التحذير من الكسب الحرام
التحذير من الكسب الحرام
مقدمة ومدخل للموضوع:
إن الله تعالى حثَّنا على تحرِّي الكسب
الطيب الحلال، وتحرِّي أكل الحلال.
* قال _تعالى_:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]
* وقال _تعالى_:
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114]
حلالًا: أي: ليس
مكتسبًا بطريق محرَّم؛ كالربا، والغش، والسرقة، والرِّشوة.
طيبًا:
أي: ليس بخبيث في ذاته؛ كالميتة، والخمر، والدخان، وغيرها من أنواع الخبائث.
فإن الرزق الحلال الطيب، لا بد أن يكون:
طيبًا في ذاته: أي: ليس محرمًا.
طيبًا في كسبه: أي: بطريق حلال.
* وفي "صحيح مسلم" (2/ 703/ 65) (رقم:
1015):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ
اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ
الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:
{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا،
إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]
وَقَالَ: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:
172]
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ
السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا
رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ،
وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟"
وقد أمر الله تعالى بذلك الأنبياء
والمرسلين.
فقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]
ومن وظائف النبي _صلى الله عليه وسلم_، هو تقرير
هذا الأمر.
قال _تعالى_:
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:
157]
وحثَّنا سبحانه وتعالى على البحث عن
الرزق الحلال الطيب.
قال الله تعالى:
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:
15]
وطمْأَنَنا _سبحانه وتعالى_ أن الرزق
الحلال الطيب مضمون، قد تكفَّل به _جل في علاه_.
قال _تعالى_:
(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ
تَنْطِقُونَ) [الذاريات: 22، 23]
وقال _تعالى_:
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى
اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ) [هود: 6]
وقال تعالى:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا
اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 60]
بل إن الله تعالى قدَّره وكتبه للإنسان
وهو في بطن أمه.
ففي "الصحيحين" عن ابن مسعود _رضي الله
عنه_، قال:
حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق
المصدوق:
"إن أحدكم يُجمَع خَلْقُهُ في بطن أمه أربعين
يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ
فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجَلِهِ، وعمله، وشقيٌّ أو سعيد."
إلا أن كثيرًا من الناس في هذا الزمان
أصبح لا يبالي بالحرام، ولا يبالي بخطورته وسوء عواقبه في الدنيا والآخرة،
لا سيما وقد فُتِحت أبوابٌ عديدةٌ للكسب الحرام،
وأصبح له صور شتى؛ وصدق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
ففي "صحيح البخاري":
عن أبي هريرة _رضي الله عنه_:
أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"ليأتيَنَّ على الناس زمان، لا يبالي المرء
مما أخذ المال، أمن الحلال، أم من الحرام."
...............................
الوقفة الأولى: خطورة وعاقبة الكسب
الحرام.
وترجع خطورة وعاقبة الكسب الحرام للأمور الآتية:
1/ الكسب الحرام اتباعُ خطوات الشيطان، وآكل
الحرام قد كفى الشيطان مؤونة إغوائه وإضلاله:
* قال الله _تعالى_: (وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ
بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
[البقرة: 168، 169]
وسياق الآية بعد قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي
الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]
* قال العلماء: (من صور تتبُّع خطوات الشيطان:
البحثُ عن الكسب الحرام).
فيه: إشارة إلى دور الشيطان وأثره في وقوع الإنسان
في الكسب الحرام.
* وفي "الكبائر" للذهبي (ص: 119):
"وَقد رُوِيَ عَن يوسف بن أسباط _رحمه الله_:
"إن العبد إذا تعبَّد، قال الشيطان لأعوانه: (انظروا
من أين مطعمُه)،
فإن كان مطعمَ سوء، قال:
(دعوه يتعب ويجتهد، فقد كفاكم نفسه، فإن عبادته مع
أكل الحرام لا تغني عنه شيئًا)". هـ
2/ الكسب الحرام يمنع من
إجابة وقبول الدعاء، ويَحُول بينه وبين ربِّه، ولو أتى بجميع
آداب الدعاء، وتحرى جميع أوقات إجابة الدعاء:
* ففي "صحيح مسلم":
عن أبي هريرة _رضي الله عنه_:
أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، قال:
(إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر
المؤمنين بما أمر به المرسلين،
فقال _تعالى_: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51]،
وقال _تعالى_:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 172]، ثم ذكر: الرجل يطيل السفر أشعثَ
أغْبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومَشرَبُهُ حرام،
ومَلْبَسُهُ حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟
3/ الكسب الحرام يمنع من
قبول الأعمال، فلا ينتفع العبد بها:
عن ابن عباس _رضي الله عنهما_، قال:
"لا يقبل الله صلاةَ امْرِئٍ في جوفه حرامٌ".
انظر: اتحاف السادة المتقين الزبيدي (6/ 10)
وقال وهب بن الورد رحمه الله:
"لو قمتَ مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى
تنظر ما يدخل بطنك، أحلال أم حرام؟
وقال الغزالي _رحمه الله_ في "إحياء علوم
الدين" (3/ 89):
"إن العبادة مع أكل الحرام كالبناء على
أمواج البحار." اهـ
4/ الكسب الحرام يُحبِط الأعمال:
قال الله _تعالى_:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]
قال القرطبي في "تفسيره" (16/ 254):
"(وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)، أَيْ:
حَسَنَاتِكُمْ بِالْمَعَاصِي، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ:
بِالْكَبَائِرِ. ابْنُ جريج: بالرياء والسمعة." اهـ
وقال _تعالى_:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا
تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين عن رب
العالمين" (1/ 41):
"فَإِذَا كَانَ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ
فَوْقَ صَوْتِهِ سَبَبًا لِحُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ فَكَيْف تَقْدِيمُ آرَائِهِمْ
وَعُقُولِهِمْ وَأَذْوَاقِهِمْ وَسِيَاسَاتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ عَلَى مَا جَاءَ
بِهِ وَرَفْعُهَا عَلَيْهِ؟ أَلَيْسَ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُحْبِطًا
لِأَعْمَالِهِمْ." اهـ
5/ الكسب الحرام لو تصدَّق
منه صاحبه، أو أنفق، لم يُقبَل منه صرف ولا عدل:
ففي "صحيح مسلم" عن ابن عمر _رضي الله
عنهما_، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا
تُقبَل صلاةٌ بغير طهور، ولا صدقةٌ من غُلُول."
وفي "صحيح ابن حبان" (8/ 11) (رقم: 3216):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ
مَا عَلَيْكَ فِيهِ، وَمَنْ جَمَعَ مَالًا حَرَامًا ثُمَّ
تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ»
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"
(1/ 460) (رقم: 752)
قال سفيان الثوري _رحمه الله_:
"من أنفق الحرام في الطاعة، فهو كمن طهَّر
الثوب بالبول. والثوب لا يطهر إلا بالماء، والذنب لا يكفِّره إلا الحلال".
انظر: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (11/ 6)
6/ الكسب الحرام من أسباب
غضب الجبار جل جلاله:
قال الله _تعالى_:
(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا
تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي
فَقَدْ هَوَى) [طه: 81]
7/ الكسب الحرام من أسباب
اللعن والطرد من رحمة الله تعالى:
فكم من نصوص جاءت فيها لعْنٌ لبعض أصحاب المكاسب
المحرَّمة.
* ففي "صحيح مسلم" (3/ 1219/ 106) (رقم: 1598):
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»،
وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ»
وفي "سنن أبي داود" (3/ 300) (رقم: 3580):
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»
وفي "صحيح البخاري" (8/ 159) (رقم: 6783)،
و"صحيح مسلم" (3/ 1314/ 7) (رقم: 1687):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ
فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ»
وفي "صحيح مسلم" (3/ 1567/ 43) (رقم: 1978):
عن النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:
قَالَ: «لَعَنَ اللهُ
مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ
ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى
مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ
الْأَرْضِ»
وفي "سنن أبي داود" (3/ 326) (رقم: 3674):
عن ابْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا،
وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا،
وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»
8/ الكسب الحرام ممحوق منه
البركة مهما كثُرَ:
فكم من نصوص جاءت تبين محقَ بركة بعض المكاسب
المحرمة:
* قال الله تعالى:
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276].
قال العلماء: يمحق الربا؛ أي: يُذْهِبُه، إما بأن
يُذْهِبَه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرِمَه بركة ماله، فلا ينتفع به، بل يعذبه به
في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة.
* سنن ابن ماجه (2/ 765) (رقم: 2279):
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ:
«مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنَ الرِّبَا، إِلَّا كَانَ
عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ»
وفي "صحيح مسلم" (3/ 1228/ 131) (رقم: 1606):
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ
لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلرِّبْحِ»
وفي "صحيح البخاري" (3/ 58) (رقم: 2079)،
و"صحيح مسلم" (3/ 1164/ 47) (رقم: 1532):
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ
كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»،
9/ الكسب
الحرام من أسباب العذاب في القبر:
فكم من نصوص جاءت تبين عذاب بعض أصحاب المكاسب
المحرمة.
* ففي "السنن الكبرى" للنسائي (7/
120) (رقم: 7611):
"وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهْرِ
يَسْبَحُ، وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ فَاهُ، فَهُوَ آكِلُ الرِّبَا."
* ولما قالوا عن الرجل الذي مات يوم خيبر: فلان
شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كلا، إني رأيته في النار، في بردة غَلَّها،
أو عباءة."
أخرجه مسلم في
"صحيحه" (1/ 107/ 182) (رقم: 114)
10/ الكسب الحرام من أسباب
العذاب في الآخرة:
فكم من نصوص جاءت تبين عذاب بعض أصحاب المكاسب
المحرمة في النار.
قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيرًا) [النساء: 10]
وفي "صحيح البخاري" (4/ 85) (رقم: 3118):
عن خولة الأنصارية _رضي الله عنها_، قالت:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ
بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»
وفي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (2/ 512)
(رقم: 614):
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
« يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو
لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ»
.............................
كيف نحفظ أنفسنا من الكسب
والمال الحرام؟
هي رسالة تحصين لأصحاب الكسب الحلال، ومخرج آمِنٌ
لمن وقع في الكسب الحرام:
1/ تقوية جانب الإيمان بأن
الله تعالى هو الرزاق، وقد تكفَّل برزق عباده:
قال الله _تعالى_:
(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ
تَنْطِقُونَ) [الذاريات: 22، 23].
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 58].
وقد كتبه الله تعالى للعبد قبل ولادته.
ففي "الحديث الصحيح":
(... ثم يرسل إليه الْمَلَكَ فينفخ فيه الروح،
ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه، وأجَلِه، وعمله، وشقي أو سعيد)
ولن
تموت نفس حتى تستكمل وتستوفي رزقها.
سنن ابن ماجه (2/ 725) (رقم: 2144):
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا
فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا
وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا
مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ»
هوِّن على نفسك، واطلب
المال من حِلِّهِ.
وهذه رسالة طمأنينة؛ فما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب
الشرعية.
ففي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (4/ 573)
(رقم: 2344):
فعن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّلِهِ، لَرزقكم
كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا)
2/ الدعاء والتوجُّه إلى الله تعالى وصدق
الاعتماد عليه:
قال الله _تعالى_:
(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 17]
وليكن لسان حالك: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي
وَيَسْقِينِ) [الشعراء: 79].
واحفظ وحافظ على هذا الدعاء العظيم.
ففي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (5/ 560)
(رقم: 3563):
عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ:
إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ:
أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا
أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ
عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ."
حسن: صحيح الترغيب
والترهيب (2/ 360) (رقم: 1820)
3/ تقوية جانب الخوفِ من
الله تعالى، والحياءِ منه:
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حقَّ الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا
نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ
الراس وما وعى، والبطن وما حوى، ولْتَذْكُرِ الموتَ والبِلى، ومن أراد الآخرة،
تَرَكَ زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء))؛ [رواه أحمد،
والترمذي، وحسنه الألباني]
4/ القناعة وعدم العَجَلَة
في طلب الرزق:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس،
اتقوا الله وأجْمِلُوا في الطلب)
5/ استحضار أنك موقوف
ومسؤول عن أموالك كلها:
فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما
عبدٍ يوم القيامة، حتى يُسأَلَ عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن جسده فيمَ أبلاه؟
وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟)؛ [رواه الترمذي،
وقال: حديث صحيح]
6/ استحضار أن النعيم
الحقيقي هو نعيم الجنة، وأما نعيم الدنيا فهو إلى زوال:
في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:
قال رسول صلى الله عليه وسلم:
(يُؤتَى بأنعم أهل الدنيا، من أهل النار يومَ
القيامة، فيُصبَغ في النار صِبغةً، ثم يُقال له: يا بن آدم، هل رأيت خيرًا قط؟ هل
مَرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ويُؤتَى بأشدِّ الناس في الدنيا، من
أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغةً، فيقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرَّ
بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله، يا رب، ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدةً قط)
فلا تغترَّ بأموال الأغنياء؛ فمنهم من لا ينام إلا
بمسكنات، ومنهم من يرى أنواع وأصناف الطعام ولا يأكله.
7/ مطالعة أحوال سلفنا
الصالح في تحرِّي الرزق الحلال:
وقدوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان
صلى الله عليه وسلم يحرِص على تجنُّبِ أكل المال الحرام، هو وجميع أهله، ويحذر
شديدَ الحذر من أن تصِلَ لُقْمَةٌ واحدة إلى جوفه.
قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأنقلب إلى أهلي،
فأجد التمرة ساقطةً على فراشي، ثم أرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقةً، فألقيها)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أخذ الحسن
بن علي رضي الله عنهما تمرةً من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: ((كِخٍّ كِخٍّ))؛ ليطرحها، ثم قال: (أمَا شعرت أنا لا نأكل الصدقة)
وهذا الصِّدِّيق أبو بكر رضي الله عنه يُعلِّمنا
تحرِّي الكسب الحلال.
فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
(كان لأبي بكر رضي الله عنه غلامٌ يخرج له الخراج،
وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام:
أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية، وما
أُحْسِنُ الكَهانة، إلا أني خدعته، فلقِيَني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه،
فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه)
وفي رواية أنه قال:
(لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتُها، اللهم إني
أعتذر إليك مما حملت العروق، وخالط الأمعاء)
وإن تَعْجَبْ، فعجبٌ للنساء الصالحات،
وإليك طرفًا من أحوالهن:
فهذه امرأة صالحة تُوصِي زوجها وهو خارج لكسب
الرزق، فتقول: "يا هذا، اتَّقِ الله في رزقنا؛ فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر
على النار".
وهذه امرأة من الصالحات، أتاها نَعْيُ زوجها
وهي تعجِنُ، فرفعت يدها من العجين وقالت: "هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء".
وهذه امرأة صالحة، أتاها نعْيُ زوجِها والسراج يَقُدُّ،
فأطفأت السراج، وقالت: "هذا زيت قد صار لنا فيه شريك".
ونختم بهذا النموذج الرائع في الورع والخوف من
الكسب الحرام.
فهذا جنيد البغدادي رحمه الله، جاء يومًا إلى داره،
فرأى جاريةَ جارِه تُرضِع ولدَه، فانتزع ولده منها، وأدخل أصبعه في فيه، وجعله
يتقيأ كل الذي شربه، فلما سُئل، قال: جاري يأكل الربا، يأكل الحرام، وجارية جاري
تعمل عنده فهي تأكل الحرام، وجارية جاري ترضع ولدي فهي ترضع ولدي الحرام، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه لا يربو لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ، إلا كانت
النار أولى به)
ختامًا: كيف تكون التوبة من الرزق
الحرام، وكيف التخلص منه؟
فإن المال من جهة الكسب الحرام نوعان:
1/ مال محرَّم لذاته: فهذا يجب إتلافه ولا
يجوز الانتفاع به؛ كالخمر، والدخان، وسائر أنواع المخدِّرات.
2/ مال محرَّم لكسبه: وهذا أيضًا نوعان:
أ- مأخوذ برضا مالكه؛ كالعقود المحرمة الفاسدة، أو
ربح تجارة محرمة، فهذا يلزمه التوبة، ولا يلزم رده.
ب- مأخوذ بغير رضا مالكه؛ كالسرقة، والغصب،
والرشوة، وغيرها؛ فهذا إما أن يتحلل من أصحابه إن كان يعرفهم، وإما أن يتصدق به
للتخلص منه.
فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغْنِنا بفضلك عمن
سواك.
Komentar
Posting Komentar