إقامةُ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ

 

إقامةُ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ

 

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118، 119]

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (4/ 361)

وَقَوْلُهُ: {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} أَيْ: إِلَّا الْمَرْحُومِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ، الَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الدِّينِ. أَخْبَرَتْهُمْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُمْ، حَتَّى كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمِّيُّ خَاتَمَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، فَاتَّبَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ، وَنَصَرُوهُ وَوَازَرُوهُ، فَفَازُوا بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُمُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، مِنْ طَرْقٍ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا [فذكر حديث الافتراق]." اهـ

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (4/ 362)

"وَقَالَ قَتَادَةُ:

(أهلُ رَحْمَةِ اللَّهِ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ دِيَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِهِ أَهْلُ فِرْقَةٍ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ دِيَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ)." اهـ

 

سنن أبي داود (4/ 197) (رقم: 4596):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»

وأخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 25) (رقم: 2640)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1321) (رقم: 3991).

صحيح: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 402) (رقم: 203)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 245) (رقم: 1083)

 

سنن أبي داود (4/ 198) (رقم: 4597):

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ:

"(أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)،

«زَادَ ابْنُ يَحْيَى، وَعَمْرٌو فِي حَدِيثَيْهِمَا»:

(وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ) "

وَقَالَ عَمْرٌو: «الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ، إِلَّا دَخَلَهُ»

وأخرجه أحمد في "المسند" - عالم الكتب (4/ 102) (رقم: 16937)

صحيح: صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 516) (رقم: 2641)، والصحيحة (رقم: 204)، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 129) (رقم: 51)

 

 

"قال الخطابي _رحمه الله_ في "معالم السنن" (4/ 295):

"فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجة من الدين، إذ قد جعلهم النبي - صلَّى الله عليه وسلم - كلهم من أمته.

وفيه: أن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأويله." اهـ

 

وفي "سنن الترمذي" - ت شاكر (5/ 26) (رقم: 2641):

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ،

وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»

حسن: حسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 943) (رقم: 5343)

 

وفي "سنن ابن ماجه" (2/ 1322) (رقم: 3992):

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأشجعي _رضي الله عنه_، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ. وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»،

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ»

صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 245) (رقم: 1082)، الصحيحة (رقم: 1492)، الأرنؤوط في "تخريج سنن ابن ماجه" (5/ 129)

 

سنن ابن ماجه (2/ 1322) (رقم: 3993):

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ، إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ: الْجَمَاعَةُ "

 

صحيح بشواهده: صححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (19/ 241) (رقم: 12208)

 

المنتخب من مسند عبد بن حميد ت صبحي السامرائي (ص: 79) (رقم: 148): عن سَعْدٍ بن أبي وقاص _رضي الله عنه_، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَلَنْ تَذْهَبَ اللَّيَالِي وَلَا الْأَيَّامُ حَتَّى تَفْتَرِقَ أُمَّتِي عَلَى مِثْلِهَا أَوْ قَالَ: عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ،

وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ).

 

الشريعة للآجري (1/ 433_434)

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ___: لَمَّا سَمِعَ هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُمَارُوا فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُجَادِلُوا، وَحَذَّرُوا الْمُسْلِمِينَ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ، وَأَمَرُوهُمْ بِالْأَخْذِ بِالسُّنَنِ، وَبِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا طَرِيقُ أَهْلِ الْحَقِّ مِمَّنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَسَنَذْكُرُ عَنْهُمْ مَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (12/ 222)

قَالَ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ شَيْخُنَا أَلَّفَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ كِتَابًا قَالَ فِيهِ:

(قَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ الْمُقَاوَلَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ

وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْحَقِّ فِي أُصُولِ التَّوْحِيدِ وَفِي تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي شُرُوطِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَفِي مُوَالَاةِ الصحابة وماجرى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ، لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ، وَلَا تَفْسِيقٍ لِلْمُخَالِفِ فِيهِ. فَيَرْجِعُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الِاخْتِلَافِ.

وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَافُ بعد___ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتِ الْفِرَقُ الضَّالَّةُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. وَالثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ: هُمْ أهل السنة والجماعة، وهي الفرقة الناجية) انتهى باختصار يسير." اهـ

 

سنن أبي داود (4/ 200) (رقم: 4607):

فَقَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ:

«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» د ت ق

 

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (1/ 180):

"فِي قَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» عِنْدَ ذِكْرِهِ الِاخْتِلَافَ الَّذِي يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ، قَالَ بِهَا، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْآرَاءِ مِنَ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ فِي الْقِيَامَةِ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِمَنِّهِ

 

وفي "السنن الكبرى" للنسائي (10/ 95) (رقم: 11109):

قَالَ عَبْدِ اللهِ بن مسعود _رضي الله عنه_:

خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَوْمًا خَطًّا، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِ الْخَطِّ وَعَنْ شِمَالِهِ فَقَالَ: «هَذَا السَّبِيلُ، وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»

ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153] لِلْخَطِّ الْأَوَّلِ، {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] لِلْخُطُوطِ {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]

 

 

 

والآيات الواردة في وجوب اتباع الصحابة _رضي الله عنهم_

 

قال ابن قيم الجوزية _رحمه الله_ إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 94) ردا على من لم يرى حجية قول الصحابي:

 

"فَنَقُولُ: الْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ، أَحَدُهُمَا: فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ، الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ عَنْ شُبَهِ النُّفَات.

 

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْ وُجُوهٍ،

أَحَدُهَا: مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ، وَهُوَ قَوْله _تَعَالَى_:

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 94_95)

فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ، فَإِذَا قَالُوا قَوْلًا فَاتَّبَعَهُمْ مُتَّبِعٌ عَلَيْهِ قَبْلَ___أَنْ يَعْرِفَ صِحَّتَهُ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لَهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ يَسْتَحِقَّ الرِّضْوَانَ، وَلَوْ كَانَ اتِّبَاعُهُمْ تَقْلِيدًا مَحْضًا كَتَقْلِيدِ بَعْضِ الْمُفْتِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَنْ اتَّبَعَهُمْ الرِّضْوَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا، فَأَمَّا الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ اتِّبَاعُهُمْ حِينَئِذٍ." اهـ

 

الْوَجْهُ الثَّانِي:

قَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 21]

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 99):

هَذَا قَصَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ صَاحِبِ يَاسِينَ، عَلَى سَبِيلِ الرِّضَاءِ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى قَائِلِهَا، وَالْإِقْرَارِ لَهُ عَلَيْهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْأَلْنَا أَجْرًا، وَهُمْ مُهْتَدُونَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى خِطَابًا لَهُمْ: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] وَ " لَعَلَّ " مِنْ اللَّهِ وَاجِبٌ وقَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 16] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ - سَيَهْدِيهِمْ} [محمد: 4 - 5] وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَاهَدَ إمَّا بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ هَدَاهُمْ، وَكُلُّ مَنْ هَدَاهُ فَهُوَ مُهْتَدٍ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ بِالْآيَةِ.

 

الْوَجْهُ الثَّالِثُ:

قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 100):

"وَكُلٌّ مِنْ الصَّحَابَةِ مُنِيبٌ إلَى اللَّهِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِ، وَأَقْوَالُهُ وَاعْتِقَادَاتُهُ مِنْ أَكْبَرِ سَبِيلِهِ،

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ مُنِيبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ هَدَاهُمْ وَقَدْ قَالَ: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13] ." اهـ

 

الْوَجْهُ الرَّابِعُ:

قَوْله تَعَالَى:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 100):

"فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ الرَّسُولَ يَدْعُو إلَى اللَّهِ، وَمَنْ دَعَا إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَجَبَ اتِّبَاعُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ عَنْ الْجِنِّ وَرَضِيَهُ:

{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: 31]

وَلِأَنَّ مَنْ دَعَا إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَقَدْ دَعَا إلَى الْحَقِّ عَالِمًا بِهِ. وَالدُّعَاءُ إلَى أَحْكَامِ اللَّهِ دُعَاءٌ إلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى.

وَإِذًا فَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَدْ اتَّبَعُوا الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ إذَا دَعَوْا إلَى اللَّهِ." اهـ

 

مجموع الفتاوى (15/ 63):

فَمَنْ اتَّبَعَهُ يَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَالْبَصِيرَةُ هِيَ الْبَيِّنَةُ.

 

وال القاسمي في "محاسن التأويل" (6/ 232_233):

"ثم فسَّر (سبيله): بقوله: (أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) أي: إلى دينه وتوحيده، ومعرفته بصفات كماله، ونعوت جلاله (عَلى بَصِيرَةٍ) أي: مع حجة واضحة، غيرِ عمياء، (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي: آمن بي، يدعون إلى الله أيضا على بصيرة، لا على هوى...

دلت الآية على أن سيرة أتباعه صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى الله." اهـ

 

وقال الراغب في "المفردات في غريب القرآن" (ص: 127):

"ومنه: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف/ 108] أي: على معرفة وتحقق. وقوله:

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

[القيامة/ 14] أي: تبصره فتشهد له، وعليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له وعليه يوم القيامة، كما قال تعالى: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ [النور/ 24]." اهـ

 

وقال ابن عاشور _رحمه الله_ في "التحرير والتنوير" (13/ 65_66):

"وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَدْعُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا يَسْتَطِيعُونَ. وَقَدْ قَامُوا بِذَلِكَ___بِوَسَائِلِ بَثِّ الْقُرْآنِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي صَدْرِ زَمَانِ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ

لِقَوْلِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»

أَيْ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ. ثُمَّ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَبَلَغَتْ دَعْوَتُهُ الْأَسْمَاعَ صَارَتِ الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [104] .

 

الْوَجْهُ الْخَامِسُ:

قَوْله _تَعَالَى_: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 100):

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ: (هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)،

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله _تَعَالَى_:

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]

وَحَقِيقَةُ الِاصْطِفَاءِ: افْتِعَالٌ مِنْ التَّصْفِيَةِ، فَيَكُونُ قَدْ صَفَّاهُمْ مِنْ الْأَكْدَارِ. وَالْخَطَأُ مِنْ الْأَكْدَارِ، فَيَكُونُونَ مُصَفَّيْنِ مِنْهُ، وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا بِمَا إذَا اخْتَلَفُوا لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَعْدُهُمْ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَدَرًا؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ الْكَدَرَ، وَبَيَانَهُ يُزِيلُ كَوْنَهُ كَدَرًا،

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ قَوْلًا بَاطِلًا، وَلَمْ يَرُدَّهُ رَادٌّ، لَكَانَ حَقِيقَةَ الْكَدَرِ،

وَهَذَا لِأَنَّ خِلَافَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أُمُورِهِ، فَإِنَّهَا لَا تُخْرِجُهُ عَنْ حَقِيقَةِ الِاصْطِفَاءِ." اهـ

 

الْوَجْهُ السَّادِسُ:

أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْعِلْمَ بِقَوْلِهِ:

{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]

وَقَوْلِهِ:

{حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: 16]

وَقَوْلِهِ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 100):

"وَاللَّامُ فِي " الْعِلْمِ " لَيْسَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْعَهْدِ، أَيْ الْعِلْمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَإِذَا كَانُوا أُوتُوا هَذَا الْعِلْمَ، كَانَ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبًا." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (3/ 490):

وفي (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قولان:

* أحدهما: أنهم مؤمنوا أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأصحابه، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

* والثاني: أصحاب محمّد _صلى الله عليه وسلّم_، قاله قتادة. اهـ

 

الْوَجْهُ السَّابِعُ:

قَوْله تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]

 

قال ابن القيم في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 100) عند بيان أن قول الصحابيِّ حجة:

شَهِدَ لَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ____بِكُلِّ مَعْرُوفٍ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَادِثَةُ فِي زَمَانِهِمْ لَمْ يُفْتِ فِيهَا إلَّا مَنْ أَخْطَأَ مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْ أَمَرَ فِيهَا بِمَعْرُوفٍ، وَلَا نَهَى فِيهَا عَنْ مُنْكَرٍ؛ إذْ الصَّوَابُ مَعْرُوفٌ بِلَا شَكٍّ، وَالْخَطَأُ مُنْكَرٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ،

وَلَوْلَا ذَلِكَ، لَمَا صَحَّ التَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَإِذَا كَانَ هَذَا بَاطِلًا عُلِمَ أَنَّ خَطَأَ مَنْ يَعْلَمُ مِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ إذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ مُمْتَنِعٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ." اهـ

 

قال ابن الجوزي في "زاد المسير في علم التفسير" (1/ 314):

"وفيمن أُريد بهذه الآية، أربعة أقوال:

أحدها: أنهم أهل بدر. والثاني: أنهم المهاجرون. والثالث: جميع الصحابة. والرابع: جميع أمة محمد _صلّى الله عليه وسلّم_، نقلت هذه الأقوال كلها عن ابن عباس." اهـ

 

وفي "تفسير القرطبي" (4/ 170):

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدُوا بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ). وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: (مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ كَانَ مِثْلَهُمْ).

وَقِيلَ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَأَهْلَ الْفَضْلِ. وَهُمُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" اهـ

 

الْوَجْهُ الثَّامِنُ:

قَوْله _تَعَالَى_:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 101):

"قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: (هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الصَّادِقِينَ)،

وَكُلُّ صَادِقٍ بَعْدَهُمْ فِيهِمْ يَأْتَمُّ فِي صِدْقِهِ، بَلْ حَقِيقَةُ صِدْقِهِ: اتِّبَاعُهُ لَهُمْ، وَكَوْنُهُ مَعَهُمْ. وَمَعْلُومٌ: أَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ وَافَقَهُمْ فِي غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِيمَا خَالَفَهُمْ فِيهِ،

وَحِينَئِذٍ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ، فَتَنْتَفِي عَنْهُ الْمَعِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الْمَعِيَّةِ، وَفِيمَا وَافَقَهُمْ فِيهِ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعَهُمْ بِهَذَا الْقِسْطِ،

وَهَذَا كَمَا نَفَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ عَنْ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالْمُنْتَهِبِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ مُطْلَقُ الِاسْمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهِ أَنْ يُقَالَ: مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ اسْمَ الْفَقِيهِ وَالْعَالِمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لَا يُقَالُ لِمَنْ مَعَهُ مَسْأَلَةٌ أَوْ مَسْأَلَتَانِ مِنْ فِقْهٍ وَعِلْمٍ، وَإِنْ قِيلَ: مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ، فَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَمُطْلَقِ الْمَعِيَّةِ،

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ مِنَّا أَنْ نَكُونَ مَعَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَأَنْ نُحَصِّلَ مِنْ الْمَعِيَّةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.

وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فِي فَهْمِ مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ أَوَامِرِهِ؛ فَإِذَا أَمَرَنَا بِالتَّقْوَى وَالْبِرِّ وَالصِّدْقِ وَالْعِفَّةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يُرِدْ مِنَّا أَنْ نَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَاهِيَّةِ الْمَأْمُورُ بِهَا بِحَيْثُ نَكُونُ مُمْتَثِلِينَ لِأَمْرِهِ إذَا أَتَيْنَا بِذَلِكَ.

وَتَمَامُ تَقْرِيرِ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْرِيرِ الْأَمْرِ بِمُتَابَعَتِهِمْ سَوَاءٌ." اهـ

 

الْوَجْهُ التَّاسِعُ:

قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]

 

تفسير القرطبي (2/ 153)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً" الْمَعْنَى: وَكَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ وَسْطُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ وَفَوْقَ الْأُمَمِ. وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ أَحْمَدَ الْأَشْيَاءِ أَوْسَطُهَا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً" قَالَ: (عَدْلًا). قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28]، أَيْ: أَعْدَلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ." اهـ

 

صحيح البخاري (6/ 21) (رقم: 4487):

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ)، فَيَقُولُ: (هَلْ بَلَّغْتَ؟) فَيَقُولُ: (نَعَمْ)، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: (هَلْ بَلَّغَكُمْ؟) فَيَقُولُونَ: (مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ)، فَيَقُولُ: (مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟)، فَيَقُولُ: (مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ)،

فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] " وَالوَسَطُ: العَدْلُ."

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 101_102):

"وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا، هَذَا حَقِيقَةُ الْوَسَطِ. فَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَعْدَلُهَا فِي أَقْوَالِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمْ، وَإِرَادَتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ،

وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاَللَّهُ___تَعَالَى يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ شُهَدَاؤُهُ،

وَلِهَذَا نَوَّهَ بِهِمْ وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ _تَعَالَى_ لَمَّا اتَّخَذَهُمْ شُهَدَاءَ أَعْلَمَ خَلْقَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ بِحَالِ هَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَتَدْعُوَ لَهُمْ، وَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ،

وَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ: هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ، فَيُخْبِرُ بِالْحَقِّ مُسْتَنِدًا إلَى عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]،

فَقَدْ يُخْبِرُ الْإِنْسَانُ بِالْحَقِّ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ بِهِ، وَقَدْ يَعْلَمُهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ؛

فَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ؛

فَلَوْ كَانَ عِلْمُهُمْ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدُهُمْ بِفَتْوَى وَتَكُونُ خَطَأً مُخَالَفَةً لِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يُفْتِي غَيْرَهُ بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إمَّا مَعَ اشْتِهَارِ فَتْوَى الْأَوَّلِ أَوْ بِدُونِ اشْتِهَارِهَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْعَدْلُ الْخِيَارُ قَدْ أَطْبَقَتْ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ، بَلْ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ: قِسْمًا أَفْتَى بِالْبَاطِلِ، وَقِسْمًا سَكَتَ عَنْ الْحَقِّ،

وَهَذَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ وَيَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ قَطْعًا، وَنَحْنُ نَقُولُ لِمَنْ خَالَفَ أَقْوَالَهُمْ: (لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ)." اهـ

 

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ:

أَنَّ قَوْله _تَعَالَى_:

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 102_103):

"فَأَخْبَرَ _تَعَالَى_ أَنَّهُ اجْتَبَاهُمْ، وَالِاجْتِبَاءُ كَالِاصْطِفَاءِ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ (اجْتَبَى الشَّيْءَ يَجْتَبِيه)، إذَا ضَمَّهُ إلَيْهِ، وَحَازَهُ إلَى نَفْسِهِ،

فَهُمْ الْمُجْتَبُونَ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمْ اللَّهُ إلَيْهِ، وَجَعَلَهُمْ أَهْلَهُ وَخَاصَّتَهُ، وَصَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ،

وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ تَعَالَى أَنْ يُجَاهِدُوا فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ، فَيَبْذُلُوا لَهُ أَنْفُسَهُمْ، وَيُفْرِدُوهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَيَخْتَارُوهُ وَحْدَهُ إلَهًا مَعْبُودًا مَحْبُوبًا عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ كَمَا اخْتَارَهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، فَيَتَّخِذُونَهُ وَحْدَهُ إلَهَهُمْ وَمَعْبُودَهُمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ إلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ، وَإِرَادَتِهِمْ، فَيُؤْثِرُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، كَمَا اتَّخَذَهُمْ عَبِيدَهُ، وَأَوْلِيَاءَهُ، وَأَحِبَّاءَهُ، وَآثَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ،

ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنْ يَسَّرَ عَلَيْهِمْ دِينَهُ غَايَةَ التَّيْسِيرِ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ حَرَجٍ أَلْبَتَّةَ لِكَمَالِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَنَانِهِ بِهِمْ،

ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِ مِلَّةَ إمَامِ الْحُنَفَاءِ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ، وَهِيَ إفْرَادُهُ تَعَالَى وَحْدَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالِاسْتِسْلَامِ؛

فَيَكُونُ تَعَلُّقُ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ بِهِ وَحْدَهُ لَا بِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ نَوَّهَ بِهِمْ وَسَمَّاهُمْ كَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَوْجَدَهُمْ اعْتِنَاءً بِهِمْ وَرِفْعَةً لِشَأْنِهِمْ، وَإِعْلَاءً لِقَدْرِهِمْ،

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُشْهِدَ عَلَيْهِمْ رَسُولُهُ وَيَشْهَدُوا هُمْ عَلَى النَّاسِ؛ فَيَكُونُونَ مَشْهُودًا لَهُمْ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ شَاهِدِينَ عَلَى الْأُمَمِ بِقِيَامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ،

فَكَانَ هَذَا التَّنْوِيهُ، وَإِشَارَةُ الذِّكْرِ لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ وَلِهَاتَيْنِ___الْحِكْمَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ،

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ تَعَالَى، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْرِمَهُمْ كُلَّهُمْ الصَّوَابَ فِي مَسْأَلَةٍ، فَيُفْتِي فِيهَا بَعْضُهُمْ بِالْخَطَأِ، وَلَا يُفْتِي فِيهَا غَيْرُهُ بِالصَّوَابِ، وَيَظْفَرُ فِيهَا بِالْهُدَى مِنْ بَعْدِهِمْ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ." اهـ

 

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ:

قَوْله تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ مُوسَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 103):

"فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أَئِمَّةً يَأْتَمُّ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ لِصَبْرِهِمْ وَيَقِينِهِمْ؛ إذْ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ،

فَإِنَّ الدَّاعِيَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتِمُّ لَهُ أَمْرُهُ، إلَّا بِيَقِينِهِ لِلْحَقِّ الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ وَبَصِيرَتِهِ بِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى تَنْفِيذِ الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ بِاحْتِمَالِ مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ وَكَفِّ النَّفْسِ عَمَّا يُوهِنُ عَزْمَهُ وَيُضْعِفُ إرَادَتَهُ،

فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، كَانَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى

وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَحَقُّ، وَأَوْلَى بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى،

فَهُمْ أَكْمَلُ يَقِينًا، وَأَعْظَمُ صَبْرًا مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، فَهُمْ أَوْلَى بِمَنْصِبِ هَذِهِ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ بِلَا شَكٍّ، بِشَهَادَةِ اللَّهِ لَهُمْ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، وَشَهَادَةِ الرَّسُولِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَنَّهُمْ خِيرَةُ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ.

وَمِنْ الْمُحَالِ عَلَى مَنْ هَذَا شَأْنُهُمْ أَنْ يُخْطِئُوا كُلُّهُمْ الْحَقَّ، وَيَظْفَرَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُمْكِنًا لَانْقَلَبَتْ الْحَقَائِقُ، وَكَانَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَئِمَّةً لَهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ إلَى فَتَاوِيهِمْ، وَأَقْوَالِهِمْ،

وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مُحَالٌ حِسًّا وَعَقْلًا فَهُوَ مُحَالٌ شَرْعًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ." اهـ

 

الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ:

قَوْله _تَعَالَى_:

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]،

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 103_104):

"وَإِمَامٌ بِمَعْنَى قُدْوَةٍ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، كَالْأُمَّةِ وَالْأُسْوَةِ. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ جَمْعُ آمِمٍ، كَصَاحِبِ وَصِحَابٍ، وَرَاجِلٍ وَرِجَالٍ، وَتَاجِرٍ وَتُجَّارٍ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ كَقِتَالٍ وَضِرَابٍ، أَيْ: ذَوِي إمَامٍ.

وَالصَّوَابُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ،

فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِمْ، وَالتَّقْوَى وَاجِبَةٌ، وَالِائْتِمَامُ بِهِمْ وَاجِبٌ، وَمُخَالَفَتُهُمْ___فِيمَا أَفْتَوْا بِهِ مُخَالِفٌ لِلِائْتِمَامِ بِهِمْ، وَإِنْ قِيلَ " نَحْنُ نَأْتَمُّ بِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَأُصُولِ الدِّينِ " فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ جَوَابِ هَذَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ." اهـ

 

{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137]

 

{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115]

 

قال ابن عاشور المالكي _رحمه الله_ في "التحرير والتنوير" (5/ 201):

"وَسَبِيلُ كُلِّ قَوْمٍ: طَرِيقَتُهُمُ الَّتِي يَسْلُكُونَهَا فِي وَصْفِهِمُ الْخَاصِّ، فَالسَّبِيلُ مُسْتَعَارٌ لِلِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْعَادَاتِ، الَّتِي يُلَازِمُهَا أَحَدٌ وَلَا يَبْتَغِي التَّحَوُّلَ عَنْهَا، كَمَا يُلَازِمُ قَاصِدُ الْمَكَانِ طَرِيقًا يُبَلِّغُهُ إِلَى قَصْدِهِ، قَالَ تَعَالَى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي [يُوسُف: 108]." اهـ

 

قال ابن كثير في "تفسيره" – ت. سلامة (2/ 412):

"وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ فِي شِقٍّ وَالشَّرْعُ فِي شِقٍّ، وَذَلِكَ عَنْ عَمْد مِنْهُ بَعْدَمَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَتَبَيَّنَ لَهُ وَاتَّضَحَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}

هَذَا مُلَازِمٌ لِلصِّفَةِ الْأُولَى، وَلَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ لِنَصِّ الشَّارِعِ، وَقَدْ تَكُونُ لِمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ، فِيمَا عُلِمَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا، فَإِنَّهُ قَدْ ضُمِنت لَهُمُ الْعِصْمَةُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ، تشريفًا لهم وتعظيما لنبيهم." اهـ

 

فالمنهج السلفي: هو المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح، (وهم أصحاب النبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين)،

قال تعالى:

{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:15)،

وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». رواه مسلم،

 

والأحاديث الواردة في وجوب اتباع الصحابة _رضي الله عنهم_

 

الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ:

مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أَنَّهُ قَالَ:

«خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»

 

أخرجه مسلم في "الصحيح" (4/ 1963/ 213) (رقم: 2534)، أحمد في "المسند" - عالم الكتب (2/ 228) (رقم: 7123):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (خَيْرُ أُمَّتِي: الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)،

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 104):

"فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنَهُ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمْ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ،

وإلَّا لَوْ كَانُوا خَيْرًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَلَا يَكُونُونَ خَيْرَ الْقُرُونِ مُطْلَقًا، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي حُكْمٍ وَسَائِرُهُمْ لَمْ يُفْتُوا بِالصَّوَابِ، وَإِنَّمَا ظَفَرَ بِالصَّوَابِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَخْطَئُوا هُمْ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَرْنُ خَيْرًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ؛

لِأَنَّ الْقَرْنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الصَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ الْقَرْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ، ثُمَّ هَذَا يَتَعَدَّدُ فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ (قَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ)، يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ أَصَابَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَالَ فِيهَا الصَّحَابِيُّ قَوْلًا، وَلَمْ يُخَالِفْهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ، وَفَاتَ هَذَا الصَّوَابُ الصَّحَابَةَ.

وَمَعْلُومٌ: أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ تَفُوقُ الْعَدَّ وَالْإِحْصَاءَ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ خَيْرًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ امْتَازَ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ بِالصَّوَابِ فِيمَا يَفُوقُ الْعَدَّ وَالْإِحْصَاءَ مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ؟

وَمَعْلُومٌ: أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةَ الصَّوَابِ أَكْمَلُ الْفَضَائِلِ، وَأَشْرَفُهَا، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ، أَيُّ وَصْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الصِّدِّيقُ أَوْ الْفَارُوقُ أَوْ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَوْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَضْرَابُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ كَيْتَ وَكَيْتَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْتَمِلْ قَرْنُهُمْ عَلَى نَاطِقٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ حَتَّى تَبِعَ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَعَرَفُوا حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي جَهِلَهُ أُولَئِكَ السَّادَةُ، وَأَصَابُوا الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةُ؟ سُبْحَانَك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ." اهـ

 

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ:

مَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:

«صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،

فَقُلْنَا: (لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ)، فَجَلَسْنَا،

فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: (مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟)

فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَك الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا: (نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَك الْعِشَاءَ)،

قَالَ: (أَحْسَنْتُمْ، وَأَصَبْتُمْ)،

وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ،

* وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ، أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ،

* وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي، أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»

 

أخرجه مسلم في صحيحه" (4/ 1961/ 207) (رقم: 2531)

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 104_105):

"وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ:

أَنَّهُ جَعَلَ نِسْبَةَ أَصْحَابِهِ إلَى مَنْ___بَعْدَهُمْ كَنِسْبَتِهِ إلَى أَصْحَابِهِ، وَكَنِسْبَةِ النُّجُومِ إلَى السَّمَاءِ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ يُعْطِي مِنْ وُجُوبِ اهْتِدَاءِ الْأُمَّةِ بِهِمْ مَا هُوَ نَظِيرُ اهْتِدَائِهِمْ بِنَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَظِيرُ اهْتِدَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالنُّجُومِ،

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ بَقَاءَهُمْ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَمَنَةً لَهُمْ، وَحِرْزًا مِنْ الشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئُوا فِيمَا أَفْتَوْا بِهِ وَيَظْفَرَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ لَكَانَ الظَّافِرُونَ بِالْحَقِّ أَمَنَةً لِلصَّحَابَةِ وَحِرْزًا لَهُمْ، وَهَذَا مِنْ الْمُحَالِ." اهـ

 

الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ:

مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

«إنَّ مَثَلَ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي، كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ، إلَّا بِالْمِلْحِ»

قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ ذَهَبَ مِلْحُنَا فَكَيْفَ نَصْلُحُ؟

 

وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ أَيْضًا بِإِسْنَادَيْنِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

«مَثَلُ أَصْحَابِي فِي النَّاسِ كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ»

ثُمَّ يَقُولُ الْحَسَنُ: هَيْهَاتَ، ذَهَبَ مِلْحُ الْقَوْمِ،

 

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى يَعْنِي إسْرَائِيلَ - عَنْ الْحَسَنِ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

«مَثَلُ أَصْحَابِي كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ»

قَالَ: يَقُولُ الْحَسَنُ: هَلْ يَطِيبُ الطَّعَامُ إلَّا بِالْمِلْحِ؟

وَيَقُولُ الْحَسَنُ: فَكَيْفَ بِقَوْمٍ ذَهَبَ مِلْحُهُمْ؟

 

قال مشهور حسن سلمان في تعليقه على "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (5/ 576) لابن القيم:

"رواه ابن المبارك في "الزهد" (572) -ومن طريقه الآجري في "الشريعة" (4/ 1682 - 1683 رقم 1157) - والبزار (2771 - زوائده)، وأبو يعلى (2762)، والبغوي في "شرح السنة" (3868)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1347)، والديلمي في "الفردوس" (6400) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن أنس مرفوعًا به.

قال الهيثمي (10/ 18): فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.

أقول: والحسن البصري مدلس أيضًا وقد عنعن. ومما يدل على ضعف إسماعيل بن مسلم هذا أن الحديث رواه من هو أوثق منه مرسلًا.

فقد رواه عبد الرزاق (20377) (11/ 221)، ومن طريقه أحمد في "فضائل الصحابة" (16 و 1730) والآجري في "الشريعة" (رقم 1158) عن معمر عمّن سمع الحسن يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . فذكره.___ورواه أحمد أيضًا (17) من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى (يعني إسرائيل) عن الحسن به مرسلًا، وهذا إسناد رجاله ثقات على إرساله.

وله شاهد من حديث سمرة بن جُنْدُب؛ رواه البزار (2772)، والطبراني في "الكبير" (7098) من طريق جعفر بن سعد بن سمرة (وهو ضعيف) عن حبيب بن سليمان بن سمرة (وهو مجهول) عن أبيه (وهو مقبول) عن سمرة به.

ومع هذا يقول الهيثمي (10/ 18): وإسناد الطبراني حسن والأصل في هذا أنه قول يحيى بن أبي كثير، رواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (رقم 1069) وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 67) وإسناده صحيح.

ثم وجدت في "صحيح البخاري" (3628) و (3800) من حديث ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبة: "إن الناس يكثرون، وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام. . . ".

وهذا شاهد يقوي الحديث لو كان تامًا، إلا أنه قاصر، واللَّه أعلم. وانظر: "علل ابن أبي حاتم" (2/ 354)، و"الاعتقاد" (319) للبيهقي، و"المعتبر" (ص 84) للزركشي، و"التلخيص الحبير" (4/ 191)، وتعليقي على "الموافقات" (4/ 450 - 451، 455 - 456)." اهـ

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 105):

"وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَال:

أَنَّهُ شَبَّهَ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاحِ دِينِ الْأُمَّةِ بِهِمْ بِالْمِلْحِ الَّذِي صَلَاحُ الطَّعَامِ بِهِ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُفْتُوا بِالْخَطَأِ وَلَا يَكُونُ فِي عَصْرِهِمْ مَنْ يُفْتِي بِالصَّوَابِ وَيَظْفَرُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ، لَكَانَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِلْحًا لَهُمْ، وَهَذَا مُحَالٌ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمِلْحَ كَمَا أَنَّ بِهِ صَلَاحَ الطَّعَامِ؛ فَالصَّوَابُ بِهِ صَلَاحُ الْأَنَامِ، فَلَوْ أَخْطَئُوا فِيمَا أَفْتَوْا بِهِ لَاحْتَاجَ ذَلِكَ إلَى مِلْحٍ يُصْلِحُهُ، فَإِذَا أَفْتَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِالْحَقِّ كَانَ قَدْ أَصْلَحَ خَطَأَهُمْ فَكَانَ مِلْحًا لَهُمْ." اهـ

 

الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ:

مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»

 

وَفِي لَفْظٍ " فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ "،

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (5/ 8) (رقم: 3673)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 1967/ 222) (رقم: 2541)

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 105):

"وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَلِأَقْرَانِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ. فَإِذَا كَانَ مُدُّ أَحَدِ أَصْحَابِهِ أَوْ نَصِيفُهُ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مِثْلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنْ مِثْلِ خَالِدٍ، وَأَضْرَابِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَحْرِمَهُمْ اللَّهُ الصَّوَابَ فِي الْفَتَاوَى وَيَظْفَرَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ؟ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْمُحَالِ." اهـ

 

الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ:

مَا رَوَى الْحُمَيْدِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْلِمِ بْنِ سَاعِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:

أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

«إنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي، وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا، فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ، وَأَنْصَارًا، وَأَصْهَارًا» الْحَدِيثَ.

 

قال مشهور حسن سلمان في تعليقه على "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (5/ 578):

"رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (رقم 1000)، وفي "الآحاد والمثاني" (1772)، و (1946)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 632)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 11)، والطبراني في "الكبير" (17/ 439) والضياء المقدسي في "النهي عن سب الأصحاب" (رقم 5 - بتحقيقي)، كلهم من طريق محمد بن طلحة به قال الحاكم: صحيح الإسناده ووافقه الذهبي!!

قال الهيثمي 10/ 17: وفيه من لم أعرفهم.

وقال شيخنا الألباني -في تعليقه على "السنة"-: إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن سالم وأبيه وسوء حفظ محمد بن طلحة."

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 106):

"وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُحْرِمَ اللَّهُ الصَّوَابَ مَنْ اخْتَارَهُمْ لِرَسُولِهِ وَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَهُ، وَأَنْصَارَهُ، وَأَصْهَارَهُ وَيُعْطِيَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ." اهـ

 

الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ:

مَا رَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:

إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ.

ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَنُصْرَةِ دِينِهِ،

فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ."

 

حسن: أخرجه أبو داود الطيالسي في "المسند" (1/ 199) (رقم: 243)، وحسنه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد ط الرسالة (6/ 84) (رقم: 3600)

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 106):

"وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخْطِئَ الْحَقَّ فِي حُكْمِ اللَّهِ خَيْرُ قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَظْفَرَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ،

وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا أَفْتَى بِهِ أَحَدُهُمْ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ كُلُّهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ حَسَنًا أَوْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبِيحًا،

فَإِنْ كَانُوا قَدْ رَأَوْهُ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبِيحًا، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ لَمْ تَكُنْ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَيْرِ قُلُوبِ الْعِبَادِ، وَكَانَ مَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَهُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ وَأَعْلَمَ، وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْمُحَالِ." اهـ

 

الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ:

مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:

(مَنْ كَانَ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا، وَأَحْسَنَهَا حَالًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، وَإِقَامَةَ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوا آثَارَهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ)،

 

أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 947) (رقم: 1810).

 

وفي حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 305):

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ:

«مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَّرَهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ _صلّى الله عليه وسلم_ وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ.

فَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ»

وَاللهِ رَبِّ الْكَعْبَةِ. يَا ابْنَ آدَمَ، صَاحِبِ الدُّنْيَا بِبَدَنِكَ، وَفَارِقْهَا بِقَلْبِكَ وَهَمِّكَ، فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَمَلِكَ، فَخُذْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ عِنْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَيْرُ "

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 106):

وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْرِمَ اللَّهُ أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا الصَّوَابَ فِي أَحْكَامِهِ وَيُوَفِّقَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ.

 

الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ:

مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمَا:

عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَالَ:

(يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، خُذُوا طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ اسْتَقَمْتُمْ لَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا).

 

بل أخرجه البخاري في "صحيحه" (9/ 93) (رقم: 7282)، وابن المبارك في "الزهد والرقائق" (1/ 16) (رقم: 47)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 139) (رقم: 34801)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (1/ 280).

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 106):

"وَمِنْ الْمُحَالِ: أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ، فِي غَيْرِ طَرِيقِ مَنْ سَبَقَ إلَى كُلِّ خَيْرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ." اهـ

 

قال البغوي في "شرح السنة" (1/ 216):

"وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنَّ السُّنَّةَ قَدْ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ، فَاتَّبِعْ وَلا تَبْتَدِعْ، فَإِنَّكَ لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْتَ بِالأَثَرِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا الرَّأْيُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ إِذَا احْتَجْتَ إِلَيْهَا أَكَلْتَهَا.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّور: 63].

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا.

قَالَ الشَّيْخُ: وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الصِّفَاتِ، وَعَلَى الزَّجْرِ عَنِ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ الْكَلامِ وَتَعَلُّمِهِ.

 

الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ:

مَا قَالَهُ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِفِرْقَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَارِجِ، فَقَالُوا: (نَدْعُوك إلَى كِتَابِ اللَّهِ)، فَقَالَ: (أَنْتُمْ؟) قَالُوا: "نَحْنُ"، قَالَ: (أَنْتُمْ؟)، قَالُوا: "نَحْنُ"، فَقَالَ: "يَا أَخَابِيثَ خَلْقِ اللَّهِ، فِي اتِّبَاعِنَا تَخْتَارُونَ الضَّلَالَةَ، أَمْ فِي غَيْرِ سُنَّتِنَا تَلْتَمِسُونَ الْهُدَى؟ اُخْرُجُوا عَنِّي."

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 106):

"وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ مَنْ جَوَّزَ أَنْ تَكُونَ الصَّحَابَةُ أَخْطَئُوا فِي فَتَاوِيهمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَخَالَفَهُمْ___فِيهَا، فَقَدْ اتَّبَعَ الْحَقَّ فِي غَيْرِ سُنَّتِهِمْ، وَقَدْ دَعَاهُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ إنَّمَا يَدْعُو إلَى الْحَقِّ، وَكَفَى ذَلِكَ إزْرَاءً عَلَى نُفُوسِهِمْ وَعَلَى الصَّحَابَةِ." اهـ

 

الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ:

مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ:

«الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ:

"وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ:

"يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إلَيْنَا؟"

فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ، وَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»،

وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَرَنَ سُنَّةَ خُلَفَائِهِ بِسُنَّتِهِ، وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا كَمَا أَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَبَالَغَ فِي الْأَمْرِ بِهَا حَتَّى أَمَرَ بِأَنْ يُعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَوْا بِهِ وَسَنُّوهُ لِلْأُمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ نَبِيِّهِمْ فِيهِ شَيْءٌ،

وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ سُنَّتَهُ، وَيَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَى بِهِ جَمِيعُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ،

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَسُنُّوا ذَلِكَ [وَهُمْ خُلَفَاءُ] فِي آنٍ وَاحِدٍ،

فَعُلِمَ أَنَّ مَا سَنَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَقْتِهِ، فَهُوَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.

رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

 

أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 499) (رقم: 2549)

 

الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ:

مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

«اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ،

 

أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 668) (رقم: 3799). صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (3/ 233) (رقم: 1233)

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 107):

"وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي تَقْرِيرِ الْمُتَابَعَةِ." اهـ

 

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة