شرح الحديث 33 من كتاب الأربعين في التربية والمنهج
الحديث الثالث والثلاثون: عن عبد الله بن عمر _رضي الله تعالى عنهما_، قال: قال رسول الله: (ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) أخرجه
البخاري |
ترجمة عبد الله بن عمر بن
الخطاب العدوي –رضي الله عنهما-:
( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عمر بن الخطاب بن
نُفَيل بن عبد العُزَّى بن عبد الله بن قُرْط بن رِياح[1]
بن رَزاح[2]
بن عديِّ ابن كعب بن لُؤَيِّ بن غالب بن فهر (قريش) بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ
بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ
مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ : القرشى العدوى[3]،
وقال خير الدين الزِّرِكْلِيُّ _رحمه الله_ في
"الأعلام" (4/ 108):
"عَبْد الله بن عُمَر (10 ق هـ - 73 هـ
= 613 - 692 م)
عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن:
صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية. كان جريئا جهيرا. نشأ في الإسلام، وهاجر
إلى المدينة مع أيبه، وشهد فتح مكة.
ومولده ووفاته فيها. أفتى
الناس في الإسلام ستين سنة. ولما قتل عثمان عرض عليه نفر أن يبايعوه
بالخلافة فأبى.
وغزا إفريقية مرتين: الأولى مع ابن أَبي سَرْح،
والثانية مع معاوية بن خديج سنة 34 هـ وكف بصره في آخر حياته. وهو آخر من توفي
بمكة من الصحابة.
له في كتب الحديث 2630
حديثا.
وفي الإصابة:
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: (مات ابن عمر، وهو مثل
عمر في الفضل، وكان عمر في زمان له فيه نظراء، وعاش ابن عمر في زمان ليس له فيه
نظير)." اهـ
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري في
"صحيحه" (9/ 2) (رقم: 6862)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم
الكتب (2/ 94) (رقم: 5681)، وعبد بن حميد في "المنتخب" – ت. صبحي
السامرائي (ص: 270) (رقم: 856)، وابن أبي عاصم في "الديات" (ص: 9)، والطبراني
في "المعجم الأوسط" (2/ 107) (رقم: 1401)، والحاكم في "المستدرك
على الصحيحين" (4/ 390_391) (رقم: 8029_8030)، والبيهقي في "السنن
الكبرى" (8/ 39) (رقم: 15857_15858)، و"شعب الإيمان" (7/ 252)
(رقم: 4953)، والبغوي في "شرح السنة" (10/ 148) (رقم: 2519).
نص الحديث وشرحه:
وقال محمود بن أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين
العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح
البخاري" (24 / 31)
"قَوْله: (فِي فسحة) أَي: فِي سَعَة منشرح الصَّدْر، وَإِذا قتل نفسا بِغَيْر حق
صَار منحصراً ضيقا لما أوعد الله عَلَيْهِ مَا لم يوعد على غَيره.
قَوْله: (من
دينه)، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة من
الدّين.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من ذَنْبه)،
* فَمَعْنَى الأول:
أَنه يضيق عَلَيْهِ دينه بِسَبَب الْوَعيد لقَاتل النَّفس عمدا بِغَيْر حق،
* وَمعنى الثَّانِي:
أَنه يصير فِي ضِيْقٍ بِسَبَب ذَنبه." اهـ
وقال علي بن
سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (6
/ 2259):
"قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
أَيْ: إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ
قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، يَسْهُلُ عَلَيْهِ أُمُورُ دِينِهِ، وَيُوَفَّقُ
لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ:
"أَيْ: يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ
اللَّهِ وَلُطْفُهُ، وَلَوْ بَاشَرَ الْكَبَائِرَ سِوَى الْقَتْلِ، فَإِذَا قَتَلَ
ضَاقَتْ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْآيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ _تَعَالَى_."
اهـ
وقال أبوْ الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي،
المعروف بـ"ابن الجوزيِّ" (المتوفى: 597
هـ) _رحمه الله_ في "كشف المشكل من
حديث الصحيحين" (1 / 675):
"المعنى: أنه في أيِّ ذنبٍ وقع،
كان له في الدين والشَّرْعِ مَخْرَجٌ، إلا القتل، فإن أمره صعْب، ويوضح هذا ما في تمام الحديث:
عن ابن عمر أنه قال:
«إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ،
الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ
بِغَيْرِ حِلِّهِ» [خ][4]
والورَطات جمع ورْطةٍ، وهي: كل بلاء لا
يكاد صاحبه يتخلص منه، يقال تورط واستورط." اهـ
وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح
رياض الصالحين" (2 / 534)
"(ما لم يصب دماً حراماً)، يعني:
ما لم يقتل مؤمناً، أو ذمياً، أو معاهدةً أو مستأمناً،
فهذه هي الدماء المحرمة، هي أربعة
أصناف: دم المسلم، ودم الذمي، ودم المعاهد، ودم المستأمن.
وأشدها وأعظمها:
دم المؤمن، أما الكافر الحربي، فهذا دمه غير حرام،
فإذا أصاب الإنسان دماً حراماً فإنه يضيق عليه دينه، أيْ: أن صدره يضيق به حتى
يخرجَ منه - والعياذ بالله -، ويموْتَ كافراً." اهـ
وقال محمَّدُ بنُ عبدِ اللطيف الرُّوميُّ
الكَرمانيّ، المشهور بـ"ابن المَلَك الحنفيِّ" (المتوفى:
854 هـ) _رحمه الله_ في "شرح المصابيح" (4
/ 118)
"يعني: إذا لم يَصدُر منه قتلُ نفسٍ
بغير حقٍّ تسهُل عليه أمورُ دِينه، ويوفَّق للعمل الصالح." اهـ
وقال الحسين بن محمود الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ
الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِري" (المتوفى: 727 هـ)
_رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (4
/ 188):
"يعني: المؤمن إذا لم يصدر منه
قتلُ نفس بغير حقًّ تسهلُ عليه أمورُ دِينه، ويُوفَّق للعمل الصالح، وإذا صدر منه
ذلك، تضيق عليه أمورُ دِينه، ويُشتَّت عليه شَملُه ما لم يَتُبْ، أو لم يَعْفُ
وليُّ الدم." اهـ
ثم قال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في
كتابه "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (ص: ۷۲) "فيه: شمولية
الإسلام وسماحته، * وفيه: مع تلك (السماحة) الوعيدُ لمن أضر بغيره بغير حقّ. * وفيه: أن المعصية تُضَيِّقُ الفسيح على صاحبها، {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ
الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة: 118] قال ابن حجر: "قوله: (في فسحةٍ من دينه)، مفهومه: أنه يضيق عليه دينه. ففيه: إشعار بالوعيد على قتل
المؤمن متعمداً بما يُتَوَعَّدُ به الكافرُ." [فتح الباري (۱۸۸/۱۲)] وقال ابن العربي: "والفسحة في الدين: سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا
جاء القتل ضاقت، لأنها لا تفي به، والفسحة في الذنب: قبوله للمغفرة) * وفيه: تعظيم شأن الدماء، وهي من الكليات أو الضروريات التي عظمتها جميع الأديان
السماوية قال ابن العربي: "وإن قتل البهائم بغير حتي لموجب ذنباً عظيماً، فكيف
قتل الآدمي الذي لو وزن بالدنيا بأسرها لرجحها؟!" [القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 978)، ونقل كلامه
الحافظ ابن حجر في الفتح (12/ 188)، ثم قال:
"وَحَاصِله أَنه فسره على رَأْي بن عُمَرَ فِي عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ
الْقَاتِلِ."] وذكر ابن القيم حديث: (من قتل معاهدا، لم يرح رائحة الجنة)،
ثم قال: "هذه عقوبة قائل عدو الله إذا كان في عهده وأمانه،
فكيف عقوبة قاتل عبده المؤمن؟" ["الجواب الكافي" (ص: ۲۲۹)] |
من فوائد الحديث:
وقال الحافظ أبو
الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني"
(المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في
"فتح الباري" (12 / 188)
"قوله: (من دينه)، كذا للأكثر بكسر
المهملة من الدين، وفي رواية الكشميهني: (من ذنبه)،
فمفهوم الأول:
أن يضيق عليه دينه،
ففيه: إشعار بالوعيد على قتل المؤمن
متعمدا بما يتوعد به الكافر،
ومفهوم الثاني:
أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه،
ففيه: إشارة إلى استبعاد العفو عنه
لاستمراره في الضيق المذكور." اهـ
وقال الحافظ أبو
الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني"
(المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في
"فتح الباري" (12 / 188):
"وقال ابن العربي: الفسحة في الدين
سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقتا لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في
الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول." اهـ
q
فتح الباري- تعليق
ابن باز - (12 / 189)
قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل
البهيمة بغير حق، والوعيدُ في ذلك، فكيف بقتل الآدمي، فكيف بالتقي الصالح.
وقال شيخنا عبد المحسن بن
حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد
البدر _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود" – تفريغ الشاملة (1
/ 2):
"الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس
والتي منها حفظ النفوس، ولولا ذلك لانتشر القتل وعمت الفوضى ولربما انقطعت الحياة."
اهـ
وفي "تيسير علم أصول الفقه"
(ص: 197): "دَرْءُ المفاسِدِ. وشُرعَ لهَا حفظُ (الضَّروريَّاتِ) الخمسِ:
الدِّينِ، والنَّفسِ، والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ."
اهـ
قال عبد الكريم بن علي بن محمد النملة
_حفظه الله_ في "المهذب في علم أصول الفقه المقارن" (3/ 1004):
"الضروريات: وهي المصالح التي لا
بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، وصيانة مقاصد الشريعة، بحيث إذا فقدت أو فقد
بعضها، فإن الحياة تختل أو تفسد.
وللمحافظة على المصالح الضرورية، شرع
اللَّه حِفْظَ: الديْنِ، والنفْسِ، والعقْلِ، والنسبِ، والمالِ." اهـ
وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح
رياض الصالحين" (2 / 535):
"وهذا هو السر في قوله _تعالى_:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)،
فهذه خمس عقوبات - والعياذ بالله -:
جهنم، خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً، لمن قتل مؤمناً
متعمداً؛ لأنه إذا قتل مؤمناً متعمداً، فقد أصاب
دماً حراماً، فيضيق عليه دينه، ويضيق به صدره، حتى ينسلخ من دينه بالكلية، ويكون
من أهل النار المخلدين فيها." اهـ
وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح
رياض الصالحين" (2 / 535_536):
"وفي هذا: دليلٌ على أن إصابة الدم
بالحرام من كبائر الذنوب، ولا شك في هذا، فإن قتل النفس التي حرم الله بغير حق من
كبائر الذنوب.
ولكن إذا تاب الإنسان من هذا القتل، فهل
تصح توبته؟
جمهور العلماء على أن توبته تصحُّ؛
لعموم قوله _تعالى_:
(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (يُضَاعَفْ
لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (وَمَنْ تَابَ
وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) (الفرقان: 68-71)،
فهنا نص على أن من تاب مِنْ قتْلِ النفسِ
التي حرم الله إلا بالحقِّ، وآمن وعمل عملاً صالحاً، فإن الله يتوب عليه.
وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
(الزمر: 53) .
ولكن بماذا تكون التوبة؟
قتل المؤمن عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق:
الحق الأول: حق الله، الحق الثاني: حق المقتول، الحق الثالث: حق___أولياء
المقتول.أما حق الله: فإذا تاب منه تاب اله عليه ولا شك في هذا.
وأما حق المقتول: فالمقتول حقه عنده،
وهو قد قتل الآن ولا يمكن التحلل منه في الدنيا." اهـ
[تعليق]:
قال الذهبي _رحمه الله_ في "الكبائر"
(ص: 12):
"الكبيرة الثانية: قتل النفس."
اهـ
ففي "سنن أبي داود" (4/ 103)
(رقم: 4270):
عن رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يَقُولُ:
«كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا»،
صحيح:
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 38) (رقم: 511)
وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح
رياض الصالحين" (2 / 537):
وهذا الحديث يدل على عظم قتل النفس،
وأنه من أكبر الكبائر - والعياذ بالله -، وأن القاتل عمداً يخشى أن يسلب دينه."
اهـ
وقال سليمان بن خلف التجيبي القرطبي الشهيرى
بـ"أبي الوليد الباجي" الأندلسي (المتوفى: 474هـ) _رحمه
الله_ في "النصيحة الولدية" (1
/ 20):
"وإياكما والعونَ على سفْكِ دمٍ
بِكَلِمَة أَو الْمُشَاركَةَ فِيهِ بِلَفْظَة، فَلَا يزَال الْإِنْسَان فِي فسحة
من دينه مَا لم يغمس يَده أَو لِسَانه فِي دمِ امْرِئٍ مُسلمٍ،
قَالَ الله _تَعَالَى_:
{وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ
عذَابا عَظِيما} الْبَقَرَة 93)) اهـ
وفي "أثر العلم الشرعي في مواجهة
العنف والعدوان" (1 / 33):
"أما الأحاديث في تحريم القتل،
وتبشيع أمره، فهي كثيرة جدًا، ومنها ما يأتي:
حديث ابن مسعود
- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:
« أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في
الدماء »، [رواه البخاري: 6533 ، 6864 ، ومسلم: 1678]
ففي
هذا الحديث تغليظ أمر الدماء ، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة ،
وذلك لعظم أمرها وشدة خطرها. [شرح النووي على صحيح مسلم
11 / 167 ، ونيل الأوطار 7 / 197]
قال ابن حجر : "في الحديث عظم أمر
الدم ، فإن البداءة إنما تكون بالأهم ، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت
المصلحة ، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك" . [فتح
الباري 11 / 397]
حديث البراء بن عازب
- رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لزوالُ الدنيا أهونُ على
الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق» [ق][5]
وفي هذا الحديث تغليظ أمر القتل وتهويل
شأنه.
وقال
الإمام في "تنوير الأبصار بما في الرماية من المنافع والأضرار" (1 / 37)
فإذا
كان المسلم تسد عنه أبواب الخير وتغلق دونه, ويلاحقه الشَّقاء بقية عمره، إلا أن
يشاء الله في قطرات يصيبها من دم,
فما
بالك بمن يقتل مجموعة من المسلمين ظلما وعدوانا ؟
وهذا
العذاب في قتل مؤمن واحد, فكيف بمن قتل أكثر من مؤمن ظلما وعدوانا ؟
فأشقى
المسلمين هذا الذي يقتل النفس المحرمة, وأشقى منه من اغتبط لقتل مسلم - أي سر
وفرح-." اهـ
قال يحيى بن أبى بكر بن محمد بن يحيى العامري الحرضي (المتوفى:
893هـ) _رحمه الله_ في "بهجة المحافل وبغية
الأماثل" (2 / 10):
"وانظر
كيف لم يعذر النبي _صلى الله تعالى عليه وآله وسلم_ هؤلاء، وقد كان فعلُهم فى نصر
دين الاسلام، وقبل تقرر الأحكام، وتأولوا أنما قيلت في هذه الحال خوفا من القتل،
وهو الذي يقرب الى الأفهام،
فلم
يعذرهم بشىء من ذلك _صلي الله عليه وسلم_، بل قال لاسامة:
(أفلا
شققت عن قلبه)، ومعناه: لو فعلت لم يُفِدْ ذلك، ولم يكن ذلك سبيلا إلى معرفة ما
هناك، فلم يبق، إلا أن يبين عنه لسانه.
ففي
هذا: أن الاحكام الشرعية تناط بالمظان والظواهر، لا على القطع واطلاع السرائر
والله سبحانه أعلم." اهـ
[1] وفي العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (5/ 330) لتقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسى المكي (المتوفى: 832
هـ) : براء مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت." اهـ
[2] وفي المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 992) : وأمَّا رَزَاح , بفتح
الراء , هو جد عُمَر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رياح عَبد الله بن
قرط بن رَزَاح بن عَدِيّ بن كَعْب.
[3] وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 38) (رقم : 127) : حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
عَاصِمٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ :
«عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ»
[4] أخرجه البخاري في "صحيحه" (9/ 2)
(رقم: 6863)
[5] صحيح: صححه الألباني في "صحيح الترغيب
والترهيب" (2/ 629) (رقم: 2438)
Komentar
Posting Komentar