شرح الحديث 120 من رياض الصالحين

  

[120] الرابع: عَنْهُ: أنَّ ناساً قالوا :

"يَا رَسُولَ الله، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ، قَالَ:

«أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ:

* إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً،

* وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً،

* وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً،

* وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً،

* وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ،

* وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ،

* وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»

قالوا: يَا رسولَ اللهِ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ؟

قَالَ : «أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». رواه مسلم.

«الدُّثُورُ» بالثاء المثلثة: الأموال وَاحِدُهَا: دَثْرٌ.

 

ترجمة أبي ذرٍّ: جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه-

 

أبو ذر الغفارى: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه: جندب بن جنادة، والمشهور: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة ابن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر .

 

وأمه: رملة بنت الوقيعة من بنى غفار بن مليل، وكان أخا عمرو بن عبسة لأمه.

 

روى عنه أنه قال: أنا رابع الإسلام .

و يقال : كان خامسا فى الإسلام ، أسلم بمكة ، ثم رجع إلى بلاد قومه ، ثم قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 46)

قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.

ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.

وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 47)

وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.

وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.

وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.

 

تاريخ دمشق - (66 / 188)

عن علي: أبو ذر وعاء ملئ علما ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شئ حتى قبض

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 63)

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ :

كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ[1]

 

ومناقبه وفضائله كثيرة جدا.

 

و قال أبو عبيد الآجرى، عن أبى داود: لم يشهد بدرا و لكن عمر ألحقه مع القراء ، و كان يوازى ابن مسعود فى العلم ، و كان رزق أبى ذر أربعة مئة دينار.

 

قال خليفة بن خياط ، و يحيى بن عبد الله بن بكير ، و أبو عمر الضرير ، و عمرو ابن على ، و أبو عبيد القاسم بن سلام ، فى آخرين : مات سنة اثنتين و ثلاثين (32 هـ).

 

زاد بعضهم : بالربذة فى خلافة عثمان .

روى له الجماعة . اهـ .

 

وفي "الأعلام" للزركلي (2/ 140):

"أَبو ذَرّ الغِفاَري (000 - 32 هـ = 000 - 652 م)

جُندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غِفار، من كنانة بن خزيمة، أبو ذر: صحابي، من كبارهم. قديم الإسلام، يقال أسلم بعد أربعة وكان خامسا. يضرب به المثل في الصدق.

وهو أول من حيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى بادية الشام، فأقام إلى أن توفي أبو بكر وعمر وولي عثمان،

فسكن دمشق وجعل ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم، فاضطرب هؤلاء، فشكاه معاوية (وكان والي الشام) إلى عثمان___(الخليفة).

فاستقدمه عثمان إلى المدينة، فقدمها واستأنف نشر رأيه في تقبيح منع الأغنياء أموالهم عن الفقراء،

فعلت الشكوى منه، فأمره عثمان بالرحلة إلى الرَّبَذَة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات.

وكان كريما لا يخزن من المال قليلا ولا كثيرا، ولما مات لم يكن في داره ما يكفن به...روى له البخاري ومسلم 281 حديثا." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

الرابع: عَنْهُ:

أنَّ ناساً قالوا:

"يَا رَسُولَ الله، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ، قَالَ:

«أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ:

* إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً،

* وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً،

* وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً،

* وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً،

* وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ،

* وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ،

* وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»

 

وفي "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 527) للقاضي عياض:

"وقال الأصمعى: مَلَكَ فلان بُضْعَ فلانة: إذا ملك عُقدة نكاحها وهو كناية عن موضع الغِشْيَان والمباضعة المباشرة، والاسم البضع." اهـ

 

وفي "شرح صحيح مسلم" (7/ 92) للنووي:

"(وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ) هُوَ - بِضَمِّ الْبَاءِ -، وَيُطْلَقُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْفَرْجِ نَفْسِهِ، وَكِلَاهُمَا تَصِحُّ إِرَادَتُهُ هُنَا." اهـ

 

وفي "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (11/ 61) لأبي العباس القرطبي:

البَضع - بفتح الباء - مصدر بَضَعَ اللحم، يبضعه؛ إذا قطعه. والبِضع - بكسر الباء -: في العدد ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقد تقدَّم تفسيره." اهـ

 

قالوا: يَا رسولَ اللهِ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ؟

 

وفي "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (9/ 22) لأبي العباس القرطبي:

"وكأن هذا الاستبعاد إنما وقع من تصفُّح الأكثر من الشريعة، وهو أن الأجور إنما تحصل في العبادات الشاقة على النفوس المخالفة لها، ثم إنه _صلى الله عليه وسلم_ أجابهم على هذا بقياس العكس ، فقال: (أرأيتم لو وضعها في حرام ؟)." اهـ

 

قَالَ : «أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». رواه مسلم.

«الدُّثُورُ» بالثاء المثلثة: الأموال وَاحِدُهَا: دثْر.

 

وفي "مسند أحمد" – ط. عالم الكتب (5/ 168) (رقم: 21484) عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ:

عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ؟

قَالَ: «لِأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ، وَتَهْدِي الْأَعْمَى، وَتُسْمِعُ الْأَصَمَّ وَالْأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَكَ فِي جِمَاعِكَ زَوْجَتَكَ أَجْرٌ»

قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كَيْفَ يَكُونُ لِي أَجْرٌ فِي شَهْوَتِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ وَلَدٌ فَأَدْرَكَ وَرَجَوْتَ خَيْرَهُ فَمَاتَ، أَكُنْتَ تَحْتَسِبُ بِهِ؟»

قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنْتَ خَلَقْتَهُ؟» قَالَ: بَلِ اللَّهُ خَلَقَهُ. قَالَ: «فَأَنْتَ هَدَيْتَهُ؟» قَالَ: بَلِ اللَّهُ هَدَاهُ. قَالَ: «فَأَنْتَ تَرْزُقُهُ؟» قَالَ: بَلِ اللَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ. قَالَ: «كَذَلِكَ فَضَعْهُ فِي حَلَالِهِ وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ، وَلَكَ أَجْرٌ»." وصححه الأرنؤوط.

 

في صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (13/ 205)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ، أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً"، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ، يُؤْتِهِ مَنْ يَشَاءُ"، وَزَادَ غَيْرُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ سُمَيٌّ: فَحَدَّثْتُ بَعْضَ أَهْلِي هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: وَهِمْتَ إِنَّمَا قَالَ (1): "تُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ (2)، وَتَحْمَدُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ"، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي صَالِحٍ، فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ،

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 89) (رقم: 227) ومسلم في "صحيحه" (2/ 697) (رقم: 1006)، وأحمد في "مسنده" (35/ 291) (رقم: 21363، 21411، 21469، 21473، 21482)، والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (9/ 352) (رقم: 3917)، وابن حبان في "صحيحه" (3/ 119) (رقم: 838)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 98) (رقم : 299)، وفي "مسند الشاميين" (1/ 458) (رقم: 810 و 1879)، وفي "الدعاء" (ص: 491) (رقم: 1728)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 316) (رقم: 7823، 11440)، و"السنن الصغير" (1/ 182) (رقم: 465) وفي "شعب الإيمان" (10/ 92) (رقم: 7213)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (4/ 383)

 

من فوائد الحديث :

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 93)[2]

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ:

* فَضِيلَةُ التَّسْبِيحِ، وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ[3]، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِحْضَارِ النِّيَّةِ فِي الْمُبَاحَاتِ،

* وَذِكْرُ الْعَالِمِ دَلِيلًا لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَخْفَى،

* وَتَنْبِيهُ الْمُفْتَى عَلَى مُخْتَصَرِ الْأَدِلَّةِ،

* وَجَوَازُ سُؤَالِ الْمُسْتَفْتِي عَنْ بَعْضِ مَا يَخْفَى مِنَ الدَّلِيلِ إِذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ الْمَسْئُولِ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُوءُ أَدَبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 92):

"فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِهَذَا نَكَّرَهُ،

وَالثَّوَابُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ نَفْلًا،

وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ نَوَافِلُ.

وَمَعْلُومٌ: أَنَّ أَجْرَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ النَّفْلِ، لِقَوْلِهِ _عَزَّ وَجَلَّ_:

"وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ." رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَقَدْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إِنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ النَّافِلَةِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً وَاسْتَأْنَسُوا فِيهِ بِحَدِيثٍ." اهـ

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/ 368):

"وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن شكوى الْفُقَرَاء وغبطتهم للأغنياء، كَيفَ ينالون الْأجر بِالصَّدَقَةِ، وهم لَا يقدرُونَ، فَأخْبرهُم أَنهم يثابون على تسبيحهم وتحميدهم وأفعالهم الْخَيْر كَمَا يُثَاب أُولَئِكَ على الصَّدَقَة." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 92):

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَاتِ تَصِيرُ طَاعَاتٍ بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَاتِ،

فَالْجِمَاعُ يَكُونُ عِبَادَةً[4] إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاءَ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَافَ الزَّوْجَةِ وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى حَرَامٍ أَوَ الْفِكْرِ فِيهِ أَوِ الْهَمِّ بِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ." اهـ[5]

 

وفي شرح النووي على مسلم (11/ 78):

"وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا أَصْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَقَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ _تَعَالَى_، يُثَابُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ بِنِيَّةِ التَّقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّوْمِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لِيَقُومَ إِلَى الْعِبَادَةِ نَشِيطًا، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِزَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ لِيَكُفَّ نَفْسَهُ وَبَصَرَهُ وَنَحْوِهِمَا عن الحرام، وليقضي حقها، وليحصل وَلَدًا صَالِحًا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ)، وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

وقال أبو حفص عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف بـ"سِرَاج الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى: 804 هـ) _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (2/ 199):

"وكذا ينبغي لمن عمل حرفة للمسلمين مما هو فرض كفاية أن يقصد إقامة فرض الكفاية ونفع المسلمين، كالزراعة وغيرها من الحرف التي هي قوام عيش المسلمين.

والضابط لحصول النية أنه متى قصد بالعمل امتثال أمر الشرع وبتركه الانتهاء بنهي الشرع كانت حاصلة مثابًا عليها وإلا فلا، وإن لم يقصد ذَلِكَ كان عملًا بهيميًّا، ولهذا قَالَ السلف: الأعمال البهيمية ما عملت بغير نية."[6]

 

وقال أبو حفص عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف بـ"سِرَاج الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى: 804 هـ) _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح"

في "المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 309):

"الحديث دالٌّ على أنَّ تحسينَ النِّيَّات في أعمال الخير يَتَنَزَّلُ مَنْزِلةَ الصدقات والأجور، ولا سيما في حق من لا يقدِر على الصدقة،

 

وقال أبو حفص عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف بـ"سِرَاج الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى: 804 هـ) _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح"

في "المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 309):

"ويُفهَمُ مِنهُ أنَّ الصدقةَ في حَقِّ القادر عليها أفضلُ من سائر الأعمال القاصرة على فاعِلِها، وسؤالهم سؤالُ مُنَافَسَةٍ لا حسد،

فلمَّا سَمِعَ الأغنياءُ ذلك فعلُوا مثله فقال الشارع: "ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ" والفقراء نالُوا الرُّتبَةَ بحَسْرَةِ الفوت ألا يجدوا ما ينفقون، فقامت مقام النفقة، فَنِيَّةُ المؤمِن أبلغُ مِن عمله، وأين فوت الأرواح من فوت الأشباح؟" اهـ

 

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 92_93):

"قَوْلُهُ: (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟

قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)

فِيهِ : جَوَازُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ.

وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنِ التَّابِعِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَمِّ الْقِيَاسِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِيَاسَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ الْفُقَهَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ،

وَهَذَا الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْعَمَلِ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ دليل___لِمَنْ عَمِلَ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

وفي "التعيين في شرح الأربعين" (1/ 197) للطوفي:

"الاستدلال الَّذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسَمَّى قياسَ العكس فهو: إثبات ضد الحكم في ضد الأصل، كإثبات الوزر الَّذي هو ضد الصدقة، في الزنا الَّذي هو ضد الوطء المباح، ومثله قول ابن مسعود: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنّة" وأنا أقول: "من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" [خ]

والقياس على ضربين: قياس عكس، وهو ما ذكرناه، وقياس طرد، وهو إثبات مثل حكم الأصل في الفرع، ثم هو على ثلاثة أضرب: قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شَبَهٍ، فالأول: مثل قولنا: النبيذ مسكر فكان حراما كالخمر، والثاني: كقولنا: الذمي صحَّ طلاقه، فصح ظهاره، كالمسلم، والثالث: كقولنا: العبد يباع ويوهب فَلا يَمْلِكُ كالبهيمة. والله عزَّ وجلَّ أعلم بالصواب." اهـ

وقال محققه: انظر تعريف هذه الأضرب الثلاثة في التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 1/ 24 – 29

 

وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 183_184):

"وأما قوله: (ففي بضع أحدكم صدقة)

ففيه من الفقه: أن الرجل المؤمن في مباضعة أهله قد يتصدق بذلك على من يباضعه من حلاله، فإنه يعفه به عن التطلع والتلفت.

* ويكون أيضًا قد تصدق على المسلمين بأن بذر لهم من يجوز أن يحضر يومًا من الأيام صفًّا من صفوف المشركين مجاهدًا في سبيل الله عز وجل واقفًا مع المسلمين، فيستنزل الشيطان صف المسلمين ببعض ما كسبوا فولوا الأدبار،____

فوفق الله ذلك الولد لأن خاف من الله عز وجل أن يولي، فرجع وحده إلى صف المشركين، ثم لزم قنطرة لا يقدر أن يعبر مشرك إلا عليها، فسلم المسلمون كلهم ببركته، فيكون في نيته بمباضعته أهله أن يتصدق على المسلمين بمثل ذلك الولد. وقد قالت امرأة عمران: {رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا} أي وقفًا على خدمتك. " اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 184)

* وقولهم: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ فقال: أرأيت لو وضعها في حرام)

وفيه من الفقه:

إجابة السائل برد القول بمثله فإنه سيجيب نفسه، لأن الشهوة إنما جعلها الله تعالى في الآدمي باعثة له من طبعه لقيام النسل. فلو استعمل ما طبعه الله تعالى عليه في مسقط حرام، وأضاع نسبه وحرم ذريته ماله والانتماء إليه، وعرض ولده لأن يكون غاضبًا ظالمًا لحق رجل آخر، إلى غير ذلك من آفات الفاحشة، أليس كان يكون آثمًا؟ فإذا استعمل ذلك في مقره فوضع نطفته حيث أباح الله له وضعها، وصدق من ينتسب ولده إليه، وكان ما يتركه من مال ينصرف إلى وارثه بكتاب الله وقسمته، فهذه كلها عبادات لله سبحانه تقتضي الأجر.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 104) :

* "في هذا الحديث: فضل التنافس في الخير، والحرص على العمل الصالح[7]،

* وجبر خاطر من لا يقدر على الصدقة، ونحوها، وترغيبه فيما يقوم مقامها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.

* وفيه : أنَّ فعل المباحات إذا قَارنَهُ بنيَّة صالحة يؤجر عليه العبد.

 

ابن هبيرة الشيباني في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 183):

"وفي بعض الأحاديث التي تأتي أن ذلك بلغ الأغنياء فقالوا كما قال الفقراء، واجتمع لهم فضل الإنفاق وفضل الذكر، فإن ذلك لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).

* وهذا إنما يكون لغني تكون حاله كحال الفقراء في تفرغه لعبادة ربه، ويكون الفقير الذاكر لله سبحانه الراضي بتدبير الله تعالى في إفقاره وإغناء غيره المتمني أن لو كان له ما ينفق لأنفقه، مع كونه قد اعتبر ذلك على نفسه بأن أنفق اليسير الذي فضل عن حاجته وإن كان يسيرًا فإنه ذو درجة فاضلة عالية." اهـ

 

ابن هبيرة الشيباني في الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 184):

* وفيه من الفقه في هذا الباب: أن يحسن المؤمن التأني في إعفاف قرينته بأن لا يعاجلها فقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك، فأحب للإنسان أن يتطلع إلى مقدار كفاية زوجته، فيصبر لها حتى يعلم حصول الكفاية.

 

لِنجم الدين الطوفي في "الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" (2/ 530_531):

بل هو من أحسن الأفعال، وجيد القرب، لأن فيه مصلحتين عظيمتين:

إحداهما: وجودية، وهي إقامة النوع الإنساني بتكثير العباد والعبادة.

والثانية: عدمية، وهي إعدام الزنا بالاكتفاء بالحلال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم____لأصحابه: «في فعل كذا صدقة، وفي كذا صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ثم يثاب؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يعاقب؟» قالوا: نعم. قال: (فكذلك) «1».

ثم يقال: إن كان هذا عارا فالأنبياء المتقدمون أولى به، فقد كان لسليمان ألف من بين زوجة وسرية وطاف في ليلة واحدة على سبعين امرأة...___وكان لداود تسع وتسعون امرأة."

 

التعيين في شرح الأربعين (1/ 194_195) لأبي الربيع، نجم الدين الطوفي :

"إن أجر التسبيح والتكبير والتحميد كأجر الصلاة والصيام والصدقة في الجنس لأن الجميع صادر عن رضى الله عزَّ وجلَّ مكافأة على طاعته عزَّ وجلَّ، أما في القدر والصفة فيتفاوتان بتفاوت الأعمال في مقاديرها وصفاتها، فليس ثواب ركعتين، أو صوم يوم، كثواب أربع ركعات،___وصوم يومين، وليس ثواب عتق رقبة نفيسة، كثواب عتق رقبة دونها." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 56_57) لابن رجب :

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقُوَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ كَانُوا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ مِنَ الْخَيْرِ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، فَكَانَ الْفُقَرَاءُ يَحْزَنُونَ عَلَى فَوَاتِ الصَّدَقَةِ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَيَحْزَنُونَ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنِ الْخُرُوجِ___فِي الْجِهَادِ، لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى آلَتِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] [التَّوْبَةِ: 92] ." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 57)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْفُقَرَاءَ غَبَطُوا أَهْلَ الدُّثُورِ - وَالدُّثُورُ: هِيَ الْأَمْوَالُ - مِمَّا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ أَجْرِ الصَّدَقَةِ بِأَمْوَالِهِمْ، فَدَلَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقَاتٍ يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 58)

أَنَّ الْفُقَرَاءَ ظَنُّوا أَنْ لَا صَدَقَةَ إِلَّا بِالْمَالِ، وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ صَدَقَةٌ....___

فَالصَّدَقَةُ تُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ، حَتَّى إِنْ فَضَلَّ اللَّهِ الْوَاصِلَ مِنْهُ إِلَى عِبَادِهِ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ مِمَّنْ يَطْلُبُ جَزَاءَهَا وَأَجْرَهَا، وَالصَّحِيحُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ: " «مَنْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ نَوْمٌ فَنَامَ عَنْهَا، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ،___

وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً مِنَ اللَّهِ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ» " خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 59)

وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: إِنَّ اللَّهَ يَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ بِصَدَقَةٍ، وَمَا تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ بِشَيْءٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ. وَالصَّدَقَةُ بِغَيْرِ الْمَالِ نَوْعَانِ:

* أَحَدُهُمَا: مَا فِيهِ تَعْدِيَةُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، فَيَكُونُ صَدَقَةً عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ، وَهَذَا كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنَّهُ دُعَاءٌ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَكَفٌّ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ النَّفْعِ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَإِقْرَاءُ الْقُرْآنِ، وَإِزَالَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالسَّعْيُ فِي جَلْبِ النَّفْعِ لِلنَّاسِ، وَدَفْعُ الْأَذَى عَنْهُمْ. وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ. وَخَرَّجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ مِنْ مَالِهِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوَّةٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ مِنْ قُوَّتِهِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ مِنْ عِلْمِهِ» " وَلَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ....___

 

ثم قال في جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 66_67) :

"وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مَالِيَّةً: مَا نَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى فَاعِلِهِ، كَأَنْوَاعِ الذِّكْرِ: مِنَ التَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ صَدَقَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالْجِهَادَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَالِيَّةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذُكِرَ جَوَابًا لِسُؤَالِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوهُ عَمَّا يُقَاوِمُ تَطَوُّعَ الْأَغْنِيَاءِ بِأَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُشْتَرِكِينَ فِيهَا. وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ بِتَفْضِيلِ الذِّكْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ___الْأَعْمَالِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» " خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ " مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» .

وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

«مَنْ قَالَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلِدَ إِسْمَاعِيلَ." اهـ[8]

 

في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل الذكر عقب الصلوات، واستدلّ به البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- على فضل الدعاء عقب الصلاة؛ لأنه في معناها، ولأنها أوقات فاضلة، يُرتَجَى فيها إجابة الدعاء.

2 - (ومنها): بيان جواز الغِبْطَة، وهي تمنّي مِثْلِ ما للغير من النعمة دون زوالها عنه، بخلاف الْحَسَد، فإنه تمني زوال النعمة عن المنعَم عليه، سواء تمناها لنفسه، أو لا، وقيل: مع تمنيها، وهو مذموم.

3 - (ومنها): استحباب المسابقة إلى الأعمال المحصّلة للدرجات العالية؛ لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بَلَغَهم، ولم ينكر عليهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

4 - (ومنها): بيان أن العمل اليسير في الصورة قد يُدْرِك به صاحبه فضل العمل الشاقّ الذي يلحقه من بعده في الفضل ممن لا يعمل به.

5 - (ومنها): بيان أن العمل القاصر قد يُساوي المتعدّيَ، خلافًا لمن___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (13/ 224)

قال: إن المتعدي أفضل مطلقًا، نبّه على ذلك الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

6 - (ومنها): ما قاله ابن بطّال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذه الأحاديث الحضّ على الذكر في أدبار الصلوات، وأن ذلك يوازي إنفاق المال في طاعة اللَّه تعالى؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تُدركون من سبقكم"، وسُئل الأوزاعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هل الذكر بعد الصلاة أفضل، أم تلاوة القرآن؟ ، فقال: ليس شيء يَعدِل القرآن، ولكن كان هدي السلف الذكر.

7 - (ومنها): بيان أن الذكر المذكور يلي الصلاة المكتوبة، ولا يؤخَّر عنها إلى أن تصلَّى الراتبة؛ لقوله: "دُبُر كلّ صلاة".

8 - (ومنها): بيان أن أدبار الصلوات أوقات فاضلة يُرجى فيها إجابة الدعوات، وقبول الطاعات، ويَصِل بها متعاطيها إلى الدرجات العالية، والمنازل الغالية.

9 - (ومنها): بيان أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف يُجيب بما يَلْحَق به المفضول درجة الفاضل، ولا يُجيب بنفس الفاضل؛ لئلا يقع الخلاف، كذا قال ابن بطّال، وكأنه أخذه من كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاب بقوله: "ألا أدلّكم على أمر تساوونهم فيه"، وعَدَل عن قوله: نعم هم أفضل منكم بذلك.

10 - (ومنها): ما قاله الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في الحديث دليلٌ على قوّة رغبة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في الأعمال الصالحة الموجبة للدرجات العلى، والنعيم المقيم، فكانوا يَحْزنون على العجز عن شيء مما يَقدِر عليه غيرهم من ذلك، وقد وصفهم اللَّه عزَّ وجلَّ في كتابه بذلك بقوله: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)} [التوبة: 92].

ولهذا قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا حَسَدَ إلا في اثنتين. . . " الحديث، فذكر منهما: "رجلٌ آتاه اللَّه مالًا، فهو ينفقه في وجهه، فيقول رجلٌ: لو أن لي مالًا لفعلت فيه كما فعل ذلك" (1)، فلذلك كان الفقراء إذا رأوا أصحاب الأموال____

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (13/ 225)

يحجّون، ويَعتمرون، ويُجاهدون، ويتصدّقون، ويُنفقون حزِنُوا على عجزهم عن ذلك، وتأسّفوا على امتناعهم من مشاركتهم فيه، وشَكَوا ذلك إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدلّهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على عمل إن أخذوا به أدركوا من سبقهم، ولم يُدركهم أحدٌ بعدهم، وكانوا خير من هم بين ظهرانيهم، إلا من عَمِل مثله، وهو التسبيح، والتحميد، والتكبير خلف كلّ صلاة ثلاثًا وثلاثين. انتهى (1)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 



[1] إسناده صحيح وهو في طبقات ابن سعد 4 / 228، ومسند أحمد 5 / 164.

[2] وفي شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 91)

"وفي هذا الحديث فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضار النية في المباحات وإنما تصير طاعات بالنيات الصادقات."

[3] وفي الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 238) :

"ومن هذا المعروف أن يتصدق على زوجته بإعفافها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: في بضع أحدكم صدقة، يعني على أهله؛ لأنه قد تشتد حاجتها ويعظم فقرها من ذلك إلى ما لا يمكنها الضعف أن تذكره ولا تبدي ما بها من الحاجة إليه." اهـ

[4] وفي العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (3/ 1230) :

"قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي بُضعِ أَحَدِكُم صدقةٌ"؛ فإن ذلك عند الإطلاق يقتضي حصولَ الأجر بمجرد إتيانه شهوته من غير قصد إلى شيء ممَّا ذكر، لكنه لما ثبت في الصحيح ذكرُ النفقة على الأهل والعيال يحتسبها، احتجنا إلى تقييدها بالنية؛ حيث إن الاحتساب لا يحصل، إلَّا بالنية، والله أعلم." اهـ

[5] وفي المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 21) :

"وفيه دليل: على أن النيات الصادقات تصرف المباحات إلى الطاعات ." اهـ

[6] وفي طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 10) لأبي زرعة ولي الدين العراقي :

"الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْعِبَادَةِ قَدْ تُقَيِّدُ الثَّوَابَ إذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ إذَا نَوَى بِهِمَا الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالنَّوْمِ إذَا قَصَدَ بِهِ تَرْوِيحَ الْبَدَنِ لِلْعِبَادَةِ، وَالْوَطْءِ إذَا أَرَادَ بِهِ التَّعَفُّفَ عَنْ الْفَاحِشَةِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ." اهـ

[7] الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 182) لأبي العون ابن هبيرة الشيباني :

"* قولهم: (ذهب أهل الدثور) يعني أهل الأموال الكثيرة، ثم عللوا ذهاب القوم بالأجور، فقالوا: يتصدقون بفضول أموالهم. وهذا القول لم يصدر من أولئك السادة الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: {الذين لا يجدون ما ينفقون} خارجًا مخرج الحسد للأغنياء على ما في أيديهم من الدنيا بل منافسة في الفضيلة،

لذلك وصفهم الله عز وجل فقال: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92]

فنافسوا فيما يتنافس فيه المتنافسون، ولذلك قال عز وجل: {ألا يجدوا ما ينفقون}

ولم يقل : "ما يكنزون"،  ولا "ما يدخرون"،  دالًا بذلك جل دلاله : أن حزنهم إنما كان على فوت فضيلة الإنفاق في سبيل الله عز وجل.

وذلك أنهم لما رأوا أن أصحاب الدثور يصلون كما يصلون، ويسبحون كما يسبحون، ويفعلون من أفعال الخير كما يفعلون إلا أنهم يفضلونهم بالأنفاق غبطوهم ها هنا حتى شكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأجابهم - صلى الله عليه وسلم - فقال (أليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟)."  اهـ

[8] وفي الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 438) للهيتمي :

"وفيه إيماءٌ إلى أن الصدقة للقادر عليها أفضل من هذه الأذكار، ويؤيده: أن العمل المتعدي أفضل من القاصر غالبًا، وإلى أن تلك الأذكارَ إذا حسنت النية فيها. . ربما يساوي أجرها أجر الصدقة، سيما في حق من لا يقدر على الصدقة."

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة