَمَا فِيهَا فِي غَايَة الْبعد مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة اللَّعْنَة،

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 561) (رقم: 2322)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1377) (رقم: 4112)، وابن أبي عاصم في "الزهد" (ص: 62) (رقم: 126)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 326)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/ 228) (رقم: 1580)، وأبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" (2/ 231) (رقم: 3111)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 135) (رقم: 135)، والبغوي في "شرح السنة" (14/ 229) (رقم: 4028)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (2/ 311) (رقم: 1330)

 

والحديث حسن: حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 703) (رقم: 2797).

 

شرح المفردات:

 

وفي "تحفة الأحوذي" (6/ 504)

قَوْلُهُ (إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ) أَيْ مَبْغُوضَةٌ مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهَا مُبْعَدَةً عَنِ اللَّهِ

(مَلْعُونٌ مَا فِيهَا)، أَيْ: مِمَّا يُشْغِلُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ،

(وَمَا وَالَاهُ)، أَيْ:

* أَحَبَّهُ اللَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَفْعَالِ الْقُرْبِ،

* أَوْ مَعْنَاهُ: مَا وَالَى ذِكْرَ اللَّهِ، أَيْ: قَارَبَهُ مِنْ ذِكْرِ خَيْرٍ أَوْ تَابَعَهُ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُوجِبُ ذَلِكَ.

قَالَ الْمُظْهِرُ: "أَيْ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا. وَالْمُوَالَاةُ: الْمَحَبَّةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، يَعْنِي: مَلْعُونٌ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ، وَمَا أَحَبَّهُ اللَّهُ مِمَّا يَجْرِي فِي الدُّنْيَا. وَمَا سِوَاهُ مَلْعُونٌ."

وَقَالَ الْأَشْرَفُ : هُوَ مِنَ الْمُوَالَاةِ، وَهِيَ: الْمُتَابَعَةُ. وَيَجُوزُ: أَنْ يُرَادَ بِمَا يُوَالِي ذِكْرُ اللَّهِ _تَعَالَى_: طَاعَتُهُ، وَاتِّبَاعُ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ،

(وَعَالَمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ)

قَالَ القارىء فِي "الْمِرْقَاةِ": "أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَيَكُونُ الْوَاوَانِ بِمَعْنَى (أَوْ)." اهـ

 

سنن الترمذي ت شاكر (4/ 560)

2320 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»

 

تحفة الأحوذي (6/ 503)

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا أَدْنَى قَدْرٌ (مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا (شَرْبَةَ مَاءٍ)، أَيْ: يُمَتِّعُ الْكَافِرَ مِنْهَا أَدْنَى تَمَتُّعٍ، فَإِنَّ الْكَافِرَ عَدُوُّ اللَّهِ وَالْعَدُوُّ، لَا يُعْطَى شَيْئًا مِمَّا لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ الْمُعْطِي. فَمِنْ حَقَارَتِهَا عِنْدَهُ: لَا يُعْطِيهَا لِأَوْلِيَائِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ حَدِيثُ: (إِنَّ اللَّهَ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ عَنِ الدُّنْيَا، كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمُ الْمَرِيضَ عَنِ الْمَاءِ)." اهـ

 

ففي "مسند أحمد" - عالم الكتب (5/ 427) (رقم: 23622):

عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(إِنَّ اللَّهَ لَيَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَخَافُونَهُ عَلَيْهِ).

صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 238) (رقم: 3179)

 

وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلقهَا مزرعة للآخرة ومعبرا إليها، يتزود مِنْهَا عبَادَه إليه، فَلم يكن يقرّب مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ متضمنا___لإقامة ذكره، ومفضيا إلى محابّه: وهو العلم الَّذِي بِهِ يُعرف اللهُ ويعْبَدُ وَيذكر ويثنى عَلَيْهِ ويمجّد.

 

وَلِهَذَا خلقهَا وَخلق أهلها، كَمَا قَالَ _تَعَالَى_: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]،

 

وَقَالَ:

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } [الطلاق: 12]

 

فتضمنت هَاتَانِ الآيتان:

أنه _سُبْحَانَهُ_ إِنَّمَا خلق السَّمَوَات والأرضَ وَمَا بَينهمَا ليعرف باسمائه وَصِفَاته وليعبد. فَهَذَا الْمَطْلُوب وَمَا كَانَ طَرِيقا إليه من الْعلم والتعلم، فَهُوَ الْمُسْتَثْنى من اللَّعْنَة.

 

واللعنة وَاقعَة على مَا عداهُ إِذْ هُوَ بعيد عَن الله وَعَن محابِّه وَعَن دينه. وَهَذَا هُوَ مُتَعَلق الْعقَاب فِي الآخرة،

 

فَإِنَّهُ كَمَا كَانَ مُتَعَلقَ اللَّعْنَة الَّتِي تضمن الذَّم والبغض، فَهُوَ مُتَعَلق الْعقَاب. وَالله _سُبْحَانَهُ_ إِنَّمَا يحب من عباده ذكْرَه وعبادتَه ومعرفتَه ومحبتَه ولوازمَ ذَلِك، وَمَا أفضى إليه.

 

وَمَا عداهُ، فَهُوَ مبغوضٌ لَهُ مَذْمُومٌ عِنْده." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 322_323):

"فيه: ذم ما أشغل من الدنيا عن ذكر الله وطاعته، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ]،

وأما ما أعان على طاعة الله من الدنيا، فليس بمذموم، قال _تعالى_: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء___الزَّكَاةِ} [النور (37) ] ،

وفي حديث مرفوع: «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر»[1]." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 757)

الملعون من الدنيا، ما ألهى عن طاعة الله.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ] .

 

تحفة الأحوذي (6/ 505)

وَقَالَ [المناوي] :

"الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ لِأَنَّهَا غَرَّتِ النُّفُوسَ بِزَهْرَتِهَا وَلَذَّتِهَا فَأَمَالَتْهَا عَنِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى الْهَوَى وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِهِ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَيْ هِيَ وَمَا فِيهَا مُبْعَدٌ عَنِ اللَّهِ إِلَّا الْعِلْمُ النَّافِعُ الدَّالُّ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَاللَّعْنُ وَقَعَ عَلَى مَا غَرَّ مِنَ الدُّنْيَا لَا عَلَى نَعِيمِهَا وَلَذَّتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَنَاوَلَهُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ." انْتَهَى

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3285)

وإذا عرفت حقيقة الدنيا فدنياك ومالك، فيه لذة في العاجل. وهي مذمومة فليست وسائل العبادات من الدنيا كأكل الخبز مثلا للتقوى عليها. وإليها الإشارة بكون الدنيا مزرعة الآخرة، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ما كان لله منها)).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء: جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر، فالمؤمن يتزود، والمنافق يتزين، والكفار يتمتع.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 199_200)

فَالدُّنْيَا وَكُلُّ مَا فِيهَا مَلْعُونَةٌ، أَيْ مَبْعَدَةٌ عَنِ اللَّهِ، لِأَنَّهَا تَشْغَلُ عَنْهُ، إِلَّا الْعِلْمَ النَّافِعَ الدَّالَّ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَطَلَبِ قُرْبِهِ وَرِضَاهُ، وَذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ مِمَّا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَنْ يَتَّقُوهُ وَيُطِيعُوهُ، وَلَازِمُ ذَلِكَ دَوَامُ ذِكْرِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، تَقْوَى اللَّهِ حَقَّ تَقْوَاهُ أَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى. وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّهُ إِقَامَ الصَّلَاةِ لِذِكْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَالطَّوَافُ. وَأَفْضَلُ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلَّهِ فِيهَا، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةِ___وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِيجَادِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3241)

فَالْحَدِيثُ إِذًا مِنْ بَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَجَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا هَذَا النَّبِيُّ الْمُكَرَّمُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ دَلَّ بِالْمَنْطُوقِ عَلَى جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَبِالْمَفْهُومِ عَلَى رَذَائِلِهَا.

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14)

قَالَ الْغَزالِيّ من عرف نَفسه وَعرف ربه وَعرف الدُّنْيَا وَعرف الْآخِرَة شَاهد بِنور البصيرة وَجه عَدَاوَة الدُّنْيَا للآخرة وانكشف لَهُ أَن لَا سَعَادَة فِي الْآخِرَة إِلَّا لمن قدم على الله عَارِفًا بِهِ محباً وَأَن الْمحبَّة لَا تنَال إِلَّا بدوام الذّكر، والمعرفة لَا تنَال إِلَّا بدوام الْفِكر

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14)

وَمن أحب مَا لَعنه الله فقد تعرض للعنه وغضبه قَالَ الْغَزالِيّ لَعَلَّ ثلث الْقُرْآن فِي ذمّ الدُّنْيَا

 

فيض القدير (2/ 327)

قال الحكيم : نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شيء أريد به وجه الله فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة

 

فيض القدير (3/ 549)

وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة،

والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة

 

فيض القدير (3/ 550)

الدنيا مذمومة مبغوضة إليه تعالى إلا ما تعلق منها بدرء مفسدة أو جلب مصلحة فالمرأة الصالحة يندفع بها مفسدة الوقوع في الزنا والأمر بالمعروف جماع جلب المصالح والذكر جماع العبادة ومنشور الولاية ومفتاح السعادة والكل يبتغى به وجه الله تعالى

 

فيض القدير (4/ 370)

قال الإمام الرازي: قد دل على فضل العلماء والعلم وشرفه المعقول والمنقول فمن الشواهد العقلية أن كون العلم صفة كمال والجهل صفة نقص معلوم للعقلاء ضرورة ولذلك لو قيل للعالم يا جاهل تأذى به ولو قيل للجاهل يا عالم فرح وإن علم كذب القائل وقد وقر في طباع الحيوانات الانقياد للإنسان لكونه أعلم منهم وفي طباع الناس كل طائفة منقادة للأعلم منها وتعظمه والعالم يطير في أقطار الملكوت ويسبح في بحار المعقولات والجاهل في ظلمات الجهل وضيقه فإن قيل قد ذكر فضل العالم والعلم وشرفه فهل هذا الفضل للعلماء والعلم من حيث [ص:371] هو أو للبعض من العلوم دون بعض أو لكلها كيف كانت؟ قلنا أما العلم من حيث هو ففيه شرف وتزكية للنفس وهو خير من الجهل إلا ما كان علما شيطانيا يهدي إلى الشر ويوقع فيه كالسحر وما ليس كذلك فمنه مباح ومنه مندوب ومنه واجب

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 410)

قال القرطبي: لا يفهم من هذا الحديث سب الدنيا مطلقاً ولعنها، فقد جاء من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشرّ، وإذا قال العبد: لعن الله الدنيا قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه»[2]

أخرجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله الهاشمي، والجمع بين ذلك بحمل الأحاديث الواردة في إباحة لعن الدنيا على ما يبعد منها عن الله تعالى ويشغل عنه، وحمل___الوارد بالمنع على ما قرّب إلى الله تعالى أو أعان على عبادته سبحانه، كما يومىء إليه الاستثناء في حديث الباب بقوله: إلا ذكر الله وما والاه الخ.......

 

شرح رياض الصالحين (3/ 368) للعثيمين :

ولو كانت الدنيا محبوبة إلى الله عز وجل ما حرم منها نبيه صلى الله عليه وسلم " فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالماً ومتعلماً" وما يكون في طاعة الله عز وجل.

 

السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (2/ 22) للعزيزي :

ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعداً عن الله وشاغلاً عنها كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال وولد فهو عليك مشئوم وهو الذي نبه الله على ذمّه بقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادة الله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال (إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلماً)

 

مجموع الفتاوى (1/ 29)

وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ؛ فَصَارَتْ الْمَخْلُوقَاتُ وَبَالًا عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ كَمَالٌ وَجَمَالٌ لِلْعَبْدِ؛ وَهَذَا مَعْنَى مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا؛ إلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ؛ وَغَيْرُه

 

مجموع الفتاوى (8/ 76)

فَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْعَبْدُ وَلَا يَكُونُ طَاعَةً لِلَّهِ وَعِبَادَةً وَعَمَلًا صَالِحًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَإِنْ نَالَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ رِئَاسَةً وَمَالًا فَغَايَةُ الْمُتَرَئِّسِ أَنْ يَكُونَ كَفِرْعَوْنَ وَغَايَةُ الْمُتَمَوِّلِ أَنْ يَكُونَ كقارون. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ مِنْ قِصَّةِ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. وَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُعِينُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَا يَنْفَعُ فَمَا لَا يَكُونُ بِهِ لَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لَهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ فَلِذَلِكَ أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يَقُولَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

 

مجموع الفتاوى (10/ 213)

وَكُلَّمَا كَانَ فِي الْقَلْبِ حُبٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَتْ فِيهِ عُبُودِيَّةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكُلَّمَا كَانَ فِيهِ عُبُودِيَّةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَ فِيهِ حُبٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَحَبَّةٍ لَا تَكُونُ لِلَّهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَالدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَلَا يَكُونُ لِلَّهِ إلَّا مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ. فَكُلُّ عَمَلٍ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ وَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُوَافِقُ شَرْعَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ بَلْ لَا يَكُونُ لِلَّهِ إلَّا مَا جَمَعَ الْوَصْفَيْنِ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَأَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ.

 

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 40)

فذِكْره: جميع أنواع طاعته، فكل من كان فى طاعته فهو ذاكره، وإن لم يتحرك لسانه بالذكر، وكل من والاه الله فقد أحبه وقربه؛ فاللعنة لا تنال ذلك إلا بوجهه، وهى نائلة كل ما عداه.

 

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 85)

وَكُلُّ مَا بَاعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَلَا بَرَكَةَ فِيهِ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ عَلَى حَسَبِ قُرْبِهِ مِنْهُ.

وَضِدُّ الْبَرَكَةِ اللَّعْنَةُ؛ فَأَرْضٌ لَعَنَهَا اللَّهُ أَوْ شَخْصٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَوْ عَمَلٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَكُلَّمَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ وَارْتَبَطَ بِهِ وَكَانَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَلَا بَرَكَةَ فِيهِ الْبَتَّةَ.

وَقَدْ لَعَنَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ وَجَعَلَهُ أَبْعَدَ خَلْقِهِ مِنْهُ، فَكُلُّ مَا كَانَ جِهَتَهُ فَلَهُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ قُرْبِهِ وَاتِّصَالِهِ بِهِ، فَمِنْ هَاهُنَا كَانَ لِلْمَعَاصِي أَعْظَمُ تَأْثِيرٍ فِي مَحْقِ بَرَكَةِ الْعُمُرِ وَالرِّزْقِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَكُلُّ وَقْتٍ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيهِ، أَوْ مَالٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ بَدَنٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ وَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَجَاهِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ إِلَّا مَا أَطَاعَ اللَّهَ بِهِ.

وَلِهَذَا مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعِيشُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَيَكُونُ عُمُرُهُ لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمْلِكُ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَكُونُ مَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَبْلُغُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَهَكَذَا الْجَاهُ وَالْعِلْمُ.

وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، أَوْ عَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» .

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 69_70)

وَلما كَانَت الدُّنْيَا حقيرة عِنْد الله لاتساوي لَدَيْهِ جنَاح بعوضة كَانَت وَمَا فِيهَا فِي غَايَة الْبعد مِنْهُ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة اللَّعْنَة وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلقهَا مزرعة للآخرة ومعبرا اليها يتزود مِنْهَا عبَادَة اليه فَلم يكن يقرب مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ متضمنا___لاقامة ذكره ومفضيا الى محابه وهوالعلم الَّذِي بِهِ يعرف الله ويعبد وَيذكر ويثنى عَلَيْهِ ويمجد وَلِهَذَا خلقهَا وَخلق اهلها كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا خلقت الْجِنّ والانس الا ليعبدون

 

التذكرة في الوعظ (ص: 86) لابن الجوزي :

ذمّ الدُّنْيَا

لَيْسَ الذاكر من قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَقَلبه مصر على الذُّنُوب وَإِنَّمَا الذاكر من إِذا هم بِمَعْصِيَة ذكر مقَامه بَين يَدي علام الغيوب كَمَا قَالَ بعض السّلف لَيْسَ الذاكر من هَمهمْ بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا الذاكر من إِذا جلس فِي سوقه وَأخذ يزن بميزانه علم ان الله مطلع عَلَيْهِ فَلم يَأْخُذ إِلَّا حَقًا وَلم يُعْط إِلَّا حَقًا فَمَا يَنْبَغِي للعباد أَن ينشغلوا عَن الْمُنعم بِشَيْء من نعمه وَلَا يلتهوا عَنهُ بِشَيْء

 

لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية (1/ 133) للسفاريني :

والدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة (3) وأسس بنيانه عليها، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة (4) فيهم، فإذا درست آثار الرسل من الأرض وانمحت بالكلية أخرب اللَّه العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة، فالرسل صلوات اللَّه وسلامه عليهم وسائط بين اللَّه وبين خلقه في أمره ونهيه وهم السفراء بينه وبين عباده، وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربهم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"[3]

 

الدرر السنية في الأجوبة النجدية (14/ 107)

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :

"فإذا كثر العلم وقل الجهل، حصل بسببه من الخير والحسنات ما لا يحصيه إلا الله، إن قبله الله." اهـ

 

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 156)

مَعْنَى الدُّنْيَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَلَاذَّ النُّفُوسِ، وَشَهَوَاتِهَا، وَجَمِيعَ حُطَامِهَا، وَزَهْرَاتِهَا، وَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14]، وَحُبَّ الْبَقَاءِ فِيهَا، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ الْمَلْعُونَةَ إِذَا كَانَتْ لِلنُّفُوسِ وَشَهَوَاتِهَا وَلَذَّةِ الطَّبْعِ [ص:157]، وَالتَّلَهِّي بِهَا، وَالشُّغْلِ فِيهَا، وَالْحُبِّ لَهَا، وَلَمْ تَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأُولَى الَّتِي يَلِيهَا الْمَوْتُ وَالْفَنَاءُ، وَالْآخِرَةُ هِيَ الْحَيَاةُ الْبَاقِيَةُ، الَّتِي لَيْسَ لَهَا زَوَالٌ وَلَا فَنَاءٌ



[1] أخرجه الشاشي في "المسند" (1/ 387) (رقم: 383): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، نا السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:

«لَا تَسُبُّوا الدُّنْيَا، فَنِعْمَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ، عَلَيْهَا يَبْلُغُ الْخَيْرَ، وَبِهَا يَنجُو مِنَ الشَّرِّ»

قال ابن القيسراني (المتوفى: 507هـ) في ذخيرة الحفاظ (5/ 2617): "وَإِسْمَاعِيل هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث." اهـ

وفي رواية الطبراني في "الدعاء (ص: 568) (رقم: 2052): حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الدُّنْيَا فَنِعْمَ مَطِيَّةُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهَا، يَبْلُغُ الْجَنَّةَ بِهَا وَيَنْجُو مِنَ النَّارِ»

والحديث موضوع: صرح بذلك الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (11/ 699) (رقم: 5420)، وقال:

"وقال ابن عدي: "وإسماعيل بن أبان الغنوي؛ عامة رواياته مما لا يتابع عليه؛ إما إسناداً وإما متناً. قال ابن معين: كذاب. وقال البخاري: متروك الحديث. تركه أحمد.

وقال أحمد: كتبنا عنه هشام بن عروة وغيره، ثم حدث - أحاديث في الخضرة - أحاديث موضوعة، أراه عن فطر أو غيره، فتركناه".

قلت: وهذا الحديث ذكره الذهبي في ترجمته من مناكيره. وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 128) :

"كان يضع الحديث على الثقات. قال ابن معين: وضع على سفيان أحاديث لم تكن".

قلت: وشيخه السري بن إسماعيل ليس خيراً منه؛ أورده ابن حبان أيضاً في "المجروحين" (1/ 355) ، وقال:

"كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل؛ قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس واحد. وكان يحيى بن معين شديد الحمل عليه".

[2]  ضعفه الألباني _رحمه الله_

[3]  أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 35)؛ والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 158) عن أبي هريرة وقال الحاكم صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي في التلخيص، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 159) رقم 490. 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة