شرح الحديث 158 ((الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه)) من صحيح الترغيب
158 - (2) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس _رضي
الله عنهما_، قال: قال
رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "عامَّةُ عذاب القبرِ في البولِ، فاستنزِهُوا من
البولِ". رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، والحاكم والدارقطني؛ كلهم
من رواية أبي يحيى القَتَّاتِ عن مجاهد عنه. وقال
الدارقطني: "إسناده لا بأس به". والقتّات
مختلَف في توثيقه __________ (1) قلت: لكن له إسناد آخر من
حديث أبي هريرة عند الدارقطني، وصوّب إرساله، وله عنه طريق أخرى عند ابن ماجه وغيره.
وهو الآتي بعد حديث. |
التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 43)
وإنما قال: "أكثر" لأنّ بعض عذاب القبر
من غير البول وقد ثبت حديث: اللذين يعذبان في القبر أحدهما بالبول والآخر
بالنميمة، قال بعض أئمة الحديث في حديث التعذيب بالبول.
تخريج الحديث:
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" – ت.
صبحي السامرائي (ص: 215) (رقم: 642)، والبزار في "البحر الزخار" (11/
170) (رقم: 4907)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (13/ 189) (رقم: 5194)،
والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ 79 و11/ 84) (رقم: 11104 و 11120)، والدارقطني
في "سننه" (1/ 233) (رقم: 466)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين"
(1/ 293) (رقم: 654)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان"
(2/ 336)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (3/ 368) (رقم: 4954)، وفي
"إثبات عذاب القبر" (ص: 87) (رقم: 121).
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"
(1/ 310) (رقم: 280)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 422 و2/ 736)
(رقم: 2102 و 3971)
عون المعبود (1/ 27)
وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْقَبْرِ خُصُوصِيَّةً
محمد بن محمد اليعمري الربعي، أبو الفتح، الشهير
بـ"ابن سيد الناس" (المتوفى: 734 هـ) _رحمه
الله_ في "النفح الشذي شرح جامع الترمذي" – ط. الصميعي (2/ 182):
"فيه التصريح بإثبات عذاب القبر على ما
هو المعروف عند أهل السنة، واشتهرت به الأخبار منها قوله - عليه السلام -:
"لولا أن تدافنوا لدعوت أن يسمعكم من عذاب
القبر" [م]،
واستعاذ به - عليه السلام - في الدعاء المأثور من
عذاب القبر." اهـ
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته:
(وبعذاب القبر لمن كان له أهلًا وسؤال منكر ونكير
في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، وعن الصحابة رضوان الله عليهم)
قال ابن أبي العز (398):
"وذهب إلى موجب هذا الحديث (يعني حديث البراء
في عذاب القبر) جميع أهل السنة والحديث ... وقد تواترت
الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لن
كان لذلك أهلًا".
وقال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير"
(2/ 126):
وَفِيه أَن عدم التَّنَزُّه مِنْهُ كَبِيرَة للتوعد
عَلَيْهِ بالنَّار وَبِه صرح العلائي وَغَيره
الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 207)
الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسَّبْعُونَ: عَدَمُ
التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ
وقال المناوي في "فيض القدير" (2/ 457_458):
التطهير منه مقدمة___للصلاة التي هي أفضل الأعمال
البدنية وأول ما يخاطب به في الدنيا بعد الإيمان وأول ما يحاسب عليه يوم القيامة
والقبر أول درجات الآخرة وهو مقدمة لها فناسب أن يعد في مقدمة الآخرة على مقدمة
الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليه في الآخرة
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ في
"فتاوى نور على الدرب" - بعناية الشويعر (4/ 324):
"فدل ذلك على أن المعاصي قد يعذب أهلها
في القبر بسببها، وبهذا تعلم أن القبر إما محل عذاب، وإما محل نعيم، ولكنه عذاب
مقدم، ونموذج لعذاب النار، ونعيم القبر نموذج من نعيم الجنة فينبغي للمؤمن الحذر،
والاستعداد للآخرة وأن يتأهب للقاء الله، وأن يحذر أسباب العذاب، وذلك بالاجتهاد
في طاعة الله، والاستقامة على أمر الله، والبعد عن معاصي الله، والتواصي بالحق
والصبر عليه، حتى تلقى ربك، وأنت على هذا الحال، تلقى ربك وأنت مجتهد في طاعة
الله، مبتعد عن محارم الله، واقف عند حدود الله، تعين إخوانك على الخير، وتوجههم
إلى الحق والصبر عليه، هكذا يكون المؤمن حتى___يلقى ربه عز وجل، صابرا مصابرا،
يتباعد عن كل ما حرم الله، ويسارع إلى مراضي الله، حتى يلقى ربه عز وجل، وبهذا
يكون في قبره في نعيم، وخير عظيم، وفي روضة مستمرة من رياض الجنة، حتى يلقى ربه عز
وجل، فيحصل له ما هو أكبر وأعظم من نعيم الجنة، والعكس بالعكس، الكافر بخلاف ذلك،
إذا مات صار في عذاب ونكال وما بعده شر منه نسأل الله العافية.
وقال الأمير الصنعاني في "التنوير شرح الجامع
الصغير" (7/ 198):
"وفيه وجوب إزالته والتحفظ منه.
والأحاديث فيه كثيرة." اهـ
وقال عبد الله البَسَّامُ _رحمه الله_ في "توضيح
الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 357_358):
"ما يؤخذ من الحديث:
1 - الحرص على التنزُّه والابتعاد من البول
بأنْ لا يصيبه في بدنه ولا ثوبه.
2 - الأفضلُ المبادرةُ بغَسْله، والطَّهارةُ
منه بعد إصابته؛ لئلَّا تصاحبه النَّجاسة، أمَّا وجوبُ إزالتها: فيكون عند الصلاة.
3 - أنَّ البول نجس، فإذا أصاب بدنًا أو
ثوبًا أو بقعةً، نجَّسها؛ فلا تصح بذلك___الصلاة؛ لأنَّ الطهارة من النَّجاسة أحد
شروطها.
4 - أنَّ أكثر عذاب القبر من عدم التحرُّز من
البول؛ كما جاء في الصحيحين أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بقبرين فقال:
"إنَّهما يعذَّبان وما يعذَّبان بكبير، أمَّا أحدهما: فكان لا يستبرىء من
البول، وأمَّا الآخر: فكان يمشي بالنَّميمة".
5 - إثبات عذاب القبر، وأنَّه حقٌّ؛ ففي
البخاري (1372)، ومسلم (586) عن عائشة قالت: سألتُ النَّبيَّ عن عذاب القبر؟ قال:
"نعم، عذاب القبر حق".
ومذهبُ أهل السنَّة: أنَّ عذاب القبر على الرُّوح
والبدن.
قال شيخ الإِسلام:
"العذابُ والنَّعيمُ على النَّفْسِ والبدن
جميعًا، باتفاق أهل السُّنَّةِ والجماعة." [مجموع الفتاوى (4/ 282)]
6 - إثباتُ الجزاء في الآخرة، فأوَّلُ مراحل
الآخرة هي القبورُ، فالقبر: إمَّا روضةٌ من رياض الجنَّة، أو حفرةٌ من حُفَرِ النَّار.
7 - قال شيخ الإِسلام:
"الصحيحُ جوازُ ملامسة النَّجاسة للحاجة إذا
طهَّر بدنه وثيابه عند الصلاة، ولا يكره ذلك في أصحِّ الرِّوايتين، وهو قول أكثر
الفقهاء." [مجموع الفتاوى (21/ 609)]
8 - قال الشيخ:
قوله عليه الصلاة والسَّلام: "فإنَّه لا
يتنزَّه من بوله" الاستبراء لا يكونُ إلاَّ مِنْ بَوْلِ نفسه، الذي يصيبه
غالبًا في فَخِذَيْهِ وساقيه، وربَّما استهان بإنقائه، ولم يُحْكِمِ الاستنجاء
منه." اهـ
قال علي بن أحمد، الشهير بـ"العزيزي" _رحمه الله_ في "السراج المنير شرح
الجامع الصغير في حديث البشير النذير" (1/ 279)
"وفي الحديث دليل على إثبات عذاب القبر
وهو مذهب أهل السنة والجماعة وهو مما يجب اعتقاده ومما نفله الأئمة متواترًا فمن
أنكر عذاب القبر ونعيمه فهو كافر لا محالة." اهـ
وقال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال
والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 310_314):
"في
هذا الحديث فوائد:
أولا: وجوب
الاستنزاه من البول، لقوله: "استنزهوا من البول"، والأمر للوجوب.
ومن فوائده: أنه
لا يعفى عن يسيره - أي: عن يسير البول- لقوله: "استنزهوا من البول"؛ لكن
استثنى الفقهاء - رحمهم الله- يسير البول ممن به سلس دائم مع كمال التحفظ - يعني:
المصاب بسلس البول- يعفى عن يسير البول بشرط أن يكون قد تحفظ تحفظا كاملا، وعللوا ذلك بأن التحفظ من يسيره وكثيره شاق وحرج، وقد
قال الله - تبارك وتعالى-:
{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
وهذا عام في كل مسائل الدين، وذَكَرَ نفْيَ الحرجِ
في الطهارةِ خَاصَّةً، فقال: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}
[المائدة: 6].
وهذا___الذي استثناه الفقهاء - رحمهم الله- وجيه
جدا؛ وذلك لانتفاء الحرج؛ أي: أننا استثنينا يسير البول ممن به سلس مع كمال التحفظ
من أجل الحرج، وكما يقول العامة: لا يحس بحرارة الجمرة إلا من وطأها، يعني: لا يحس
بالمشقة العظيمة في هذا الأمر إلا من ابتلي به، أعاذنا الله وإياكم منه.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب
الاستنزاه من كل بول إذا جعلنا "أل" للعموم، ولكن هذه الفائدة ليست
صحيحة؛ لأن العموم لا يستقيم بالنسبة للشريعة الإسلامية، ووجهه:
أنه قد دل الدليل على أن ما يؤكل لحمه طاهرٌ، وهو إذن النبي _صلى الله عليه
وسلم_ إلى العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وأبانها، ولم يأمرهم بالتنزه منها، وأيضا لو كان بول الإبل نجسا لكان شربه حراما؛ والحرام
لا يجوز التداوي به.
فإذا قال قائل: لماذا تجعلونه عاما وتستثنوا منه
بول ما يؤكل لحمه، فيكون شاملا لبول الحدأة والحمير، والكلاب، وما أشبه ذلك.
نقول: هذا ممكن، لكن حمله على المعهود الذهني الذي
يكثر من الإنسان مماسته أولى، وما هو المعهود الذهني الذي يكثر من الإنسان مماسته؟
بوله هو.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات
عذاب القبر لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن عامة عذاب القبر منه"،
وعذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة، أما في القرآن:
* فقوله تعالى:
{النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب} [غافر:
46].
عرضهم على النار غدوا وعشيا هذا قبل قيام الساعة؛
لقوله: {ويوم تقوم الساعة}.
* ومن ذلك قوله تعالى: {مما خطيئتهم أغرقوا
فأدخلوا نارا} [نوح: 25].
والأصل: أن التعقيب فوري، قلت ذلك؛ لأن التعقيب قد
يكون غير فوري كما لو قيل: "تزوج فلان، فولد له"
ومعلوم أنه لا يمكن أن يولد له في ليلة الزواج،
وكما في قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}
[الحج: 63].
فإن الأرض لا تصبح مخضرة صباح نزول المطر، لكن هذا
التعقيب على حسب ما تقتضيه الحال، وهذا دل عليه قرينة، وإلا فالأصل أن التعقيب
يكون فوريا.
* ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {ولو ترى
إذ الظلمون في غمرات الموت والملئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب
الهون} [الأنعام: 93]. اليوم متى؟ يعني: يوم الوفاة.
{تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله
غير الحق} [الأنعام: 93].
أما في السنة، فلي
أن أقول:
إن السنة متواترة في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر أن يتعوذ بالله من___أربع بعد التشهد الأخير، ذَكَرَ منها: عذابَ القبر،
وما زال المسلمون يدعون بذلك في كل صلواتهم، فهو من أشد الأحاديث تواترا، وأقواها
معلوما.
فإن قال قائل: وهل
العذاب الذي يكون في القبر يكون على البدن أو على الروح؟
نقول: الأصل
أنه على الروح، هذا هو الأصل، لكن قد يتصل بالبدن؛ يعني: قد يتصل العذاب بالبدن؛
ولهذا ذكر في منامات كثيرة أنه عثر على المعذبين ووجد آثار العذاب في أجسادهم، وإلا فالأصل أنه على الروح.
فإن قال قائل: وهل
عذاب القبر ينجو منه من أحرق أو غمس في البحر، أو ما أشبه ذلك؟
فالجواب: لا،
لأننا نقول: الأصل أن العذاب على الروح، والروح منْذ خلَقها الله _عز وجل_ لا تفنى،
ولكنها تفارق البدنَ وتعاد إليه يوم القيامة.
ومن فوائد هذا الحديث: حرص
النبي صلى الله عليه وسلم على حماية أمته مما يضرها؛ حيث قال:
"استنزهوا"،
وهذا يدل على نصيحة الرسول _صلى الله عليه وسلم_
لأمته، ولا شك أنه أنصح الخلق للخلق، لا شك في هذا،
ومَنْ تتبع سيرته، عرف نُصْحه _عليه الصلاة والسلام_،
ومن ذلك: أي: من نصحه- أنه ينزل الناس منازلهم؛ فالصغار يخاطبهم بما تقتضيه عقولهم.
يمزح معهم ويلاطفهم ويعطيهم ما يريدون مما أحل
الله، والكبراء يعاملهم بما يستحقون وأوساط الناس بما يستحقون،
ولا شك أن هذا من النصح؛ لأنك لو أردت أن تعامل
أكبر الناس جاها وعلما وإحسانا وفضلا كما تعامل أرذل الناس، لقال الناس: (هذا سفه
مناف للحكمة)؛ بل تنزل كل إنسان منزلته، حتى إنه روي عن النبي - عليه الصلاة
والسلام- أنه قال: "أنزلوا الناس منازلهم". [د][1]
ومن فوائد هذا الحديث: أن
عدم الاستنزاه من البول كبائر الذنوب؛ لأن قوله: "إنه من عذاب القبر"
يدل بفحوى الكلام وقوة الكلام أن من لم يستنزه من البول فإنه يعذب في قبره، وهذا
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال:
"إنهما ليعذبان"، وذكر أن أحدهما كان لا يستنزه من البول.
فإن قال قائل: ألا
يفتح هذا التأثيم باب الوسواس على بعض الناس؟___
فنقول: ربما يفتحه على ضعيف الإدراك، أما القوي -
قوي الإدراك، قوي العزيمة - الذي يربط الأدلة بعضَها ببعض، فإن ذلك لا يؤثر عليه
شيء؛ لأن بعض الناس يقول – مثلا -: من جملة الاستنزاه النتر والنضح، وما أشبه ذلك
لئلا يبقى في قنوات البول شيء، حتى ذكر بعض أهل العلم أشياء عجيبة ذكر أن بعضهم إذ
انتهى من البول علق حبلا في السقف وتمسك به وجعل يهز نفسه من أجل ألا يبقى شيء،
اللهم عافنا هذه وساوس بلوى،
كل هذا لأنهم يقولون: نخشى ألا نكون استنزهنا من
البول، ولكن من عرف موارد الشريعة وجمع الأدلة بعضها إلى بعض، تبين له أن هذا ليس
بواجب، بل ولا مستحب، بل هو مكروه إن لم نقل إنه
محرم، لأنه بدعة في الدين وإلحاق المضرة على النفس وإلحاق القلق،
وإذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام- يقول فيمن
وجد في نفسه شيئا: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".
وقد وجد قرائن كيف بمن ليس عنده إلا الوهم؛ ولهذا
ينبغي لنا نحن طلبة العلم إذا جاءنا من يشكو هذه الحال، نقول: تلهى عنه كما قال
أئمتنا - رحمهم الله- تلهى عنه لا تذهب، تقول: انظر هل هناك شيء أو لا،
بعض الناس يقول: إذا أحس ببرودة أو أحس بوهم قال: اذهب،
ثم يذهب يعصر ذكره فلا يجد شيئا،
اترك هذا كله، دع الوساوس، وهذا - بإذن الله- سوف
يذهب عنك الشيطان مثل الكلب، الكلب إن حارشْتَهُ، نجسك، وآذاك
بالنجاح، وإن سكتَّ عنه، سكت عنك؛
فهكذا الشيطان يجس الإنسان، وينظر إذا رأى أنه هشٌّ ليِّنٌ بالوساوس،
ابتلاه بها، وإن رأى أنه رجل حازمٌ، وأنه ذو قوة، وأنه يتمشى مع الشرع، يعجز عنه
وينصرف." اهـ
159
- (3) [صحيح لغيره] وعن أنس _رضي الله عنه_،
قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَنزَّهوا من البولِ؛ فإنَّ عامةَ عذابِ القبرَ مِن
البَولِ". رواه
الدارقطني وقال: "المحفوظ مرسل" (2). __________ (2) قلت: لكنّه قد رواه جماعة
موصولاً، وهو المحفوظ كما قال أبو حاتم. انظر "الإرواء" (1/ 310/
280). |
تخريج الحديث:
أخرجه الدارقطني في "سننه" (1/ 231)
(رقم: 459)، وابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف" (1/ 325) (رقم: 410)
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"
(1/ 310) (رقم: 280)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 576) (رقم: 3002).
وقال الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل
في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 310):
"قلت: وعلة هذا الموصول أبو جعفر الرازى،
وهو ضعيف لسوء حفظه.
لكن رواه حماد بن سلمة عن ثمامة بن أنس عن أنس به ,
هكذا رواه جماعة عن حماد ورواه أبو سلمة عن حماد عن ثمامة مرسلا. والمحفوظ الموصول
كما قال ابن أبى حاتم (1/26) عن أبى زرعة. قلت: سنده صحيح." اهـ
160
- (4) [حسن لغيره] وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: بينما
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشي بيني وبين رجلٍ آخرَ، إذْ أتى
على قَبرَيْن، فقال: "إنَّ صَاحِبَيْ هذَيْن القبرين يُعذَّبان، فائتِياني
بِجريدةٍ". قال
أبو بكرة: فاستَبَقتُ أنا وصاحبي، فأتيتُه بِجَريدةٍ، فشقَّها نصفين، فوضع في
هذا القبر واحدةً، وفي ذا القبرِ واحدةً، قال: "لعله يُخفَّفُ عنهما ما دامتا رَطْبَتَيْن؛ إنّهما
يعذَّبان بغير كبير؛ الغيبةِ والبولِ". رواه أحمد والطبراني في
"الأوسط" واللفظ له، وابن ماجه مختصراً
من رواية بحر بن مَرَّار عن جده أبي بكرة، ولم يدركه (3). __________ (3) لكن وصله الطيالسي في "مسنده" (867)، وابن عدي في
"الكامل" (ق 40/ 1) عن بحر بن مرار البكراوي عن عبد الرحمن بن أبي
بكرة عن أبيه به. وهذا سند موصول لا بأس به. |
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 43_44):
المعنى الإجمالي:
مر النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه بعض أصحابه
بقبرين، فكشف الله سبحانه وتعالى له عنهما، فرأى من فيهما يعذبان.
فأخبر أصحابه بذلك، تحذيراً لأمته، وتخويفاً، فإن
صاحبي هذين القبرين، يعذب كل منهما بذنب يسير تركه والابتعاد عنه، لمن وفقه الله
لذلك.
فأحَدُ المعذَّبَيْن، لا يحترز من بوله عند قضاء
الحاجة، ولا يتحفّظ منه، فتصيبه النَجاسة فتلوث بدنه وثيابه.
والآخر شيطان يسعى بين الناس بالنميمة التي تسبب
العداوة والبغضاء بين الناس، ولاسيما الأقارب والأصدقاء.
يأتي إلى هذا فينقل إليه كلام ذاك ويأتي إلى ذاك
فينقل إليه كلام هذا، فيولد بينهما القطيعة والخصام.___
والإسلام إنما -جاء بالمحبة والألفة بين- الناس
وقطع المنازعات والمخاصمات.
ولكن الكريم الرحيم أدركته عليهما الشفقة والرأفة،
فأخذ جريدة نخل رطبة، فشقَّها نصفين، وغرز على كل قبر واحدة.
فسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا
العمل الغريب عليهم فقال: لعل الله يخفف عنهما ما هما فيه في العذاب، ما لم تيبس
هاتان الجريدتان." اهـ
وفي "تيسير العلام شرح عمدة الأحكام" (ص:
44) للبسام _رحمه الله_:
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في وضع الجريدة على القبر. فذهب
بعضهم إلى استحباب وضع الجريدة على القبر، لأنهم جعلوا هذا الفعل من النبي صلى
الله عليه وسلم تشريعاً عاماً.
والعلة عند هؤلاء مفهومة،: هي أن الجريدة تسبح عند
صاحب القبر مادامت رطبة.
فلعله يناله من هذا التسبيح ما يُنَورُ عليه قبره.
وذهب بعضهم إلى عدم مشروعية ذلك، لأنه شرع عبادة،
وهو يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يثبته.
أما هذه فقضية عين، حكمتها مجهولة، ولذا لم يفعلها
النبي صلى الله عليه وسلم مع غير صاحبي هذين القبرين.
وكذاك لم يفعله من أصحابه أحد، إلا ما روى عن
بُريدة بن الحُصيب، من أنه أوصى أن يجعل على قبره جريدتان.
أما التسبيح، فلا يختص بالرطب دون اليابس، والله
تعالى يقول: {وإِنْ مِنْ شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ} .
ثم قالوا: لو فرضنا أن الحكمة معقولة، وهى تسبيح
الجريد الرطب، فنقول: تختص بمثل هذه الحال التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم عند
هذين القبرين، وهى الكشف له من عذابهما قال القاضي عياض: "علل غرزهما على
القبر بأمر مغيَب وهو قوله، " ليعذبان " فلا يتم القياس لأنا لا نعلم
حصول العلة".
تخريج الحديث:
أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 125) (رقم:
349)، وأبو داود الطيالسي في "المسند" (2/ 198) (رقم: 908)، مصنف ابن
أبي شيبة (1/ 115 و 3/ 52) (رقم: 1308 و 12043)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 35 و 5/
39) (رقم: 20373 و 20411)، غريب الحديث لإبراهيم الحربي (2/ 610)، مسند البزار =
البحر الزخار (9/ 101) (رقم: 3636)، شرح مشكل الآثار (13/ 186) (رقم: 5191)، الضعفاء
الكبير للعقيلي (1/ 154) (رقم: 194)، المعجم الأوسط (4/ 113) (رقم: 3747)، معجم
الصحابة لابن قانع (3/ 142)، إثبات عذاب القبر للبيهقي (ص: 88) (رقم: 124_125)
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 44_45):
ما يؤخذ من الحديث:
1- إثبات عذاب القبر كما اشتهرت به الأخبار
وهو مذهب أكثر الأمة.
2- عدم الاستبراء من النجاسات سبب في هذا
العذاب فالواجب الاستبراء منها: فالحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر
خصوصية. ويؤكد ذلك ما رواه الحاكم وابن خزيمة وهو "أكثر عذاب القبر من
البول"___
قال ابن حجر: "وهو صحيح الإسناد".
3- تحريم النميمة بين الناس وأنها من أسباب
عذاب القبر.
4- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه
وحرصه على إبعاد الشر عنهما.
5- الستر على الذنوب والعيوب. فإنه لم يصرح
باسمي صاحبي القبرين، ولعله مقصود.
6- قوله: "ما يعذبان في كبير" أي
بسبب ذنب كبير تركه كليهما، فإن ترك النميمة والتحرز من البول ليسا من الأمور
الصعبة الشاقة. وقد كبر عذابهما لما يرّتب على فعلتيهما من المفاسد.
[1] حديث
حسن: أخرجه مسلم في "المقدمة" (1/ 6)، سنن أبي داود (4/ 261) (رقم: 4842)،
الزهد لابن أبي عاصم (ص: 50) (رقم: 90)، وأبو يعلى الموصلي في "المسند" (8/
246) (رقم: 4826)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "أمثال الحديث" (ص: 283)
(رقم: 241)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (4/ 379)، والبيهقي
في "الآداب" (ص: 99) (رقم: 244_245)، و"شعب الإيمان" (13/
367) (رقم: 10489)، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"
(1/ 347) (رقم: 797).
Komentar
Posting Komentar