شرح الحديث 119 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين

 

[119] الثالث: عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

«عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّريقِ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِئِ أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ» رواه مسلم.

 

ترجمة أبي ذر الغفاري _رضي الله عنه_:

 

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 218) للذهبي:

"أَبُو ذَرّ الغِفَاريّ، اسمه جُنْدُب بْن جُنَادَةَ على الصَّحيح (وقيل: جُنْدُب بْن سَكَن، وقيل: بُرَيْرُ بْن عبد الله، أو ابن جُنَادة). [المتوفى: 32 ه] :

أحد السّابقين الأوّلين، يقال: كان خامسًا في الإسلام، ثمّ انصرف إلى بلاد قومه، وأقام بها بأمر النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمّ لمّا هاجر النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر أَبُو ذر إلى المدينة. وروي أنه كان آدم جسيمًا، كثّ اللّحْية.___

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَشْهَدْ أَبُو ذَرٍّ بَدْرًا، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ عُمَرُ مَعَ الْقُرَّاءِ، وَكَانَ يُوَازِي ابْنَ مَسْعُودٍ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، وَكَانَ زَاهِدًا أَمَّارًا بِالْمَعْرُوفِ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ." اهـ

 

وفي مشاهير علماء الأمصار (ص: 31):

"وكان أبو ذر ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بنى غفار إلى مكة واختفى في استار الكعبة أياما كثيرة لا يخرج منها الا لحاجة الانسان من غير ان يطعم أو يشرب شيئا الا ماء زمزم حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فآمن به وهو أول من حياه بتحية الاسلام ثم هاجر إلى المدينة وشهد جوامع المشاهد ومات بالربذة في خلافة عثمان بن عفان سنة ثنتين وثلاثين (32 هـ)." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 599):

"(عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي) أَيْ: إِجْمَالًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ عَامِلِيهَا، وَيَحْتَمِلُ تَفْصِيلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ (حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا) : بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ أَعْمَالٍ (فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا) : جَمْعِ حُسْنٍ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ (الْأَذَى) : أَيِ: الْمُؤْذَى يَعْنِي إِزَالَتَهُ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَقِيلَ لِلْجِنْسِ (يُمَاطُ) أَيْ: يُزَالُ (عَنِ الطَّرِيقِ) : صِفَةُ الْأَذَى قَالَهُ الطِّيبِيُّ " (وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا) جَمْعِ سُوءٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَالْيَاءُ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْهَمْزَةِ (النُّخَاعَةَ): بِضَمِّ النُّونِ أَيِ: الْبُزَاقَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ بِهَا إِلْقَاؤُهَا، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْبُصَاقُ، وَالنُّخَامَةُ هِيَ الْبَلْغَمُ (تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ) صِفَةُ النُّخَاعَةِ (لَا تُدْفَنُ): قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْجُمْلَتَانِ صِفَتَانِ أَوْ حَالَانِ أَيْ مُتَدَاخِلَتَانِ أَوْ مُتَرَادِفَتَانِ." اهـ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 130):

"وَلَا يخْتَص الذَّم بِصَاحِب النخاعة بل يدْخل فِيهِ كل من رَآهَا وَلم يزلها." اهـ

 

فيض القدير (4/ 313)

قال النووي: ظاهره أن الذم لا يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه كل من رآها ولا يزيلها

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 367):

"يماط بِمَعْنى ينحى.

والنخاعة والنخامة والبصاق بِمَعْنى، إِلَّا أَن البصاق من أدنى الْفَم، والنخاعة من أقْصَى الْفَم، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من النخاع." اهـ

 

فتح الباري لابن رجب (3/ 133):

"(البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها).

قوله: (خطيئة) ظاهرة يقتضي أنه معصية، وجعل كفارة هذه المعصية دفنها.

وهذا يستدل به من يقول: إن البزاق لا يجوز في المسجد مع دفنه، كما لا يجوز لاحد أن يعمل ذنبا ويتبعه بما يكفره من الحسنات الماحية." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم (1/ 390/ 57) (رقم: 553)، سنن ابن ماجه (2/ 1214) (رقم: 3683)، مسند أبي داود الطيالسي (1/ 388) (رقم: 485)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 178 و 5/ 180) (رقم: 21549_21550 و 21567)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 306) (رقم: 26349)، الأدب لابن أبي شيبة (ص: 182) (رقم: 114)، الأدب المفرد (ص: 90) (رقم: 230)، تاريخ المدينة لابن شبة (1/ 25)، مسند البزار = البحر الزخار (9/ 352) (رقم: 3916)، صحيح ابن خزيمة (2/ 276) (رقم: 1308)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (5/ 128) (رقم: 2518)، صحيح ابن حبان (4/ 518_519) (رقم: 1640_1641)، مستخرج أبي عوانة (1/ 338) (رقم: 1211)، السنن الكبرى للبيهقي (2/ 413) (رقم: 3590)، شعب الإيمان (13/ 489) (رقم: 10659)، الآداب للبيهقي (ص: 155) (رقم: 372)

 

والحديث صحيح: صحيح الترغيب والترهيب (3/ 137) (رقم: 2967)

 

من فوائد الحديث:

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 104)

في هذا الحديث: التنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضررًا. وأنَّ القليل من الخير والشر مكتوب على العبد، قال الله تعالى: ... {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ... [الزلزلة (7، 8) ]

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 181)

* في هذا الحديث من الفقه أن أعمال الأمة عرضت على نبينا - صلى الله عليه وسلم - يدل عليه قوله: (فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق) أي عرضت علي الأعمال حتى هذا، وذلك أن المسلم يمر بالطريق وفيها حجر ربما يتأذى به الرجل الضرير أو غيره، فيرفعه من مكانه فيعتد الله تعالى له به، حتى أنه أرى نبيه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وكذلك السيئات حتى النخامة في المسجد التي لا تدفن ويشير بهذا إلى أنه إذا انتخم الرجل في المسجد كان هذا منه سيئة إلا أنه لو دفنها كفرها، فكأنه لم يكتب عليه سيئة في الأول حتى أخل بتداركها في الثاني فكتبت.

* وفي هذا الحديث ما يدل على أنه لا يجوز أن يحتقر من البر شيء، ولا يستصغر من الإثم شيء وإن قل.

* وفيه أيضًا أن الصحائف على ما يخفى فيها من الأعمال الثقال فإنها لا يغادر منها لمثاقيل الذر.

* وفيه أيضًا إشارة إلى أنها لم تعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهي بسبيل أن يستغفر لأهلها منها، ويستوهبها لهم كما قال: (تعرض علي أعمال أمتي، فإن رأيت حسنًا شكرت الله، وإن رأيت سيئًا استغفرت الله)، لأنه قد علم الله سبحانه وتعالى رحمة نبيه لأمته فلا يعرض عليه سيئات أعمالهم إلا رفقًا بهم لعلمه أنه يستغفر لهم. فقد وصفه الله عز وجل: {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} فلم يعرض عليه (177/ أ) إلا ليكون ذلك تبريرًا لشفاعاته المحبوبة ومسائله المطلوبة، والحمد لله رب العالمين.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 69)

إماطةُ الأذى عن الطريق من جملة الحسنات، وإلقاءُ البزاق في المسجد من جملة السيئات.

 

وقال عبد العزيز بن محمد السلمان في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 548_549):

"وَيُسَنُّ صِيَانَةُ المَسَاجِدِ عَنْ كُلِّ وَسَخٍ، وَقَذَرٍ، وَقَذَاةٍ، وَمُخَاطٍ، وَبُصَاقٍ، وَتَقْلِيمِ أَظْفَارٍ، وَقَصِّ شَارِبٍ، وَحَلْقِ رَأْسٍ، وَنَتْفِ إِبْطٍ،

* لِمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_: «عُرِضَتْ عَلَيّ أُجُورُ أَعْمَالِ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةَ يُخْرِجُهَا الرَّجُل مِنَ المَسْجِدِ» .

* وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عُنْهُ - قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البُصَاقُ في المَسْجِدِ خَطِيئَة، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» [خ م].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

أَنَّ امرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدِ فَفَقْدِهَا رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_، فَسَأَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: «فَهَلا أَذَنْتُمُونِي»؟ فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا. [خ م]

وَعَنْ سُمْرَةَ بنُ جُنْدَبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:

أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَتْخِذَ الْمَسَاجِدِ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفُهَا. [د حم]

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ _رَضِي اللهُ عَنْهُمَا_، قَالَ:

بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ يَخْطُبُ يَوْمًا إِذَا رَأَى نُخَامَةً فِي قَبْلَةِ المَسْجِدِ فَتَغَيَّظَ عَلَى النَّاس ثُمّ حَكَّهَا - قَالَ: وَأَحْسِبْهُ قَالَ -: فَدَعَا بِزَعْفَران فَلَطَّخَهُ بِهِ، وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قِبَلَ وَجْهِ___أَحِدِكُمْ إِذَا صَلَّى فَلا يُبْصُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ» [حم].

وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللهُ عُنْهُ - قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_:

«مَنْ تَفَلَ تِجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» .

وَعَنْ أَبِي سَهْلَةَ السَّائِبِ بنِ خَلادٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ _صلى الله عليه وسلم_:

أَنَّ رَجُلاً أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي القِبْلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ يَنْظُرُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَ: «لا يُصَلِّي لَكُمْ هَذَا» . فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّي لَهُمْ فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رِسُولِ الله _صلى الله عليه وسلم_،

فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «نَعَمْ» . وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكَ آذَيْتَ اللهَ وَرَسُولَهُ» [د]." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة