شرح الحديث 76 من بلوغ المرام
8 - باب آداب
قضاء الحاجة |
مقدمة
أدَّبته أدباً: علَّمتُهُ
رياضةَ النفس، ومحاسنَ الأخلاق.
قال أبو زيد الأنصاري: الأدبُ
يقع على كلِّ رياضةٍ محمودة، يتخرَّج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل.
وجمع الأدب آدابٌ، مثل سببٌ
وأسبابٌ.
"قضاء
الحاجة": يُكنَّى بها عمَّا يقبُحُ التصريحُ بذكره.
وآداب قضاء الحاجة يشمل
أقوالاً وأفعالاً، يشرع للمسلم اتباعها، من الابتعاد عن النَّاس، والاستتار عن
الأنظار، واختيار المكان المطمئنِّ الآمن به مِنْ رشاش البول، والذِّكْرِ عند
دخولِ الخلاء، وعند الخروجِ منه، وهيئةِ الجلوس، والاستعدادِ بأداة التطهير من
الأحجار ونحوها، والماء، والتحاشي من التطهُّر بالموادِّ النجسة، أو العظامِ، أو
الأشياءِ المحرَّمة، والابتعادِ عند قضاءِ الحاجة عن مجالس النَّاس، ومرافِقِهِمُ
العامَّة، وتحت الأشجارِ المُثْمِرة، أو استقبالِ القبلة أو استدبارها، ولزوم
السكوت حال قضاء الحاجة، ثمَّ قطع الخارج، والتطهُّر منه، والتحرُّزِ من أنْ يصيبه
شيءٌ منه، وغير ذلك من الآداب المرعيَّة في هذا الباب؛ فإن الشريعة الكريمة
علَّمتنا كلَّ شيءٍ، وسارت مع المسلمين في كلِّ أعمالهم وتصرفاتهم، ولله الحمد."
اهـ من "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 323)
76 - عَنْ أَنَسٍ _رضي الله عنه_ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_، إِذَا
دَخَلَ الْخَلَاءَ، وَضَعَ خَاتَمَهُ" أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ |
تخريج
الحديث:
أخرجه أبو داود في
"سننه" (1/ 5) (رقم: 19)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/
229) (رقم: 1746)، والنسائي في "سننه" (8/ 178) (رقم: 5213)، "السنن
الكبرى" (8/ 384) (رقم: 9470)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 110) (رقم:
303)
والحديث ضعيف: ضعفه الألباني _رحمه الله_ في "ضعيف الجامع الصغير
وزيادته" (ص: 636) (رقم: 4390)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"
(3/ 86) (رقم: 1410)
وقال الألباني _رحمه الله_ في
"ضعيف أبي داود" - الأم (1/ 16) (رقم: 4):
"فثبت مما
تقدم أن الحديث عن ابن جريج محفوظ، وأن علته القادحة في صحته هي أن ابن جريج عنعنه
ولم يصرح بسماعه له من الزهري.
ولذلك علق الحافظ القول بصحة
الحديث بما إذا وجد فيه هذا السماع.
وأنى يوجد؟! فكل من رواه عنه
قال فيه: (عن الزهري) ؛ وقد قيل: إنه لم يسمعه من الزهري، كما في " التلخيص
". اهـ
من
فوائد الحديث (إن صح):
توضيح الأحكام من بلوغ المرام
(1/ 325)
قال ابن كثير: اتخذ -صلى الله
عليه وسلم- خاتمًا من فضَّة، ونقش فيه: "محمَّد رسول الله"؛ هكَذا رواه
البخاري.
* ما يؤخذ من
الحديث:
1 - خاتم
النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مكتوبٌ عليه "محمد رسول الله"، فكان لا يدخل
به الخلاء، ويضعه خارجه.
2 - كراهة دخول
الإنسان الخلاء أو المكان الذي سيقضي فيه حاجته، ومعه شيءٌ مكتوبٌ فيه ذكر الله
تعالى، أو أسمائه وصفاته.
3 - قال
الفقهاء: إلاَّ إذا كان دخوله به لحاجةٍ كخشية سرقته أو نسيانه، وهذا الاستثناء
مبنيٌّ على قاعدة: أنَّ الكراهة تزول مع الحاجة.
قال شيخ الإسلام: الدَّراهم
إذا كُتب عليها "لا إله إلاَّ الله"، وكانت في منديل أو خريطة، يجوز أنْ
يدخل بها الخلاء.
4 - وجوبُ تعظيم
ذكر الله تعالى وأسمائه تعالى، وإبعادها عن كلِّ ما يَمَسُّ قدسيتها وكرامتها؛ قال
تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
(32)} [الحج].
5 - اقتصارُ
الحكم على الكراهة؛ ذلك أنَّ مجرَّد ترك الفعل لا يدل على التحريم.
6 - إباحةُ
اتخاذ الخاتم للرجل، وأنْ يَكْتُبَ عليه، ولو كان اسمُهُ فيه اسمٌ من أسماء الله
تعالى؛ كعبد الله، وعبد الرحمن.
7 - أمَّا
المصحفُ: فيحرُمُ إدخاله، أو إدخالُ بعضه المكانَ المُعَدَّ لقضاء الحاجة، ولو كان
ملفوفًا بحائل، لما له من مكانةٍ لا تسامى،
وقد جاء نعته ووصفه: {إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)} [الواقعة]، وإنَّه {قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)} [البروج]، و
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} [فصلت]، وإنَّهُ {ذِكْرٌ مُبَارَكٌ}
[الأنبياء:50]، إِلى غير ذلك من النعوت الكريمة.
77 - عَنْ أنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ
الْخَلَاءَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ
وَالْخَبَائِثِ)" أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ |
شرح مفردات
الحديث:
وقال ابن العطار في "العدة
في شرح العمدة في أحاديث الأحكام" (1/ 110):
"الخبث -بضم الخاء والباء-: وهو جمعُ خبيثٍ، والخبائثُ: جمع خبيثةٍ، استعاذ من ذُكران الشياطين
وإناثهم
وقال ابن المنذر _رحمه الله_
في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 324):
"وَقَوْلُهُ:
الْخَبَثُ وَالْخَبَائِثُ، يَعْنِي الشَّرَّ، وَالْخَبَائِثُ الشَّيَاطِينُ."
اهـ
وقال الإيوبي _رحمه الله_ في
"البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 527_528):
"في
فوائده:
1 - (منها):
مشروعيّة الاستعاذة عند إرادة الدخول في الخلاء، وقد أجمع أهل العلم على
استحبابها، وسواء في ذلك البنيان والصحراء؛ لأن الشياطين تحضر تلك الأمكنة؛ إذ هي
مواضع يُهجر فيها ذكر الله تعالى، فينبغي تقديم الاستعاذة تحصّنًا منهم.
2 - (منها):
بيان كون أماكن قضاء الحاجة تتمكن منها الشياطين، وقد أخرج أبو داود، وغيره بإسناد
صحيح عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن هذه الْحُشُوش مُحتَضَرةٌ، فإذا أتى أحدكم الخلاء، فليقل: أعوذ بالله من
الخبث والخبائث".
3 - (ومنها): أن
محلّ الاستعاذة عند إرادة الدخول، لا بعد الدخول؛ لرواية البخاريّ في "الأدب
المفرد" التي قدّمناها، فلو نسي التعوّذ فدخل، فذهب ابن عبّاس وغيره إلى
كراهة التعوّذ باللسان، وأجازه بعضهم، والأول أرجح؛ لما تقدّم من قوله - صلى الله
عليه وسلم -: "إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر"، وهو حديث
صحيح، وقد استوفيت المسألة في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد [راجع:
"ذخيرة العقبى" 1/ 300 - 301].
4 - (ومنها):
بيان أن لفظ الاستعاذة أن يقول: "اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث"،
وفي الرواية الآتية:
"أعوذ بالله من الخبث والخبائث"،
وفي رواية عند أبي داود:
"فليتعوّذ بالله"،
وهو يشمل كل ما يأتي به من
أنواع الاستعاذة، والله تعالى أعلم.
5 - (ومنها): ما
قال ابن العربيّ - رحمه الله -: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معصومًا من
الشيطان حتى من الموكّل به بشرط استعاذته منه، ومع ذلك فقد كان اللعين يَعْرض له،
عَرَضَ له ليلة الإسراء، فدفعه بالاستعاذة، وعَرَض له في الصلاة، فشدّ وثاقه، ثم
أطلقه، وكان يخصّ الاستعاذة في هذا الموضع بوجهين:___
[أحدهما]: أنه خلاء، وللشيطان بسنّة الله تعالى قدرة تسلط في الخلاء
ما ليس له في الملأ، فقد أخرج أحمد، وأبو داود، والترمذيّ بسند صحيح، أنه - صلى
الله عليه وسلم - قال: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة
ركب".
[الثاني]:
أنه موضع قذر
ينزّه ذكر الله عن جريانه على اللسان، فيغتنم الشيطان ذلك؛ لأن الذكر يطرده، فلجأ
إلى الاستعاذة قبل ذلك؛ لتكون عصمة مانعة بينه وبين الشيطان حتى يخرج، ولتعليم
أمته أيضًا. انتهى.
وقال في "الفتح":
كان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ؛ إظهارًا للعبوديّة، ويجهر بها؛ للتعليم، وقد
روى العمريّ هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صُهيب
بلفظ الأمر، قال: "إذا دخلتم الخلاء، فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث
والخبائث"، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، قال: ولم أرها في غير
هذه الرواية. انتهى ["الفتح" 1/ 294]." اهـ
الإفصاح عن معاني الصحاح (5/
259)
في هذا الحديث من الفقه أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعاذ بالله لما دخل الخلاء؛ لأنه مقام كشف
العورة وانقطاع عن ذكر الله عز وجل، المحصن من شياطين الجن والأنس، وحالة استيحاش
من العبد لذكر ربه إلى حين عوده.
العدة في شرح العمدة في
أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 115)
وفي هذا الحديث دليلٌ: على
مراقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لربه، ومحافظتِه على ضبط أوقاتِه
وحالاتِه، واستعاذتِه عندما ينبغي أَنْ يُستعاذَ منه، ونطقِه بما ينبغي أَنْ ينطقَ
به، وسكوته عندما ينبغي أَنْ يسكتَ عنده، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج
من الخلاء قال: " غُفْرَانَكَ" (1)؛ أيْ: أسألك غفرانَك على حالةٍ
شَغَلَتْني عن ذكرِك.
وفيه: شرعيَّةُ هذا الذكر عند
إرادة دخول الخلاء، وهو متَّفق عليه.
وفيه: ما كان عليه أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضبط أموره - صلى الله عليه وسلم -، وأحواله،
وأقواله، وأفعاله، وأذكاره، وغير ذلك -رضي الله عنهم- أجمعين.
توضيح الأحكام من بلوغ المرام
(1/ 326_328):
"ما يؤخذ
من الحديث:
1 - قوله:
"إذا دخل الخلاء" المراد أراد دخوله؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} [النَّحل]
يعني: إذا أردت قراءته، وجاء
في الأدب المفرد للبخاري عن أنس قال: كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
"إِذا أراد أنْ يدخل الخلاء، قال: "اللهم إنِّي أعوذ بك من الخبث
والخبائث".
2 - هذه
الاستعاذة ليحصِّن بها المسلم نفسه من محاولة الشيطان إيذاءه___وتنجيسه، حتَّى لا
تصحَّ عبادته، فما دام النَّبي -صلى الله عليه وسلم- المؤيَّد بعصمة الله يخاف من
الشرِّ وأهله، فالجديرُ بنا أنْ يكونَ خوفنا أشدَّ.
3 - أنَّ
الأمكنة النجسة والقذرة هي أماكنُ الشياطين التي تأوي إليها وتُقِيمُ فيها.
4 - الالتجاءُ
إلى الله تعالى والاعتصامُ به من الشياطين وشرورِهِمْ، فهو المُنْجِي منهم،
والعاصمُ من شرِّهم.
5 - وجوبُ
اجتنابِ النجاسات، وَعَمَلِ الأسباب التي تَقِي منها؛ فقد صَحَّ في الأحاديث
الشريفة أنَّ من أسباب عذاب القبر عدم التنزُّه من البول.
6 - فضيلة هذا
الدعاء والذكر في هذا المكان؛ فكُلُّ وقتٍ ومكان له ذكرٌ خاصٌّ، والذي يلازم عليه
يكونُ من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات.
7 - قال الحسن
البصري: "اللهم" هي مَجْمَعُ الدعاء؛ فالدعاءُ بلفظ "اللهم"
يعني "يا الله"، وهو سؤالُ الله بجميعِ أسمائِهِ وصفاتِهِ؛ فهو دعاء
بالأسماء الحسنى والصفات العلا.
8 - الاستعاذة
مُجْمَعٌ على استحبابها، سواءٌ في البنيان والصحراء.
9 - الأمكنة
الطيبة كالمساجد يُشْرَعُ عندها أذكارٌ وأدعية، تناسب ما يرجى فيها من رحمة الله
وفضله، والأمكنةُ الخبيثة كالحشوش يناسب دخولها أذكارٌ بالبعد عمَّا فيها من
خبائثِ الجنِّ وَمَرَدَةِ الشياطين.
10 - الأمكنةُ
الطيبة مأوى الملائكة الكرامِ البَرَرَة، والأمكنةُ الخبيثة مأوى الشياطين؛ قال
تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26]؛
فكلٌّ فيه ما يناسبه.
11 - فيه إثباتُ
وجود الجنِّ والشياطين، فإِنْكارُهُمْ ضلالٌ وكفرٌ؛ لأنَّه ردٌّ لصريح النصوص
الصحيحة، وهو نقصٌ في العقل، وضيقٌ في التفكير؛ فإنَّ الإنسان لا يُنْكرُ ما لم
يصلْ إليه علمه، وإنَّما -إِذا كانَ لا يُؤْمِنُ بالوحي- يتوقَّف؛ فإنَّ اكتشاف
المجهولات يطالعنا كل وقتٍ بجديد؛ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ__الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا (85)} [الإسراء].
12 - الأرواحُ
الخبيثةُ الشِّرِّيرة موجودةٌ منتشرة، لا سيَّما عند الأنفس القابلة لها، وكذلك
توجد في الأماكن القذرة، أو في البيوت التي تكثُرُ فيها المعاصي وتظهر ويقلُّ فيها
ذكر الله، وَطَرْدُ هذه الأرواحِ الخبيثة من الأجسام والبيوتِ لا يكونُ بالذَّهاب
إلى أصحاب الدجل ومدَّعي علم الغيب، أو بتخيُّر الأماكن، ونحو ذلكَ، وإنَّما يكونَ
بالأوراد والرُّقَى الشرعية.
13 - قال ابن
الملقِّن ما معناه: الظَّاهر أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجهر بهذا
الدعاء في هذا المكان، فهو أظهَرُ مِنْ أنَّه يُخْبِرُ عن نفسه، من أنَّه كان
يفعله." اهـ
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح
بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 285)
ففي هذا الحديث دليل على
فوائد:
منها: أن النبي صلى الله عليه
وسلم مفتقر إلى الله لا يملك لنفسه أن يدفع عنها، وجه ذلك: أنه استعاذ به؛ أي:
بالله عز وجل.
ومن فوائد هذا الحديث استحباب
هذا الذكر عند دخول الخلاء اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا قال قائل:
وإذا كنت في البر فمتى أقوله؟ نقول: تقوله عند آخر خطوة تجلس عندها إذا أردت
الجلوس "اللم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات
علم الله عز وجل؛ لأنه لا يستعاذ بمن لا علم عنده.
ومن فوائده: إثبات قدرة الله
وسلطانه - تبارك وتعالى-، وأن قدرة الله وسلطانه فوق كل قدر وسلطان.
ومن فوائد هذا الحديث -
لاسيما على وجه ضم الباء-: حكمة الله عز وجل؛ حيث كانت الأماكن الخبيثة مأوى
للنفوس الخبيثة الشريرة، وهذا من الحكمة المساجد طيبة أحب البقاع إلى الله مأوى
من؟ الملائكة الكرام، لكن هذه مأوى الشياطين، أعني: بيوت الخلاء، ففي هذا من
الحكمة ما هو ظاهر، ويصدق هذا قول الله - تبارك وتعالى-: {الخبيثت للخبيثين
والخبليثون للخبيثت} [النور: 26]. وهذا وإن كان في البشر لكن المعنى عام، وانظر
الآن إلى الكفار كيف يألفون أخبث الحيوانات وأقذرها وأنجسها وهي الكلاب، الكلاب
عندهم تستهلك نصف ما يستهلكون في تنظيف أجسادهم أوانيهم يقولون لي: إنهم كانوا
ينظفونها بالصابون وبغير الصابون من المنظفات كل صباح، وهل إذا نظفوها ترتفع
نجاستها؟ لا؛ لأن النجاسة عينية، والنجاسة العينية لو طهرت بمياه البحر لم تطهر،
لكن سبحان الله الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات.
مسألة: لو نسي الإنسان أن
يقول هذا الذكر ودخل - هذه مسألة ليس لها علاقة بالحديث- لو نسي فدخل فهل نقول: قل
هذا الذكر وأنت في المرحاض، أو اخرج ثم قله ثم ادخل؟ ونظير ذلك لو انه قدم الرجل
اليمنى عند دخول الخلاء والمستحب ا، يقدم اليسرى فهل نقول: امض أو نقول اخرج ثم
قدم اليسرى؟ فيه احتمال، لكن قد يرجح الإنسان ألا يقول ذلك، أن لا يقول هذا الذكر؛
لأنه سنة فات محلها، وألا يخرج ويدخل، وقد يقال: إن الرسول - عليه الصلاة والسلام-
قال فيمن نسي الصلاة "فليصلها إذا ذكرها". فهذا نسي أن يقدم اليسرى عند
الدخول فليصحح، نسي أن يقول دعاء الذكر عند الدخول فليصحح، فالأمر واسع إن شاء فعل
هذا أو تركه.
Komentar
Posting Komentar