شرح الحديث 122 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين
[122] السادس: عن
أبي هريرةَ _رضي الله عنه_، قَالَ: قَالَ
رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_: «كُلُّ
سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَومٍ
تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ
بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ
في دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ
صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. |
ترجمة
أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:
اختلف فِي
اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن
هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله
بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن
الأزد.
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما
كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟
فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
وذكر أَبُو
القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح.
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) : "وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة،
وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)
قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو
الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن
علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.
وفي تاريخ
الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت: روي لَهُ
نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث
مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين
(93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
عن أبي هريرةَ
_رضي الله عنه_، قَالَ:
قَالَ رَسُول
الله _صلى الله عليه وسلم_:
«كُلُّ
سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَومٍ
تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ:
تَعْدِلُ
بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في
دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ
صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
صحيح البخاري (4/ 35)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»
وفي "صحيح
مسلم" (2/ 698/ 54) (رقم: 1007):
عن عَائِشَةَ
_رضي الله عنها_، تَقُولُ:
إِنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّهُ
خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ
وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ
اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً
أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ
وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ
يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ»
السُّلاَمَى:
المِفْصل. فيصبح على ابن آدم كل يوم ثلاثمئة وستون صدقة بعدد مفاصله. فمن أتى
بعددها من الطاعات الفعلية والقولية فقد أدّى شكر الله فيها.
وفي "صحيح
مسلم" (1/ 498/ 84) (رقم: 720):
عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، أَنَّهُ قَالَ:
«يُصْبِحُ
عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ
تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ
صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ
بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ
الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ
رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى»
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (4/ 56) (رقم: 2989)، ومسلم (2/ 699/ 56) (رقم: 1009)
والحديث
صحيح:
صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 244) (رقم: 309)،
و"سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (3/ 23) (رقم: 1025)
من
فوائد الحديث:
قال الحريملي
في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 185):
"وفي
الحديث: تجديد هذه الصدقات كل يوم شكرًا لله تعالى على ما أنعم به من العافية.
محمد بن
إسماعيل الأنصاري "التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية" (ص:
60_61):
"يستفاد
منه:
1 - أن تركيب
عظام الآدمي وسلامتها من أعظم نعم الله تعالى عليه، فيحتاج كل عظم منها إلى تصدق عنه
بخصوصه ليتم شكر تلك النعمة.
2 - المداومة
على النوافل كل يوم، وأن العبادة إذا وقعت في يوم لا يعني عن يوم آخر، فلا يقول
القائل مثلا: قد فعلت أمس فأجزأ عني اليوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل يوم
تطلع فيه الشمس)).
3 - أن الصدقة
لا تنحصر في المال.
4 - فضل
الإصلاح بين الناس. ____
5 - الحث على
حضور الجماعات والمشي إليها، وعمارة المساجد بذلك، إذ لو لى في بيته فإنه الأجر
المذكور في الحديث.
6 - الترغيب
في إماطة الأذى، وفي معنا هـ: توسيع الطرق التي تضيق على المارة، وإقامة من يبيع
ويشتري في وسط الطرق العامة.
7 - أن قليل
الخير يحصل به كثير الأجر بفضل الله تعالى.
شرح الأربعين
النووية للعثيمين (ص: 260)
من نعمة الله
أن هذه الصدقة عامة في كل القربات، فكل القربات صدقات، وهذا شيء ليس بصعب على
الإنسان، مادام كل قربة صدقة فما أيسر أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه.
شرح الأربعين
النووية للعثيمين (ص: 262)
من فوائد هذا
الحديث:
. 1وجوب
الصدقة على كل إنسان كل يوم تطلع فيه الشمس عن كل عضو من أعضائه، لأن قوله:
"عَلَيهِ صَدَقَة" وعلى للوجوب، ووجه ذلك: أن كل إنسان يصبح سليماً يجب
عليه أن يشكر الله عزّ وجل، سليماً في كفه، في ذراعه، في عضده، في ساقه، في فخذه،
في كل عضو من أعضائه عليه نعمة من الله عزّ وجل فليشكرها.
شرح الأربعين
النووية للعثيمين (ص: 263)
. 2أن الشمس
هي التي تدور على الأرض، فيأتي النهار بدل الليل، لقوله: "تَطْلُعُ فِيْهِ
الشَّمْسُ" وهذا واضح أن الحركة حركة الشمس، ويدل لهذا قول الله تعالى:
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ
وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَال) (الكهف: الآية17) أربعة أفعال
مضافة إلى الشمس، وقال تعالى عن سليمان: (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ
الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) (صّ: 32)
شرح الأربعين
النووية للعثيمين (ص: 265)
. 3فضيلة
العدل بين الاثنين، وقد حث الله عزّ وجل على الصلح فقال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ
خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ
يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ
الشُّحَّ) (النساء: 128)
فالصلح خير،
والعدل بين الخصمين في الحكم واجب.
. 4الحث على
معونة الرجل أخاه، لأن معونته إياه صدقة، سواء في المثال الذي ذكره الرسول صلى
الله عليه وسلم أو في غيره." اهـ
شرح الأربعين
النووية للعثيمين (ص: 266):
. 5الحث على
الكلمة الطيبة لقوله: "وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" والله لا
أطيب من كلام الله عزّ وجل القرآن، كل كلمة في القرآن فهي صدقة.
والكلمة
الطيبة تكون طيبة في أسلوبها، وفي موضوعها، وفي إلقائها، وفي نواح أخرى، فإذا رأيت
شخصاً وتكلمت معه بكلام طيب مثل: السلام عليكم، حياكم الله، صبحكم الله بالخير
فهذه كلمة طيبة لكن بشرط أن لايكون ذلك مملاً بمعنى أن تبقى معه مدة وأنت تقول مثل
هذا الكلام، لأنه إذا كان مملاً انقلب إلى غير طيب، ولكل مقام مقال.
المهم
القاعدة: كل كلمة طيبة فهي صدقة.
. 6أن إزالة
الأذى عن الطريق صدقة، وبقياس العكس نقول: وضع الأذى في الطريق جريمة وأذية،
ويتفرع على هذه الفائدة:
إذا كان إماطة
الأذى عن الطريق الحسّي صدقة فإماطة الأذى عن الطريق المعنوي أبلغ وذلك ببيان
البدع والمنكرات وغيرها، والمنكرات كسفاسف الأخلاق من الدعارة واللواط وشرب الخمر
والدخان وغيرها، فبيان هذه الأشياء لئلا يمارسها الناس تعتبر صدقة وأعظم من إماطة
الأذى عن الطريق الحسي.
ومن إماطة
الأذى عن الطريق المعنوي قتل داعية الفساد، لكنه ليس إلينا بل إلى ولي الأمر.
. 7أن كل ما
يقرب إلى الله عزّ وجل من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة، وما ذكره النبي صلى
الله عليه وسلم فهو أمثلة على ذلك. والله الموفق.
فتح القوي
المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 91)
مِمَّا
يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ على
كلِّ سلامى من الإنسان كلَّ يوم صدقة، سواء كانت قاصرة أو متعدِّية.
2 الحثُّ على
الإصلاح بين متنازعين بالعدل.
3 حثُّ المسلم
على إعانة غيره بما يحتاج إليه، كحمله على دابَّته أو حمل متاع عليها.
4 الترغيب في
كلِّ كلام طيِّب من ذكر وقراءة وتعليم ودعوة وغير ذلك.
5 فضل المشي
إلى المساجد، وقد جاء في حديث آخر أنَّه يُكتب له مَمشاه في ذهابه وإيابه، رواه
مسلم (663) .
6 فضل إماطة
الأذى عن الطريق، وقد جاء في حديث آخر أنَّه من شعب الإيمان، رواه مسلم (58) .
Komentar
Posting Komentar