شرح الحديث 32 (بَابُ دَعْوَةِ الْوَالِدَيْنِ) من الأدب المفرد


 

17_ بَابُ دَعْوَةِ الْوَالِدَيْنِ

 

32 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:

قَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

«ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ»

[قال الشيخ الألباني: حسن]

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ (ثقة: ت بعد 210 هـ):

مُعاذ بْنُ فَضالة، أبو زيد الزَّهْرَانِيُّ الْبَصْرِيُّ، روى له:  خ خد

 

قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ (ثقة ثبت: ت 154 هـ):

هشام بن أبي عبد الله (سَنْبَرٌ) الدستوائي، أبو بكر البصري، الرِّبْعِيُّ، ويقال له: "صاحب الدستوائى"، من كبار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ (ثقة ثبت: ت 132 هـ):

يحيى بْن أَبِي كَثِيْرٍ، أبو نَصْرٍ اليَمَامِيُّ الطائِيُّ مولاهم، من صغار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ثقة: 114 هـ بالمدينة)[1]:

محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشى الهاشمى المدني، أبو جعفر الباقر (وأمه: أمُّ عبْدِ اللهِ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ)، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق 

 

وأبو جعفر هنا يحتمل راويين:

* أبا جعفر الباقر (وهو: محمد بن علي الباقر بن الحسين بن على بن أبى طالب القرشى الهاشمى، وهو ثقة

* وأبا جعفر المؤذن الأنصاري (وهو ضعيف)،

لكن ورد صريحا في رواية العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 72)، وابن ماسي البغدادي المتوفى: 369هـ في "فوائده" (ص: 87) (رقم : 12)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 214 و 9/ 531 و 10/ 292) (رقم : 3323 و 7059 و 7513) بإسناده: عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المعروف بـ"أبي جعفر الباقر" _رحمه الله_، روى له:  خ م د ت س ق. فانتفى الالتباس، ولله الحمد.

 

* أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ (صحابى: ت 57 هـ):

عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي اليماني (حافظ الصحابة)، روى له: خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ (ت 57 هـ) :

يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَهُنَّ _لَا شَكَّ فِيهِنَّ_: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ."

 

شرح الحديث :

 

ورد في "مسند أحمد" – ط. عالم الكتب (2/ 367) (رقم : 8795):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

«دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا، فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ»

وحسنه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 535) (رقم: 2229).

 

وفي "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 481) (رقم: 6392):

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

«ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ، دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ»

حسنه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 582) (رقم : 3032)

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 25) (رقم: 32)، وأبو داود في "سننه" (2/ 89) (رقم : 1536)، والترمذي في "سننه" (4/ 314 و 5/ 502) (رقم: 1905 و 3448)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1270) (رقم : 3862)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (4/ 251) (رقم: 2639)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 105) (رقم: 29830)، وغيرهم.

 

والحديث حسن: حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (2/ 145) (رقم: 596).

 

وقال شعيب الأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج صحيح ابن حبان" (6/ 416_417):

"حديث حسن، رجال إسناده ثقات إلا أن فيه انقطاعًا إن كان أبو جعفر هو محمد بن علي كما قال المؤلف، فإنه لم يدرك أبا هريرة، وإن كان غيره، فهو مجهول،

فقد جاء في "الميزان" 4/11: أبو جعفر اليمامي عن أبي هريرة، وعنه عثمان بن أبي العاتكة مجهول. أبو جعفر عن أبي هريرة،

أراه الذي قبله، روى عنه يحيى بن أبي كثير وحده، فقيل: الأنصاري المؤذن، له حديث النزول، وحديث "ثلاث دعوات"، ويقال: مدني، فلعله محمد بن علي بن الحسين،

وروايته عن أبي هريرة وعن___أم سلمة فيها إرسال، لم يلحقهما أصلاً.

وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (32) و (481) ، وأبو داود (1536) في الصلاة: باب الدعاء بظهر الغيب، والترمذي (1905) في البر والصلة: باب ما جاء في دعوة الوالدين، و (3448) في الدعوات: باب رقم (48) ، وابن ماجه (3862) في الدعاء: باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم، والطيالسي (2517) ، وأحمد 2/258 و348 و478 و517 و523، والقضاعي في "مسند الشهاب" (306) ، والبغوي (1394) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، بهذا الإِسناد.

وله شاهد يتقوى به عند أحمد (4/154) [(رقم: 17399)][2] من طريق زيد بن سلام، عن عبد الله بن زيد بن الأزرق (لم يوثقه غير ابن حبان) عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد والمسافر والمظلوم". اهـ كلام الأرنؤوط _رحمه الله_

 

من فوائد الحديث :

 

1_ فيه استجابة دعوة الثلاثة وأسبابها.

 

وفي المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/ 196) لمحمود السبكي :

"وأكد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إجابة دعاء هؤلاء الثلاثة لشدة التجائهم إلى الله تعالى مع رقة القلب وصدق الطلب. ولا مفهوم للعدد، بل مثل هذه الثلاثة: دعوة الإِمام العادل، والصائم حين يفطر، لما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله _صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم_:

«ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب : (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)»." اهـ

 

وحديث الترمذي هذا، قال عنه شعيب الأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (15/ 463_464):

"حديث صحيح بطرقه وشواهده، دون قوله "يوم القيامة"، وهذا الإسناد ضعيف لجهالة أبي مُدلة: وهو مولى عائشة أم المؤمنين، فلم يَرْوِ عَنْهُ غيْرُ أبي مجاهدٍ: وهو سعد الطائيُّ.

وأخرجه المزي في ترجمة أبي المدلة من "تهذيب الكمال" 34/269-270 ____من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن ماجه (1752) من طريق وكيع، به.

وأخرجه الترمذي (3598) من طريق عبد الله بن نمير، والبغوي (1395) من طريق عبيد الله بن موسى، كلاهما عن سعدانَ، به.

وأخرجه ابن خزيمة (1901) من طريق عمرو بن قيس الملائي، عن أبي مجاهد، به. وقال بإثره: أبو مُدِلة مولى أبي هريرة. وهذا خطأ، والصواب أنه مولى عائشة.

وسيأتي الحديث مختصراً: "الصائم لا ترد دعوته" من طريق وكيع برقم (10183) . وسلف مختصراً أيضا: "الإمام العادل لا ترد دعوته" من طريق وكيع برقم (9725) . والحديث بطوله قطعة من حديث سلف برقم (8043) ." اهـ كلام الأرنؤوط _رحمه الله_.

 

2_ فيه: أن للدعاء المستجاب أوقات وأحوال

 

وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر _رحمه الله_ "فقه الأدعية والأذكار" (2/ 109):

"تقدم معنا الإشارةُ إلى أوقاتٍ وأحوالٍ تُجاب فيها الدعوات، وهي أوقاتٌ وأحوالٌ فاضلة يزداد فيها قُربُ العبدِ من ربِّه ويَعْظُم إلْحاحُه عليه، ويَقوى إقبالُه وقربه وإخلاصه،

وفي السنة النبوية المباركة إشاراتٌ إلى أمور عديدة من هذا القبيل يُنبّه فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ من كان كذلك فإنَّ دعوتَه لا تُردُّ.

ولَعلِّي أشير هنا إلى جملةٍ من نصوص السنة الواردة فيمن لا ترد دعوتهم. فمِمَّا ورد في السنة أنَّ دعوتهم لا ترد : الصائم حتى يفطر، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده أو عليه، ودعوة المظلوم." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (19/ 404_406):

"من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعةً:

[أحدها]: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثُ دعوات مستجابات، لا شك فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده"، خرّجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذيّ (2)، وعنده: "دعوة الوالد على ولده"، ورُوي مثله عن ابن مسعود -رضي الله عنه- من قوله.

ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاقّ، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

[والثاني]: حصول التبذّل في اللباس، والهيئة، بالشعث والإغبار، وهو أيضًا من المقتضيات لإجابة الدعاء، كما في الحديث المشهور، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- "رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرين، مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه" (1).

ولما خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للاستسقاء خرج متبذّلًا متواضعًا متضرّعًا (2)، وكان مطرِّف بن عبد الله قد حُبس له ابن أخ فلبس خُلْقان ثيابه، وأخذ عُكّازًا بيده، فقيل له: ما هذا؟ قال: أَستكين 1لربي، لعله أن يُشَفِّعني في ابن أخي.

[الثالث]: مَدُّ يديه إلى السماء، وهو من آداب الدعاء التي يُرْجَى بسببها إجابته، وفي حديث سلمان -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى حَييٌّ كَرِيم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفْرًا خائبتين"، خرّجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه (3)، وروي نحوه من حديث أنس، وجابر، وغيرهما...

[والرابع]: الإلحاح على الله -عز وجل- بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يُطلب به إجابة الدعاء." اهـ

 

3_ فيه الحث على تعوُّد الدعاء

 

وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر _رحمه الله_ "فقه الأدعية والأذكار" (2/ 259):

"ينبغي على المسلم أن يُعوِّدَ نفسَه الدعاءَ لنفسه وولدِه ومالِه بالخير والنماءِ والبركةِ والصلاحِ ونحوِ ذلك، وأن يملكَ نفسه، ولا سيما عند غضبه من أن يدعو على نفسه أو ولده أو ماله بالهلاك أو الشرِّ أو الفساد، فقد يُستجاب له في ذلك فيندمُ ويتحسَّرُ، مع أنَّه هو الذي دعا بذلك وطلبَه،

وإنَّا لنرجو اللهَ أن يهدينا جميعاً سواء السبيل، وأن يوفِّقَنا لكلِّ خيرٍ يُحبُّه ويرضاه في الدينا والآخرة." اهـ[3]

 

4_ وفيه الترغيب في الإكثار من الدعاء حال السفر

 

وقال محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي، الشهير بـ"ابْنِ الْحَاجِّ" (المتوفى: 737 هـ) _رحمه الله_ في "المدخل" (4/ 51):

"وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ فِي سَفَرِهِ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِوَلَدِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَلِوُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا." اهـ[4]

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 573):

"في هذا الحديث: استحباب إكثار الدعاء في السفر، لأنه مظنة الإجابة." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (4/ 616):

"إن الله _تعالى_ يستجيب له، ولذا ينبغي أن يغتنم فرصة الدعاء في السفر، وإذا كان السفر سفر طاعة كعمرة وحج فإنه يزداد ذلك قوة في إجابة الدعاء." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر _حفظه الله_ في "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 272):

"إنَّ المسافرَ يُستحبُّ له في سفره الإكثارُ من الدعاء لنفسه ووالديه وأهله وولده وجميع المسلمين، ويتخيَّر من الدعاء أجمَعَه، مع الإلحاح على الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ دعوةَ المسافر مستجابةٌ." اهـ

 

5_ وفيه: النهي عن الظلم والعقوق.

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 573):

"وفيه: النهي عن الظلم والعقوق." اهـ

 

6_ استجابة دعوة المظلوم

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (4/ 616):

"والمظلوم لابد أن يُنْصَفَ لَهُ من الظالم، ولهذا لما أرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_ معاذًا إلى اليمَنِ، قال له: «اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» [خ م]

فالمظلوم دعوته مستجابة إذا دعا على ظالمه بمثل ما ظلمه أو أقل إما إذا تجاوز فإنه يكون معتديا فلا يستجاب له هذه واحدة." اهـ

 

7_ التحذير الشديد من دعاء المظلوم

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي ثم الْمُنَاوِيّ القاهري (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (3/ 301):

"[تنبيه] قد ورد في التحذير من دعاء المظلوم أحاديث لا تكاد تحصى، ومصرع الظالم قريب، والرب _تعالى_ في الدعاء عليه مجيب، سِيَّمَا بحالة الاحتراق والانكسار والذلة والصغار بين يدي الْمَلِكِ الْجَبَّارِ في ساعة الأسحارِ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء: 227]." اهـ

 

8_ فيه اللجوء إلى الله والشفقة عَلَى خلق الله.

 

أبو بكر محمد بن أبي إسحاق البخاري الحنفي الشهير بـ"الكلاباذي" (المتوفى: 380 هـ) _رحمه الله_ في "بحر الفوائد" المسمى بـ"بمعاني الأخبار" (ص: 44):

"فِيهِ: إِشَارَةٌ إِلَى التَّبَرُّئِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ، وَالِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسَافِرَ مُسْتَوْفِزٌ مُضْطَرِبُ الْحَالِ، قَلَّ مَا يُسَاكِنُ شَيْئًا، أَوْ يُوَافِقُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ مُنْتَقِلٌ فِي الْمَكَانِ مُخْتَلِفُ الْعِشْرَةِ مِنَ الْأَحْزَانِ، عَلَى وَجَلٍ مِنْ حَوَادِثِ الزَّمَانِ، كَثِيرُ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ إِلَى الرَّحْمَنِ، قَدْرُ مَا انْفَصَلَ سِرُّهُ مِنَ الِاعْتِبَارِ اتَّصَلَ سِرُّهُ مِنَ الْخِيَارِ، صَفَا سِرُّهُ، فَأَسْرَعَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ إِذَا دَعَاهُ،

وَالْمَظْلُومُ مُضْطَرٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]،

وَالْمُضْطَرُّ مُنْقَطِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَالِدُ مُشْفِقٌ عَلَى وَلَدِهِ، مُؤْثِرٌ لِحَظِّهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ، فَصَحَّتْ شَفَقَتُهُ، فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ." اهـ

 

وفي "تفسير القرطبي" (13/ 223):

"وَقَوْلُهُ: {...فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]،

فَأَجَابَهُمْ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَوُقُوعِ إِخْلَاصِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...} [العنكبوت: 65]،

فَيُجِيبُ الْمُضْطَرَّ لِمَوْضِعِ اضْطِرَارِهِ وَإِخْلَاصِهِ." اهـ

 

9_ بيان سبب إجابة دعوة الوالدين

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (4/ 617):

"أما دعوته لولده، فلأنه يدعو لولده شفقة ورحمة، والراحمون يرحمهم الله _عز وجل_، وأما عليه فإنه لا يمكن أن يدعو على ولده إلا باستحقاق، فإذا دعا عليه وهو مستحق لها استجاب الله دعوته." اهـ

 

وقال الزيداني _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 132):

"قبولُ دعوة الوالد والمسافر لما ذكرناه من أنه يخرج الدعاءُ عن التضرع.

ولفظ الحديث في كتاب أبي عيسى الترمذي : "دعوة الوالد على ولده"؛ يعني: دعاء الشرِّ،

وإنما يكون قبول هذا الدعاء إذا صدر عن الولد عقوقٌ؛ أي: مخالفة أمر الوالد فيما يجب على الولد طاعته، فإذا خالفه الولد، يكون الوالدُ مظلومًا، فيستجابُ دعاؤه، كما ذكرنا في المظلوم، وتقاسُ على الوالد الوالدةُ.

وقيل: بل دعاءُ الوالدِ أسرعُ إجابةً من دعاء الوالدة؛ لأن الوالدةَ لها رحمةٌ وشفقةٌ بالولد، لا تريد قبول دعائها." اهـ

 

10_ أوقات استجابة الدعاء

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي ثم الْمُنَاوِيّ القاهري (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (3/ 301):

"[فائدة] قال الْمَقْرِيْزِيُّ في "تَذْكِرَتِهِ" : يستجاب الدعاء في أوقات:

* منها عند القيام إلى الصلاة،

* وعند لقاء العدو في الحرب،

* وإذا قال مثل ما يقول المؤذن، ثم دعا وبين الأذان والإقامة،

* وعند نزول المطر،

* ودعوة الوالد لولده،

* والمظلوم حتى ينتصر،

* ودعوة المسافر حتى يرجع،

* والمريض حتى يبرأ،

* وفي ساعة من الليل،

* وفي ساعة من يوم الجمعة،

* وفي الموقف بعرفة،

* ودعوة الحاج حتى يصدر،

* والغازي حتى يرجع،

* وعند رؤية الكعبة،

* ودعاء تقَّدمه الثناء على الله _تعالى_ والصلاة على نبيه _صلى الله عليه وسلم_،

* ودعاء الصائم مطلقا،

* ودعاؤه عند فطوره،

* ودعاء الإمام العادل،

* ودعاء عبد رفع يديه إلى الله تعالى،

* والدعاء عند خشوع القلب واقشعرار الجلد،

* ودعاء الغائب للغائب." اهـ

 

وقال أحمد بن محمد بن علي بن حجر السعدي الأنصاري، المعروف بـ"الهيتمي" (المتوفى: 974 هـ) _رحمه الله_ في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 105_106):

"(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ)

قَالَ _تَعَالَى_ : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ، فَلَا يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ، وَلَا يُحِدُّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا، بَلَى يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا مِثْلَ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ السَّيِّدِ تَذَلُّلًا لَهُمَا،

وَقَالَ _تَعَالَى_ :____

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]،

أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْبِرُّ وَالشَّفَقَةُ وَالْعَطْفُ وَالتَّوَدُّدُ وَإِيثَارُ رِضَاهُمَا. وَنَهَى عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا أُفٍّ، إذْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِيذَاءِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ حَتَّى بِأَقَلِّ أَنْوَاعِهِ،

وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «لَوْ عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا أَدْنَى مِنْ أُفٍّ لَنَهَى عَنْهُ، فَلْيَعْمَلْ الْعَاقُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلْيَعْمَلْ الْبَارُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ النَّارَ» .

ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا الْقَوْلُ الْكَرِيمُ: أَيْ اللَّيِّنُ اللَّطِيفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْعَطْفِ وَالِاسْتِمَالَةِ وَمُوَافَقَةِ مُرَادِهِمَا وَمَيْلِهِمَا وَمَطْلُوبِهِمَا مَا أَمْكَنَ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ،

فَإِنَّ الْكَبِيرَ يَصِيرُ كَحَالِ الطِّفْلِ وَأَرْذَلَ؛ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَفِ وَفَسَادِ التَّصَوُّرِ، فَيَرَى الْقَبِيحَ حَسَنًا وَالْحَسَنَ قَبِيحًا، فَإِذَا طَلَبْت رِعَايَتَهُ وَغَايَةَ التَّلَطُّفِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَأَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُ عَقْلَهُ إلَى أَنْ يَرْضَى فَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى.

ثُمَّ أَمَرَ _تَعَالَى_ بَعْدَ الْقَوْلِ الْكَرِيمِ بِأَنْ يَخْفِضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يُكَلِّمَهُمَا إلَّا مَعَ الِاسْتِكَانَةِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَإِظْهَارِ ذَلِكَ لَهُمَا، وَاحْتِمَالِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا، وَيُرِيهِمَا أَنَّهُ فِي غَايَةِ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِمَا وَبِرِّهِمَا، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ،

وَلَا يَزَالُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُثَلِّجَ خَاطِرَهُمَا، وَيُبَرِّدَ قَلْبَهُمَا عَلَيْهِ، فَيَنْعَطِفَا عَلَيْهِ بِالرِّضَا وَالدُّعَاءِ؛ وَمِنْ ثَمَّ طَلَبَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ يَقْتَضِي دُعَاءَهُمَا لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَلْيُكَافِئْهُمَا إنْ فُرِضَتْ مُسَاوَاةٌ، وَإِلَّا فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ،

وَكَيْفَ تُتَوَهَّمُ الْمُسَاوَاةُ، وَقَدْ كَانَا يَحْمِلَانِ أَذَاك وَكَلَّك وَعَظِيمَ الْمَشَقَّةِ فِي تَرْبِيَتِك، وَغَايَةَ الْإِحْسَانِ إلَيْك، رَاجِينَ حَيَاتَك، مُؤَمَّلِينَ سَعَادَتَك، وَأَنْتَ إنْ حَمَلْت شَيْئًا مِنْ أَذَاهُمَا رَجَوْت مَوْتَهُمَا، وَسَئِمْت مِنْ مُصَاحَبَتِهِمَا؛

وَلِكَوْنِ الْأُمِّ أَحْمَلَ لِذَلِكَ وَأَصْبَرَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ عَنَاءَهَا أَكْثَرُ وَشَفَقَتَهَا أَعْظَمُ بِمَا قَاسَتْهُ مِنْ حَمْلٍ وَطَلْقٍ وَوِلَادَةٍ وَرَضَاعٍ وَسَهَرِ لَيْلٍ، وَتَلَطُّخٍ بِالْقَذَرِ وَالنَّجَسِ، وَتَجَنُّبٍ لِلنَّظَافَةِ وَالتَّرَفُّهِ حَضَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بِرِّهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعَلَى بِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّك، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّك، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أَبُوك ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ» [خ م].

وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ___

فَقَالَ : "يَا ابْنَ عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا؟" قَالَ : (لَا، وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّك أَحْسَنْت، وَاَللَّهُ يُثِيبُك عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا)."

«وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: ي"َا أَبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّيَ تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا." فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : "الْوَالِدَةُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْت، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ».

وَقَالَ - تَعَالَى -: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فَانْظُرْ - وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ - كَيْفَ قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ." اهـ

 

وقال محمد لقمان بن محمد بن ياسين أبو عبد الله الصِّدِّيْقِيُّ السلَفِيُّ (المتوفى 1441 هـ) _رحمه الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد" (ص 34):

"أهم حقوق العباد: حق الوالدين، وهما يستحقان التواضع من الولد وتوقيرهما، والتلطف لهما بالقول والعمل حتى يدعو لأولاده دعاء حسنا مستجابا عند الله." اهـ


[1] قال مغلطاي الحنفي _رحمه الله_ في "إكمال تهذيب الكمال" (10/ 280):

قال محمد بن سعد: توفي وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، سنة ثماني عشرة ومائة، وقال غيره: مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة. كذا ذكره المزي، والذي في كتاب ابن سعد: أبنا عبد الرحمن بن يونس عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد قال: سمعت محمد بن علي يذاكر فاطمة بنت حسين شيئًا من صدقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه توفي لي ثمان وخمسين سنة، ومات لها.

قال محمد بن عمر: وأما في روايتنا فإنه مات سنة سبع عشرة ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين.

قال ابن سعد: وقال غيره يعني الهيثم بن عدي: توفي سنة ثماني عشرة. وقال أبو نعيم: توفي بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة.

فهذا كما ترى ابن سعد لم يقل ثلاثًا وسبعين، إنما قالها الواقدي، وقد نص على ثمان وخمسين في كتابه، والمزي ذكرهما عن غيره وذكر أربع عشرة وسبع عشرة بلفظ وقيل: ولو رآهما عند ابن سعد: لما قال ذلك ولعلم أن___أربع عشرة هي الأولى والأصح. وقال عن ابن سعد: توفي سنة ثماني عشرة وهو لم يقل ذاك إنما نقله عن غير شيخه، والله تعالى أعلم.

ولما ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " قال: مات سنة أربع عشرة.

وقال البخاري: ثنا عبد الله بن محمد عن ابن عيينة عن جعفر الصادق قال: مات أبي سنة أربع عشرة، وكذا نقله الكلاباذي عن عمرو بن علي الفلاس. وقال: هو الصحيح، وابن أبي شيبة عبد الله بن محمد في " تاريخه ".

وفي " تاريخ الطالبيين " للجعابي: حدثنا محمد بن حسين بن جعفر، ثنا عباد بن يعقوب، ثنا عمر بن محمد بن عمر بن علي بن حسين وكان عالمًا بأنساب بني هاشم قال: ولد أبو جعفر سنة سبع وخمسين، ومات سنة أربع عشرة ومائة.

وقال الزبير: حدثني عمي مصعب قال: توفي أبو جعفر بالمدينة سنة أربع عشرة.

وفي كتاب القراب: أبنا الحساني أبنا ابن عروة قال: توفي أبو جعفر سنة أربع عشرة.

وقال ابن قانع: مات سنة أربع عشرة وله ثمان وخمسون سنة. أخبرني بذلك حسن بن طاهر عن أبيه عن جده عن عبد الجبار عن سفيان عن جعفر ابنه.

وجزم يعقوب بن سفيان الفسوي به ولم يذكر غيره وتبعه على ذلك جماعة." اهـ

[2]  وأخرجه : معمر بن راشد في "الجامع" (10/ 409) (رقم : 19522)، وابن خزيمة "صحيحه" (4/ 113) (رقم : 2478)، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 340) (رقم : 939) والروياني في مسنده (1/ 160) (رقم : 187).

هو حديث حسن لغيره : وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 534) (رقم : 2227)

[3]  وفي "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" (5/ 138) لابن علان:

"وقيل: يمتنع، وحمل الدعاء بذلك على المتمرد لعموم ظلمه أو كثرته أو تكرره أو فحشه أو إماتته لحق أو سنة أو إعانته على باطل أو ظلم أر بدعة، والمنع: على من يظلم أو ظلم في عمره مرة،

وورد في الحديث أن الدعاء على الظالم يذهب أجر المظلوم، وأخرج الترمذي وغيره : «من دعا على ظالمه، فقد انتصر»

قال بعضهم : والدعاء على من ظلم المسلمين لا يذهب أجر الداعي لأنه لم يدع لحظ نفسه." اهـ

أقول: والحديث الذي نقله ابن علان أخرجه الترمذي في سننه (5/ 554) (رقم: 3552)، وقال: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ»: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَمْزَةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي أَبِي حَمْزَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَهُوَ: مَيْمُونٌ الأَعْوَرُ." اهـ

وهو حديث صعيف: ضعفه المحدث الألباني _رحمه الله_  في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (10/ 108) (رقم: 4593)، وقال تعليقا عليه:

"وذكر ابن عدي نحوه، وقال: "وأبو حمزة ميمون القصاب؛ أحاديثه التي يرويها - خاصة عن إبراهيم - مما لا يتابع عليه". وقال الحافظ: (ضعيف)." اهـ

[4]  وقال النووي _رحمه الله_ أثناء تعداده آداب السفر في كتابه "المجموع شرح المهذب" (4/ 396) : "يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة