شرح الحديث 121 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين
[121] الخامس: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لي
النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_: «لا تَحْقِرنَّ
مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً، وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ»، رواه مسلم. |
ترجمة
أبي ذرٍّ: جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه-
أبو ذر الغفاري:
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه: جندب بن جنادة،
والمشهور: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة ابن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن
خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر .
وأمه:
رملة
بنت الوقيعة من بنى غفار بن مليل، وكان أخا عمرو بن عبسة
لأمه.
روي عنه أنه
قال: أنا رابع الإسلام .
وفي "سير
أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (2/ 46) للذهبي:
"قُلْتُ:
أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-."
قِيْلَ: كَانَ
خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ
رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ
يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
وقال أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى
: 748هـ) _رحمه الله_ في "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (2/
47)
"وَقِيْلَ:
كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ
رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً
بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ
فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ." اهـ
وفي "تاريخ
دمشق" - (66 / 188) لابن عساكر:
"عن علي:
(أبو ذر وعاء ملئ علما، ثم أوكى عليه، فلم يخرج منه شيْءٌ حتى قبض)." اهـ
وقال أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى
: 748هـ) _رحمه الله_ في "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (2/
63)
عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، قَالَ :
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ[1]
ومناقبه
وفضائله كثيرة جدا.
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 56)
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
و قال أبو
عبيد الآجرى، عن أبى داود: لم يشهد بدرا و لكن عمر ألحقه مع القراء، وكان يوازى
ابن مسعود فى العلم ، و كان رزق أبى ذر أربعة مئة دينار.
قال خليفة بن
خياط، و يحيى بن عبد الله بن بكير، وأبو عمر الضرير، وعمرو ابن علي، وأبو
عبيد القاسم بن سلام فى آخرين: مات سنة اثنتين
وثلاثين (32 هـ).
زاد بعضهم :
بالربذة فى خلافة عثمان .
روى له
الجماعة . اهـ .
نص
الحديث وشرحه:
الخامس:
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لي النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_:
«لا
تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً، وَلَوْ أنْ
تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ»، رواه مسلم.
وفي "مسند
البزار" = "البحر الزخار" (9/ 380)
عَنْ أَبِي
ذَرٍّ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_، قَالَ:
قَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا
تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ خَالِقَ النَّاسِ
وَأَنْتَ طَلِيقٌ، وَإِذَا طَبَخْتَ قِدْرًا فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَاغْرِفْ
لِجِيرَانِكَ»
وفي "صحيح
ابن حبان" (2/ 214):
"عَنْ
أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
«لَا
تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، فَإنْ لَمْ تَجِدْ، فَلَايِنِ النَّاسَ، وَوَجْهُكَ إِلَيْهِمْ مُنْبَسِطٌ»."
اهـ
وفي "شعب
الإيمان" (5/ 66):
عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"يَا
أَبَا ذَرٍّ، لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى
أَخَاكَ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وَلَوْ أَنْ
تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي."
قال الحريملي
في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 445):
"الوجه
الطليق: هو الْمُتَهَلِّلُ
بِالْبِشْرِ والابْتِسَامِ.
قال الشاعر:
بَشَاشَةُ
وَجْهِ المَرْءِ خَيْرٌ مِنَ القِرَى ... فَكَيْفَ بِمَنْ يُقْرِي القِرَى وَهُوَ
يَضْحَكُ." اهـ
وقال الحسين
بن عبد الله، المشهور بـ"شَرَفِ الدينِ الطِّيْبِيِّ" (743 هـ) _رحمه الله_ في "شرح
المشكاة" المسمى بـ"الكاشف عن حقائق السنن" (5/ 1544):
"المعروف:
اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلي الناس، وهو من
الصفات الغالبة،
أي: أمر معروف
بين الناس إذا رأوه لاينكرونه، ومن المعروف: النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم، وتلقى
الناس بوجه طلق وبشاشة." اهـ
تخريج
الحديث:
أخرجه مسلم في
"صحيحه" (4/ 2026/ 144) (رقم: 2626)، وأحمد في "المسند" -
عالم الكتب (5/ 173) (رقم: 21519)، والبزار في "المسند" = "البحر
الزخار" (9/ 380) (رقم: 3962)، وأبو عوانة في "مستخرجه" – ط.
الجامعة الإسلامية (20/ 125_126) (رقم: 11470_11471)، والخرائطي في "مكارم
الأخلاق" (ص: 51 و 55) (رقم: 99 و 118)، وابن حبان في "صحيحه" (2/
214 و 2/ 282) (رقم: 468 و 523)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 316)
(رقم: 7824)، و"شعب الإيمان" (5/ 66 و 5/ 129 و 10/ 396) (رقم: 3104 و 3185
و 7688)، وفي "الآداب" (ص: 89) (رقم: 222)، والبغوي في "شرح السنة"
(6/ 197) (رقم: 1689).
والحديث
صحيح:
صححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 593) (رقم: 1894)، و"صحيح
الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1213) (رقم: 7245)، و"صحيح الترغيب والترهيب"
(3/ 19) (رقم: 2682)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (1/ 461 و 2/
26) (رقم: 468 و 524)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/ 337) (رقم: 1352).
من
فوائد الحديث:
قال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 105):
"في هذا
الحديث: الحثُّ على فعل المعروف قليلاً كان أو كثيرًا، بالمال، أو الخُلُق الحسن."
اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 532):
"في هذا
الحديث: استحباب طيب الكلام، وبشاشة الوجه، وفعل المعروف وإن قل." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في
"البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (41/ 154):
"في
فوائده:
1 - (منها):
الحض على إتيان المعروف، وفَضْله، وما تيسّر منه ولو قليلاً، حتى طلاقةَ الوجه عند
اللقاء.
2 - (ومنها):
النهي عن التهاون بالمعروف، وإن قلّ.
3 - (ومنها):
الحثّ على طلاقة الوجه، وبشاشته، فينبغي للمسلم أن يكون طلْقَ الوجه غَيْرَ عَبُوْسٍ،
ولا منقبض، والله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ
إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ}." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (4/ 62):
"فهذا من
المعروف، لأنه يدخل السرور على أخيك، ويشرح صدره، ثم إذا قُرِنَ ذلك بالكلمة
الطيبة، حصل بذلك مصلحتان: طلاقة الوجه، والكلمة الطيبة." اهـ
شرح رياض
الصالحين (4/ 295):
"بيّن أن
من المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق، لا مُعَبَّسٍ،
ولا مُكْفَهِرٍّ، بل يكون منبسطا، وذلك لأن هذا يدخل السرور على أخيك.
وكل أدخل
السرور على أخيك، فإنه معروف وإحسان، والله يحب المحسنين.
وهذا لا شك
أنه خير، إلا أنه في بعض الأحيان، قد يكون المرء الذي يخاطبك، من المصلحة ألاَّ تَلْقَاهُ
بوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، كأن يكون قد فعل شيئا لا يحمد عليه، فَلَا تَلْقَهُ بوجه
منبسطٍ تعزيزا له، لأجل أن يرتدع، ويتأدب. ولكل مقام مقال." اهـ
وقال عِيَاضُ
بْنُ مُوْسَى الْسَّبْتِيُّ، المعروف بـ"القاضي عياض
اليَحْصَبِيّ" (المتوفى: 544 هـ) _رَحِمَهُ اللهُ_ في "إِكْمَالِ
الْمُعْلِمِ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ" (8/ 106)
وفيه أن طلاقة
الوجه للمسلمين والانبساط إليهم محمود مشروع مثاب عليه، وبخلافه التجهم لهم (2)
والازوراء عنهم إلا لغرض كنبى، وكفى بخُلق نبينا - عليه السلام - فى ذلك، وبما
وصفه الله به ونزهه عنه من قوله:
{وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]."
اهـ
وقال الحسين
بن محمود الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ
الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِري"
(المتوفى: 727 هـ) _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/
533):
"ومن
الخيرات: أن يكون وجهُك ذا بشاشةٍ وفرحٍ إذا رأيتَ مسلمًا، فإنه يَصِلُ إلى قلبه
سرورٌ إذا تركتَ العُبوسَ وتتلطف عليه.
ولا شك أن
إيصالَ السرورِ إلى قلوب المسلمين حسنةٌ." اهـ
وقال يحيى بن هُبَيْرَة الذهلي الشيبانيّ،
أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني
الصحاح" (2/ 195):
"في هذا
الحديث من الفقه: ما يدل على أن لقاء الأخ بالقطوب مكروه، وأن لقاءه بالبشر مستحب،
فإن كنت في حال مقطبًا لغير حال تتعلق بأخيك،
فالأولى أن لا تكشِر في وجه أخيك، متكلفًا ذلك، لتحظى بأجره وأجر تكلفك له. وإن
هذا من أدنى برك بأخيك، فكيف إذا كلمته وصافحته وصاحبته ورافقته إلى غير ذلك؟!
والوجه الطلق
ضد العابس." اهـ
وقال محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الراميني الصالحي الحنبلي ، أبو عبد الله، الشهير
بـ"ابن مفلح المقدسي" (المتوفى: 763 هـ)
_رحمه الله_ في "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (2/
207):
"قَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: (حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ،
وَكَفُّ الْأَذَى وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ." اهـ
وقال
الحسين بن محمد اللاعيّ، المعروف بـ"المَغرِبي" (المتوفى: 1119 هـ) _رحمه الله_ في "البدر التمام شرح بلوغ
المرام" (10/ 224):
"وفي
الحديث: دلالة على فعل المعروف، وما تيسر منه، وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند
اللقاء." اهـ
وقال عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّد الرَّحْمَانِيُّ
الْمُبَارَكْفُوْرِيُّ (المتوفى: 1414 هـ) _رحمه الله_ في "مرعاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (6/ 328):
"وفيه:
الحث على فعل المعروف وما تيسر منه وإن قل حتى طلاقه الوجه عند اللقاء." اهـ
وقال عبد الله
بن عبد الرحمن البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ)
_رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (7/ 341_342):
"ما يؤخذ
من الحديثين:
1 - أبواب طرق
الخير كثيرة، والمستحب للمسلم أنْ يضرب في كلِّ بابٍ بسهمٍ؛ فقد قال تعالى: {وَمَا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)} [البقرة]، وقال
تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115]، وقال
تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزلة].
2 - وقد عدَّ
النَّبي -صلى الله عليه وسلم- جملةً طيبةً في بعض الأحاديث الصحيحة من أعمال
الخير، وجعلها صدقة، فقال:
"كُلُّ
تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ
بالمعروف صدقة، ونَهيٌ عن___المنكر صدقة، وفي بُضْعِ أَحدكم صدقة، تعْدِلُ بين
اثنين صدقة، تُعين الرَّجل، فتَحْمِلُ له على الدَّابة صدقة، والكلمة الطيبة صدقة،
وبكلِّ خطوةٍ تمشيها إلى الصَّلاة صدقة، وتُمِيْطُ الأذى عن الطريق صدقة،
وطلاقة الوجه
بوجه أخيك المسلم صدقة"؛ وهذه الجمل الكريمات من ثلاثة أحاديث.
3 - كل معروفٍ
يفعله الإنسان صدقة، والصدقة هي ما يعطيه المتصدِّق؛ فيشمل الواجبة والمندوبة،
يبيِّن أنَّ له حكم الصَّدقة في الثواب.
4 - الحديث
يدل على أن الصَّدقة لا تنحصر فيما هو أصلها، وهو ما أخرجه الإنسان من ماله
متطوِّعًا؛ فلا تخص بأهل اليسار، بل كل أحد قادر على أنْ يفعلها في أكثر الأحوال
من غير مشقَّة؛ فإنَّ كلَّ شيءٍ يفعله الإنسان، أو يقوله من الخير: يكتب له به
صدقة.
5 - لعلَّ من
حِكَم تنويع العبادات، وأنواع البر، هو امتحان العباد بالقيام بها؛ فإنَّ منهم من
تسهل عليه العبادات المالية دون البدنية، ومنهم من تسهل عليه العبادات البدنية دون
المالية، فأراد جلَّ وعلا اختبار عباده؛ من يقدم طاعة ربه على هوى نفسه، كما أنَّ
تنويعها؛ ليقوم كل مريدٍ للخير بما يقدر عليه، وما يناسبه." اهـ
فتح ذي الجلال
والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 295_296):
"ففي هذا
الحديث فوائد:
أولاً:
ألا يحقر الإنسان من المعروف شيئًا، حتى لو أعطيت أخاك قلمًا يكتب به؛ لأنه ليس
معه قلم فهذا من المعروف لا تحقرنه، حتى لو أمسكت بيده حينما رأيته يقع في الحفرة
أو يصطدم بحجر فهذا من المعروف، لا تحقر شيئًا، حتى لو أعطيته___شيئًا يكتب به رقم
تليفونك مثلاً لا تحقرنه، لا تحقر شيئًا أبدًا، حتى لو رأيت أنه يحب أن يطلع على
شيء مما ينفعه وقد خفي عليه وأخبرته فإن ذلك من الصدقة؛ إذن تحرص على ألا تحقر
شيئًا من المعروف، كل معروف فهو صدقة ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وإن لقيت أخاك
بوجه عبوس فلا ينبغي لك هذا، اللهم إذا اقتضت المصلحة ذلك لسبب من الأسباب، فلكل
مقام مقال.
قال ابن القيم _رحمه الله_ في "مدارج
السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (2/ 282):
"الْجُودُ
بِالْخُلُقِ وَالْبِشْرِ وَالْبَسْطَةِ. وَهُوَ فَوْقَ الْجُودِ بِالصَّبْرِ،
وَالِاحْتِمَالِ وَالْعَفْوِ. وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ
الصَّائِمِ الْقَائِمِ. وَهُوَ أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ. قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا
تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ
مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ»
وَفِي هَذَا
الْجُودِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَسَارِّ، وَأَنْوَاعِ الْمَصَالِحِ مَا فِيهِ.
وَالْعَبْدُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسَعَهُمْ بِخُلُقِهِ وَاحْتِمَالِهِ.
Komentar
Posting Komentar