شرح الحديث 209 من الأدب المفرد

 

106- بابُ: لا يقول: (عبدي)

 

209 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: (عَبْدِي، أَمَتِي)، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ،

وَلْيَقُلْ: (غُلَامِي، جَارِيَتِي، وَفَتَايَ، وَفَتَاتِي)."

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ (ثقة: ت. 227 هـ):

محمد بن عبيد الله بن محمد بن زيد بن أبى زيد القرشى الأموي، أبو ثابت المدني (مولى آل عثمان بن عفان)، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له: خ س 

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (5/ 679): توفي سنة سبع وعشرين ومائتين في المحرم.

 

* قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ (صدوق: ت. 184 هـ بـ المدينة):

عبد العزيز بن أبى حازم سلمة بن دينار المخزومي مولاهم، أبو تَمَّام المدني، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق 

 

* عَنِ الْعَلَاءِ (صدوق ربما وهم: ت. 138 هـ):

العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الْحُرَقِي، أبوْ شِبْل المدني (مولى الْحُرَقَة من جهينة)، من صغار التابعين، روى له: ر م د ت س ق  (ر: البخاري في جزء القراءة خلف الإمام)

 

* عَنْ أَبِيهِ (ثقة):

عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، أبو صالح (مولى الحرقة، ووالد العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب)[1]، من الوسطى من التابعين، روى له: ر م د ت س ق 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (ت. 57 هـ):

عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي اليماني (حافظ الصحابة، وله 5370 حديثا)، روى له: خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: (عَبْدِي، أَمَتِي)، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ،

وَلْيَقُلْ: (غُلَامِي، جَارِيَتِي، وَفَتَايَ، وَفَتَاتِي)."

 

سنن أبي داود (4/ 294)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي، وَلَا يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ رَبِّي وَرَبَّتِي، وَلْيَقُلِ الْمَالِكُ فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»

 

وفي "صحيح البخاري" (13/ 112) (رقم: 2552):

عن أبَي هُرَيْرَةَ _رَضِي الله تَعَالَى عنهُ_، يُحَدِّثُ:

عنِ النَّبِيِّ _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ أنَّهُ قَالَ:

"لَا يَقُلْ أحَدُكُمْ: (أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّىءْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ)، ولْيَقُلْ: (سَيِّدي، ومَوْلايَ)، وَلَا يَقُلْ أحَدُكُم: (عَبْدِي، أمَتي)، ولْيَقُلْ: (فَتايَ وفَتَاتِي وغُلامِي)."

 

وقال العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (13/ 112_113):

"قَوْله: (وَليقل سَيِّدي ومولاي) ،

وَقَالَ الْكرْمَانِي: السِّيَاق يَقْتَضِي أَن يُقَال: سيدك ومولاك، لتناسب: رَبك. قلت: الأول خطاب للسادات. وَالثَّانِي: للمماليك. أَي: لَا يَقُول السَّيِّد للْمَمْلُوك: (أطْعم رَبك)، إِذْ فِيهِ نوع من التكبر، وَلَا يَقُول العَبْد أَيْضا لفظًا___يكون فِيهِ نوع تَعْظِيم لَهُ، بل يَقُول: (أطعمت سَيِّدي ومولاي وَنَحْوه).

قلت: روى مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة فِي ذَا الحَدِيث نَحوه، وَزَاد: (وَلَا يقل أحدكُم: مولَايَ، فَإِن مولاكم الله).

قلت: اخْتلفُوا فِي هَذِه الزِّيَادَة على الْأَعْمَش، مِنْهُم من ذكرهَا، وَمِنْهُم من حذفهَا، وَقَالَ عِيَاض: حذفهَا أصح، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمَشْهُور حذفهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا صرنا إِلَى التَّرْجِيح للتعارض مَعَ تعذر الْجمع وَعدم الْعلم بالتاريخ." اهـ

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 503_504)

"(لَا يقل أحدكُم: أطْعم رَبك، وَليقل: سَيِّدي، مولَايَ. وَلَا يقل أحدكُم: عَبدِي وَأمتِي، وَليقل: فَتَاي وَفَتَاتِي وَغُلَامِي)

المُرَاد بهَا: نفي الْمُشَاركَة فِيمَا هُوَ اسْم علم لله عز وَجل، فَإِن___الرب من أَسمَاء الْحق - سُبْحَانَهُ - الْأَعْلَام، وَكَذَلِكَ العَبْد إِنَّمَا يُضَاف غَالِبا إِلَى الله عز وَجل.

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 180)

زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَنَحْو مَا قَدمته من رِوَايَة بن سِيرِينَ فَأَرْشَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْسِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رَاجِعٌ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْتِزَامِ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِالْمَرْبُوبِ

 

فتح الباري لابن حجر (5/ 180)

قَوْلُهُ: (وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي)، زَادَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ: (وجاريتي)،

فأرشد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا يُؤَدِّي الْمَعْنَى مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التعاظم، لِأَن لفظ (الفتى وَالْغُلَامِ) لَيْسَ دَالًّا عَلَى مَحْضِ الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ الْعَبْدِ.

فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْفَتَى فِي الْحُرِّ، وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: (الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جِهَةِ التَّعَاظُمِ، لَا مَنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ)، انْتَهَى.

وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّعْرِيفُ بِدُونِ ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ فِي اللَّفْظِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ." اهـ

 

وقال الخطابي في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (2/ 1271_1273):

"إنما منع صلى الله عليه وسلم أن يقال: (أطعم ربك، اسق ربك)، لأن الإنسان مربوب متعبد، بإخلاص التوحيد لله عز وجل، وترْكِ الإشراك معه،

فكره له المضاهاة بالاسم، لئلا يدخل في معنى الشرك، والحر والعبد في هذا بمنزلة واحدة،

فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوان والجماد، فلا بأس بإطلاق هذا الاسم عليه عند الإضافة، كقولك: (رب الدابة، ورب الدار، والثوب، ونحوها)،

ولم يمنع العبد أن يقول: (سيدي، ومولاي)، لأن مرجع السيادة إلى معنى الرئاسة على من تحت يده، والسياسة له، وحسن التدبير لأمره، ولذلك سمي الزوج سيدا. قال الله عز وجل:

{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]،

وقال النبي_ صلى الله عليه وسلم_ في الحسن بن علي: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين) [خ]

وكان ما جرى منه _رضوان الله عليه_ في ذلك المقام حسن تدبير ونظر سياسة، وإن كان أحق بالأمر، وأولى به.

وقد قال بعض أهل اللغة: إنما سمي السيد سيدا لأنه يملك السواد الأعظم، أو يليهم، أو كما قال من هذا النحو.

وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي، وناصر، وابن عم، وحليف، ومعتق، وجماع ذلك كله في معنى الاشتقاق: ولاية أمر وإصلاحه، فلم يمنع أن يوصف بها الإنسان، ويضاف إليها،

ولكن لا يقال السيد على الإطلاق، ولا المولى من غير إضافة إلا في صفة الله عز وجل، وكذلك العبد يكره لمالك الرقبة أن يقول: عبدي، لأن هذا الاسم من باب المضاف ومقتضاه العبودية له، وصاحبه الذي هو مالكه عبد الله، متعبد بأمره ونهيه،

فإدخال مملوكه تحت هذا الاسم يوهم الشرك، ويوجب معنى المضاهاة، فلذلك استحب له أن يقول: فتاي، وفتاتي، ونحو ذلك من القول،

والمعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر، والتزام الذل والخشوع، وهو الذي يليق بسمة العبيد،____وبصفات المربوبين، لا يحسن بعبد أن يقول: فلان عبدي، وإن كان قد ملك قيادة في الاستخدام له، والاستخذاء لطاعته، امتحانا، وابتلاء من الله لخلقه. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20].

وقد روى أبو عبد الله على أثر هذا الحديث حديثا حسنا ذكرته، ليكون من قارئ هذا الكتاب على بال." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 82) (رقم: 209)، وفي "صحيحه" (3/ 150) (رقم: 2552)، مسلم (4/ 1764/ 13_15) (رقم: 2249)، وأبو داود (4/ 294) (رقم: 4975)

 

من فوائد الحديث:

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (36/ 581)

في فوائده:

1 - (منها): بيان النهي عن قول الإنسان: عبدي، وأمتي، ولكن يقول:

غلامي، وفتاي، وفتاتي، وجاريتي،

قال القرطبئ -رحمه الله-: أمره أن يقول هذه الألفاظ دون ما قبلها؛ لأن هذه تنطلق على الحر والعبد، وليس فيها من معنى الملك، ولا من التعاظم شيء مما في: عبدي، وأمتي، وأصل الفُتُوّة:___الشباب، وهو الفتاء -بالمد- ثم قد استُعْمِل الفتى فيمن كَمُلت فضائله، ومكارمه، كما قالوا: لا فتًى إلا عليٌّ، قال: ومن هذا أخذ الصُّوفيَّة الفتوّة المتعارفة بينهم،

وأصل الغلوميَّة في بني آدم، وهي للصغير، فينطلق على الصغير اسم غلام من حين يولد إلى أن يبلغ، فينقطع عنه ذلك الاسم، وكذلك الجارية في النِّساء. انتهى ["المفهم" 5/ 554].

2 - (ومنها): ما قال النوويّ -رحمه الله-:

قال العلماء: مقصود الأحاديث شيئان: أحدهما: نهي المملوك أن يقول لسيده: ربي؛ لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى؛ لأن الربّ هو المالك، أو القائم بالشيء، ولا يوجد حقيقةُ هذا إلا في الله تعالى.

فإن قيل: فقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة: "أن تلد الأمة ربتها، أو ربها".

فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب، وكراهة التنزيه، لا للتحريم.

والثاني: أن المراد: النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة، واتخاذها عادةً شائعةً، ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال،

واختار القاضي هذا الجواب، ولا نهي في قول المملوك: سيدي؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وليقل: سيدي"؛ لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاصَ الربّ، ولا مستعملة فيه كاستعمالها حتى نقل القاضي عن مالك أنه كَرِهَ الدعاء بسيدي، ولم يأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن، ولا في حديث متواتر، وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-:

"إن ابني هذا سيد"، و"قوموا إلى سيدكم"؛ يعني: سعد بن معاذ،

وفي الحديث الآخر: "اسمعوا ما يقول سيدكم"؛ يعني: سعد بن عُبادة، فليس في قول العبد: (سيدي) إشكال، ولا لَبْسٌ؛ لأنه يستعمله غير العبد والأمة، ولا بأس أيضًا أن يقول العبد لسيده: مولاي، فإن المولى وقع على ستة عشر معنى، سبق بيانها، منها: الناصر، والمالك.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "على ستّة عشر معنى" بل هي واحد___وعشرون معنى، وقد تقدّم أنْ ذَكَرْتُها نظمًا، فلا تَنْسَ، والله تعالى وليّ التوفيق.

قال: الثاني: يكره للسيد أن يقول لمملوكه: عبدي، وأمتي، بل يقول: غلامي، وجاريتي، وفتاي، وفتاتي؛ لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيمًا بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه،

وقد بيَّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- العلة في ذلك، فقال: "كلكم عبيد الله"، فنهى عن التطاول في اللفظ، كما نهى عن التطاول في الأفعال، وفي إسبال الإزار، وغيره، وأما غلامي، وجاريتي، وفتاي، وفتاتي، فليست دالة على الْمِلك؛ كدلالة عبدي، مع أنها تُطلق على الحرّ، والمملوك، وإنما هي للاختصاص، قال الله تعالى:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60]، وقال: {لِفِتْيَانِهِ} [يوسف: 62]، وقال:

{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} [الكهف: 13]، {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء: 60]،

وأما استعمال الجارية في الحرّة الصغيرة فمشهور معروف في الجاهلية، والإسلام، والظاهر أن المراد بالنهي مِن استعماله على جهة التعاظم، والارتفاع، لا للوصف، والتعريف، والله تعالى أعلم. انتهى ["شرح مسلم" 6/ 15 - 7]

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 221)

فِيهِ نَهْيُ الْمَمْلُوكِ أَنْ يَقُولَ لِسَيِّدِهِ رَبٍّ وَكَذَلِكَ نَهْيُ غَيْرِهِ فَلَا يَقُلْ أَحَدٌ لِلْمَمْلُوكِ رَبَّك وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ اسْقِ رَبَّك فَيَضَعُ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِنَفْسِهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالنَّهْيِ مِنْ قَوْلِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ ذَلِكَ عَنْ السَّيِّدِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ حَقِيقَتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ الْقَائِمُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا حَقِيقَةً إلَّا فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ السَّيِّدِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] وَ {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا أَوْ رَبَّهَا.» قُلْت أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الثَّانِيَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَوَّلِ لِلْأَدَبِ وَالتَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الْإِكْثَارِ مِنْ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاِتِّخَاذِهَا عَادَةً شَائِعَةً، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إطْلَاقِهَا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْجَوَابَ الثَّانِيَ.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 221)

ذِكْرُ السَّقْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالْوُضُوءِ أَمْثِلَةٌ وَالْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الرَّبِّ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 221)

فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ عَنْ مَالِكِهِ سَيِّدِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ السَّيِّدِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ___بِاَللَّهِ تَعَالَى اخْتِصَاصَ الرَّبِّ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ كَاسْتِعْمَالِهَا حَتَّى نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الدُّعَاءَ بِسَيِّدِي وَلَمْ يَأْتِ تَسْمِيَتُهُ تَعَالَى بِالسَّيِّدِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي حَدِيثٍ مُتَوَاتِرٍ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» وَقَالَ «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ» وَقَالَ «اسْمَعُوا مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: فَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ سَيِّدِي إشْكَالٌ وَلَا لَبْسٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاتِّفَاقِ وَاخْتُلِفَ فِي السَّيِّدِ هَلْ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؟ . فَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ أَسْمَائِهِ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ لَا الْتِبَاسَ وَلَا إشْكَالَ يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الرَّبِّ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ فَلَيْسَ فِي الشُّهْرَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ كَلَفْظِ الرَّبِّ فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَالرَّبُّ مَأْخُوذٌ مِنْ " رَبَّ الشَّيْءَ وَالْوَلَدَ يُرَبِّهِ وَرَبَّاهُ يُرَبِّيهِ إذَا قَامَ عَلَيْهِ بِمَا يُصْلِحُهُ وَيُكْمِلُهُ فَهُوَ رَبٌّ وَرَابٌّ " وَالسَّيِّدُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَهُوَ التَّقَدُّمُ يُقَالُ سَادَ قَوْمَهُ إذَا تَقَدَّمَهُمْ وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى غُلَامِهِ فَلَمَّا حَصَلَ الِافْتِرَاقُ جَازَ الْإِطْلَاقُ. انْتَهَى.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 222_223):

فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ مَوْلَايَ أَيْضًا وَيُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَعْمَشِ، وَأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعًا ذَكَرَاهَا عَنْ الْأَعْمَشِ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ لَمْ يَذْكُرْهَا عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَحَذْفُهَا أَصَحُّ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَشْهُورَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ، وَإِنَّمَا صِرْنَا لِلتَّرْجِيحِ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، وَالْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ وَالْعِلْمُ بِالتَّارِيخِ مَفْقُودٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّرْجِيحُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. انْتَهَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَوْجِيهِهِ جَوَازَ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَوْلَى يَقَعُ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَعْنًى سَبَقَ بَيَانُهَا مِنْهَا النَّاظِرُ وَالْمَالِكُ (قُلْت) وَقَدْ رَأَيْت مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ يَتَوَقَّفُ فِي التَّقْرِيظِ وَتَعْظِيمِ الْأَقْرَانِ فِي كِتَابَةِ سَيِّدِنَا وَيَكْتُبُ مَوْلَانَا وَسَبَبُهُ أَنَّ السَّيِّدَ وَصْفُ تَرَجُّحٍ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا الْمَوْلَى فَقَدْ يُطْلَقُ خَالِيًا عَنْ الرُّجْحَانِ كَمَا فِي الْعَتِيقِ وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ مَوْلَايَ أَسْهَلُ، وَأَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنْ سَيِّدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَإِنْ___قَالَ مَوْلَايَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ سَيِّدِي.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 223)

فِيهِ نَهْيُ السَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي وَإِرْشَادُهُ إلَى أَنْ يَقُولَ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ وَاسْتِعْمَالِهِ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ» فَنَهَى عَنْ التَّطَاوُلِ فِي اللَّفْظِ كَمَا نَهَى عَنْ التَّطَاوُلِ فِي الْفِعْلِ، وَفِي إسْبَالِ الْإِزَارِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي فَلَيْسَ دَالًّا عَلَى الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ عَبْدِي مَعَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَإِضَافَتُهُ دَالَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60] {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} [يوسف: 62] {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] وَاسْتِعْمَالُ الْجَارِيَةِ فِي الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ مَعْرُوفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَصْلُ الْفُتُوَّةِ الشَّبَابُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْفَتَى فِيمَنْ كَمُلَتْ فَضَائِلُهُ وَمَكَارِمُهُ كَمَا جَاءَ «لَا فَتًى إلَّا عَلِيٌّ» وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الصُّوفِيَّةُ الْفُتُوَّةَ الْمُتَعَارَفَةُ بَيْنَهُمْ، وَأَصْلُ مَدْلُولِهِ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْتَحْكِمِ الْقُوَّةِ وَهُوَ عَلَى هَذَا إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ الْغُلْمَةِ وَهِيَ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ فِي الْإِنَاثِ كَالْغُلَامِ فِي الذُّكُورِ.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 223_224):

هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَبَوَّبَ بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَقَالَ {عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: 75] {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] وَقَالَ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] سَيِّدِك «وَمَنْ سَيِّدُكُمْ» ثُمَّ رَوَى مَعَ حَدِيثِ الْبَابِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «إذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ» وَحَدِيثَ أَبِي مُوسَى «الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيُؤَدِّي إلَى سَيِّدِهِ» وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ» وَحَدِيثَهُ «وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ» وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «إذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا» فَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِلْكَرَاهَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عَبْدِي، وَأَمَتِي؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى___{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّطَاوُلِ وَالْغِلْظَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ.

وَاتِّبَاعُ مَا حَضَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ أَوْلَى، وَأَجْمَلُ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ عَبْدِي، وَأَمَتِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ فَيُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمَةُ اللَّهِ فَكُرِهَ ذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِ.

وَأَمَّا الرَّبُّ فَهِيَ كَلِمَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرِكَةً وَتَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْخَالِقِ لِقَوْلِهِمْ: رَبُّ الدَّابَّةِ وَرَبُّ الدَّارِ وَيُرَادُ صَاحِبُهَا فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ تَخْتَصُّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَغْلَبِ وَالْأَكْثَرِ فَوَجَبَ أَلَا يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَخْلُوقِينَ لِنَفْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ إلَهٌ وَلَا رَحْمَانٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَحِيمٌ لِاخْتِصَاصِ اللَّهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَكَذَلِكَ الرَّبُّ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ. انْتَهَى.

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَوْلِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ رَبِّي عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى إطْلَاقُ الرَّبِّ بِلَا إضَافَةٍ أَمَّا مَعَ الْإِضَافَةِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَم.


 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 224)

قَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَاظُمِ وَالِارْتِفَاعِ لَا لِلْوَصْفِ وَالتَّعْرِيفِ.

(قُلْتُ) يَنْبَغِي اسْتِمْرَارُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ قَصَدَ التَّعْرِيفَ دُونَ التَّعَاظُمِ لَكِنْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ خَلَا عَنْ الْقَصْدِ الْقَبِيحِ اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ فِي الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 67)

التطاول على الرقيق مكروه؛ لأن الكل عبيد الله، وهو لطيف بعباده رفيق بهم، فينبغى للسادة امتثال ذلك فى عبيدهم، ومن___ملكهم الله إياهم وأوجب عليهم حسن الملك ولين الجانب، كما يجب على العبيد حسن الطاعة والنصح لساداتهم، والانقياد لهم وترك مخالفتهم، وقد جاء فى الحديث: (الله الله وما ملكت أيمانكم، فلو شاء الله لملكهم إياكم) . وما جاء فى هذا الباب من النهى عن التسمية، فإن ذلك من باب التواضع، وجائز أن يقول الرجل: عبدى، وأمتى؛ لأن القرآن قد نطق بذلك فى قوله: (والصالحين من عبادكم وإمائكم) [النور: 32] ، وإنما نهى، عَلَيْهِ السَّلام، عن ذلك على سبيل التطاول والغلظة لا على سبيل التحريم، واتباع ما حض عليه النبى (صلى الله عليه وسلم) أولى وأجل، فإن فى ذلك تواضعًا لله تعالى؛ لأن قول الرجل: عبدى، وأمتى، يشترك فيهما الخالق والمخلوق، فيقال: عبد الله، وأمة الله، فكره ذلك لاشتراك اللفظ. وأما الرب، فهى كلمة وإن كانت مشتركة، وتقع على غير الخالق للشىء، كقولهم: رب الدار، ورب الدابة، يراد صاحبهما، فإنها لفظة تختص بالله فى الأغلب والأكثر، فوجب أن لا تستعمل فى المخلوقين، لنفى الشركة بينهم وبين الله، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال لأحد غير الله: إله، ولا رحمن، ويجوز أن يقال له: رحيم؛ لاختصاص الله بهذين الاسمين، فكذلك الرب لا يقال لغير الله.



[1]  وفي "موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله" (2/ 354) (رقم: 1585):

"عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، المدني، مولى الحرقة، والد العلاء.

• قال عبد الله بن أحمد: قلت (يعني لأبيه) : أبو صالح فوق أبي العلاء ـ أعني عبد الرحمن بن يعقوب ـ؟ فقال: أبو صالح من جلة الناس وأوثقهم، ومن أصحاب أبي هريرة، وقد شهد الدار ـ يعني مع عثمان ـ. «العلل» (1406)." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة