شرح الحديث 162 ((الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه)) من صحيح الترغيب

 

162 - (6) [صحيح] وعن عبد الرحمن بنِ حَسَنَةَ _رضي الله عنه_، قال:

خرج علينا رسولُ الله في يده الدَّرَقةُ (1)، فوضعها ثم جَلَسَ، فبالَ إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبولُ كما تبولُ المرأةُ! فسمعه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:

"ويحكَ! ما علمتَ ما أصابَ صاحبَ بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البولُ قَرَضوه بالمقاريض، فنهاهم، فَعُذِّبَ في قبره".

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" (2).

 

__________

(1) بفتحات: الترس إذا كان من جلد، وليس فيه خشب ولا عصب.

وقوله: (فوضعها) أي: جعلها حائلة بينه وبين الناس، وبال مستقبلاً إليها.

وقوله: (ويحك): كلمة ترحم وتهديد.

(2) فاته أبو داود والنسائي، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (16).

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (17/ 67) (رقم: 3800): 

"د س ق: عَبْد الرَّحْمَنِ بن حسنة، أخو شرحبيل بن حسنة، له صحبة. وقد تقدم القول فِي نسبه فِي ترجمة أخيه.

 

معجم الصحابة للبغوي (4/ 459):

"عبد الرحمن بن حسنة الجهني: سكن الكوفة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث." اهـ

 

الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 251) (رقم: 5121):

"عبد الرحمن بن حسنة: أخو شرحبيل، هو ابن المطاع. يأتي." اهـ

 

العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (5/ 18) (رقم: 1724):

عبد الرحمن بن حسنة: أخو شرحبيل بن حسنة، وهى أمه.

 

الأعلام للزركلي (3/ 159)

ابن المُطَاع (50 ق هـ - 18 هـ = 574 - 639 م)

شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن الغطريف، الكندي حليف بني زهرة: صحابي، من القادة.

يعرف بشرحبيل بن حسنة (وهي أمه) أسلم بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وغزا مع النبي صلّى الله عليه وسلم فأوفده رسولا إلى مصر، وتوفي صلّى الله عليه وسلم وشرحبيل بمصر.

ثم جعله أبو بكر أحد الأمراء الذين وجههم لفتح الشام. فافتتح الأردن كلها عنوة، ما خلا طبرية، فان أهلها صالحوه، وذلك بأمر من أبي عبيدة. ولما قدم عمر (الجابية) عزله، واستعمل معاوية مكانه، فقال شرحبيل: أعن سخط عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكني أردت رجلا أقوى من رجل. وتوفي بطاعون عمواس. قال أحد مترجميه: كان من الفرسان الذين سادوا الناس." اهـ


وفي "إكمال تهذيب الكمال" (6/ 231):

2368 - (ق) شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الغوثي من الغوث، من مر أخي تميم، وهو ابن حسنة أخو عبد الرحمن، كنيته أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن وقيل: أبو واثلة حليف بني زهرة.

قال أبو نعيم الأصبهاني: من كندة هاجر الهجرتين هجرة إلى الحبشة، وإلى المدينة، ومات سنة سبع عشرة وهو ابن خمس وسبعين، وكان عاملا لعمر بن الخطاب، وكذا ذكر وفاته ابن بكير، وغيره، فيما ذكره ابن عساكر.

وفي «الصحابة» لابن زبر: وهو الذي فتح طبرية.

وفي «مغازي ابن عقبة» عن ابن شهاب: هو من بني جمح.

وفي «تاريخ مصر» لابن عبد الحكم: كان شرحبيل بن حسنة على المكس.

وفي «تاريخ ابن يونس»: قدم شرحبيل مصر رسولا إلى ملكها، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمصر.

وفي كتاب ابن السكن: عن الفلاس: مات وهو ابن ثمان وستين سنة، قال: وهو معدود في أهل الشام.

 

نص الحديث وشرحه:

 

وعن عبد الرحمن بنِ حَسَنَةَ _رضي الله عنه_، قال:

خرج علينا رسولُ الله في يده الدَّرَقةُ (1)، فوضعها ثم جَلَسَ، فبالَ إليها،

 

وفي "مسند ابن أبي شيبة" (2/ 248):

فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ وَرَقَةٌ أَوْ شِبْهُهَا، قَالَ: ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا، ثُمَّ بَالَ وَهُوَ جَالِسٌ،

 

قال الإثيوبي _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (1/ 492):

"(فوضعها)، أي: جعلها حائلة بينه وبين الناس لئلا يطلع أحد على عورته،

(ثم جلس) النبي - صلى الله عليه وسلم – (خلفها)، أي: خلف الدرقة،

(فبال إليها) أي متوجهًا إليها ومستترًا بها." اهـ

 

فقال بعضهم: انظروا إليه يبولُ كما تبولُ المرأةُ!

 

قال الإثيوبي _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (1/ 492):

 (فقال بعض القوم) قيل لعل القائل كان منافقا، والأولى أنه ليس منافقًا، لأن مجموع الروايات يبين ذلك،

ففي رواية أبي داود (فقلنا)، وفي رواية البيهقي: (فتكلمنا فيما بيننا، فقلنا يبول كما تبول المرأة)،

فتبين أنه من الصحابة، وإنما قالوا ذلك تعجبا لما رأوه مخالفا لما عليه عادتُهُمْ في الجاهلية في بول الرجال قياما، وكانوا قريبي العهد بها، ولم يقولوا استهزاء، ولا سُخْريّة.

(انظروا يبول كما تبول المرأة)،

قال الشيخ ولي الدين العراقي: هل المراد التشبيه بها في الستر أو الجلوس أو فيهما محتمل." اهـ

 

وفي "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 144):

"قُلْتُ: وَالنَّظَرُ فِي الرِّوَايَاتِ يُرَجِّحُ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَعَجُّبًا لِمَا رَآهُ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانُوا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِهَا كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ أَيْ فِي التَّسَتُّرِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ إِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَزَعَمُوا أَنَّ شَهَامَةَ الرَّجُلِ لَا تَقْتَضِي التَّسَتُّرَ عَلَى هَذَا الْحَالِ وَقِيلَ فِي الْجُلُوسِ أَوْ فِيهِمَا وَكَانَ شَأْنُ الْعَرَبِ الْبَوْلَ قَائِمًا وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يُفِيدُ تَعَجُّبَهُمْ مِنَ الْقُعُودِ

 

فسمعه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:

"ويحكَ! ما علمتَ ما أصابَ صاحبَ بني إسرائيل؟

 

 

 

وفي "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (1/ 493):

قيل: المراد بـ(صاحب بني إسرائيل): واحد منهم،

وعلى هذا فلا إشكال في الحديث،

وقيل: المراد به: موسى _عليه الصلاة والسلام_،

وعلى هذا، فمعناه: أنه نهاهم عن التهاون في البول فعُذِّبَ من لم يَنْتَهِ عَنْهُ، وهذا القول بعيد جدًا، والأول هو الذي يدل عليه السياق.

وبنو إسرائيل: أولاد يعقوب بن إسحاق، وإسرائيل هو يعقوب، ومعناه بالسريانية عبد الله لأن إسرا بمعنى عبد، وإيل بمعنى الله." اهـ

 

كانوا إذا أصابهم البولُ، قَرَضوه بالمقاريض،

 

وفي "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (1/ 493_494):

"كانوا يقطعون الموضع الذي أصابه البول؛ لأنه ما كان يجوز لهم أن يطهروا موضع النجاسة بالماء، وإنما التطهير في دينهم بقطع المتنجس والظاهر أنهم كانوا يفعلون ذلك ولو في جسدهم،

ويؤيد هذا رواية مسلم: (جلد أحدهم)، وفي رواية أبي داود: (جسد أحدهم)___فيكون هذا من الأمر الشاق الذي حملوه.

وقيل: المراد بالجلد الجلود التي كانوا يلبسونها، وإليه ذهب القرطبي، ويؤيده رواية البخاري "إذا أصاب ثوب أحدهم".

قال الجامع: والأولى عندي أنهم كانوا يعملون هذا وهذا، فهم مكلفون بكليهما فلا حاجة إلى حمل إحدى الروايتين على الأخرى.." اهـ

 

فنهاهم، فَعُذِّبَ في قبره".

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"

 

وفي "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (1/ 494):

"(فنهاهم صاحبهم)، أي: نهي بني إسرائيل صاحبهم المذكور عن القطع المذكور، وقال: إن هذا تكلف شديد فاتركوه، (فعذب في قبره)، أي: عذبه الله بسبب نهيه عن المعروف، فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من إنكار ما هو مقرر في الشرع.

فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال لا تستثقلوا ما أبينه لكم من الأحكام فعلا أو قولا، ولو كان على خلاف معتادكم في الجاهلية، كما استثقل صاحب بني إسرائيل، وإلا فيخشى أن يصيبكم مثل ما أصابه.

وهذا على أن القائل انظروا الخ من الصحابة أما على أنه مشرك أو منافق كما قاله في المرقاة فيكون قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك توبيخه وتهديده وأنه من أصحاب النار حيث عيَّره بالحياء، وجعله من فعل النساء. أفاده في المنهل جـ 1/ ص 88.

قال الجامع: لكن سياق الأحاديث يدل علي المعنى الأول كما تقدم." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه سنن أبي داود (1/ 6) (رقم: 22)، سنن النسائي (1/ 26) (رقم: 30)، السنن الكبرى للنسائي (1/ 82) (رقم: 26)، سنن ابن ماجه (1/ 124) (رقم: 346)، مسند الحميدي (2/ 132) (رقم: 906)، وابن أبي شيبة في "مسنده" (2/ 247) (رقم: 738)، وفي "مصنفه" (1/ 115 و 3/ 51) (رقم: 1303 و 12039)، مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 196 و 4/ 196) (رقم: 17758 و 17760)، صحيح ابن حبان (7/ 397) (رقم: 3127)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 294) (رقم: 657_658)، وغيرهم.

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 119) (رقم: 371)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 500) (رقم: 2558)

 

من فوائد الحديث:

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 495)

في فوائده:

يستنبط من هذا الحديث:

* جواز ترك التباعد عن الناس عند البول.

* ومشروعية التستر بشيء، ولا سيما إذا كان بقرب الناس.

* وأنه لا يجوز لأحد التكلم في شيء من أمور الدين حتى يعلم حكم الله فيه.

* والتلطف في المخاطبة عند التعليم، فإنه _صلى الله عليه وسلم_ لما سمع مقالتهم لم يقابلهم بالغلظة بل تلطف بهم شفقةً عليهم ورحمةً.

* وطلب التحرز عن النجاسات والإحتياط في ذلك.

* وأن المخالفة سبب في الهلاك والتعذيب،

فقد نبه _صلى الله عليه وسلم_ أن صاحب بني إسرائيل نهى عن المعروف في دينهم فتسبب عنه تعذيبه.

* وأن عذاب القبر حق، وأن للبول خصوصية فيه.

فقد أخرج ابن خزيمة في "صحيحه":

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (أكثر عذاب القبر من البول).

قاله في الفتح جـ 1/ ص 381. "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب". اهـ

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (7/ 123)

والحديث يدل على التنزه من البول، فإن الظاهر أنهم استنكروا بوله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً، فأخبرهم أنه لأجل التنزه عن البول، فإن البائل قائماً قد لا يسلم من رشاش بوله، ثم أخبرهم بقصة بني إسرائيل ومن هنا استنبط أبو موسى  التشديد في التنزه عن البول، وأنه كان يبول قاعداً في قارورة كما سلف قريباً.

وحذيفة عارضه برواية بوله - صلى الله عليه وسلم - قائماً،

ولا ريب أنها حالة نادرة مرة واحدة، كما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" عن مجاهد قال: (ما بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قائماً، إلا مرة في كثيب أعجبه)." اهـ

 

وقال محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العَلًوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُوَيطي _رحمه الله_ في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى" (3/ 272):

وحاصل جواب النبي صلى الله عليه وسلم: أن ما فعلته من البول جالسًا لأجل التنزه من البول أو من التستر بالدرقة .. أمر شرعي، كما كان قطع المتنجس بالبول في بني إسرائيل أمرًا شرعيًا، فكما عُذب الناهي لهم عن الأمر الشرعي الذي هو القطع .. كذلك الطاعن لنا على الأمر الشرعي الذي هو التنزه من البول أو التستر عنده .. يستحق العذاب على معارضته أمرنا.

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة